سورة الرحمن

مدنية وهي سبعون وثمان آيات

١

قوله تبارك وتعالى " الرحمن

٢

علم القرآن " وذلك أنه لما نزل قوله تعالى " اسجدوا للرحمن " قال كفار مكة وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وقالوا ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب

فأنزل اللّه تعالى { الرحمن } فأخبر عن نفسه وذكر صفة توحيده فقال { الرحمن } يعني الرحمن الذي أنكروه { علم القرآن } يعني أنزل القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم ليقرأ عليه جبريل عليه السلام ويعلمه

٣

 { خلق الإنسان } يعني الذي خلق آدم من أديم الأرض ويقال { خلق الإنسان } أراد به جنس الإنسان { علمه البيان } يعني جعله مخبرا مميزا حتى يميز الإنسان من جميع الحيوان ويقال

٤

 { علمه البيان } يعني الكلام ويقال يعني الفصاحة ويقال الفهم

٥

ثم قال { الشمس والقمر بحسبان } يعني بحساب ومنازل ولا يتعدانها يعني تجريان بحساب

ويقال { بحسبان } يعني يدلان على عدد الشهور والأوقات ويعرف بهما الحساب { والنجم والشجر يسجدان }

٦

 { والنجم } كل نبات ينبسط على وجه الأرض ليس له ساق مثل الكرم والقرع ونحو ذلك { والشجر } كل نبات له ساق { يسجدان } يعني ظلهما يسجدان للّه تعالى في أول النهار وآخره ويقال { يسجدان } يعني يسبحان اللّه تعالى كما قال { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } [ الإسراء ٤٤ ] ويقال خلقهما على خلقه فيها دليل لربوبيته ويدل الخلق على سجوده

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { والنجم والشجر يسجدان } قال نجوم السماء وأشجار الأرض { يسجدان } بكرة وعشيا

٧

ثم قال عز وجل { والسماء رفعها } يعني من الأرض مسيرة خمسمائة عام { ووضع الميزان } يعني أنزل الميزان للخلق يوزن به وإنما أنزل في زمان نوح ولم يكن قبل ذلك ميزان { ألا تطغوا في الميزان } لكي لا تظلموا في الميزان

ويقال { ووضع الميزان } يعني

٨

أنزل العدل في الأرض { ألا تطغوا في الميزان } يعني لكي لا تميلوا عن العدل { وأقيموا الوزن بالقسط } يعني اعدلوا في الوزن { ولا تخسروا الميزان } يعني لا تنقصوا حقوق الناس في الوزن

٩

ويقال { وأقيموا الوزن } يعني أقيموا اللسان بالقول { ولا تخسروا الميزان } يعني لا تقولوا بغير حق

١٠

ثم قال { والأرض وضعها للأنام } يعني بسط الأرض للخلق

١١

 { فيها فاكهة } يعني وخلق من الأرض من ألوان الفاكهة { والنخل ذات الأكمام } يعني ذات النخيل الطويل الموقرة بالطلع ذات الغلف وإنما العجائب في خلقه وما يتولد منه لأنه يتولد من النخيل من المنافع ما لا يحصى

وقال القتبي { ذات الأكمام } يعني ذات الكفرى قبل أن تتفتق وغلاف كل شيء كمه { ذات الأكمام } يعني ذات الغلف

١٢

ثم قال { والحب ذو العصف } يعني ذو الورق { والريحان } يعني ثمره

وقال مجاهد { العصف } يعني ورق الحنطة { والريحان } الرزق

وقال الضحاك { الحب } الحنطة والشعير { والعصف } التبن وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { العصف } الزرع { والريحان } الورق وقال القتبي { الريحان } الرزق يقال خرجت أطلب ريحان اللّه أي رزقه وقال مقاتل { الريحان } الرزق بلسان حمير

ويقال { العصف } السنبل { والريحان } ثمرته وما ينتفع به

ويقال { الريحان } يعني الرياحين قرأ ابن عامر { والحب ذا العصف والريحان } بنصب النون والباء وإنما نصبه لأنه عطف على قوله { والأرض وضعها للأنام } { والحب } يعني وخلق الحب ذا العصف { والريحان }

وقرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم { والحب ذو العصف والريحان } بضم النون والباء لأنه عطف على قوله { فيها فاكهة } وقرأ حمزة والكسائي هكذا إلا أنهما كسرا النون في قوله { والريحان } عطفا على { العصف } على وجه المجاورة

وقد ذكر اللّه تعالى من أول السورة نعماءه إلى هنا ثم خاطب الإنس والجن

١٣

فقال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } وإن لم يسبق ذكرهما لأن في الكلام دليلا وقد ذكرهما من بعده وهو قوله { يا معشر الجن والإنس } وقال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني فبأي نعمة من نعماء ربكما أيها الجن والإنس { تكذبان } يعني تتجاحدان بأنها ليست من اللّه تعالى

قال بعضهم

{ آلاء اللّه } ونعماء اللّه واحد إلا أن الآلاء أعم والنعماء أخص

ويقال الآلاء النعمة الظاهرة وهو التوحيد والنعماء النعمة الباطنة وهو المعرفة بالقلب كقوله { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } [ لقمان ٢٠ ] وقال بعضهم الآلاء إيصال النعم والنعماء دفع البلايا

ومثاله أن رجلا لو كانت له يد شلاء فله الآلاء وليست النعماء

وكذلك لسان الأخرس ورجل مقعد فله الآلاء وليست له النعماء

وأكثر المفسرين لم يفصلوا بينهما وقد ذكر في هذه السورة دفع البلية وإيصال النعمة

فكل ذلك سماه الآلاء

وروى محمد بن المنذر عن جابر بن عبد اللّه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ على أصحابه سورة الرحمن فسكت القوم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الجن كانوا أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم { فبأي آلاء ربكما تكذبان } إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد )

وفي رواية أخرى أنه قال ( ما قرأت عليهم إلا قالوا ولا بواحدة منها فلك الحمد )

١٤

ثم قال { خلق الإنسان } يعني آدم { من صلصال } يعني الطين اليابس الذي يتصلصل أي يصوت من يبسه كما يصوت الفخار

ويقال الصلصال الطين الجيد الذي ذهب عنه الماء وتشقق

{ كالفخار } يعني الطين الذي يصنع به الفخار

وقال في موضع آخر { خلقناكم من تراب } [ الحج ٥ ] وقال في موضع آخر { من طين } [ السجدة ٧ ] وقال في موضع آخر { من صلصال } فهذا كله قد كان حالا بعد حال

١٥

ثم قال { وخلق الجان } يعني أبا الجن ويقال هو إبليس { من مارج من نار } يعني من لهب من نار وليس لها دخان

وقال بعضهم خلق من نار جهنم

وقال بعضهم من النار التي بين الكلة الرقيقة وبين السماء ومنها يكون البرق ولا ترى السماء إلا من وراء تلك الكلة

١٦

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني خلقكم أيها الإنس من نفس واحدة وخلقكم أيها الجن من نفس واحدة فكيف تنكرون هذه النعمة أنها ليست من اللّه تعالى

١٧

ثم قال { رب المشرقين ورب المغربين } يعني هو { رب المشرقين } مشرق الشمس ومشرق القمر

وقيل مشرق الشتاء ومشرق الصيف { ورب المغربين } يعني مغرب الشتاء والصيف

١٨

فبأي آلاء ربكما تكذبان " يعني فبأي نعمة أنتم من نعم اللّه  أيها الجن والإنس تتجاحدان ومعناه أنتم حيث ما كنتم من مشارق الأرض ومغاربها في ملك اللّه  تعالى وتأكلون رزقه وهو عالم حيث ما كنتم وهو حافظكم وناصركم فكيف تنكرون هذه النعم

١٩

قوله عز وجل { مرج البحرين يلتقيان } يعني أرسل البحرين ويقال خلى البحرين ويقال خلق البحرين { يلتقيان } يعني مالح وعذب

٢٠

 { بينهما برزخ } يعني حاجز { لا يبغيان } يعني لا يختلطان فيغير طعمه

وأصل البغي التطاول والجور والظلم

وقال بعضهم بينهما حاجر لطيف لا يراه الخلق وإنما العبرة في ذلك أنه لا يرى

ويقال بعضهم ليس هناك شيء وإنما تمنعهما من الاختلاط قدرة اللّه تعالى

ويقال { يلتقيان } أي يتقابلان أحدهما بحر الروم والآخر بحر فارس

وقيل بحر الهند { وبينهما برزخ لا يبغيان } أي لا يختلطان { بينهما برزخ }

بلطف اللّه تعالى أي باللطف تمنع عن الامتزاج وهما بحر واحد لن يمس أحدهما بالآخر

وقال الزجاج البرزخ الحاجر فهما من مرأى العين مختلطان وفي قدرة اللّه منفصلان

وقيل " بينهما برزخ " أي جزيرة العرب وقيل بحر السماء والأرض كقوله تعالى " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر [ القمر ١١ - ١٢ ] وبينهما برزخ الهواء والأرض وسكان الأرض

٢١

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني خلق البحرين لمنفعة الخلق وبين لكم العبرة وقدرته ولطفه لتعبتروا به وتوحدوه فكيف تنكرون هذه النعمة بأنها ليست من اللّه تعالى

٢٢

ثم قال { يخرج منهما } يعني من بحر مالح { اللؤلؤ والمرجان } يعني من اللؤلؤ ما عظم و { المرجان } ما صغر منه

ويقال { اللؤلؤ } يعني الصغار { والمرجان } يعني الكبار

وقرأ نافع وأبو عمرو { يخرج } بضم الياء ونصب الراء على فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بنصب الياء وضم الراء

وقرأ بعضهم بكسر الراء يعني يخرج اللّه تعالى ونصب اللؤلؤ والمرجان لأنه مفعول به

٢٣

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني خلق في البحر اللؤلؤ لمنفعة الخلق ولصلاحهم ولكي تعتبروا به فكيف تنكرون هذه النعمة

٢٤

ثم قال عز وجل { وله الجوار المنشآت في البحر } يعني السفن التي تجري في الماء { في البحر } { كالأعلام } يعني كالجبال في البر فشبه السفن في البحر بالجبال

وقرأ حمزة { المنشآت } بكسر الشين والباقون بالنصب

فمن قرأ بالكسر يعني المبتدئات في السير

ومن قرأ بالنصب يعني مرفوعات الشراع

ويقال الذي ابتدئ مهن في السير

٢٥

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } أنه جعل السفن في البحر لمنفعة الخلق فكيف تنكرون هذه النعمة بأنها ليست من اللّه تعالى

٢٦

ثم قال عز وجل { كل من عليها فان } يعني كل شيء على وجه الأرض يفنى

٢٧

{ ويبقى وجه ربك } يعني يبقى اللّه تعالى { ذو الجلال والإكرام } يعني ذو الملك والعظمة والإكرام يعني ذو الكرم والتجاوز

فلما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلكت بنو آدم فلما نزل { كل نفس ذائقة الموت } أيقنوا بهلاك أنفسهم وهذا من النعم لأنه يحذرهم وبين لهم ليتهيؤوا لذلك

٢٨

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ومعناه إن اللّه تعالى يعينكم فتوكلوا عليه ولا تعتمدوا على الناس لأنهم لا يقدرون على دفع الهلاك عن أنفسهم واللّه هو الباقي بعد فناء الخلق وهو الذي يتجاوز عنكم ويعينكم فكيف تنكرون ربكم الذي خلقكم وأحسن إليكم

٢٩

قوله تعالى { يسأله من في السموات والأرض } يعني الملائكة يسألون لأهل الأرض المغفرة ويسأل أهل الأرض جميع حوائجهم من اللّه تعالى

ثم قال { كل يوم هو في شأن } يعني في كل يوم يعز ويذل ويحيي ويميت ويعطي ويمنع

وذلك أن اليهود قالوا إن اللّه لا يقضي يوم السبت شيئا فنزل { كل يوم هو في شأن } فأخبر اللّه تعالى أنه يقضي في جميع الأيام وكان هذا من النعم

وذكر أن الحجاج بن يوسف الثقفي أرسل إلى محمد بن الحنفية يتوعده قال لأفعلن بك كذا وكذا

فأرسل إليه محمد بن الحنفية وقال إن اللّه تعالى ينظر في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة إلى اللوح المحفوظ وكل يوم يعز ويذل ويعطي ويمنع فأرجو أن يرزقني اللّه تعالى ببعض نظراته وأن لا يجعل لك علي سلطانا

فكتب بها الحجاج إلى عبد الملك بن مروان فكتب عبد الملك بهذه الكلمات التي قالها محمد بن الحنفية ووضعها في خزانته فكتب إليه ملك الروم يتوعده في شيء فكتب إليه عبد الملك بتلك الكلمات التي قالها محمد بن الحنفية فكتب إليه صاحب الروم واللّه ما هذا من كنزك ولا من كنز أهل بيتك ولكنها من كنز أهل بيت النبوة

٣٠

ثم قال عز وجل { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني تجحدون نعمته وأنتم تسألون حوائجكم منه

٣١

قوله تعالى { سنفرغ لكم أيها الثقلان } أي سنحفظ عليكم أعمالكم أيها الجن والإنس فنجازيكم بذلك

وروى جبير عن الضحاك في قوله { سنفرغ لكم أيها الثقلان } قال هذا

وعيد من غير شغل إن اللّه تعالى لا يشغله شيء بشيء

وقال الزجاج الفراغ في اللغة على ضربين

أحدهما الفراغ من الشغل والآخر القصد للشيء كما تقول سأفرغ لفلان أي سأجعل قصدي له

قرأ حمزة والكسائي { سيفرغ لكم } بالياء والباقون بالنون وكلاهما يرجع إلى معنى واحد

يعني سيحفظ اللّه عليكم أعمالكم ويحاسبكم بما تعملون

٣٢

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني ما عملتم فإنه لا ينسى ولا يمنح ثوابه وينصفكم من ظلمكم فيكف تنكرون هذه النعم بأنها ليست من اللّه تعالى واعلموا أن هذه النعم كلها من اللّه فاشكروه

فكيف تنكرون من هو يجازيكم بأعمالكم ولا يمنع ثواب حسناتكم وينصركم على أعدائكم فهذه النعم كلها من اللّه فاشكروه ووحدوه

٣٣

ثم قال { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم } يعني إن قدرتم { أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض } يعني أن تخرجوا من أطراف السموات والأرض ونواحيها { فانفذوا } يعني فاخرجوا إن استطعتم

قال مقاتل هذا الخطاب للجن والإنس في الدنيا

يعني إن استطعتم أن تخرجوا من أقطار السموات والأرض هروبا من الموت { فانفذوا } { لا تنفذون إلا بسلطان } يعني أينما توجهتم أدرككم الموت

وروي عن ابن عباس أنه قال هذا الخطاب في يوم القيامة وذلك أن السماء تتشقق بالغمام وتنزل ملائكة السموات ويقومون حول الدنيا محيطين بها وجاء الروح وهو ملك يقوم صفا وهو أكبر من جميع الخلق فحينئذ يقال لهم { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان } يعني لا تنجون إلا بحجة وبرهان

٣٤

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني فبأي نعمة من نعمائه تجحدون حيث بين لكم أحوال يوم القيامة حتى تتوبوا وترجعوا

ويقال معناه ذلك اليوم لا يفوته أحد ولا يعينكم أحد غيره فكيف تجحدون هذه النعم

٣٥

ثم قال { يرسل عليكم شواظ من نار } يعني يرسل على كفار الجن وكفار الإنس لهبا من النار { ونحاس } يعني الصفر المذاب يعذبون بهما

ويقال دخان لا لهب فيه

ويقال النحاس هو لباس أهل النار { فلا تنتصران } يعني لا تمنعان من ذلك

قرأ إبن كثير { يرسل عليكما شواظ } بكسر الشين والباقون بالضم فهما لغتان ومعناهما واحد

وقرأ إبن كثير وأبو عمرو { ونحاس } بكسر السين والباقون بالضم

فمن قرأ بالكسر عطف على قوله { من نار } ومن قرأ بالضم عطف على قوله { شواظ }

٣٦

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني لا يعينكم أحد غير اللّه ولا يحفظكم حين يرسل عليكم العذاب إلا اللّه فكيف تنكرون قدرته وتوحيده

٣٧

ثم قال عز وجل { فإذا انشقت السماء } يعني انفرجت السماء لنزول الملائكة كقوله { ويوم تشقق السماء بالغمام } [ الفرقان ٢٥ ]

{ فكانت وردة كالدهان } يعني صارت كدهن الورد الصافي من الخوف وهذا قول مقاتل

وقال القتبي صارت حمراء في لون الفرس يعني بمنزلة الدابة الجلجون الذي يتغير لونه في كل وقت يرى لونه على خلاف اللون الأول ويقال له الورد ويقال الدهان الأديم الأحمر الكلكون بلغة الفارسي

يعني الفرس الذي يكون لونه لون الورد الأحمر يعنون أخضر يضرب إلى سواد يتغير لونه بياض

ويقال من هيبة ذلك زاغ فيرى أنه كالدهن

٣٨

ثم قال عز وجل { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني إذا كان يوم القيامة تغيرت السموات من هيبته ويأمر الخلق بالحساب فهو الذي ينجيكم من هول ذلك اليوم فكيف تنكرون هذه النعمة

٣٩

ثم قال عز وجل { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه } يعني عن علمه { إنس ولا جان } يعني إنسيا ولا جنيا لأن اللّه تعالى قد أحصى عملهم ويقال لا يسأل سؤال استفهام ولكن يسأل سؤال التوبيخ والزجر كقوله تعالى { فوربك لنسئلنهم أجمعين } [ الحجر ٩٢ ] ويقال لا يسأل الكافر لأنه قد عرف بعلامته

٤٠

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني إذا كان يوم القيامة أعطاكم الثواب وأدخلكم في جنته فكيف تنكرون وحدانيته ويقال معناه إن اللّه قد بين لكم أنه يعلم أعمالكم ونهاكم عن الذنوب وتجاوز عنكم فكيف تنكرون وحدانيته

٤١

قوله عز وجل { يعرف المجرمون بسيماهم } يعني يعرف الكافر بسواد وجهه وزرقة عينيه { فيؤخذ بالنواصي والأقدام } وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون بين نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعونهم على وجوههم فيطرحونهم في النار

٤٢

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني هو الذي يدفع عنكم ذلك العذاب إذا أطعتموه ووحدتموه فكيف تنكرون هذه النعمة إن آمنتم وأطعتم فكيف تنكرون وحدانيته

٤٣

ثم قال عز وجل { هذه جهنم } وذلك أن الكفار إذا دنوا من النار تقول لهم الخزنة هذه جهنم { التي يكذب بها المجرمون } يعني جهنم التي كنتم بها تكذبون في الدنيا

٤٤

ثم أخبر عن حالهم فيها فقال { يطوفون بينها وبين حميم آن } يعني الشراب الحار الذي قد انتهى حره وذلك أنه يسلط عليهم الجوع فيؤتى بهم إلى الزقوم الذي طلعها كرؤوس الشياطين فأكلوا منها فأخذ في حلقهم فاستغاثوا بالماء فأتوا من الحميم فإذا قربوا إلى وجوههم تناثر لحم وجوههم فيشربون فيغلي في أجوافهم ويخرج جميع ما فيها ثم يلقى عليهم الجوع فمرة يذهب بهم إلى الحميم ومرة إلى الزقوم فذلك قوله تعالى { يطوفون بينها وبين حميم آن }

٤٥

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني هو الذي ينجيكم من عذاب الآخرة إن أطعتم أمره وآمنتم برسله فكيف تنكرون وحدانية اللّه تعالى ويقال معناه إن إخباري إياكم بهذه العقوبة نعمة لكم لكي تنتهوا عن الكفر والمعاصي فلا تنكروا نعمتي عليكم

٤٦

ذكر اللّه في هذه الآيات دفع البلاء ثم ذكر إيصال النعم لمن اتقاه وأطاع أمره فقال تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان } يعني من خاف عند المعصية مقامه يوم القيامة بين يدي ربه فانتهى عن المعصية فله في الآخرة { جنتان } يعني بستانان

وقال مجاهد هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر اللّه عندها فيدعها فله أجران

وذكر عن الفراء أنه قال { جنتان } أراد به جنة واحدة وإنما ذكر { جنتان } للقوافي والقوافي تحتمل الزيادة والنقصان ما لا يحتمل الكلام

وقال القتبي هذا لا يجوز لأن اللّه تعالى قد وعد ببستانين فلا يجوز أن يريد بهما واحدا فلو جاز هذا لجاز أن يقال في قوله تسعة عشر إنما هم عشرون ولكن ذكر للقوافي

٤٧

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني بأي نعمة من نعماء اللّه تعالى تتجاحدان إذ جعل الجنة ثواب أعمالكم فيكف تنكرون وحدانية اللّه تعالى ونعمته

٤٨

قوله تعالى { ذواتا أفنان } يعني ذواتا ألوان

يعني البساتين فيها ألوان من الثمرات

ويقال { ذواتا } أغصان

وقال الزجاج الأفنان ألوان وهي الأغصان أيضا واحدها فنن

٤٩

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني قد وعدتم الجنة والراحة فكيف تنكرون وحدانيته ونعمته

٥٠

ثم قال عز وجل { فيهما عينان تجريان } يعني في البساتين نهران من ماء غير آسن يعني غير متغير

٥١

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني جعل الأنهار نزهة لكم وزيادة في النعمة فكيف تنكرون نعمة اللّه تعالى وقدرته

٥٢

ثم قال { فيهما من كل فاكهة زوجان } يعني في هذين البستانين من كل لون من الفاكهة صنفان الحلو والحامض

٥٣

 ويقال لونان { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني جعل فيهما من الراحة والنزهة من كل نوع من الفاكهة فكيف تنكرون نعمته وقدرته

٥٤

قوله عز وجل { متكئين على فرش } يعني ناعمين على فرش { بطائنها من استبرق } هو الديباج الغليظ الأخضر بلغة فارس

وقال مقاتل { بطائنها } يعني ظواهرها وذكر عن الفراء أنه قال { بطائنها } يعني الظهارة وقد تكون الظهارة بطانة والبطانة ظهارة لأن كل واحد منهما يكون وجها

وقال القتبي هذا لا يصح ولكن ذكر البطانة تعليما لنا أن البطانة إذا كانت من استبرق فالظهارة تكون أجود

وروي عن ابن عباس أنه سئل أن { بطائنها من استبرق } فما الظواهر قال هو مما قال اللّه تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين } [ السجدة ١٧ ]

ثم قال { وجنى الجنتين دان } يعني اجتناؤهما قريب إن شاء تناولهما قائما وإن شاء تناولهما قاعدا وإن شاء متكئا

٥٥

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني جعل لكم مجالس الملوك مع الفرش المرتفعة فكيف تنكرون وحدانية اللّه ونعمته

٥٦

ثم قال عز وجل { فيهن قاصرات الطرف } يعني في الجنان من الزوجات غاضات البصر قانعات بأزواجهن لا يشتهين غيرهم ولا ينظرون إلى غيرهم

قوله تعالى { لم يطمثهن إنس } يعني لم يمسسهن إنسيا { قبلهم ولا جان } يعني لا إنسيا ولا جنيا

٥٧

 { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني جعل لكم أزواجا موافقة ليطعنكم وهن لا يردن غيركم فكيف تنكرون اللّه تعالى

٥٨

ثم وصف الزوجات فقال { كأنهن الياقوت والمرجان } يعني في الصفاء كالياقوت وفي البياض كالمرجان

٥٩

 { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني جعلهن بحال تتلذذ أعينكم بالنظر إليهن فكيف تنكرون وحدانية اللّه تعالى ونعمته

٦٠

ثم قال عز وجل { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } يعني هل جزاء التوحيد وهو قول لا إله إلا اللّه إلا الجنة ويقال هل جزاء من خاف مقام ربه إلا هاتان الجنتان اللتان ذكرناها في الآية

٦١

ثم قال { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني فكيف تنكرون نعمة ربكم حيث جعل ثواب إحسانكم الجنة وبين لكم لكي تحسنوا وتنالوا ثواب اللّه وإحسانه

٦٢

ثم قال عز وجل { ومن دونهما جنتان } يعني من دون الجنتين اللتين ذكرهما جنتان أخروان

فالأوليان جنة النعيم وجنة عدن والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى

٦٣

{ فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني قد ذكر للمتقين جنتين وجنتان أخريان زيادة على الكرامة فكيف تنكرون فضل ربكم وكرامته

٦٤

ثم وصف الجنتين الأخريين فقال { مدهامتان } يعني خضراوان

ويقال التي تضرب خضرتها إلى السواد

٦٥

 { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني جعل لكم الجنان المخضرة لأن النظر في الخضرة يجلي البصر فكيف تنكرون وحدانيته

٦٧

ثم قال { فيهما عينان نضاختان } يعني ممتلئتان فوارتان

وقال القتبي يعني تفوران بالماء والنضخ أكثر من النضح

وقال مجاهد { نضاختان } يعني مملوءتان من الخير لا ينقطعان { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني كيف تنكرون من جعل لكم فيهما عينان تفوران على الدوام ولا انقطاع لهما

٦٨

ثم قال عز وجل { فيهما فاكهة ونخل ورمان } يعني في الجنتين الأخريين من ألوان الفاكهة

٦٩

فبأي آلاء ربكما تكذبان " معناه في الجنتين الأخريين من ألوان الفاكهة كمثل ما في الأوليين فأنتم تجدون فيها ألوانا من الثمار والفواكه

فكيف تنكرون نعمة ربكم ولا توحدوه

٧٠

ثم قال عز وجل { فيهن خيرات حسان } يعني في الجنان كلها زوجات حسان

وقال الزجاج أصله في اللغة خيرات وقد قرئ بتشديد الياء وقراءة العامة بالتخفيف

وقال مقاتل { خيرات } الأخلاق { حسان } الوجوه

٧١

 { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني في هذه

الجنان الأربعة في كل واحدة منها تجدون خيرة هي زوجة هي أحسن بما في الأخرى فكيف تنكرون عزة ربكم ولا تشكرونه

٧٢

ثم وصف الخيرات فقال { حور مقصورات } يعني محبوسات { في الخيام } على أزواجهن

وقال ابن عباس الخيمة الواحدة من لؤلؤة مجوفة فرسخا في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب

٧٣

 { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني فكيف تنكرون هذه النعمة حين حبس الأزواج الطيبات لكم إن أطعتم اللّه تعالى

ثم قال عز وجل { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } يعني لم يمسسهن إنس قبلهم ولا جان

٧٤

قرأ الكسائي { لم يطمثهن } بضم الميم والباقون بالكسر

وهما لغتان ومعناهما واحد

٧٥

فبأي آلاء ربكما تكذبان )

٧٦

ثم قال { متكئين على رفرف } يعني نائمين على المجالس الخضر على السرر الحسان

ويقال على رياض { خضر وعبقري حسان } يعني الزرابي الكثيرة الألوان وهي الطنافس الحسان

وقال مجاهد { وعبقري حسان } يعني الديباج وقال الزجاج وإنما قال { عبقري حسان } ولم يقل حسن لأن العبقري جماعة يقال للواحد عبقرية كما تقول ثمرة وثمر لوزة ولوز وأيضا يكون العبقري اسم جنس والعبقري كل شيء بولغ في وصفه والعبقري البسط ويقال الطنافس المبسوطة

٧٧

ثم قال عز وجل { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يعني فبأي نعمة من نعماء ربكما أيها الجن والإنس تتجاحدان مع هذه الكرامات التي بين اللّه تعالى لكم لتعلموا فتناولوا تلك الكرامات ما شاء اللّه

٧٨

ثم قال عز وجل { تبارك اسم ربك ذي الجلال } أي تعالى وتعظم عما يقول الكفار ( ذي الجلال ) يعني ذي الارتفاع ارتفاع المنزلة والقدرة { والإكرام } يعني الكريم المتجاوز عن المذنبين

ويقال الاسم زيادة في الكلام ومعناه تبارك ربك

قرأ ابن عامر ( ذو الجلال ) بالواو والباقون { ذي الجلال } بالياء

فمن قرأ ( ذو الجلال ) جعله نعتا للاسم والاسم رفع وكذلك نعمته

ومن قرأ بالكسر جعله نعتا للرب عز وجل واللّه أعلم واللّه سبحانه وتعالى أعلم صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

﴿ ٠