١٠٣

قوله تعالى { واعتصموا بحبل اللّه جميعا } يقول تمسكوا بدين اللّه وبالقرآن ويقال تمسكوا بسبيل السنة والهدى { ولا تفرقوا } يقول ولا تختلفوا في الدين كاختلاف اليهود والنصارى ويقال لا تختلفوا فيما بينكم بالعداوة والبغضاء ويقال { واعتصموا بحبل اللّه جميعا } يعني اطلبوا النصرة من اللّه لا من القبائل والعشيرة ويقال { واعتصموا بحبل اللّه والرسول } يعني ما اشتبه عليكم فردوه إلى كتاب اللّه كقوله تعالى { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه } النساء ٥٩ وقال بعض الحكماء إن مثل من في الدنيا كمثل من وقع في بئر فيها من كل نوع من الآفات فلا سبيل إلى النجاة منها إلا بالتمسك بحبل وثيق وهو كتاب اللّه تعالى

ثم ذكر لهم نعمته فقال { واذكروا نعمة اللّه عليكم } يعني احفظوا نعمة اللّه عليكم بالإسلام { إذ كنتم أعداء } في لجاهلية { فألف بين قلوبكم } يقول جمع بين قلوبكم بالإسلام

توددا { فأصبحتم بنعمته إخوانا } يقول فصرتم بنعمة الإسلام { إخوانا } في الدين وكل ما ذكر في القرآن { أصبحتم } معناه صرتم كقوله { إن أصبح ماؤكم غورا } الملك ٣٠ أي صار ماؤكم غورا وهذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج كان بينهم قتال قبل الإسلام بأربعين عاما حتى كادوا أن يتفانوا فلما بعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بمكة آمن به الأوس والخزرج وهم بالمدينة ثم خرجوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن يهاجر منهم سبعون رجلا فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه عمه العباس إلى العقبة فرأى سبعين رجلا من الأنصار فعاهدوه ثم رجعوا إلى المدينة وهاجر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم بعد الحولين فوقعت بين الأوس والخزرج ألفة وزالت عنهم العداوة التي كانت عنهم في الجاهلية بالإسلام وهذا كما ذكر في آية أخرى { لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن اللّه ألف بينهم } الأنفال٦٣

وروي عن جابر بن عبد اللّه أن رجلين من الأنصار أحدهما من الأوس والآخر من الخزرج تفاخرا فيما بينهما واقتتلا فاستعان كل واحد منهما بقومه فاجتمعت الأوس والخزرج وأخذوا السلاح وخرجوا للحرب فبلغ الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخرج إليهم في ثلاثين من المهاجرين وهو راكب على حمار له قال جابر فما كان من طالع يومئذ أكرم إلينا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ طلع علينا فأومأ إلينا بيده فكففنا ووقف بيننا على حمار له فقال { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته } إلى قوله { عذاب عظيم } فألقوا السلاح وأطفؤوا الحروب التي كانت بينهم وعانق بعضهم بعضا يبكون فما رأيت الناس أكثر باكيا من يؤمئذ فلم يكن في الأرض شخص أحب إليهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية

قوله تعالى { وكنتم على شفا حفرة من النار } قال القتبي شفى على كذا إذا أشرف عليه { شفا حفرة } أي حرف حفرة ومعناه وكنتم في الجاهلية على شر هلاك بالشرك من مات في الجاهلية كان في النار { فأنقذكم } اللّه { منها } بعدما كنتم على حرف من النار { كذلك يبين اللّه لكم آياته } يعني علاماته أي كنتم أعداء في الجاهلية فصرتم إخوانا في الإسلام { لعلكم تهتدون } أي لكي تهتدوا من الضلالة وتعرفوا علامته بهذه النعمة

﴿ ١٠٣