٣

{ في أدنى الأرض } مما يلي فارس يعني أرض الأردن وفلسطين { وهم } يعني أهل الروم { من بعد غلبهم سيغلبون } أهل فارس وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كتب إلى قيصر ملك الروم ، يدعوه إلى الإسلام فقرأ كتابه وقبله ووضعه على عينيه وختمه بخاتمه ، ثم أوثقه على صدره ثم كتب جواب كتابه إنا نشهد أنك نبي ولكنا لا نستطيع أن نترك الدين القديم الذي اصطفى اللّه عز وجل لعيسى فعجب النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال ( قد ثبت اللّه ملكهم إلى يوم القيامة إلى أدنى الأرض منها فيفتح اللّه عز وجل على المسلمين )

وكتب إلى كسرى ملك فارس فمزق كتابه ورجع الرسول بعدما أراد قتله فأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك فقال صلى اللّه عليه وسلم ( قد مزق اللّه ملكهم فلا ملك لهم أبدا إذا مات كسرى فلا كسرى بعده ) فلما ظهرت فارس على الروم اغتم المسلمون لذلك

{ وهم من بعد غلبهم سيغلبون } قال في رواية الكلبي إن مشركي قريش شمتوا حين غلب المشركون أهل الكتاب فقال لهم أبو بكر رضي اللّه عنه لم تشمتون فواللّه ليظهرن الروم عليهم

فقال أبي بن خلف واللّه لا يكون ذلك أبدا فتبايع أبو بكر وأبي بن خلف لتظهرن الروم على فارس إلى ثلاث سنين على تسع ذود فرجع أبو بكر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وأخبره بالأمر فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( انطلق فزده في الخطر ومده في الأجل ) فرجع أبو بكر إلى أبي بن خلف فقال أنا أبايعك إلى سبع سنين على عشرة ذود فبايعه فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة إلى المدينة مهاجرا أتاه فلزمه فكفل له عبد الرحمن بن أبي بكر

فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه محمد بن أبي بكر فلزمه فأعطاه كفيلا ثم خرج إلى أحد فظهرت الروم على فارس عام الحديبية وذلك عند رأس سبع سنين فذلك قوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللّه }

وروى أسباط عن السدي عن أصحابه قال اقتتلت فارس والروم فغلبتهم فارس ففخر أبو سفيان بن حرب على المسلمين وقال الذين ليس لهم كتاب غلبوا على الذين لهم كتاب فشق ذلك على المسلمين فلقي أبو بكر رضي اللّه عنه أبا سفيان فقامره على أن الروم ستغلب فارس إلى ثلاث سنين فقامره على ثلاثة أبكار ثم أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره فقال له ( انطلق فزد في الجعل وزد في السنين )

فزايده إلى سبع سنين على سبعة أبكار فالتقى الروم وفارس فغلبتهم الروم وظهر عليهم هرقل ، فجاءه جبريل عليه السلام بهزيمة فارس وظهور الروم عليهم ووافق ذلك يوم بدر وظهور النبي صلى اللّه عليه وسلم على المشركين ففرح المؤمنون بظهورهم على المشركين وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك

ويقال عن أهل الروم كانوا أهل كتاب وكان المسلمون يرجون إسلامهم وأهل فارس كانوا مجوسا فكان المسلمون لا يرجون إسلامهم وكانوا يحزنون لغلبة فارس عليهم فنزل { الم غلبت الروم في أدنى الأرض } يعني أقرب الأرض إلى أرض فارس { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } روي عن الفراء أنه قال يعني من بعد غلبتهم ولكن عند الإضافة سقطت الهاء كما قال { وإقام الصلوة } الأنبياء٧٣ ولم يقل وإقامة الصلاة

وقال الزجاج هذا غلط وإنا يجوز ذلك في المعتل خاصة والغلب والغلبة كلاهما مصدر و { سيغلبون}

﴿ ٣