٣٠قوله تعالى { وإذ يمكر بك الذين كفروا } وذلك أن نفرا من قريش إجتمعوا في دار الندوة وكانت قريش إذا إجتمعوا للمشورة والتدبير كانوا يجتمعون في تلك الدار فاجتمعوا فيها وأغلقوا الباب لكيلا يدخل رجل من بني هاشم ليمكروا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ويحتالوا في أمره فدخل إبليس لعنه اللّه في صورة شيخ وعليه ثياب أطمار وجلس معهم فقالوا من أدخلك أيها الشيخ في خلوتنا بغير إذننا فقال أنا رجل من أهل نجد ورأيت حسن وجوهكم وطيب ريحكم فأردت أن أسمع حديثكم وأقتبس منكم خيرا وقد عرفت مرادكم فإن كرهتم مجلسي خرجت عنكم فقالوا هذا رجل من أهل نجد وليس من أرض تهامة لا بأس عليكم منه فتكلموا فيما بينهم فقال عمرو بن هشام أرى أن تأخذوه وتجعلوه في بيت وتسدوا بابه وتجعلوا له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت فقال إبليس بئس الرأي الذي رأيت تعمدون إلى رجل له فيكم أهل بيت وقد سمع به من حولكم فتحبسونه وتطعمونه يوشك أهل بيته الذين له فيكم أن يقاتلوكم ويفسدوا جماعتكم فقالوا صدق واللّه الشيخ ثم تكلم أبو البختري بن هشام قال أرى أن تحملوه على بعير ثم تخرجوه من أرضكم حتى يموت أو يذهب به حيث شاء فقال إبليس بئس الرأي الذي رأيت تعمدون إلى رجل أفسد جماعتكم ومعه منكم طائفة فتخرجوه إلى غيركم فيأتيهم سوء فيفسد منهم أيضا جماعة ويقبل إليكم ويكون فيه هلاككم فقالوا صدق واللّه الشيخ فقال أبو جهل أرى أن يجتمع من كل بطن منكم رجل ثم تعطونهم السيوف فيضربونه جميعا فلا يدري قومه من يأخذون وتؤدي قريش ديته فقال إبليس صدق واللّه هذا الشاب فتفرقوا على ذلك فأمره اللّه تعالى بالهجرة وأخبره بمكر المشركين فنزلت هذه الآية { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } يعني ليحبسوك في البيت { أو يقتلوك } بالسيف { أو يخرجوك } من مكة فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب بأن يبيت في مكانه ثم خرج ومعه أبو بكر ونام علي مكانه وأهل مكة يحرسونه ويظنون أنه في البيت ثم دخلوا البيت فإذا هو علي رضي اللّه عنه فقالوا يا علي أين محمد فقال لا أدري فطلبوه فلم يجدوه { ويمكرون } يعني ويمكرون بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ويريدون به الشر { ويمكر اللّه } يعني ويريد بهم الهلاك حين أخرجهم إلى بدر فقتلوا { واللّه خير الماكرين } يعني أصدق الماكرين فعلا وأفضل الصانعين صنعا وأعدل العادلين عدلا |
﴿ ٣٠ ﴾