٩

قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم } يعني احفظوا منة اللّه عليكم بالنصرة

{ إذا جاءتكم جنود } يعني الأحزاب وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما قدم المدينة صالح بني قريظة وبني النضير على أن لا يكون عليه ولا معه فنقضت بنو النضير عهودهم وأجلاهم النبي صلى اللّه عليه وسلم منها وذكر قصتهم في سورة الحشر ثم إن بني قريظة جددوا العهد مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم إن حيي بن أخطب ركب وخرج إلى مكة فقال لأبي سفيان بن حرب إن قومي مع بني قريظة وهم سبعمائة وخمسون مقاتلا فحثه على الخروج إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم خرج من مكة إلى غطفان وحثهم على ذلك ثم خرج إلى كنانة وحثهم على ذلك فخرج أبو سفيان مع جماعة من أهل مكة وخرج غطفان وبنو كنانة حتى نزلوا قريبا من المدينة مع مقدار خمسة عشر ألف رجل

ويقال ثمانية عشر ألف رجل ثم جاء حيي بن أخطب إلى بني قريظة فجاء إلى باب كعب بن الأشرف وهو رئيس بني قريظة فاستأذن عليه فقال لجاريته انظري من هذا فعرفته الجارية فقالت هذا حيي بن أخطب

فقال لا تأذني له علي فإنه مشؤوم إنه قد شام قومه يريد أن يشأمنا زيادة فقالت له الجارية ليس هاهنا فقال حيي بن أخطب بلى هو ثم ولكن عنده قدر جشيش لا يحب أن يشركه فيها أحد

فقال كعب أحفظني أخزاه اللّه يعني أغضبني إئذني له في الدخول فدخل عليه فقال له يحييك مليكك قد جئتك بعارض برد جئتك بقريش بأجمعها وكنانة بأجمعها وغطفان بأجمعها لا يذهب هذا الفوز حتى تقتل محمدا فانقض الحلف بينك وبين محمد

فقال له كعب بن الأشرف إن العارض ليصيب بنفحاته شيئا ثم يرجع وأنا في بحر لجي لا أقدر على أن أريم داري ومالي واللّه ما رأينا جارا قط خيرا من محمد ما أخفر لنا بذمة ولا هتك لنا سترا ولا آذانا وإنما أخشى أن لا يقتل محمد وترجع أنت وأقتل أنا قال لكم ما في التوراة إن لم يقتل محمدا في هذا الغور لأدخلن معكم حصنكم فيصيبني ما أصابكم فنقض الحلف وشق الصحيفة فقدم نعيم بن مسعود المدينة وكان تاجرا يقدم من مكة فقال يا محمد شعرت أن بني قريظة نقضوا الحلف الذي كان بينك وبينهم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( لعلنا نحن أمرناهم بذلك )

فقال عمر إن كنت أمرتهم بذلك وإن كنت تأمرهم بذلك فقتالهم علينا هين

فقال ما أنا بكذاب ولكن الحرب خدعة ونعيم لم يسلم ذلك اليوم فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة إلى كعب بن الأشرف يناشدوه اللّه الحلف الذي كان بينهم وأن يرجعوا إلى ما كانوا عليه من قبل فأبى كعب بن الأشرف وجرى بينهم كلام وسب سعد بن معاذ فقال أسيد بن حضير أتسب سيدك معاذا يا عدو اللّه ما هو لك بكفؤ

فقال سعد اللّه م لا تميتني حتى أشفي نفسي منهم فرجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحدثوه الحديث فانطلق نعيم بن مسعود إلى أبي سفيان فقال يا أبا سفيان واللّه ما كذب محمد قط كذبة أخبرني أنه أمر بنقض الحلف بينه وبين بني قريظة

فقال سلمان الفارسي يا رسول اللّه إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الجنود خندقنا على أنفسنا فهل لك أن تخندق خندقا فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع أهل المدينة وخندق وأخذ المعول بيده فضرب لكي يقتدي الناس به فضرب ضربة فأبرق برقة حتى ظهر ضوء بضربته ثم ضرب ضربة أخرى فأبرق برقة ثم ضرب الثالثة فقال سلمان لقد رأيت أمرا عجيبا لقد رأيت ذلك قال نعم

فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( لقد رأيت بالأولى قصور الشام وبالثانية قصور كسرى وبالثالثة قصور اليمن فهذه فتوح يفتح اللّه عليكم )

فقال ناس من المنافقين يعدنا أن تفتح الشام وأرض فارس واليمن وما يستطيع أحد منا أن يذهب إلى الخلاء ما يعدنا إلا غرورا فمكث الجنود حول المدينة بضعة عشرة ليلة فأرسل عيينة بن حصن الفزاري والحرث بن عوف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنك إن أعطيتنا تمر المدينة هذه السنة نرجع عنك بغطفان وكنانة ونخلي بينك وبين قومك فتقاتلهم

فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( لا ) فقال فنصف ذلك التمر قال ( نعم ) وكان عند النبي صلى اللّه عليه وسلم سعد بن معاذ وهو سيد الأوس وسعد بن عبادة وهو سيد الخزرج فقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عيينة بن حصين والحارث بن عوف لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اكتب لنا كتابا فدعى بصحيفة ليكتب بينهم

فقال سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يا رسول اللّه أوحي إليك في هذا الشيء فقال ( لا ولكنني رأيت العرب رمتكم من قوس واحدة فقلت أرد هؤلاء وأقاتل هؤلاء ) فقالا ما رجوا هذا منا في الجاهلية قط أن يأخذوا منا تمرة واحدة إلا شراء أو قرى فحين زادنا اللّه بك وأمدنا بك وأكرمنا بك نعطيهم الدنية لا نعطيهم شيئا إلا بالسيف

فشق النبي صلى اللّه عليه وسلم الصحيفة وقال ( اذهبوا فلا نعطيكم شيئا إلا بالسيف ) فلما كان يوم الجمعة أرسل أبو سفيان إلى حيي بن أخطب أن استعد غدا إلى القتال فقد طال المقام هاهنا وقل لقومك يغدوا فلما جاء بني قريظة الرسول فقالوا غدا يوم السبت لا نقاتل فيه

فقال أبو سفيان ما اشأن السبت قال قوم من الأمم يعظمون القتال فيه

قال أبو سفيان نحن نؤخر القتال إلى يوم الأحد هاتوا لنا رهونا أبناءكم نثلج إليهم يعني نطمئن بذلك فجاء رسول أبي سفيان إلى بني قريظة وقد أمسوا فقالوا هذه الليلة لا يدخل علينا أحد ولا يخرج من عندنا أحد فوقع في نفس أبي سفيان من قول نعيم بن مسعود أنه حق وأن نقض العهد كان مكرا منهم

فلما كانت الليلة ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه عند الخندق فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلث الليل ثم قال ( من رجل ينظر ما يفعل القوم أدخله اللّه الجنة ) فما تحرك منهم إنسان

ثم صلى الثلث الثاني فقال ( من رجل ينظر ما يفعل القوم ) فما تحرك منهم إنسان ثم صلى ساعة ثم هتف مرة أخرى فما تحرك منهم إنسان فقال ( يا حذيفة ) فجاء حذيفة

فقال ( أما سمعت كلامي منذ هذه الليلة ) قال بلى ولكن بي من الجوع والقر يعني البرد لم أقدر على أن أجيبك

قال ( اذهب فانظر ما فعل القوم ولا ترمي بسهم ولا بحجر ولا تطعن برمح ولا تضرب بسيف )

فقال يا رسول اللّه إني لا أخشى أن يقتلوني إني لميت ولكن أخشى أن يمثلوا بي فقال ( ليس عليك بأس ) فلما قال هذا قال حذيفة آمنت وعرفت أنه لا بأس علي

فلما ولى حذيفة قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( اللّه م احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته )

فدخل حذيفة رضي اللّه عنه في عسكر قريش فإذا هم يصطلون يعني يجتمعون على نار لهم فجلس حذيفة في حلقة منهم فقال أتدرون ما يريد الناس غدا قالوا ماذا يريدون قال يقولون يعني أهل العساكر أين قريش أين سادات الناس وقادتهم فتجيبون فيطرحونكم في نحور العدو فتقتلوا أو تفروا فما زال ذلك الحديث يفشو في العسكر ثم دخل عسكر بني كنانة

فقال أتدرون ماذا يريد الناس غدا قالوا ماذا يريدون قالوا يقولون أين بنو كنانة أين ذروة العرب أين رماة الحدق فتجيبون فيطرحونكم في نحور العدو فتقتلوا ويفروا

ثم دخل عسكر غطفان فقال أتدرون ماذا يريد الناس غدا قولوا ماذا يريدون قال يقولون أين غطفان أين بنو فزارة أين أحلاس الخيول فتجيبوا فيطرحونكم في نحور العدو فتقتلوا أو تفروا قال فبعث اللّه تعالى عليهم ريحا شديدة فلم تترك لهم خباء إلا قلعته ولا إناء إلا أكفأته وقلعت أوتاد خيولهم وجالت الخيول بعضها في بعض فقالوا فيما بينهم لقد بدا محمد بالسر فالنجاة النجاة فركب أبو سفيان جمله معقولا فما حل عقاله إلا بعد أن انبعث

قال حذيفة ولو شئت أن أضربه بسيفي أو أطعنه برمحي لفعلت ولكن نهاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فترحلوا كلهم وذهبوا

فرجع حذيفة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فحدثه عن العساكر وما فعل اللّه عز وجل بها

فنزل { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم } في الدفع عنكم { إذ جاءتكم جنود } من المشركين { فأرسلنا عليهم ريحا } شديدة { وجنودا لم تروها } من الملائكة

وذلك أن الملائكة عليهم السلام كبرت حوالي العسكر حتى انهزموا حين هبت بهم الريح وهي ريح الصبا

وروي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ) ثم قال تعالى { وكان اللّه بما تعملون بصيرا } في أمر الخندق

﴿ ٩