٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ اللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنّ اللّه عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

قال أبو جعفر: وإنـما خص جل ذكره السمع والأبصار بأنه لو شاء أذهبها من الـمنافقـين دون سائر أعضاء أجسامهم للذي جرى من ذكرها فـي الاَيتـين، أعنـي قوله: يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ

وقوله: يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ فجرى ذكرها فـي الاَيتـين علـى وجه الـمثل. ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من الـمنافقـين عقوبة لهم علـى نفـاقهم وكفرهم، وعيدا من اللّه لهم، كما توعدهم فـي الآية التـي قبلها بقوله: وَاللّه مُـحِيطٌ بـالكافرِينَ واصفـا بذلك جل ذكره نفسه أنه الـمقتدر علـيهم وعلـى جمعهم، لإحلال سخطه بهم، وإنزال نقمته علـيهم، ومـحذرهم بذلك سطوته، ومخوّفهم به عقوبته، لـيتقوا بأسه، ويسارعوا إلـيه بـالتوبة. كما:

٢٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَلَوْ شاءَ اللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهمْ وأبْصَارِهِمْ لـما تركوا من الـحق بعد معرفته.

٢٧٣ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، قال: ثم قال يعنـي قال اللّه فـي أسماعهم يعنـي أسماع الـمنافقـين وأبصارهم التـي عاشوا بها فـي الناس: وَلَوْ شاءَ اللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ.

قال أبو جعفر: وإنـما معنى قوله: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ لأذهب سمعهم وأبصارهم، ولكن العرب إذا أدخـلوا البـاء فـي مثل ذلك

قالوا: ذهبت ببصره، وإذا حذفوا البـاء

قالوا: أذهبت بصره، كما قال جل ثناؤه: آتنا غَدَاءَنَا ولو أدخـلت البـاء فـي الغداء لقـيـل: ائتنا بغدائنا.

قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف

قـيـل: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ فوحد، وقال: وأبْصَارِهِمْ فجمع؟ وقد علـمت أن الـخبر فـي السمع خبر عن سمع جماعة، كما الـخبر فـي الأبصار خبر عن أبصار جماعة؟

قـيـل: قد اختلف أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعض نـحويـي الكوفـي: وحد لسمع لأنه عنى به الـمصدر وقصد به الـخرق، وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين. وكان بعض نـحويـي البصرة يزعم أن السمع وإن كان فـي لفظ واحد فإنه بـمعنى جماعة، ويحتـجّ فـي ذلك بقول اللّه : لا يَرْتَدّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ يريد لا ترتد إلـيهم أطرافهم، وبقوله: وَيُوَلونَ الدّبُرَ يراد به أدبـارهم. وإنـما جاز ذلك عندي لأن فـي الكلام ما يدلّ علـى أنه مراد به الـجمع، فكان فـيه دلالة علـى الـمراد منه، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنـيا عن جِماعِهِ، ولو فعل بـالبصر نظير الذي فعل بـالسمع، أو فعل بـالسمع نظير الذي فعل بـالأبصار من الـجمع والتوحيد، كان فصيحا صحيحا لـما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر:

كُلُوا فـي بَعْضِ بَطْنكُمْ تَعِفّوافإنّ زَمانَنا زَمَنٌ خَمِيصُ

فوحد البطن، والـمراد منه البطون لـما وصفنا من العلة.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: إنّ اللّه علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِير.

قال أبو جعفر: وإنـما وصف اللّه نفسه جل ذكره بـالقدرة علـى كل شيء فـي هذا الـموضع، لأنه حذر الـمنافقـين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم مـحيط وعلـى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ثم قال: فـاتقونـي أيها الـمنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولـي وأهل الإيـمان بـي لا أحل بكم نقمتـي فإنـي علـى ذلك وعلـى غيره من الأشياء قدير. ومعنى قدير: قادر، كما معنى علـيـم: عالـم، علـى ما وصفت فـيـما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيـل علـى فـاعل فـي الـمدح والذم.

﴿ ٢٠