١٠٥

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } معناه الزموا أنفسكم كما تقول عليك زيدا معناه الزم زيدا معناه الزموا أمر أنفسكم لا يؤاخذكم اللّه بذنوب غيركم { لا يضركم } وأصله في اللغة لا يضرركم فأدغم أحد الراءين في الأخرى وضم الثانية لالتقاء الساكنين وهذا جواب الشرط وموضعه الجزم

وروي عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليكم بخويصة أنفسكم وروى عمر بن جابر اللخمي عن أبي أمية قال سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية فقال لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا أبا ثعلبة ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فإذا رأيت دنيا مؤثرة وشحا مطاعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك فإن من بعدكم أيام الصبر المتمسك يومئذ بمثل الذي أنتم عليه له كأجر خمسين عاملا قالوا يا رسول اللّه كأجر خمسين عاملا منهم قال لا بل كأجر خمسين عاملا منكم وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال يا أيها الناس إنكم تتلون هذه الآية على غير تأويلها إنه كان رجال طعموا طعمة الإسلام وذاقوا حلاوته وكانت لهم قرابة من المشركين فأرادوا أن يذيقوهم حلاوة الإيمان وأن يدخلوهم في الإسلام فنزل { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } والذي نفس أبي بكر بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم اللّه بعذاب من عنده

وروي عن أبي العالية أنه قال كانوا عند عبد اللّه بن مسعود فوقع بين رجلين ما يكون بين الناس حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه فقال بعضهم ألا أقوم فآمرهما بالمعروف فقال بعضهم عليك نفسك إن اللّه تعالى يقول { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل } يقول لا يضركم ضلالة من ضل { إذا اهتديتم } فقال ابن مسعود مه لم يجئ تأويل هذه الآية بعد فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإذا اختلفت القلوب والأهواء فعند ذلك جاء تأويلها

وقوله تعالى { لا يضركم من ضل } يقول لا يضركم ضلالة من ضل { إذا اهتديتم } إذا ثبتم على الحق { إلى اللّه } تعالى { مرجعكم جميعا } يوم القيامة { فينبئكم بما كنتم تعملون } في الدنيا

وقال في رواية الكلبي نزلت في المنذر بن عمرو بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهل هجر ليدعوهم إلى الإسلام فأبوا الإسلام فوضع عليهم الجزية فقال { لا يضركم من ضل } من أهل هجر وأقر بالجزية { إذا اهتديتم إلى اللّه } يعني آمنتم باللّه

﴿ ١٠٥