١٨٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ...}

قال أبو جعفر: الشهر فـيـما قـيـل أصله من الشهرة، يقال منه: قد شهر فلان سيفه إذا أخرجه من غمده فـاعترض به من أراد ضربه، يشهره شهرا وكذلك شهر الشهر إذا طلع هلاله، وأشهرنا نـحن إذا دخـلنا فـي الشهروأما رمضان فإن بعض أهل الـمعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمي بذلك لشدة الـحرّ الذي كان يكون فـيه حتـى تَرْمَضُ فـيه الفصال كما يقال للشهر الذي يحجّ فـيه ذو الـحجة، والذي يرتبع فـيه ربـيع الأول وربـيع الاَخروأما مـجاهد فإنه كان يكره أن يقال رمضان و

يقول: لعله اسم من أسماء اللّه .

٢٢٦٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن مـجاهد أنه كره أن يقال رمضان، و

يقول: لعله اسم من أسماء اللّه ، لكن نقول كما قال اللّه : شَهْرُ رَمَضَان.

وقد بـينت فـيـما مضى أن (شهر) مرفوع علـى قوله: أياما معدودات، هن شهر رمضان، وجائز أن يكون رفعه بـمعنى ذلك شهر رمضان، وبـمعنى كتب علـيكم شهر رمضان. وقد قرأه بعض القرّاء: (شَهْرَ رَمَضَانَ) نصبـا، بـمعنى: كتب علـيكم الصيام أن تصوموا شهر رمضان. وقرأه بعضهم نصبـا بـمعنى أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتـم تعلـمون. وقد يجوز أيضا نصبه علـى وجه الأمر بصومه كأنه

قـيـل: شهر رمضان فصوموه، وجائز نصبه علـى الوقت كأنه

قـيـل: كتب علـيكم الصيام فـي شهر رمضان.

وأما قوله: الّذي أُنْزلَ فـيهِ القُرآنُ فإنه ذكر أنه نزل فـي لـيـلة القدر من اللوح الـمـحفوظ إلـى سماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر من شهر رمضان، ثم أنزل إلـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم علـى ما أراد اللّه إنزاله إلـيه. كما:

٢٢٦٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن حسان بن أبـي الأشرس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قال: أنزل القرآن جملة من الذكر فـي لـيـلة أربع وعشرين من رمضان، فجعل فـي بـيت العزّة. قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر، وقال ذلك السدي.

٢٣حدثنـي عيسى بن عثمان، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبـير، قال: نزل القرآن جملة واحدة فـي لـيـلة القدر فـي شهر رمضان، فجعل فـي سماء الدنـيا.

٢٢٦٨ـ حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا عبد اللّه بن رجاء، قال: حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن ابن أبـي الـملـيح عن واثلة، عن النبـي صلى اللّه عليه وسلم، قال: (نزلتْ صُحُف إبراهِيـمَ أوّلَ لَـيْـلَةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَت التّوْرَاةُ لِستّ مَضَيْنَ من رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ الإنـجيـلُ لثَلاثَ عَشْرَةَ خَـلَتْ، وأُنْزِلَ القُرآنُ لأَرْبَعٍ وعِشْرين مِنْ رَمَضَان).

٢٢٦٩ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرْآنُ، أما أنزل فـيه القرآن، فإن ابن عبـاس قال: شهر رمضان، واللـيـلة الـمبـاركة: لـيـلة القدر، فإن لـيـلة القدر هي اللـيـلة الـمبـاركة، وهي من رمضان، نزل القرآن جملة واحدة من الزّبر إلـى البـيت الـمعمور، وهو مواقع النـجوم، فـي السماء الدنـيا حيث وقع القرآن، ثم نزل علـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك فـي الأمر والنهي وفـي الـحروب رَسَلاً رَسَلاً.

٢٢٧٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: أنزل اللّه القرآن إلـى السماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر، فكان اللّه إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، فهوقوله: أنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةِ القَدْرِ.

٢٢٧١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فذكر نـحوه، وزاد فـيه: فكان بـين أوله وآخره عشرون سنة.

٢٢٧٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: أنزل القرآن كله جملة واحدة فـي لـيـلة القدر فـي رمضان إلـى السماء الدنـيا، فكان اللّه إذا أراد أن يحدث فـي الأرض شيئا أنزله منه حتـى جمعه.

٢٢٧٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن حكيـم بن جبـير، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قال: أنزل القرآن فـي لـيـلة القدر من السماء العلـيا إلـى السماء جملة واحدة، ثم فرّق فـي السنـين بعدُ قال: وتلا ابن عبـاس هذه الآية: فَلا أقْسِمُ بِـمَواقِع النّـجُوم قال: نزل مفرّقا.

٢٢٧٤ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـي، قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلـى السماء الدنـيا.

٢٢٧٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قرأه ابن جريج فـي قوله: شَهْرُ رَمَضَان الّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ قال:

قال ابن عبـاس : أنزل القرآن جملة واحدة علـى جبريـل فـي لـيـلة القدر، فكان لا ينزل منه إلا بأمر. قال ابن جريج: كان ينزل من القرآن فـي لـيـلة القدر كل شيء ينزل من القرآن فـي تلك السنة، فنزل ذلك من السماء السابعة علـى جبريـل فـي السماء الدنـيا، فلا يُنزل جبريـل من ذلك علـى مـحمد إلا ما أمره به ربه ومثل ذلك: إنّا أنْزَلْناهُ فِـي لَـيْـلَةِ القَدْرِ وإنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةً مبَـاركَةٍ.

٢٢٧٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن إسرائيـل، عن السدي، عن مـحمد بن أبـي الـمـجالد، عن مقسم، عن ابن عبـاس قال له رجل: إنه قد وقع فـي قلبـي الشك من قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الّذي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ

وقوله: إنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةٍ مُبَـاركَةٍ

وقوله: إنّا أنْزَلْنَاه فِـي لَـيْـلَةٍ القَدْرِ وقد أنزل اللّه فـي شوّال وذي القعدة وغيره قال: إنـما أنزل فـي رمضان فـي لـيـلة القدر ولـيـلة مبـاركة جملة واحدة، ثم أنزل علـى مواقع النـجوم رَسَلاً فـي الشهور والأيام.

وأما قوله هُدىً للنّاسِ فإنه يعنـي رشادا للناس إلـى سبـيـل الـحقّ وقصد الـمنهج.

وأما قوله: وَبَـيّناتٍ فإنه يعنـي: وواضحات من الهدى، يعنـي من البـيان الدالّ علـى حدود اللّه وفرائضه وحلاله وحرامه.

وقوله: والفُرْقَان يعنـي: والفصل بـين الـحق والبـاطل. كما:

٢٢٧٧ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: أما وَبَـيّناتٍ مِنَ الهُدَى والفُرْقان فبـينات من الـحلال والـحرام.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.

اختلف أهل التأويـل فـي معنى شهود الشهر.

فقال بعضهم: هو مقام الـمقـيـم فـي داره،

قالوا: فمن دخـل علـيه شهر رمضان وهو مقـيـم فـي داره فعلـيه صوم الشهر كله، غاب بعد فسافر أو أقام فلـم يبرح.ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن حميد ومـحمد بن عيسى الدامغانـي، قالا، حدثنا ابن الـمبـارك، عن الـحسن بن يحيى، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس فـي قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ قال: هو إهلاله بـالدار. يريد إذ هلّ وهو مقـيـم.

٢٢٧٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عمن حدثه، عن ابن عبـاس أنه قال فـي قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ فإذا شهده وهو مقـيـم فعلـيه الصوم أقام أو سافر، وإن شهده وهو فـي سفر، فإن شاء صام وإن شاء فطر.

٢٢٨٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أيوب، عن مـحمد، عن عبـيدة فـي الرجل يدركه رمضان ثم يسافر، قال: إذا شهدت أوله فضم آخره، ألا تراه

يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.

٢٢٨١ـ حدثنـي يعقوب قال: حدثنا ابن علـية، عن هشام الفردوسي، عن مـحمد بن سيرين، قال: سألت عبـيدة، عن رجل أدرك رمضان وهو مقـيـم، قال: من صام أول الشهر فلـيصم آخره، ألا تراه

يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.

٢٢٨٢ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: أما من شهد منكم الشهر فلـيصمه، فمن دخـل علـيه رمضان وهو مقـيـم فـي أهله فلـيصمه، وإن خرج فـيه فلـيصمه فإنه دخـل علـيه وهو فـي أهله.

٢٢٨٣ـ حدثنـي الـمثنى،، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا قتادة، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة السلـمانـي، عن علـيّ فـيـما يحسب حماد، قال: من أدرك رمضان وهو مقـيـم ولـم يخرج فقد لزمه الصوم، لأن اللّه

يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.

٢٢٨٤ـ حدثنا هناد بن السرّي

قال: حدثنا عبد الرحمن، عن إسماعيـل بن مسلـم، عن مـحمد بن سيرين، قال: سألت عبـيدة السلـمانـي عن قول اللّه : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ قال: من كان مقـيـما فلـيصمه، ومن أدركه ثم سافر فـيه فلـيصمه.

٢٢٨٥ـ حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبـيدة، قال: من أشهد أول رمضان فلـيصم آخره.

٢٢٨٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة أن علـيا كان

يقول: إذا أدركه رمضان وهو مقـيـم ثم سافر فعلـيه الصوم.

٢٢٨٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبد الرحيـم، عن عبـيدة الضبـي، عن إبراهيـم قال: كان

يقول: إذا أدركك رمضان فلا تسافر فـيه، فإن صمت فـيه يوما أو اثنـين ثم سافرت فلا تفطر، صمه.

٢٢٨٨ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبـي البختري، قال: كنا عند عبـيدة، فقرأ هذه الآية: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ قال: من صام شيئا منه فـي الـمصر فلـيصم بقـيته إذا خرج قال: وكان ابن عبـاس

يقول: إن شاء صام، وإن شاء أفطر.

٢٢٨٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قالا جميعا، حدثنا أيوب، عن أبـي يزيد، عن أم درّة قالت: أتـيت عائشة فـي رمضان، قالت: من أين جئت؟ قلت: من عند أخي حنـين، قالت: ما شأنه؟ قالت: ودّعته يريد يرتـحل، قالت: فأقرئيه السلام ومريه فلـيقم، فلو أدركنـي رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له.

٢٢٩٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى، عن أفلـح، عن عبد الرحمن، قال: جاء إبراهيـم بن طلـحة إلـى عائشة يسلـم علـيها، قالت: وأين تريد؟ قال: أردت العمرة، قالت: فجلست حتـى إذا دخـل علـيك الشهر خرجت فـيه قال: قد خرج ثقلـي، قالت: اجلس حتـى إذا أفطرت فـاخرج يعنـي شهر رمضان.

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن شهد منكم الشهر فلـيصمه ما شهد منه. ذكر من قال ذلك:

٢٢٩١ـ حدثنا هناد بن السري، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق: أن أبـا ميسرة خرج فـي رمضان حتـى إذا بلغ القنطرة دعا ماءً فشرب.

٢٢٩٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: خرج أبو ميسرة فـي رمضان مسافرا، فمرّ بـالفرات وهو صائم، فأخذ منه كفّـا فشربه وأفطر.

٢٢٩٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن مرثد: أن أبـا ميسرة سافر فـي رمضان فأفطر عند بـاب الـجسر هكذا قال هناد عن مرثد، وإنـما هو أبو مرثد.

٢٢٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيـل عن أبـي إسحاق، عن مرثد: أنه خرج مع أبـي ميسرة فـي رمضان، فلـما انتهى إلـى الـجسر أفطر.

٢٢٩٥ـ حدثنا هناد وأبو هشام قالا: حدثنا وكيع، عن الـمسعودي، عن الـحسن بن سعد، عن أبـيه، قال: كنت مع علـيّ فـي ضيعة له علـى ثلاث من الـمدينة، فخرجنا نريد الـمدينة فـي شهر رمضان وعلـيّ راكب وأنا ماش، قال: فصام قال هناد: وأفطرت قال أبو هشام: وأمرنـي فأفطرت.

٢٢٩٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عتبة، عن الـحسن بن سعد، عن أبـيه قال: كنت مع علـي بن أبـي طالب، وهو جاء من أرض له فصام، وأمرنـي فأفطرت فدخـل الـمدينة لـيلاً وكان راكبـا وأنا ماش.

٢٢٩٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قالا جميعا: حدثنا سفـيان، عن عيسى بن أبـي عزّة، عن الشعبـي أنه سافر فـي شهر رمضان، فأفطر عند بـاب الـجسر.

٢٢٩٨ـ حدثنـي ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: قال لـي سفـيان: أحبّ إلـيّ أن تتـمه.

٢٢٩٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، عن شعبة، قال: سألت الـحكم وحمادا وأردت أن أسافر فـي رمضان فقالا لـي: اخرج وقال حماد: قال إبراهيـم: أما إذا كان العشر فأحبّ إلـيّ أن يقـيـم.

٢٣٠٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا حماد، عن قتادة، عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب قالا: من أدركه الصوم وهو مقـيـم رمضان ثم سافر، قالا: إن شاء أفطر.

وقال آخرون: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ يعنـي فمن شهده عاقلاً بـالغا مكلفـا فلـيصمه. ومـمن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه، كانوا يقولون: من دخـل علـيه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بـالغ فعلـيه صومه، فإن جنّ بعد دخوله علـيه وهو بـالصفة التـي وصفنا ثم أفـاق بعد انقضائه لزمه قضاء ما كان فـيه من أيام الشهر مغلوبـا علـى عقله، لأنه كان مـمن شهده وهو مـمن علـيه فرض

قالوا: وكذلك لو دخـل علـيه شهر رمضان وهو مـجنون إلا أنه مـمن لو كان صحيح العقل كان علـيه صومه، فلن ينقضي الشهر حتـى صحّ وبرأ أو أفـاق قبل انقضاء الشهر بـيوم أو أكثر من ذلك، فإن علـيه قضاء صوم الشهر كله سوى الـيوم الذي صامه بعد إفـاقته، لأنه مـمن قد شهد الشهر

قالوا: ولو دخـل علـيه شهر رمضان وهو مـجنون فلـم يفق حتـى انقضى الشهر كله ثم أفـاق لـم يـلزمه قضاء شيء منه، لأنه لـم يكن مـمن شهده مكلفـا صومه وهذا تأويـل لا معنى له، لأن الـجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر فقد يجب أن يكون ذلك سبـيـل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم. وقد أجمع الـجميع علـى أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام ثم أفـاق بعد انقضاء الشهر أن علـيه قضاء الشهر كله، ولـم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به علـى الأمة وإذا كان إجماعا فـالواجب أن يكون سبـيـل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبـيـل الـمغمى علـيه. وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن تأويـل الآية غير الذي تأوّلها قائلو هذه الـمقالة من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفـا صومه. وإذا بطل ذلك فتأويـل الـمتأوّل الذي زعم أن معناه: فمن شهد أوله مقـيـما حاضرا فعلـيه صوم جميعه أبطلُ وأفسدُ لتظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه خرج عام الفتـح من الـمدينة فـي شهر رمضان بعد ما صام بعضه وأفطر وأمر أصحابه بـالإفطار.

٢٣٠١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: (سافر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي رمضان من الـمدينة إلـى مكة، حتـى إذا أتـى عسفـان نزل به، فدعا بإناء فوضعه علـى يده لـيراه الناس، ثم شربه).

٢٣٠٢ـ حدثنا ابن حميد وسفـيان بن وكيع قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، عن طاوس، عن ابن عبـاس ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه.

٢٣٠٣ـ حدثنا هناد، حدثنا عبـيدة، عن منصور، عن مـجاهد، عن طاوس، عن ابن عبـاس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه.

٢٣٠٤ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال حدثنـي الزهري، عن عبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن ابن عبـاس قال: مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لسفره عام الفتـح لعشر مضين من رمضان، فصام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصام الناس معه، حتـى إذا أتـى الكديد ما بـين عسفـان وأمَـج وأفطر.

٢٣٠٥ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا عبدة، عن مـحمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبـيد اللّه بن عبد اللّه ، عن ابن عبـاس قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعشر أو لعشرين مضت من رمضان عام الفتـح، فصام حتـى إذا كان بـالكديد أفطر.

٢٣٠٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سالـم بن نوح، قال: حدثنا عمر بن عامر، عن قتادة، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد الـخدري، قال: خرجنا مع النبـي صلى اللّه عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان، فمنا الصائم، ومنا الـمفطر، فلـم يعب الـمفطر علـى الصائم، ولا الصائم علـى الـمفطر.

فإذا كانا فـاسدين هذان التأويلان بـما علـيه دللنا من فسادهما، فتبـين أن الصحيح من التأويـل هو الثالث، وهو قول من قال: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ جميع ما شهد منه مقـيـما، ومن كان مريضا أو علـى سفر فعدّة من أيام أخر.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر يعنـي اللّه تعالـى ذكره بذلك: ومن كان مريضا أو علـى سفر فـي الشهر فأفطر فعلـيه صيام عدّة الأيام التـي أفطرها من أيام أخر غير أيام شهر رمضان.

ثم اختلف أهل العلـم فـي الـمرض الذي أبـاح اللّه معه الإفطار وأوجب معه عدّة من أيام أخر

فقال بعضهم: هو الـمرض الذي لا يطيق صاحبه معه القـيام لصلاته. ذكر من قال ذلك:

٢٣٠٧ـ حدثنا معاذ بن شعبة البصري، قال: حدثنا شريك، عن مغيرة، عن إبراهيـم وإسماعيـل بن مسلـم، عن الـحسن أنه قال: إذا لـم يستطع الـمريض أن يصلـي قائما أفطر.

٢٣٠٨ـ حدثنـي يعقوب قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة أو عبـيدة، عن إبراهيـم فـي الـمريض إذا لـم يستطع الصلاة قائما: فلـيفطر يعنـي فـي رمضان.

٢٣٠٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن إسماعيـل، قال: سألت الـحسن: متـى يفطر الصائم؟ قال: إذا جهده الصوم، قال: إذا لـم يستطع أن يصلـي الفرائض كما أُمر.

وقال بعضهم: وهو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بـالصوم الزيادة فـي علته زيادة غير مـحتـملة وذلك هو قول مـحمد بن إدريس الشافعي، حدثنا بذلك عنه الربـيع.

وقال آخرون: وهو (كل) مرض يسمى مرضا. ذكر من قال ذلك:

٢٣١٠ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا الـحسن بن خالد الربعي، قال: حدثنا طريف بن تـمام العطاردي، أنه دخـل علـى مـحمد بن سيرين فـي رمضان وهو يأكل فلـم يسأله، فلـما فرغ قال: إنه وجعت إصبعي هذه.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن الـمرض الذي أذن اللّه تعالـى ذكره بـالإفطار معه فـي شهر رمضان من كان الصوم جاهده جهدا غير مـحتـمل، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدّة من أيام أخر وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر، فإن لـم يكن مأذونا له فـي الإفطار فقد كلف عسرا ومنع يسرا، وذلك غير الذي أخبر اللّه أنه أراده بخـلقه بقوله: يُريدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.

وأما من كان الصوم غير جاهده، فهو بـمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم، فعلـيه أداء فرضه.

وأما قوله: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر فإن معناها: أيام معدودة سوى هذه الأيام وأما الأخر فإنها جمع أخرى بجمعهم الكبرى علـى الكبر والقربى علـى القرب.

فإن قال قائل: أو لـيست الأخر من صفة الأيام؟

قـيـل: بلـى

فإن قال: أولـيس واحد الأيام يوم وهو مذكر؟

قـيـل: بلـى.

فإن قال: فكيف يكون واحد الأخر أخرى وهي صفة للـيوم ولـم يكن آخر؟

قـيـل: إن واحد الأيام وإن كان إذا نعت بواحد الأخر فهو آخر، فإن الأيام فـي الـجمع تصير إلـى التأنـيث فتصير نعوتها وصفـاتها كهيئة صفـات الـمؤنث، كما يقال: مضت الأيام جمع، ولا يقال: أجمعون، ولا أيام آخرون.

فإن قال لنا قائل: فإن اللّه تعالـى قال: فَمَنْ كانَ مِنْكُمِ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر ومعنى ذلك عندك: فعلـيه عدة من أيام أخر كما قد وصفت فـيـما مضى. فإن كان ذلك تأويـله، فما قولك فـيـمن كان مريضا أو علـى سفر فصام الشهر وهو مـمن له الإفطار، أيجزيه ذلك من صيام عدّة من أيام أخر، أو غير مـجزيه ذلك؟ وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت علـيه بهيئته وإن صام الشهر كله، وهل لـمن كان مريضا أو علـى سفر صيام شهر رمضان، أم ذلك مـحظور علـيه، وغير جائز له صومه، والواجب علـيه الإفطار فـيه حتـى يقـيـم هذا ويبرأ هذا؟

قـيـل: قد اختلف أهل العلـم فـي كل ذلك، ونـحن ذاكرو اختلافهم فـي ذلك، ومخبرون بأولاه بـالصواب إن شاء اللّه .

فقال بعضهم: الإفطار فـي الـمرض عزمة من اللّه واجبة، ولـيس بترخيص. ذكر من قال ذلك:

٢٣١١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية جميعا، عن سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عبـاس ، قال: الإفطار فـي السفر عزمة.

٢٣١٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا سعيد، عن يعلـى، عن يوسف بن الـحكم، قال: سألت ابن عمر، أو سئل عن الصوم فـي السفر،

فقال: أرأيت لو تصدقت علـى رجل بصدقة فردّها علـيك ألـم تغضب؟ فإنها من اللّه تصدق صدقة بها علـيكم.

٢٣١٣ـ حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي، قال: حدثنا الـمـحاربـي عن عبد الـملك بن حميد، قال: قال أبو جعفر كان أبـي لا يصوم فـي السفر وينهى عنه.

٢٣١٤ـ وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك : أنه كره الصوم فـي السفر.

وقال أهل هذه الـمقالة: من صام فـي السفر فعلـيه القضاء إذا قام. ذكر من قال ذلك:

٢٣١٥ـ حدثنا نصر بن علـي الـخثعمي، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم، عن أبـيه، عن رجل: أن عمر أمر الذي صام فـي السفر أن يعيد.

٢٣١٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ، عن سعيد بن عمرو بن دينار، عن رجل من بنـي تـميـم عن أبـيه، قال: أمر عمر رجلاً صام فـي السفر أن يعيد صومه.

٢٣١٧ـ حدثنـي ابن حميد الـحمصي، قال: حدثنا علـيّ بن معبد، عن عبـيد اللّه بن عمرو، عن عبد الكريـم، عن عطاء، عن الـمـحرر بن أبـي هريرة، قال: كنت مع أبـي فـي سفر فـي رمضان، فكنت أصوم ويفطر، فقال لـي أبـي: أما إنك إذا أقمت قضيت.

٢٣١٨ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا سلـيـمان بن داود، قال: حدثنا شعبة، عن عاصم مولـى قريبة، قال: سمعت عروة يأمر رجلاً صام فـي السفر أن يقضي.

٢٣١٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن عاصم مولـى قريبة أن رجلاً صام فـي السفر فأمره عروة أن يقضي.

٢٣٢٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن صبـيح، قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم، عن أبـيه كلثوم: أن قوما قدموا علـى عمر بن الـخطاب وقد صاموا رمضان فـي سفر، فقال لهم: واللّه لكأنكم كنتـم تصومون

فقالوا: واللّه يا أمير الـمؤمنـين لقد صمنا، قال: فأطقتـموه؟

قالوا: نعم، قال: فـاقضوه فـاقضوه فـاقضوه.

وعلة من قال هذه الـمقالة أن اللّه تعالـى ذكره فرض بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ صوم شهر رمضان علـى من شهده مقـيـما غير مسافر، وجعل علـى من كان مريضا أو مسافرا صوم عدّة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر

قالوا: فكما غير جائز للـمقـيـم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها، لأن الذي فرضه اللّه علـيه بشهوده الشهر صوم الشهر دون غيره، فكذلك غير جائز لـمن لـم يشهده من الـمسافرين مقـيـما صومه، لأن الذي فرضه اللّه علـيه عدة من أيام أخر واعتلوا أيضا من الـخبر بـما:

٢٣٢١ـ حدثنا به مـحمد بن عبد اللّه بن سعيد الواسطي، قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد الزهري، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (الصّائِمُ فـي السّفَرِ كالـمُفْطِرِ فـي الـحَضَر).

٢٣٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد اللّه بن سعيد، قال: حدثنا يزيد بن عياض، عن الزهري، عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن، عن أبـيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (الصّائمُ فـي السّفَر كالـمُفْطِرِ فـي الـحَضَر).

وقال آخرون: إبـاحة الإفطار فـي السفر رخصة من اللّه تعالـى ذكره رخصها لعبـاده، والفرض الصوم، فمن صام فرضه أدّى، ومن أفطر فبرخصة اللّه له أفطر

قالوا: وإن صام فـي سفر فلا قضاء علـيه إذا أقام. ذكر من قال ذلك:

٢٣٢٣ـ حدثنا ابن البشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، قال: حدثنا عروة وسالـم أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير علـى الـمدينة فتذاكروا الصوم فـي السفر، قال سالـم: كان ابن عمر لا يصوم فـي السفر، وقال عروة: وكانت عائشة تصوم، فقال سالـم: إنـما أخذت عن ابن عمر، وقال عروة: إنـما أخذت عن عائشة حتـى ارتفعت أصواتهما، فقال عمر بن عبد العزيز: اللّه م عفوا إذا كان يسرا فصوموا، وإذا كان عسرا فأفطروا.

٢٣٢٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أيوب، قال: حدثنـي رجل، قال: ذكر الصوم فـي السفر عند عمر بن عبد العزيز، ثم ذكر نـحو حديث ابن بشار.

٢٣٢٥ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن مـحمد بن إسحاق، وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن إسحاق، عن الزهري، عن سالـم بن عبد اللّه ، قال: خرج عمر بن الـخطاب فـي بعض أسفـاره فـي لـيال بقـيت من رمضان،

فقال: إن الشهر قد تشعشع قال أبو كريب فـي حديثه أو تسعسع، ولـم يشك يعقوب فلو صمنا فصام وصام الناس معه ثم أقبل مرة قافلاً حتـى إذا كان بـالروحاء أهلّ هلال شهر رمضان، فقال إن اللّه قد قضى السفر، فلو صمنا ولـم نثلـم شهرنا قال: فصام وصام الناس معه.

٢٣٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنـي أبـي، وحدثنا مـحمد بن بشار، قال: أخبرنا عبـيد اللّه ، قال: أخبرنا بشير بن سلـمان، عن خيثمة، قال: سألت أنس بن مالك عن الصوم فـي السفر، قال: قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى. قلت: فأين هذه الآية: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر؟ قال: نزلت ونـحن يومئذ نرتـحل جياعا وننزل علـى غير شبع، وإنا الـيوم نرتـحل شبـاعا وننزل علـى شبع.

٢٣٢٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع: عن بشير بن سلـمان، عن خيثمة، عن أنس نـحوه.

٢٣٢٨ـ حدثنا هناد وأبو السائب قالا: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أنس أنه سئل عن الصوم فـي السفر فقال: من أفطر فبرخصة اللّه ، ومن صام فـالصوم أفضل.

٢٣٢٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أشعث بن عبد الـملك، عن مـحمد بن عثمان بن أبـي العاص، قال: الفطر فـي السفر رخصة، والصوم أفضل.

٢٣٣٠ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو الفـيض، قال: كان علـيّ علـينا أمير بـالشام، فنهانا عن الصوم فـي السفر، فسألت أبـا قرصافة رجلاً من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم من بنـي لـيث قال عبد الصمد: سمعت رجلاً من قومه

يقول: إنه واثلة بن الأسقع قال لو صمت فـي السفر ما قضيت.

٢٣٣١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن بسطام بن مسلـم، عن عطاء قال: إن صمتـم أجزأ عنكم وإن أفطرتـم فرخصة.

٢٣٣٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن كهمس، قال: سألت سالـم بن عبد اللّه عن الصوم فـي السفر،

فقال: إن صمتـم أجزأ عنكم، وإن أفطرتـم فرخصة.

٢٣٣٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبد الرحيـم، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء، قال: من صام فحقّ أدّاه، ومن أفطر فرخصة أخذ بها.

٢٣٣٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن حماد، عن سعيد بن جبـير، قال: الفطر فـي السفر رخصة، والصوم أفضل.

٢٣٣٥ـ حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء، قال: هو تعلـيـم، ولـيس بعزم، يعنـي قول اللّه : ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر إن شاء صام، وإن شاء لـم يصم.

٢٣٣٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الـحسن فـي الرجل يسافر فـي رمضان، قال: إن شاء صام، وإن شاء أفطر.

٢٣٣٧ـ حدثنا حميد بن مسعدة

قال: حدثنا سفـيان بن حبـيب، قال: حدثنا العوّام بن حوشب، قال: قلت لـمـجاهد: الصوم فـي السفر؟ قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصوم فـيه ويفطر، قال: قلت فأيهما أحبّ إلـيك؟ قال: إنـما هي رخصة، وأن تصوم رمضان أحبّ إلـيّ.

٢٣٣٨ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، عن سعيد بن جبـير وإبراهيـم ومـجاهد أنهم

قالوا: الصوم فـي السفر، إن شاء صام وإن شاء أفطر، والصوم أحبّ إلـيهم.

٢٣٣٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: قال لـي مـجاهد فـي الصوم فـي السفر، يعنـي صوم رمضان: واللّه ما منهما إلا حلال الصوم والإفطار، وما أراد اللّه بـالإفطار إلا التـيسير لعبـاده.

٢٣٤٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الأشعث بن سلـيـم، قال: صحبت أبـي والأسود بن يزيد وعمرو بن ميـمون وأبـا وائل إلـى مكة، وكانوا يصومون رمضان وغيره فـي السفر.

٢٣٤١ـ حدثنا علـيّ بن حسن الأزدي

قال: حدثنا معافـى بن عمران، عن سفـيان، عن حماد، عن سعيد بن جبـير: الفطر فـي السفر رخصة، والصوم أفضل.

٢٣٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن سعيد الواسطي، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا صالـح بن مـحمد بن صالـح، عن أبـيه قال: قلت للقاسم بن مـحمد: إنا نسافر فـي الشتاء فـي رمضان، فإن صمت فـيه كان أهون علـيّ من أن أقضيه فـي الـحر. فقال: قال اللّه : يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ ولاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ما كان أيسر علـيك فـافعل.

وهذا القول عندنا أولـى بـالصواب لإجماع الـجميع علـى أن مريضا لو صام شهر رمضان وهو مـمن له الإفطار لـمرضه أن صومه ذلك مـجزىء عنه، ولا قضاء علـيه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر، فكان معلوما بذلك أن حكم الـمسافر حكمه فـي أن لا قضاء علـيه إن صامه فـي سفره، لأن الذي جعل للـمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر مثل الذي جعل من ذلك للـمريض وأمر به من القضاء.

ثم فـي دلالة الآية كفـاية مغنـية عن استشهاد شاهد علـى صحته ذلك بغيرها، وذلك قول اللّه تعالـى ذكره: يُريدُ اللّه بِكُم الـيُسْرَ ولاَ يُرِيدُ بِكُم العُسْرَ ولا عسر أعظم من أن يـلزم من صامه فـي سفره عدة من أيام أخر، وقد تكلف أداء فرضه فـي أثقل الـحالـين علـيه حتـى قضاه وأدّاه.

فإن ظنّ ذو غبـاوة أن الذي صامه لـم يكن فرضه الواجب، فإن فـي قول اللّه تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ، شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فـيهِ القُرآنُ ما ينبىء أن الـمكتوب صومه من الشهور علـى كل مؤمن هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقـيـما، لعموم اللّه تعالـى ذكره الـمؤمنـين بذلك بقوله: يا أيّها الّذين آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ شَهْرُ رَمَضَانَ وأن قوله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر معناه: ومن كان مريضا أو علـى سفر فأفطر برخصة اللّه فعلـيه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التـي أفطر فـي سفره أو مرضه.

ثم فـي تظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله إذا سئل عن الصوم فـي السفر: (إن شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ)، الكفـاية الكافـية عن الاستدلال علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بغيره.

٢٣٤٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبد الرحيـم ووكيع، وعبدة بن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة: أن حمزة سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الصوم فـي السفر، وكان يسرد الصوم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ).

٢٣٤٤ـ حدثنا أبو كريب وعبـيد بن إسماعيـل الهبـاري قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبـيه أن حمزة سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحوه.

٢٣٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا أبو زرعة وهب اللّه بن راشد، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبـير يحدث عن أبـي مراوح عن حمزة الأسلـمي صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: يا رسول اللّه إنـي أسرد الصوم فأصوم فـي السفر؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (إنّـمَا هي رُخْصَةٌ مِنَ اللّه لِعِبَـادِهِ، فَمَنْ فَعَلْها فَحَسَنٌ جَمِيـلٌ، وَمَنْ تَرَكَها فَلا جُناحَ عَلَـيْ) فكان حمزة يصوم الدهر، فـيصوم فـي السفر والـحضر وكان عروة بن الزبـير يصوم الدهر، فـيصوم فـي السفر والـحضر، حتـى إن كان لـيـمرض فلا يفطر وكان أبو مراوح يصوم الدهر، فـيصوم فـي السفر والـحضر.

ففـي هذا مع نظائره من الأخبـار التـي يطول بـاستـيعابها الكتاب الدلالة الدالة علـى صحة ما قلنا من أن الإفطار رخصة لا عزم، والبـيان الواضح علـى صحة ما قلنا فـي تأويـل قوله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر.

فإن قال قائل: فإن الأخبـار بـما قلت وإن كانت متظاهرة، فقد تظاهرت أيضا بقوله: (لَـيْسَ مِنَ الْبِرّ الصّيامُ فـي السّفَر)؟.

قـيـل: إن ذلك إذا كان صيام فـي مثل الـحال التـي جاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال فـي ذلك لـمن قال له.

٢٣٤٦ـ حدثنا الـحسين بن يزيد السبـيعي، قال: حدثنا ابن إدريس، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن مـحمد بن عمرو بن الـحسن، عن جابر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً فـي سفره قد ظُلّل علـيه، وعلـيه جماعة،

فقال: (مَنْ هَذَا؟)

قالوا: صائم، قال: (لَـيْسَ مِنَ البِرّ الصّوْمُ فِـي السّفَر).

قال أبو جعفر: أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط وبـين ابن إدريس ومـحمد بن عبد الرحمن شعبة.

٢٣٤٧ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن مـحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، عن مـحمد بن عمرو بن الـحسن بن علـيّ، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً قد اجتـمع الناس علـيه، وقد ظُلّل علـيه،

فقالوا: هذا رجل صائم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَـيْسَ مِنَ الْبِرّ أنْ تَصُومُوا فِـي السّفَر).

فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبـي صلى اللّه عليه وسلم، ذلك، فلـيس من البرّ صومه لأن اللّه تعالـى ذكره قد حرم علـى كل أحد تعريض نفسه لـما فـيه هلاكها، وله إلـى نـجاتها سبـيـل، وإنـما يطلب البرّ بـما ندب اللّه إلـيه وحضّ علـيه من الأعمال لا بـما نهى عنه.

وأما الأخبـار التـي رويت عنه صلى اللّه عليه وسلم من قوله: (الصّائِمُ فـي السّفَرَ كالـمُفْطِر فـي الـحَضَر) فقد يحتـمل أن يكون قـيـل لـمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل علـيه إن كان كان قبل ذلك، وغير جائز علـيه أن يضاف إلـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم قِـيـلُ ذلك، لأن الأخبـار التـي جاءت بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واهية الأسانـيد لا يجوز الاحتـجاج بها فـي الدين.

فإن قال قائل: وكيف عطف علـى الـمريض وهو اسم بقوله: أوْ عَلـى سَفَرٍ و (علـى) صفة لا اسم؟

قـيـل: جاز أن ينسق بعلـى علـى الـمريض، لأنها فـي معنى الفعل، وتأويـل ذلك: أو مسافرا، كما قال تعالـى ذكره: دَعانا لِـجَنْبِه أوْ قاعِدا أو قائما فعطف بـالقاعد والقائم علـى اللام التـي فـي لـجنبه، لأن معناها الفعل، كأنه قال: دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: يريد اللّه بكم أيها الـمؤمنون بترخيصه لكم فـي حال مرضكم وسفركم فـي الإفطار، وقضاء عدّة أيام أخر من الأيام التـي أفطرتـموها بعد أقامتكم وبعد برئكم من مرضكم التـخفـيف علـيكم، والتسهيـل علـيكم لعلـمه بـمشقة ذلك علـيكم فـي هذه الأحوال. وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ

يقول: ولا يريد بكم الشدة والـمشقة علـيكم، فـيكفلكم صوم الشهر فـي هذه الأحوال، مع علـمه شدة ذلك علـيكم وثقل حمله علـيكم لو حملكم صومه. كما:

٢٣٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية بن صالـح، عن علـي بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ قال: الـيسر: الإفطار فـي السفر، والعسر: الصيام فـي السفر.

٢٣٤٩ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي حمزة، قال: سألت ابن عبـاس عن الصوم فـي السفر،

فقال: يسر وعسر، فخذ بـيسر اللّه .

٢٣٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ قال: هو الإفطار فـي السفر، وجعل عدّة من أيام أخر، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.

٢٣٥١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ فأريدوا لأنفسكم الذي أراد اللّه لكم.

٢٣٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن عيـينة، عن عبد الكريـم الـجزري عن طاوس، عن ابن عبـاس قال: لا تعب علـى من صام ولا علـى من أفطر، يعنـي فـي السفر فـي رمضان يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.

٢٣٥٣ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: حدثنا الفضيـل بن خالد، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال سمعت الضحاك بن مزاحم فـي قوله: يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ الإفطار فـي السفر، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ الصيام فـي السفر.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة عدّة ما أفطرتـم من أيام أخر أوجبت علـيكم قضاء عدّة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم، أو إقامتكم من سفركم. كما:

٢٣٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة قال: عدة ما أفطر الـمريض والـمسافر.

٢٣٥٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة قال: إكمال العدة: أن يصوم ما أفطر من رمضان فـي سفر أو مرض إلـى أن يتـمه، فإذا أتـمه فقد أكمل العدة.

فإن قال قائل: ما الذي علـيه بهذه الواو التـي فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة عَطَفَتْ؟

قـيـل: اختلف أهل العربـية فـي ذلك،

فقال بعضهم: هي عاطفة علـى ما قبلها كأنه

قـيـل: ويريد لتكلـموا العدة ولتكبروا اللّه .

وقال بعض نـحويـي الكوفة: وهذه اللام التـي فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا لام كي، لو ألقـيت كان صوابـا

قال: والعرب تدخـلها فـي كلامها علـى إضمار فعل بعدها، ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفـيها الواو ألا ترى أنك تقول: جئتك لتـحسن إلـيّ، ولا تقول: جئتك ولتـحسن إلـيّ فإذا قلته فأنت تريد: ولتـحسن جئتك

قال: وهذا فـي القرآن كثـير، منه قوله: وَلِتَصْغَى إلَـيْهِ أفئِدَةُ

وقوله: وكذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيـمَ مَلَكُوتَ السّمَوَات وَالأرْضِ وَلِـيَكُونَ مِنَ الـمُوقِنـين لو لـم تكن فـيه الواو كان شرطا علـى قولك: أريناه ملكوت السموات والأرض لـيكون، فإذا كانت الواو فـيها فلها فعل مضمر بعدها، و (لـيكون من الـموقنـين) أريناه. وهذا القول أولـى بـالصواب فـي العربـية، لأن قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة لـيس قبله لام بـمعنى التـي فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة فتعطف بقوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة علـيها، وإن دخول الواو معها يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها، إذ كانت الواو لو حذفت كانت شرطا لـما قبلها من الفعل.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلِتُكَبّرُوا اللّه علـى ما هَدَاكُمْ.

يعنـي تعالـى ذكره: ولتعظموا اللّه بـالذكر له بـما أنعم علـيكم به من الهداية التـي خذل عنها غيركم من أهل الـملل الذين كتب علـيهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كتب علـيكم فـيه، فضلوا عنه بإضلال اللّه إياهم، وخصكم بكرامته فهداكم له، ووفقكم لأداء ما كتب اللّه علـيكم من صومه، وتشكروه علـى ذلك بـالعبـادة له. والذكر الذي خصهم اللّه علـى تعظيـمه به التكبـير يوم الفطر فـيـما تأوّله جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٥٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن داود بن قـيس، قال: سمعت زيد بن أسلـم

يقول: وَلِتُكَبّرُوا اللّه علـى ما هَدَاكُمْ قال: إذا رأى الهلال، فـالتكبـير من حين يرى الهلال حتـى ينصرف الإمام فـي الطريق والـمسجد إلا أنه إذا حضر الإمام كفّ فلا يكبر إلا بتكبـيره.

٢٣٥٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: سمعت سفـيان

يقول: وَلِتُكَبّرُوا اللّه علـى ما هَدَاكُمْ قال: بلغنا أنه التكبـير يوم الفطر.

٢٣٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان ابن عبـاس

يقول: حقّ علـى الـمسلـمين إذا نظروا إلـى هلال شوّال أن يكبروا اللّه حتـى يفرغوا من عيدهم لأن اللّه تعالـى ذكره

يقول: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة وَلِتُكَبّرُوا اللّه علـى ما هَدَاكُمْ قال ابن زيد: ينبغي لهم إذا غدوا إلـى الـمصلـى كبروا، فإذا جلسوا كبروا، فإذا جاء الإمام صمتوا، فإذا كبر الإمام كبروا، ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبـيره، حتـى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد. قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والـجماعة عندنا علـى أن يغدوا بـالتكبـير إلـى الـمصلـى.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرونَ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولتشكروا اللّه علـى ما أنعم به علـيكم من الهداية والتوفـيق. وتـيسير ما لو شاء عسر علـيكم. و (لعل) فـي هذا الـموضع بـمعنى (كي)، ولذلك عطف به علـى قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة وَلِتُكَبّرُوا اللّه علـى ما هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ.

﴿ ١٨٥