٩٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى:

{وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَىَ حَيَاةٍ ...}

يعنـي بقوله جل ثناؤه: وَلَتَـجِدَنّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ علـى حَياةٍ الـيهود

يقول: يا مـحمد لتـجدن أشدّ الناس حرصا علـى الـحياة فـي الدنـيا وأشدّهم كراهة للـموت الـيهود. كما:

١١٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد فـيـما يروي أبو جعفر عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس : وَلَتَـجِدَنّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ علـى حَياةٍ يعنـي الـيهود.

١١٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن أبـي العالـية: وَلَتَـجِدَنّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ علـى حَياةٍ يعنـي الـيهود.

١١٨٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

١١٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

وإنـما كراهتهم الـموت لعلـمهم بـما لهم فـي الاَخرة من الـخزي والهوان الطويـل.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَمِنَ الّذِينَ أشْرَكُوا.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَمِنَ الّذِينَ أشْرَكُوا وأحرص من الذين أشركوا علـى الـحياة، كما يقال: هو أشجع الناس ومن عنترة، بـمعنى: هو أشجع من الناس ومن عنترة، فكذلك قوله: وَمِنَ الّذِينَ أشْرَكُوا لأن معنى الكلام: ولتـجدنّ يا مـحمد الـيهود من بنـي إسرائيـل أحرص الناس علـى حياة ومن الذين أشركوا. فلـما أضيف (أحرص) إلـى (الناس)، وفـيه تأويـل (من) أظهرت بعد حرف العطف ردّا علـى التأويـل الذي ذكرناه.

وإنـما وصف اللّه جل ثناؤه الـيهود بأنهم أحرص الناس علـى الـحياة لعلـمهم بـما قد أعدّ لهم فـي الاَخرة علـى كفرهم بـما لا يقرّ به أهل الشرك، فهم للـموت أكره من أهل الشرك الذين لا يؤمنون بـالبعث لأنهم يؤمنون بـالبعث، ويعلـمون ما لهم هنالك من العذاب، وأن الـمشركين لا يصدّقون بـالبعث، ولا العقاب. فـالـيهود أحرص منهم علـى الـحياة وأكره للـموت.

وقـيـل: إن الذين أشركوا الذين أخبر اللّه تعالـى ذكره أن الـيهود أحرص منهم فـي هذه الآية علـى الـحياة هم الـمـجوس الذين لا يصدّقون بـالبعث. ذكر من قال هم الـمـجوس:

١١٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: وَمِنَ الّذِينَ أشْرَكُوا يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ يعنـي الـمـجوس.

١١٨٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع وَمِنَ الّذِينَ أشْرَكُوا يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ قال: الـمـجوس.

١١٨٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنـي ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَمِنَ الّذِينَ أشْرَكُوا قال: يهود أحرص من هؤلاء علـى الـحياة. ذكر من قال: هم الذين ينكرون البعث:

١١٨٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد فـيـما يروي أبو جعفر، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس : وَلَتَـجِدنّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ علـى حَياةٍ وَمِنَ الّذِينَ أشْرَكُوا وذلك أن الـمشرك لا يرجو بعثا بعد الـموت فهو يحبّ طول الـحياة، وأن الـيهودي قد عرف ما له فـي الاَخرة من الـخزي بـما ضيع مـما عنده من العلـم.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ.

هذا خبر من اللّه جل ثناؤه بقوله عن الذين أشركوا، الذين أخبر أن الـيهود أحرص منهم علـى الـحياة، يقول جل ثناؤه: يودّ أحد هؤلاء الذين أشركوا إلا بعد فناء دنـياه وانقضاء أيام حياته أن يكون له بعد ذلك نشور أو مـحيا أو فرح أو سرور لو يعمر ألف سنة حتـى جعل بعضهم تـحية بعض عشرة آلاف عام حِرْصا منهم علـى الـحياة. كما:

١١٨٨ـ حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق، قال: سمعت أبـي علـيا، أخبرنا أبو حمزة، عن الأعمش، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس في قوله: يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ قال: هو قول الأعاجم سأل زه نوروز مهرجان حر.

١١٨٩ـ وحدثت عن نعيـم النـحوي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ قال: هو قول أهل الشرك بعضهم لبعض إذا عطس: زه هزارسال.

١١٩٠ـ حدثنا إبراهيـم بن سعيد ويعقوب بن إبراهيـم، قالا: حدثنا إسماعيـل بن علـية، عن ابن أبـي نـجيح عن قتادة في قوله: يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ قال: حُببت إلـيهم الـخطيئة طول العمر.

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: حدثنـي ابن معبد، عن ابن علـية، عن ابن أبـي نـجيح في قوله: يَوَدّ أحَدُهُمْ فذكر مثله.

١١٩١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: وَلَتَـجِدَنّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ علـى حَياةٍ حتـى بلغ: لَوْ يُعَمّرُ ألْف سَنَةٍ يهود أحرص من هؤلاء علـى الـحياة، وقد ودّ هؤلاء لو يعمّر أحدهم ألف سنة.

١١٩٢ـ وحدثت عن أبـي معاوية، عن الأعمش، عن سعيد، عن ابن عبـاس في قوله: يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ قال: هو قول أحدهم إذا عطس زه هزار سال،

يقول: عشرة آلاف سنة.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَمَا هُوَ بِـمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أنْ يُعَمّرَ يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَمَا هُوَ بِـمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أنْ يُعَمّرَ وما التعمير وهو طول البقاء بـمُزَحْزِحه من عذاب اللّه وقوله: هُوَ عماد لطلب (ما) الاسم أكثر من طلبها الفعل، كما قال الشاعر:

فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِـمَا هَهُنَا رأسُ

و(أن) التـي فـي: أنْ يُعَمّرَ رفع بـمزحزحه، أو هو الذي مع (ما) تكرير عماد للفعل لاستقبـاح العرب النكرة قبل الـمعرفة. وقد قال بعضهم إن (هو) الذي مع (ما) كناية ذكر العمر، كأنه قال: يودّ أحدهم لو يعمر ألف سنة، وما ذلك العمر بـمزحزحه من العذاب. وجعل (أن يعمر) مترجما عن (هو)، يريد: ما هو بـمزحزحه التعمير.

وقال بعضهم: قوله: وَمَا هُوَ بِـمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أنْ يُعَمّرَ نظير قولك: ما زيد بـمزحزحه أن يعمر. وأقرب هذه الأقوال عندنا إلـى الصواب ما قلنا، وهو أن يكون هو عمادا نظير قولك: ما هو قائم عمرو.

وقد قال قوم من أهل التأويـل: إن (أن) التـي في قوله: (أن يعمر) بـمعنى: وإن عمّر، وذلك قول لـمعانـي كلام العرب الـمعروف مخالف. ذكر من قال ذلك:

١١٩٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع عن أبـي العالـية: ومَا هُوَ بِـمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أنْ يُعَمّرَ

يقول: وإن عمر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع مثله.

١١٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أن يعمر ولو عمر.

وأما تأويـل قوله: بِـمُزَحْزِحِهِ فإنه بـمبعده ومُنَـحّيه، كما قال الـحُطَيئة:

وقالُوا تَزَحْزَحْ ما بِنا فَضْلُ حاجَةٍإلَـيْكَ وَما مِنّا لِوَهْيِكَ رَاقِعُ

يعنـي بقوله تزحزح: تبـاعد، يقال منه: زحزحه يزحزحه زحزحةً وزِحزاحا، وهو عنك متزحزح: أي متبـاعد.

فتأويـل الآية: وما طول العمر بـمبعده من عذاب اللّه ولا منـحيه منه لأنه لا بد للعمر من الفناء ومصيره إلـى اللّه . كما:

١١٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي ابن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد فـيـما أُري، عن سعيد بن جبـير، أو عن عكرمة، عن ابن عبـاس : وَمَا هُوَ بِـمُزَحْزحِهِ مِنَ العَذَابِ أنْ يُعَمّرَ أي ما هو بـمنـحّيه من العذاب.

١١٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: وَمَا هُوَ بِـمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أنْ يُعَمّرَ

يقول: وإن عمر، فما ذاك بـمغيثه من العذاب ولا منـجّيه.

حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

١١٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنـي أبـي، قال: حدثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِـمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ فهم الذين عادوا جبريـل علـيه السلام.

١١٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِـمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أنْ يُعَمّرَ ويهود أحرص علـى الـحياة من هؤلاء، وقد ودّ هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة، ولـيس ذلك بـمزحزحه من العذاب لو عُمّر كما عُمّر إبلـيس لـم ينفعه ذلك، إذ كان كافرا ولـم يزحزحه ذلك عن العذاب.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: واللّه بَصِير بِـمَا يَعْمَلُونَ يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَاللّه بَصِير بِـمَا يَعْمَلُونَ واللّه ذو إبصار بـما يعملون، لا يخفـى علـيه شيء من أعمالهم، بل هو بجميعها مـحيط ولها حافظ ذاكر حتـى يذيقهم بها العقاب جزاءها. وأصل بصير مبصر من قول القائل: أبصرت فأنا مبصر ولكن صرف إلـى فعيـل، كما صرف مسمع إلـى سميع، وعذاب مؤلـم إلـى ألـيـم، ومبدع السموات إلـى بديع، وما أشبه ذلك.

﴿ ٩٦