١٣

ثم حث المؤمنين على قتال كفار قريش وذلك قبل فتح مكة فقال عز وجل { ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم } يقول نقضوا عهودهم من قبل أجلها { وهموا بإخراج الرسول } يقول هموا لقتال الرسول { وهم بدؤوكم أول مرة } بنقض العهد حين أعانوا بني بكر على خزاعة { أتخشونهم } أي أفلا تقاتلونهم { فاللّه أحق أن تخشوه } في ترك أمره { إن كنتم مؤمنين } يعني إن كنتم مصدقين بوعد اللّه تعالى

ثم وعد لهم النصرة فقال { قاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم } يعني بالقتل والهزيمة { ويخزهم } يعني ويذلهم بالهزيمة { وينصركم عليهم } يعني على قريش { ويشف صدور قوم مؤمنين } يعني ويفرح قلوب بني خزاعة وفي الآية دلالة نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم لأن اللّه تعالى قد وعد المؤمنين على لسان النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يعذب الكفار بأيديهم ويخزهم وينصركم عليهم فأنجز وعده ولم يظهر خلاف ما وعد لهم

قال الفقيه حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن يحيى السمرقندي قال حدثنا محمد بن الحسن الجوى باري قال حدثنا حماد بن زيد عن عكرمة قال لما واعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل مكة وقد كانت بنو خزاعة حلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الجاهلية وكان بنو بكر حلفاء قريش فدخلت بنو خزاعة في صلح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودخلت بنو بكر في صلح قريش ثم كان بين بني خزاعة وبين بني بكر قتال فأمدت قريش بني بكر بسلاح وطعام وظلوا عليهم ثم إن قريشا خافوا أن يكونوا قد نقضوا العهد وغدروا فقالوا لأبي سفيان إذهب إلى محمد وجدد الحلف ثانيا فليس في قوم أطعموا قوما ما يكون فيه نقض عهد يعني إن الذي أطعم الطعام فلا يكون عليه نقض عهد فانطلق أبو سفيان في ذلك فلما قصد أبو سفيان المدينة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد جاءكم أبو سفيان وسيرجع راضيا بغير قضاء حاجته فلما قدم أبو سفيان المدينة أتى أبا بكر فقال يا أبا بكر جدد الحلف وأصلح بين الناس فقال له أبو بكر الأمر إلى اللّه وإلى رسوله ثم أتى عمر فقال له نحو ما قال لأبي بكر فقال له عمر أن نقضتم أن نقضتم فما كان منه جديدا فأبلاه اللّه وما كان منه متينا أو شديدا فقطعه اللّه تعالى فقال له أبو سفيان ما رأيت كاليوم شاهد عشيرة يعني شاهدا على هلاك قومه مثلك ثم أتى فاطمة فقال لها يا فاطمة هل لك في أمر تسودين فيه نساء قريش

ثم قال لها نحو ما قال لأبي بكر وعمر فقالت الأمر إلى اللّه وإلى رسوله ثم أتى عليا فذكر له نحوا من ذلك فقال له علي ما رأيت كاليوم رجلا أضل منك أنت سيد الناس فجدد الحلف وأصلح بين الناس فضرب أبو سفيان يمينه على يساره فقال أجرت الناس بعضهم من بعض ثم رجع إلى قومه فأخبرهم بما صنع فقالوا ما رأينا كاليوم وافد قوم واللّه ما جئتنا بصلح فنأمن ولا بحرب فنحذر وقدم وافد بني خزاعة على النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بما صنع القوم ودعاه إلى النصرة فقال في ذلك شعرا

( اللّهم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا )

( إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا )

( وزعموا أن لست تدعو أحدا وهم أذل وأقل عددا )

( هم بيتونا بالوتين هجدا وقتلونا ركعا وسجدا )

( إسلامنا قد صح لم ننزع يدا فانصر رسول اللّه نصرا أعتدا )

( وابعث جنود اللّه تأتي مددا فيهم رسول اللّه قد تجردا )

فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالرحيل وروي في خبر آخر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال واللّه لأغزون قريشا واللّه لأغزون قريشا وقال واللّه لا نصرت إن لم أنصركم فخرج إلى مكة ومعه عشرة آلاف رجل ثم رجعنا إلى حديث عكرمة قال فتجهزوا وأقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالناس حتى نزلوا برمال الظهران فخرج أبو سفيان من مكة فرأى العسكر والنيران فقال ما هذه فقيل هؤلاء بنو تميم فقال واللّه هؤلاء أكثر من أهل منى فلما علم أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تنكر وأقبل يقول دلوني على العباس فأتاه فانطلق به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أدخله عليه فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا أبا سفيان أسلم تسلم فقال أبو سفيان كيف أصنع باللات والعزى

قال حماد بن زيد حدثني أبو الخليل عن سعيد بن جبير أن عمر قال وهو خارج من القبة وفي عنقة السيف أخر عليهما أما واللّه لو كنت خارجا عن القبة ما سألت عنهما أبدا

قال من هذا فقالوا عمر بن الخطاب فأسلم أبو سفيان فانطلق به العباس إلى منزله فلما أصبح رأى الناس قد تحركوا للوضوء والصلاة فقال أبو سفيان للعباس يا أبا الفضل أو أمروا في بشيء قال لا ولكنهم قاموا إلى الصلاة فتوضأ ثم إنطلق به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الصلاة قاموا فلما كبر كبروا فلما ركع ركعوا فلما سجد سجدوا فقال أبو سفيان يا أبا الفضل ما رأيت كاليوم طاعة قوم لا فارس الأكارم والروم ذات القرون

قال حماد بن زيد فزعم يزيد بن حازم عن عكرمة أنه قال يا أبا الفضل أصبح إبن أخيك عظيم الملك فقال له العباس إنه ليس بملك ولكن نبوة قال هو ذاك فقال حماد قال أيوب

ثم قال واصباح قريش فقال العباس يا رسول اللّه لو أذنت لي فأتيتهم ودعوتهم وأمنتهم وجعلت لأبي سفيان شيئا يذكر به قال صلى اللّه عليه وسلم فافعل فركب العباس بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودخل مكة فنادى يا أهل مكة أسلموا تسلموا فقد إستبطأتم بأشهب باذل قد جاءكم الزبير من أعلى مكة وجاء خالد من أسفل مكة وخالد وما خالد والزبير وما الزبير

ثم قال من أسلم فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل وأغلق بابه فهو آمن ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ظهر عليهم فآمن الناس جميعا إلا بني بكر من أجل خزاعة فقاتلتهم خزاعة إلى نصف النهار

﴿ ١٣