٨{ ليحق الحق } يعني ليظهر الإسلام { ويبطل الباطل } يعني الشرك { ولو كره المجرمون } أي المشركون فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم سيروا على بركة اللّه فإني رأيت مصارع القوم وجاءت قريش وأدركوا العير وأفلتوهم فقال بعضهم لبعض إنما خرجتم لأجل العير فلما وجدتم العير فارجعوا سالمين فقال أبو جهل لا نرجع حتى نقتل محمدا ومن معه فسار النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى نزل بدرا بجانب الوادي الأدنى ونزل المشركون على جانبه الأقصى على الماء والوادي فيما بينهما فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الليلة حتى أوتر وكانت ليلة النصف من شهر شعبان وقال في قنوته اللّهم لا تفلتن أبا جهل بن هشام وفلانا وفلانا فباتوا تلك الليلة وقد أجنبوا وليس معهم ماء فأتاهم الشيطان عند ذلك فوسوس إليهم فقال تزعمون أنكم على دين اللّه وأنكم تصلون محدثين مجنبين والمشركون على الماء وكان الوادي ذا رمل تغيب فيه الأقدام فمطرت السماء حتى سال الوادي فاشتد ذلك الرمل واغتسل المسلمون من جنابتهم وشربوا وسقوا دوابهم فذلك قوله { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } [ الأنفال : ١١ ] إلى قوله { ويثبت به الأقدام } [ الأنفال : ١١ ] وكان علي والزبير يحرسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجاء سقاة قريش يستقون الماء فأخذهم علي والزبير فسألاهم عن أبي سفيان فقالوا ما لنا بأبي سفيان من علم فقالا فمع من أنتم فقالوا مع قريش من أهل مكة فقالا فكم هم قالوا لا ندري هم كثير فضرباهم فقالوا هم قليل فتركاهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تضربونهم إن صدقوكم وتتركونهم إن كذبوكم فدعاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال كم القوم فقالوا كم هم وهم كثير فلا ندري كم هم فقال كم ينحر لهم في كل يوم فقالوا في يوم ينحر لهم عشرة جذور وفي يوم تسعة فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم القوم ما بين تسعمائة إلى ألف وكانت عدتهم تسعمائة وخمسين وكانوا قد خرجوا من مكة ألفا ومائتين وخمسين فرجع الأخنس بن شريق مع ثلاثمائة من بني زهرة مع العير وبقي تسعمائة وخمسون رجلا فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الخوف الغداة ورفع يديه وقال اللّهم لا تهلك هذه العصابة فإنك إن أهلكتهم لا تعبد على وجه الأرض أبدا فقال أبو بكر عليك يا رسول اللّه قد دنا القوم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أبشر يا أبا بكر فإني رأيت جبريل معتمرا بعمامة يقود فرسا بين السماء والأرض فأمده اللّه بجبريل في ألف من الملائكة وميكائيل في ألف من الملائكة وإسرافيل في ألف من الملائكة فذلك قوله { يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } [ آل عمران : ١٢٤ ] فقال أبو جهل اللّهم أنصر أحب الدينين إليك ديننا العتيق ودين محمد الحديث فقال عتبة بن ربيعة يا معشر قريش إن محمدا رجل منكم فإن يكن نبيا فأنتم أسعد الناس به وإن يكن ملكا تعيشوا في ملك أخيكم وإن يك كاذبا يقتله سواكم لا يكون هذا منكم وإني مع ذلك لأرى قوما زرق العيون لا يموتون حتى يقتلوا عددا منكم فقال أبو جهل يا أبا الوليد جبنت وإنتفخ سحرك فقال له عتبة يا كذاب ستعلم اليوم أينا الجبان فلبس لأمته وخرج معه أخوه شيبة بن ربيعة وخرج معه إبنه الوليد بن عتبة وتقدموا إلى القوم وقالوا يا محمد إبعث إلينا أكفاءنا فخرج إليهم قوم من الأنصار فقالوا لهم من أنتم فقالوا نحن أنصار اللّه ورسوله فقالوا لا نريدكم ولكن نريد إخواننا من قريش فانصرفوا فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم يا بني هاشم تقدموا إليهم فقام إليهم علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعليهم البيض فقال لهم عتبة تكلموا حتى نعرفكم فقال حمزة أنا أسد اللّه وأسد رسوله فقال عتبة كفوء كريم قال فمن هذان معك فقال علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث فذهب الشيخ إلى الشيخ والشاب إلى الشاب والكهل إلى الكهل فذهب عبيدة إلى شيبة بن ربيعة وكلاهما شيخان وذهب علي إلى الوليد بن عتبة وكلاهما شابان وذهب حمزة إلى عتبة بن ربيعة وكلاهما كهلان فقتل حمزة بن عبد المطلب عتبة بن ربيعة وقتل علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة واختلف عبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة ضربتين ضرب عبيدة بالسيف على رأس شيبة بن ربيعة وضرب شيبة ضربة في رجل عبيدة فمال حمزة وعلي على شيبة بن ربيعة فقتلا شيبة وحملا عبيدة إلى العسكر فمات عبيدة في حال إنصرافهم قبل أن يصل إلى المدينة فدفن بمضيق الصفراء ففي هذا الخبر دليل من الفقه أن المشركين إذا طلبوا البراز فلا بأس للمؤمنين بأن يخرجوا بغير إذن الإمام ما لم ينههم عن ذلك لأن الأنصار قد خرجوا قبل أن يأذن لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفيه دليل أنه لا بأس بأن ينصر أحد المبارزين صاحبه لأن حمزة وعليا قد أعانا عبيدة على قتل شيبة وفيه دليل أنه لا بأس بالإفتخار عند الحرب لأن حمزة قال أنا أسد اللّه وأسد رسوله ولا بأس بأن يتبختر في مشيته في حال القتال ثم خرج مهجع مولى عمر بن الخطاب فأصابته رمية بين الصفين وكان أول قتيل يوم بدر وحرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس على القتال فقال عمير بن الحمام السلمي وهو قائم وفي يده تمرات يأكلها فقال يا رسول اللّه إن قتلت في سبيل اللّه فلي الجنة قال نعم فألقى التمرات وأخذ سيفه وشد على القوم فقاتل حتى قتل فخرج أبو جهل بن هشام على جمل له فخرج إليه شاب من الأنصار يقال له معاذ بن عمرو بن الجموح فضربه ضربة على فخذه فخر أبو جهل عن بعيره فخرج إليه عبد اللّه بن مسعود فلما رآه أبو جهل قال يا ابن أم عبد لمن الدولة اليوم وعلى من الدائرة فقال له إبن مسعود للّه ولرسوله يا عدو اللّه لأنت أعتى من فرعون لأن فرعون جزع عند الغرق وأنت لم يزدك هذا المصرع إلا تماديا في الضلالة ثم وضع رجله على عاتق أبي جهل فقال له أبو جهل لأنت رويعنا بالأمس لقد إرتقيت مرتقى عظيما فقتله عبد اللّه بن مسعود وحز رأسه وجاء برأسه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فخر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ساجدا ثم قال لأبي بكر ويقال قال لعلي ناولني كفا من التراب فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبضة من تراب ورمى بها في وجوه القوم وقال شاهت الوجوه فدخلت في أعين القوم كلهم وأقبل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقتلونهم ويأسرون منهم وحملوا على المشركين والملائكة معهم وقذف في قلوب المشركين الرعب وقتلوا في تلك المعركة منهم سبعين وأسروا سبعين وأستشهد يومئذ من المهاجرين والأنصار ثلاثة عشر رجلا ورجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالأسارى والغنائم إلى المدينة واستشار النبي صلى اللّه عليه وسلم في أمر الأسارى فأقبل على أبي بكر فقال ما تقول يا أبا بكر فقال قومك وبنو عمك فإن قتلتهم صاروا إلى النار وإن تفدهم فلعل اللّه يهديهم إلى الإسلام ويكون ما نأخذه منهم قوة للمسلمين وقوة على جهادهم بأعدائهم ثم أقبل على عمر فقال ما تقول يا أبا حفص فقال عمر إن في يديك رؤوس المشركين وصناديدهم فاضرب أعناقهم وسيغني اللّه المؤمنين من فضله فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم مثلك يا أبا بكر من الملائكة مثل ميكائيل فإنه لا ينزل إلا بالرحمة ومثلك من الأنبياء مثل إبراهيم حيث قال { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : ٣٦ ] ومثل عيسى حيث قال { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } [ المائدة : ١١٨ ] ومثلك يا عمر من الملائكة مثل جبريل فإنه ينزل بالعذاب والشدة ومثلك من الأنبياء مثل نوح حيث قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } [ نوح : ٢٦ ] ومثل موسى حيث قال { ربنا أطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : ٨٨ ] وروى سماك بن حرب عن عكرمة عن عبد اللّه بن عباس قال قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم حين فرغ من بدر عليك بالعير ليس دونها شيء فناداه العباس وهو أسير في وثاقه إنه لا يصلح فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لم قال لأن اللّه تعالى وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك |
﴿ ٨ ﴾