١٤

قوله تعالى { زين للناس حب الشهوات } أي حسن وحبب إليهم وقد يكون التزيين من اللّه تعالى كما قال في آية أخرى { زينا لهم أعمالهم } النمل ٤ وقد يكون من الشيطان كما قال في آية أخرى { وزين لهم الشيطان أعمالهم } النمل ٢٤ فأما التزيين من اللّه تعالى فهو على وجهين يكون على جهة الامتحان للمؤمنين مع العصمة وقد يكون للكفار على جهة العقوبة مع الخذلان وأما التزيين من الشيطان فهو على جهة الوسوسة فقال { زين للناس حب الشهوات مع النساء والبنين } بدأ بالنساء لأن النساء أشد من فتنة جميع الأشياء كما روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال ما تركت لأمتي فتنة أشد من فتنة النساء ولأن النساء فتنتهن ظاهرة من وقت آدم عليه السلام إلى يومنا هذا

ويقال في النساء فتنتان وفي الأولاد فتنة واحدة إحداهما أنها تؤدي إلى قطيعة الرحم لأن المرأة تأمر زوجها بقطيعة الرحم عن الأمهات والأخوات والثانية يبتلي لجمع المال من الحلال والحرام وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة وهي ما ابتلي به من جمع المال لأجلهم فذكر البنين وأراد به الذكور والإناث

وقال بعض الحكماء أولادنا فتنة إن عاشوا فتنونا وإن ماتوا أحزنونا

ثم قال عز وجل { والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة } عن الفراء أنه قال القناطير جمع قنطار والمقنطرة جمع الجمع فيكون تسع قناطير

وروي عن أبي عبيدة أنه قال { المقنطرة } مفعلة من الورق كما يقال ألوف مؤلفة وبدار مبدرة ويقال { المقنطرة } هي المكيلة ثم اختلفوا في مقدار القنطار فروي عن مجاهد أنه قال القنطار سبعون ألف دينار وقال أبو هريرة القنطار اثني عشر ألف أوقية وقال معاذ بن جبل ألف ومائتا أوقية

وقال بعضهم ملء مسك ثور من ذهب حكاه الكلبي وقال هو لغة رومية وروي عن الحسن البصري أنه سئل عن القنطار فقال هو مثل دية أحدكم

ثم قال تعالى { والخيل المسومة } يعني الراعية كما قال في آية أخرى { فيه تسيمون } أي ترعون وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل وقال يحيى بن كثير هي السمينة المصورة وقال أبو عبيدة المعلمة

ثم قال تعالى { والأنعام } يعني الإبل والبقر والغنم

ثم قال { والحرث } يعني الزرع ذكر أربعة أصناف كل نوع من الأموال كل نوع من الأموال يتمول به صنف من الناس أما الذهب والفضة فيتمول به التجار وأما الخيل المسومة فيتمول به الملوك وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي وأما الحرث فيتمول به أهل الرساتيق فتكون فتنة كل النوع الذي يتمول به وأما النساء والبنين فهي فتنة للجميع

ثم زهد في الدنيا ورغب في الآخرة فقال { ذلك متاع الحياة الدنيا } يعني منفعة الحياة الدنيا تذهب ولا تبقى { واللّه عنده حسن المآب } يعني المرجع في الآخرة الجنة لا تزول ولا تفنى ثم بين أن الذي وعد المؤمنين في الآخرة خير مما زين

﴿ ١٤