٦٨تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ إِنّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ......} والهزو: اللعب والسخرية، كما قال الراجز: قَدْ هَزِئَتْ مِنّـي أُمّ طَيْسَلَهْقالَتْ أرَاهُ مُعْدِما لا شَيْءَ لَهْ يعنـي بقوله: قد هزئت: قد سخرت ولعبت. ولا ينبغي أن يكون من أنبـياء اللّه فـيـما أخبرت عن اللّه من أمر أو نهي هزو أو لعب. فظنوا بـموسى أنه فـي أمره إياهم عن أمر اللّه تعالـى ذكره بذبح البقرة عند تدارئهم فـي القتـيـل إلـيه أنه هازىء لاعب، ولـم يكن لهم أن يظنوا ذلك بنبـيّ اللّه ، وهو يخبرهم أن اللّه هو الذي أمرهم بذبح البقرة، وحذفت الفـاء من قوله: أتَتّـخِذُنا هُزُوا وهو جواب، لاستغناء ما قبله من الكلام عنه، وحسن السكوت علـى قوله: إنّ اللّه يَأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فجاز لذلك إسقاط الفـاء من قوله: أتَتّـخِذُنا هُزُوا كما جاز وحسن إسقاط من قوله تعالى: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أيّها الـمُرْسَلُونَ قالُوا إنّا أُرْسِلْنا ولـم يقل: فقالوا إنا أرسلنا، ولو قـيـل: (فقالوا)، كان حسنا أيضا جائزا، ولو كان ذلك علـى كلـمة واحدة لـم تسقط منه الفـاء وذلك أنك إذا قلت قمت وفعلت كذا وكذا ولـم تقل: قمت فعلت كذا وكذا، لأنها عطف لا استفهام يوقـف علـيه، فأخبرهم موسى إذ قالوا له ما قالوا إن الـمخبر عن اللّه جل ثناؤه بـالهزء والسخرية من الـجاهلـين وبرأ نفسه مـما ظنوا به من ذلك، فقال: أعُوذُ بـاللّه أنْ أكُونَ مِنَ الـجاهِلِـينَ يعنـي من السفهاء الذين يروون عن اللّه الكذب والبـاطل. وكان سبب قـيـل موسى لهم: إنّ اللّه يأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ما: ٨٦٣ـ حدثنا به مـحمد بن عبد الأعلـى قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت أيوب، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة، قال: كان فـي بنـي إسرائيـل رجل عقـيـم أو عاقر، قال: فقتله ولـيه، ثم احتـمله، فألقاه فـي سبط غير سبطه قال: فوقع بـينهم فـيه الشرّ، حتـى أخذوا السلاح قال: فقال أولو النّهَى: أتقتتلون وفـيكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: فأتوا نبـيّ اللّه ، فقال: اذبحوا بقرة فقالوا: أتَتّـخِذُنا هُزُوا قالَ أعُوذُ بـاللّه أنْ أكُونَ مِنَ الـجَاهِلـينَ قالُوا ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَـيّنُ لَنا ما هي قالَ إنّهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَة إلـى قوله: فَذَبَحُوهَا وَما كادُوا يَفْعَلُونَ قال: فضُرب فأخبرهم بقاتله قال: ولـم تؤخذ البقرة إلا بوزنها ذهبـا قال: ولو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم، فلـم يورث قاتل بعد ذلك. ٨٦٤ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنـي أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية في قول اللّه إنّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة قال: كان رجل من بنـي إسرائيـل، وكان غنـيا ولـم يكن له ولد، وكان له قريب وكان وارثه، فقتله لـيرثه، ثم ألقاه علـى مـجمع الطريق، وأتـى موسى، فقال له: إن قريبـي قتل، وأتـى إلـيّ أمرٌ عظيـم، وإنـي لا أجد أحدا يبـين لـي من قتله غيرك يا نبـيّ اللّه قال: فنادى موسى فـي الناس: أنشد اللّه من كان عنده من هذا علـم إلا بـينه لنا فلـم يكن عندهم علـمه، فأقبل القاتل علـى موسى فقال: أنت نبـيّ اللّه ، فـاسأل لنا ربك أن يبـين لنا فسأل ربه فأوحى اللّه إلـيه: إنّ اللّه يأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فعجبوا وقالوا: أتَتّـخِذُنا هُزُوا قالَ أعُوذُ بـاللّه أنْ أكُونَ مِنَ الـجاهِلِـينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبكَ يُبَـيّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إنّه يَقُولُ إنّهَا بَقَرَة لا فـارِض يعنـي هرمة وَلا بكْر يعنـي ولا صغيرة عَوَان بـينَ ذلكَ أي نصف بـين البكر والهرمة، قالُوا ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَـيّنْ لَنا ما لَوْنُها قال إنهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَة صَفْرَاءُ فـاقِع لَوْنُها أي صاف لونها تَسُرّ النَاظِرِينَ أي تعجب الناظرين. قالُوا ادْعُ لَنا رَبكَ يُبَـيّنْ لَنا ما هِيَ إنّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَـيْنَا وَإنَا إنْ شاءَ اللّه لـمهتدون قال أنه يقول أنها بقرة لا ذلول أي يذللّها العمل تثـير الأرض يعنـي يسق بذلول فتثـير الأرض ولا تسقـي الـحرث يقول ولا تعمل فـي الـحرب مسلـمة يعنـي مسلـمة من العيوب لاشية فـيها. يقول لا بـياض فـيها. قالُوا الاَنَ جِئْتَ بـالـحَقّ فَذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ قال: ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها، ولكنهم شددوا علـى أنفسهم، فشدّد اللّه علـيهم. ولولا أن القوم استثنوا فقالوا إنا إن شاء اللّه لـمهتدون لـما هدوا إلـيها أبدا فبلغنا أنهم لـم يجدوا البقرة التـي نعتت لهم إلا عند عجوز عندها يتامى وهي القـيـمة علـيهم فلـما علـمت أنهم لا يزكو لهم غيرها أضعفت علـيهم الثمن فأتوا موسى فأخبروه أنهم لـم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة وأنها سألتهم أضعاف ثمنها فقال لهم موسى أن اللّه قد كان خفف علـيكم فشددتـم علـى أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها ففعلوا واشتروها فذبحوها فأمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فـيضربو به القتـيـل ففعلوا فرجع إلـيه روحه فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان فأخذوا قاتله وهو الذي كان أتـى موسى فشكى إلـيه فقتله اللّه علـى أسوء عمله. حدثنـي موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسبـاط عن السدي وإذ قال موسى لقومه إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة قال كان رجل من بنـي إسرائيـل مكثرا من الـمال، وكانت له ابنة وكان له ابن أخ مـحتاج. فخطب إلـيه ابن أخيه ابنته فأبى أن يزوّجه إياها، فغضب الفتـى وقال: واللّه لأقتلنّ عمي ولاَخذنّ ماله ولأنكحنّ ابنته ولاَكلنّ ديته فأتاه الفتـى وقد قدم تـجار فـي بعض أسبـاط بنـي إسرائيـل، فقال: يا عم انطلق معي فخذ لـي من تـجارة هؤلاء القوم لعلـي أصيب منها، فإنهم إذا رأوك معي أعطونـي. فخرج العم مع الفتـى لـيلاً، فلـما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتـى ثم رجع إلـى أهله. فلـما أصبح جاء كأنه يطلب عمه، كأنه لا يدري أين هو فلـم يجده، فـانطلق نـحوه فإذا هو بذلك السبط مـجتـمعين علـيه، فأخذهم وقال: قتلتـم عمي فأدّوا إلـيّ ديته. وجعل يبكي ويحثو التراب علـى رأسه وينادي واعماه. فرفعهم إلـى موسى، فقضى علـيهم بـالدية، فقالوا له: يا رسول اللّه : ادع لنا حتـى يتبـين له من صاحبه فـيؤخذ صاحب الـجريـمة، فواللّه إن ديته علـينا لهينة، ولكنا نستـحي أن نعير به. فذلك حين يقول اللّه جل ثناؤه: وَإذْ قَتَلْتُـمْ نَفْسا فـادّارَأتُـمْ فـيها وَاللّه مُخْرِجٌ ما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ فقال لهم موسى: إنّ اللّه يأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالوا: نسألك عن القتـيـل وعمن قتله وتقول اذبحوا بقرة، أتهزأ بنا؟ قال موسى: أعُوذُ بـاللّه أنْ أكُونَ مِنَ الـجَاهِلِـينَ قال: قال ابن عبـاس : فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شدّدوا وتعنتوا موسى، فشدد اللّه علـيهم فقالوا: ادْعُ لَنا رَبّكَ يُبَـيّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إنّهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَةٌ لا فـارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بـينَ ذلكَ والفـارض: الهرمة التـي لا تلد، والبكر: التـي لـم تلد إلا ولدا واحدا، والعوان: النصف التـي بـين ذلك التـي قد ولدت وولد ولدها فـافعلوا ما تؤمرون. قالُوا ادْعُ لَنا رَبّكَ يُبَـيّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إنّهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فـاقِعٌ لَوْنُها تَسُرّ النّاظِرِينَ قال: تعجب الناظرين: قالُوا ادْعُ لَنا رَبّكَ يُبَـيّنُ لَنا ما هِيَ إنّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَـيْنا وَإنّا إنْ شاءَ اللّه لَـمُهْتَدُونَ قالَ إنّهُ يَقُولُ إنّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِـيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِـي الـحَرْثَ مُسَلّـمَةٌ لا شِيَةَ فِـيها من بـياض ولا سواد ولا حمرة. قالُوا الاَنَ جِئْتَ بـالـحَقّ فطلبوها فلـم يقدروا علـيها. وكان رجل من بنـي إسرائيـل من أبرّ الناس بأبـيه. وأن رجلاً مرّ به معه لؤلؤ يبـيعه، فكان أبوه نائما تـحت رأسه الـمفتاح، فقال له الرجل: تشتري منـي هذا اللؤلؤ بسبعين ألفـا؟ فقال له الفتـى: كما أنت حتـى يستـيقظ أبـي فآخذه بثمانـين ألفـا. فقال له الاَخر: أيقظ أبـاك وهو لك بستـين ألفـا. فجعل التاجر يحطّ له حتـى بلغ ثلاثـين ألفـا، وزاد الاَخر علـى أن ينتظر حتـى يستـيقظ أبوه حتـى بلغ مائة ألف. فلـما أكثر علـيه قال: لا واللّه لا أشتريه منك بشيء أبدا، وأبى أن يوقظ أبـاه. فعوّضه اللّه من ذلك اللؤلؤ أن جعل له تلك البقرة، فمرّت به بنو إسرائيـل يطلبون البقرة، فأبصروا البقرة عنده، فسألوه أن يبـيعهم إياها بقرة ببقرة فأبى، فأعطوه ثنتـين فأبى، فزادوه حتـى بلغوا عشرا فأبى، فقالوا: واللّه لا نتركك حتـى نأخذها منك. فـانطلقوا به إلـى موسى، فقالوا: يا نبـيّ اللّه إنا وجدنا البقرة عند هذا فأبى أن يعطيناها، وقد أعطيناه ثمنا. فقال له موسى: أعطهم بقرتك فقال: يا رسول اللّه أنا أحقّ بـمالـي. فقال: صدقت، وقال للقوم: أرضوا صاحبكم فأعطوه وزنها ذهبـا فأبى، فأضعفوا له مثل ما أعطوه وزنها حتـى أعطوه وزنها عشر مرّات، فبـاعهم إياها وأخذ ثمنها. فقال: اذبحوها فذبحوها، فقال: اضربوه ببعضها فضربوه بـالبضعة التـي بـين الكتفـين فعاش، فأسلوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي قال: أقتله وآخذ ماله وأنكح ابنته. فأخذوا الغلام فقتلوه. ٨٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، عن مـجاهد. وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، قال: حدثنـي خالد بن يزيد، عن مـجاهد. وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل، عن عبد الكريـم، قال: حدثنـي عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبـا يذكر. وحدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، وحجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب القرظي ومـحمد بن قـيس. وحدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنـي أبـي، قال: حدثنـي عمي، قال: أخبرنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس . فذكر جميعهم: أن السبب الذي من أجله قال لهم موسى: إنّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً نـحو السبب الذي ذكره عبـيدة وأبو العالـية والسدي. غير أن بعضهم ذكر أن الذي قتل القتـيـل الذي اختصم فـي أمره إلـى موسى كان أخا الـمقتول. وذكر بعضهم أنه كان ابن أخيه. وقال بعضهم: بل كانوا جماعة ورثة استبطئوا حياته. إلا أنهم جميعا مـجمعون علـى أن موسى إنـما أمرهم بذبح البقرة من أجل القتـيـل إذا احتكموا إلـيه عن أمر اللّه إياهم بذلك، فقالوا له: وما ذبح البقرة يبـين لنا خصومتنا التـي اختصمنا فـيها إلـيك فـي قتل من قتل فـادعى علـى بعضنا أنه القاتل أتهزأ بنا؟ كما: ٨٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قتل قتـيـل من بنـي إسرائيـل، فطرح فـي سبط من الأسبـاط. فأتـى أهل ذلك القتـيـل إلـى ذلك السبط، فقالوا: أنتـم واللّه قتلتـم صاحبنا قالوا: لا واللّه . فأتوا موسى، قالوا: هذا قتـيـلنا بـين أظهرهم وهم واللّه قتلوه. فقالوا: لا واللّه يا نبـيّ اللّه طرح علـينا. فقال لهم موسى: إنّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فقالوا: أتستهزىء بنا؟ وقرأ قول اللّه جل ثناؤه: أتَتّـخِذُنا هُزُوا قالوا: نأتـيك فنذكر قتـيـلنا والذي نـحن فـيه فتستهزىء بنا؟ فقال موسى: أعُوذُ بـاللّه أنْ أكُونَ مِنَ الـجاهِلِـينَ. ٨٦٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد وحجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب القرظي، ومـحمد بن قـيس: لـما أتـى أولـياء القتـيـل والذين ادّعوا علـيهم قتل صاحبهم موسى وقصوا قصتهم علـيه، أوحى اللّه إلـيه أن يذبحوا بقرة، فقال لهم موسى: إنّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أتَتّـخِذُنَا هُزُوا قالَ أعُوذُ بـاللّه أنْ أكُونَ مِنَ الـجاهِلِـينَ قالوا: وما البقرة والقتـيـل؟ قال: أقول لكم إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة، وتقولون: أتتـخذنا هزوا قال أبو جعفر: فقال الذين قـيـل لهم: إنّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذبَحُوا بَقَرَةً بعد أن علـموا واستقرّ عندهم أن الذي أمرهم به موسى علـيه السلام من ذلك عن أمر اللّه من ذبح بقرة جدّ وحق: ادْعُ لَنا رَبّكَ يُبَـيّنُ لَنا مَا هِيَ فسألوا موسى أن يسأل ربه لهم ما كان اللّه قد كفـاهم بقوله لهم: اذبحوا بقرة لأنه جل ثناءه إنـما أمرهم بذبح بقرة من البقر أي بقرة شاءوا ذبحها من غير أن يحصر لهم ذلك علـى نوع منها دون نوع أو صنف دون صنف، فقالوا بجفـاء أخلاقهم وغلظ طبـائعهم وسوء أفهامهم، وتكلف ما قد وضع اللّه عنهم مؤنته، تعنتا منهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. كما: ٨٦٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنـي، أبـي، قال: حدثنـي عمي، قال: حدثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: لـما قال لهم موسى: أعُوذُ بـاللّه أنْ أكُونَ مِنَ الـجاهِلِـين قالوا له يتعنتونه: ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَـيّنُ لَنا ما هيَ فلـما تكلفوا جهلاً منهم ما تكلفوا من البحث عما كانوا قد كفوه من صفة البقرة التـي أمروا بذبحها تعنتا منهم بنبـيهم موسى صلوات اللّه علـيه بعد الذي كانوا أظهروا له من سوء الظن به فـيـما أخبرهم عن اللّه جل ثناؤه بقولهم: أتَتّـخِذُنا هُزُوا عاقبهم عز وجل بأن خصّ بذبح ما كان أمرهم بذبحه من البقر علـى نوع منها دون نوع، فقال لهم جل ثناؤه إذ سألوه فقالوا: ما هي صفتها وما حلـيتها؟ حَلّها لنا لنعرفها قالَ إنّهَا بَقَرَةٌ لا فَـارِضٌ وَلا بِكْرٌ يعنـي بقوله جل ثناؤه: لا فـارض: لا مسنة هرمة، يقال منه: فرضت البقرة تفرض فروضا، يعنـي بذلك أسنّت، ومن ذلك قول الشاعر: يا رُبّ ذِي ضِغْنٍ عَلَـيّ فـارِضِلَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الـحائِضِ يعنـي بقوله فـارض: قديـم يصف ضغنا قديـما. ومنه قول الاَخر: لَهُ زِجاجٌ ولَهَاةُ فـارِرُضهَدْلاء كالوَطْبِ نَـحَاهُ الـمَاخِضُ وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل فـارض قال الـمتأوّلون. ذكر من قال ذلك: ٨٦٩ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد الكندي، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن مـجاهد: لا فـارِض قال: لا كبـيرة. ٨٧٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، أو عن عكرمة، شك شريك لا فَـارِضٌ قال: الكبـيرة. ٨٧١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: أخبرنـي أبـي، قال: حدثنـي عمي، قال: حدثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: لا فـارِضٌ الفـارض: الهرمة. حدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس : لا فـارِضٌ يقول: لـيست بكبـيرة هرمة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس : لا فـارِضٌ الهرمة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الفـارض: الكبـيرة. حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن مـجاهد قوله: لا فـارِض قال: الكبـيرة. ٨٧٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: لا فـارِضٌ يعنـي لا هرمة. ٨٧٣ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله. ٨٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: الفـارض: الهرمة. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: قال معمر، قال قتادة: الفـارض: الهرمة يقول: لـيست بـالهرمة ولا البكر عوان بـين ذلك. ٨٧٥ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: الفـارض: الهرمة التـي لا تلد. ٨٧٦ـ وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الفـارض: الكبـيرة. القول فـي تأويـل قوله تعالى: ولا بِكْر. والبكر من إناث البهائم وبنـي آدم ما لـم يفتـحله الفحل، وهي مكسورة البـاء لـم يسمع منه (فَعَل) ولا (يفعل)وأما (البَكْر) بفتـح البـاء فهو الفتـى من الإبل. وإنـما عنى جل ثناؤه بقوله وَلا بِكْر ولا صغيرة لـم تلد. كما: ٨٧٧ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد الكندي، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن مـجاهد: وَلا بِكْر صغيرة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: البكر: الصغيرة. ٨٧٨ـ حدثنا أبو كريب قال: حدثنا الـحسن بن عطية، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن سعيد، عن ابن عبـاس أو عكرمة شك: ولا بِكْر قال: الصغيرة. ٨٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عبـاس : ولا بِكْر الصغيرة. ٨٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة: ولا بِكْرٌ ولا صغيرة. حدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس : وَلا بكْرٌ ولا صغيرة ضعيفة. ٨٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع: عن أبـي العالـية: وَلا بِكْرٌ يعنـي ولا صغيرة. ٨٨٢ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله. ٨٨٣ـ وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: فـي (البكر) لـم تلد إلا ولدا واحدا. القول فـي تأويـل قوله تعالى: عَوَانٌ. قال أبو جعفر: العوان: النصف التـي قد ولدت بطنا بعد بطن، ولـيست بنعت للبكر، يقال منه: قد عوّنت إذا صارت كذلك. وإنـما معنى الكلام أنه يقول: إنها بقرة لا فـارض ولا بكر بل عوان بـين ذلك. ولا يجوز أن يكون عوان إلا مبتدأ، لأن قوله: بَـيْنَ ذَلِكَ كناية عن الفـارض والبكر، فلا يجوز أن يكون متقدما علـيهما. ومنه قول الأخطل: وَما بِـمَكّةَ مِنْ شُمْطٍ مُـحَفّلَةٍوَما بِـيَثْرِبَ مِنْ عُونٍ وأبْكارٍ وجمعها عون يقال: امرأة عَوَانٌ من نسوة عُونٍ. ومنه قول تـميـم بن مقبل: وَمأتـم كالدّمَى حُورٍ مَدَامِعُهالَـمْ تَبْأسِ العَيْشَ أبْكارا وَلا عُونَا وبقرة عوان وبقر عون قال: وربـما قالت العرب: بقرٌ عُون، مثل رسل يطلبون بذلك الفرق بـين جمع عوان من البقر، وجمع عانة من الـحمر. ويقال: هذه حرب عوان: إذا كانت حربـا قد قوتل فـيها مرّة بعد مرة، يـمثل ذلك بـالـمرأة التـي ولدت بطنا بعد بطن. وكذلك يقال: حالة عوان إذا كانت قد قضيت مرة بعد مرة. ٨٨٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب أن ابن زيد أنشده: قُعُود لَدَى الأبْوَابِ طُلاّبُ حاجَةٍعَوَانٍ مِنَ الـحاجاتِ أوْ حاجَةً بِكْرا قال أبو جعفر: والبـيت للفرزدق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك تأوله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. ٨٨٥ـ حدثنا علـيّ بن سعد الكندي، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن مـجاهد: عَوَانٌ بـينَ ذلكَ: وسط قد ولدن بطنا أو بطنـين. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: عَوانٌ قال: العوان: العانس النصف. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: العوان: النصف. ٨٨٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس أو عكرمة، شكّ شريك: عَوَانٌ قال: بـين ذلك. ٨٨٧ـ حدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس : عَوَانٌ قال بـين الصغيرة والكبـيرة، وهي أقوى ما تكون من البقر والدوابّ وأحسن ما تكون. ٨٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس : عَوَانٌ قال: النصف. ٨٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: عَوَانٌ نصف. ٨٩٠ـ وحدثت عن عمار، عن ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله. ٨٩١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: العوان: نصف بـين ذلك. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن مـجاهد: عَوَانٌ التـي تنتـج شيئا بشرط أن تكون التـي قد نتـجت بكرة أو بكرتـين. ٨٩٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: العوان: النصف التـي بـين ذلك، التـي قد ولدت وولد ولدها. ٨٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: العوان: بـين ذلك لـيست ببكر ولا كبـير. القول فـي تأويـل قوله تعالى: بَـيْن ذلكَ. يعنـي بقوله: بـينَ ذلكَ: بـين البكر والهرمة. كما: ٨٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: بـينَ ذلكَ: أي بـين البكر والهرمة. فإن قال قائل: قد علـمت أن (بـين) لا تصلـح إلا أن تكون مع شيئين فصاعدا، فكيف قـيـل بـين ذلك وذلك واحد فـي اللفظ؟ قـيـل: إنـما صلـحت مع كونها واحدة، لأن (ذلك) بـمعنى اثنـين، والعرب تـجمع فـي (ذلك) و(ذاك) شيئين ومعنـيـين من الأفعال، كما يقول القائل: أظنّ أخاك قائما، وكان عمرو أبـاك، ثم يقول: قد كان ذاك، وأظن ذلك. فـيجمع بذلك وذاك الاسم والـخبر الذي كان لا بد ل(ظَنّ) و(كان) منهما. فمعنى الكلام: قال: إنه يقول أنها بقرة لا مسنة هرمة ولا صغيرة لـم تلد، ولكنها بقرة نصف قد ولدت بطنا بعد بطن بـين الهرم والشبـاب. فجمع ذلك معنى الهرم والشبـاب لـما وصفنا، ولو كان مكان الفـارض والبكر اسما شخصين لـم يجمع مع بـين ذلك، وذلك أن (ذلك) لا يؤدي عن اسم شخصين، وغير جائز لـمن قال: كنت بـين زيد وعمرو، أن يقول: كنت بـين ذلك، وإنـما يكون ذلك مع أسماء الأفعال دون أسماء الأشخاص. القول فـي تأويـل قوله تعالى: فـافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ. يقول اللّه لهم جل ثناؤه: افعلوا ما آمركم به تدركوا حاجاتكم وطلبـاتكم عندي، واذبحوا البقرة التـي أمرتكم بذبحها، تصلوا بـانتهائكم إلـى طاعتـي بذبحها إلـى العلـم بقاتل قتـيـلكم. |
﴿ ٦٨ ﴾