١٩٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رّبّكُمْ ... } يعنـي بذلك جل ذكره: لـيس علـيكم أيها الـمؤمنون جناح. والـجناح: الـحرج كما: ٣٢٠٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ وهو لا حرج علـيكم فـي الشراء والبـيع قبل الإحرام وبعده. وقوله: أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ يعنـي أن تلتـمسوا فضلاً من عند ربكم، يقال منه: ابتغيت فضلاً من اللّه ومن فضل اللّه أبتغيه ابتغاء: إذا طلبته والتـمسته، وبغيته أبغيه بغيا، كما قال عبد بنـي الـحسحاس: بَغاكَ وَما تَبْغِيهِ حّتـى وَجَدْتَهُكأنّكَ قَدْ وَاعَدْتَهُ أمْسِ مَوْعِدَا يعنـي طلبك والتـمسك. وقـيـل: إن معنى ابتغاء الفضل من اللّه : التـماس رزق اللّه بـالتـجارة، وأن هذه الآية نزلت فـي قوم كانوا لا يرون أن يتـجروا إذا أحرموا يـلتـمسون البرّ بذلك، فأعلـمهم جل ثناؤه أن لا برّ فـي ذلك وأن لهم التـماس فضله بـالبـيع والشراء. ذكر من قال ذلك: ٣٢٠٨ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن عمر بن ذر، عن مـجاهد، قال: كانوا يحجون ولا يتـجرون، فأنزل اللّه : لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: فـي الـموسم. ٣٢٠٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عمر بن ذرّ، قال: سمعت مـجاهدا يحدّث، قال: كان ناس لا يتـجرون أيام الـحجّ، فنزلت فـيهم لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ. ٣٢١٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو لـيـلـى، عن بريدة فـي قوله تبـارك وتعالـى: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: إذا كنتـم مـحرمين أن تبـيعوا وتشتروا. ٣٢١١ـ حدثنا طلـيق بن مـحمد الواسطي، قال: أخبرنا أسبـاط، قال: أخبرنا الـحسن بن عمرو، عن أبـي أمامة التـيـمي قال: قلت لابن عمر: إنا قوم نكري فهل لنا حجّ؟ قال: ألـيس تطوفون بـالبـيت وتأتون الـمعروف وترمون الـجمار وتـحلقون رءوسكم؟ فقلنا: بلـى قال: جاء رجل إلـى النبـي: صلى اللّه عليه وسلم فسأله عن الذي سألتنـي عنه، فلـم يدر ما يقول له حتـى نزل جبريـل علـيه السلام علـيه بهذه الآية: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ إلـى آخر الآية، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أنْتُـمْ حُجّاجٌ). ٣٢١٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، قال: كانت تقرأ هذه الآية: (لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحجّ). ٣٢١٣ـ حدثنا عبد الـحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن منصور بن الـمعتـمر فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: هو التـجارة فـي البـيع والشراء، والاشتراء لا بأس به. ٣٢١٤ـ حدثت عن أبـي هشام الرفـاعي، قال: حدثنا وكيع، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: (لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج). ٣٢١٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن علـيّ بن مسهر، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عبـاس ، قال: كان مَتْـجَر الناس فـي الـجاهلـية عكاظ وذو الـمـجاز، فلـما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتـى أنزل اللّه جل ثناؤه: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ. ٣٢١٦ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا شبـابة بن سوار، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي أميـمة، قال: سمعت ابن عمر، وسئل عن الرجل يحج ومعه تـجارة، فقرأ ابن عمر: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ. ٣٢١٧ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا يزيد بن أبـي زياد، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: كانوا لا يتـجرون فـي أيام الـحجّ، فنزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ. ٣٢١٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، أنه قال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فِـي مواسم الـحج. ٣٢١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا طلـحة بن عمرو الـحضرمي، عن عطاء قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج، هكذا قرأها ابن عبـاس . ٣٢٢٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا لـيث، عن مـجاهد فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: التـجارة فـي الدنـيا، والأجر فـي الاَخرة. ٣٢٢١ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه تعالـى: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: التـجارة أحلت لهم فـي الـمواسم، قال: فكانوا لا يبـيعون، أو يبتاعون فـي الـجاهلـية بعرفة. ٣٢٢٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٣٢٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ كان هذا الـحيّ من العرب لا يعرّجون علـى كسير ولا ضالة لـيـلة النفر، وكانوا يسمونها لـيـلة الصّدَر، ولا يطلبون فـيها تـجارة ولا بـيعا، فأحلّ اللّه عز وجل ذلك كله للـمؤمنـين أن يعرجوا علـى حوائجهم ويبتغوا من فضل ربهم. ٣٢٢٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عبـيد اللّه بن أبـي يزيد، قال: سمعت ابن الزبـير يقول: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج. ٣٢٢٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال ابن عبـاس : كانت ذو الـمـجاز وعكاظ متـجرا للناس فـي الـجاهلـية، فلـما جاء الإسلام تركوا ذلك حتـى نزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحجّ. ٣٢٢٦ـ حدثنا أحمد بن حازم والـمثنى، قالا: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن مـحمد بن سوقة، قال: سمعت سعيد بن جبـير يقول: كان بعض الـحاج يسمون الداجّ، فكانوا ينزلون فـي الشقّ الأيسر من منى، وكان الـحاج ينزلون عند مسجد منى، فكانوا لا يتـجرون، حتـى نزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فحجّوا. ٣٢٢٧ـ حدثنـي أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا عمر بن ذر، عن مـجاهد، قال: كان ناس يحجون ولا يتـجرون، حتـى نزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فرخص لهم فـي الـمتـجر والركوب والزاد. ٣٢٢٨ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ، قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ: هي التـجارة، قال: اتـجروا فـي الـموسم. ٣٢٢٩ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي فأبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: كان الناس إذا أحرموا لـم يتبـايعوا حتـى يقضوا حجهم، فأحله اللّه لهم. ٣٢٣٠ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن يزيد بن أبـي زياد، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: كانوا يتقون البـيوع والتـجارة أيام الـموسم، يقولون أيام ذكر، فأنزل اللّه : لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فحجوا. ٣٢٣١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: (لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فِـي مَوَاسِمِ الـحَج). ٣٢٣٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: لا بأس بـالتـجارة فـي الـحجّ، ثم قرأ: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ. ٣٢٣٣ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: كان هذا الـحيّ من العرب لا يعرّجون علـى كسير ولا علـى ضالة ولا ينتظرون لـحاجة، وكانوا يسمونها لـيـلة الصدَر، ولا يطلبون فـيها تـجارة فأحلّ اللّه ذلك كله أن يعرجوا علـى حاجتهم، وأن يطلبوا فضلاً من ربهم. ٣حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مندل، عن عبد الرحمن بن الـمهاجر، عن أبـي صالـح مولـي، عمر، قال: قلت لعمر: يا أمير الـمؤمنـين، كنتـم تتـجرون فـي الـحجّ؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا فـي الـحج. ٣٢٣٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن العلاء بن الـمسيب، عن رجل من بنـي تـيـم اللّه ، قال: جاء رجل إلـى عبد اللّه بن عمر، فقال: يا أبـا عبد الرحمن: إنا قوم نُكري فـيزعمون أنه لـيس لنا حج؟ قال: ألستـم تـحرمون كما يحرمون، وتطوفون كما يطوفون، وترمون كما يرمون؟ قال: بلـى، قال: فأنت حاجّ جاء رجل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فسأله عما سألت عنه، فنزلت هذه الآية: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ. ٣٢٣٥ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كانوا إذا أفـاضوا من عرفـات لـم يتـجروا بتـجارة، ولـم يعرّجوا علـى كسير، ولا علـى ضالة فأحلّ اللّه ذلك، فقال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ... إلـى آخر الآية. ٣حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عبـاس ، قال: كانت عكاظ ومـجنة وذو الـمـجاز أسواقا فـي الـجاهلـية، فكانوا يتـجرون فـيها، فلـما كان الإسلام كأنهم تأثموا منها، فسألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه : لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جَناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإذَا أفَضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ. يعنـي جل ثناؤه بقوله: فإذَا أفَضْتُـمْ فإذا رجعتـم من حيث بدأتـم. ولذلك قـيـل للذي يضرب القداح بـين الأيسار مفـيض، لـجمعه القداح ثم إفـاضته إياها بـين الـياسرين، ومنه قول بشر بن أبـي خازم الأسدي: فَقُلْتُ لَهَا رُدّي إلَـيْهِ جَنَانَهُفَرَدّتْ كمَا رَدّ الـمَنِـيحَ مُفِـيضُ ثم اختلف أهل العربـية فـي عرفـات، والعلة التـي من أجلها صرفت وهي معرفة، وهل هي اسم لبقعة واحدة أم هي لـجماعة بقاع؟ فقال بعض نـحويـي البصريـين: هي اسم كان لـجماعة مثل مسلـمات ومؤمنات، سميت به بقعة واحدة فصرف لـمّا سميت به البقعة الواحدة، إذ كان مصروفـا قبل أن تسمى به البقعة تركا منهم له علـى أصله لأن التاء فـيه صارت بـمنزلة الـياء والواو فـي مسلـمين ومسلـمون لأنه تذكيره، وصار التنوين بـمنزلة النون، فلـما سمي به ترك علـى حاله كما يترك (الـمسلـمون) إذا سمي به علـى حاله قال: ومن العرب من لا يصرفه إذا سميّ به، ويشبه التاء بهاء التأنـيث وذلك قبـيح ضعيف. واستشهدوا بقوله الشاعر: تَنَوّرْتُها مِنْ أذْرِعَاتٍ وأهْلُهابَـيْثربَ أدنى دَارِهَا نَظَرٌ عالـي ومنهم من لا ينوّن أذرعات، وكذلك عانات، وهو مكان. وقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: إنـما انصرفت عرفـات لأنهن علـى جماع مؤنث بـالتاء قال: وكذلك ما كان من جماع مؤنث بـالتاء، ثم سمّيتْ به رجلاً أو مكانا أو أرضا أو امرأة انصرفت. قال: ولا تكاد العرب تسمي شيئا من الـجماع إلا جماعا، ثم تـجعله بعد ذلك واحدا. وقال آخرون منهم: لـيست عرفـات حكاية، ولا هي اسم منقول ولكن الـموضع مسمى هو وجوانبه بعرفـات، ثم سميت بها البقعة اسم للـموضع، ولا ينفرد واحدها قال: وإنـما يجوز هذا فـي الأماكن والـمواضع، ولا يجوز ذلك فـي غيرها من الأشياء قال: ولذلك نصبت العرب التاء فـي ذلك لأنه موضع، ولو كان مـحكيا لـم يكن ذلك فـيه جائزا، لأن من سمى رجلاً مسلـمات أو بـمسلـمين لـم ينقله فـي الإعراب عما كان علـيه فـي الأصل، فلذلك خالف عانات وأذرعات ما سمي به من الأسماء علـى جهة الـحكاية. واختلف أهل العلـم فـي الـمعنى الذي من أجله قـيـل لعرفـات عرفـات فقال بعضهم: قـيـل لها ذلك من أجل أن إبراهيـم خـلـيـل اللّه صلوات اللّه علـيه لـما رآها عرفها بنعتها الذي كان لها عنده، فقال: قد عرفت، فسميت عرفـات بذلك. وهذا القول من قائله يدل علـى أن عرفـات اسم للبقعة، وإنـما سميت بذلك لنفسها وما حولها، كما يقال: ثوب أخلاق، وأرض سبـاسب، فتـجمع بـما حولها. ذكر من قال ذلك: ٣حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السدي، قال: لـما أذّن إبراهيـم فـي الناس بـالـحج، فأجابوه بـالتلبـية، وأتاه من أتاه أمره اللّه أن يخرج إلـى عرفـات ونعتها فخرج، فلـما بلغ الشجرة عند العقبة، استقبله الشيطان يردّه، فرماه بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة. فطار فوقع علـى الـجمرة الثانـية، فصدّه أيضا، فرماه وكبر فطار فوقع علـى الـجمرة الثالثة، فرماه وكبر فلـما رأى أنه لا يطيقه، ولـم يدر إبراهيـم أين يذهب، انطلق حتـى أتـى ذا الـمـجاز، فلـما نظر إلـيه فلـم يعرفه جاز، فلذلك سمي ذا الـمـجاز. ثم انطلق حتـى وقع بعرفـات فلـما نظر إلـيها عرف النعت، قال: قد عرفتُ، فسمي عرفـات. فوقـف إبراهيـم بعرفـات، حتـى إذا أمسى ازدلف إلـى جمع، فسميت الـمزدلفة، فوقـف بجمع. ٣حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن سلـيـمان التـيـمي، عن نعيـم بن أبـي هند، قال: لـما وقـف جبريـل بإبراهيـم علـيهما السلام بعرفـات، قال: عرفت، فسميت عرفـات لذلك. ٣حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال ابن الـمسيب: قال علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه: بعث اللّه جبريـل إلـى إبراهيـم فحجّ به، فلـما أتـى عرفة قال: قد عرفت، وكان قد أتاها مرّة قبل ذلك، ولذلك سميت عرفة. وقال آخرون: بل سميت بذلك بنفسها وببقاع أخر سواها. ذكر من قال ذلك: ٣حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع بن مسلـم القرشي، عن أبـي طِهفة، عن أبـي الطفـيـل، عن ابن عبـاس قال: إنـما سميت عرفـات، لأن جبريـل علـيه السلام، كان يقول لإبراهيـم: هذا موضع كذا، وهذا موضع كذا، فـ يقول: قد عرفت، فلذلك سميت عرفـات. ٣حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عطاء قال: إنـما سميت عرفة أن جبريـل كان يُرِي إبراهيـم علـيهما السلام الـمناسك، فـ يقول: عرفتُ عرفت، فسمي عرفـات. ٣حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن زكريا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: قال ابن عبـاس : أصل الـجبل الذي يـلـي عُرَنة وما وراءه موقـف حتـى يأتـي الـجبل جبل عرفة وقال ابن أبـي نـجيح: عرفـات: النّبْعة والنّبَـيْعَة وذات النابت، وذلك قول اللّه : فإذَا أفَضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ وهو الشعب الأوسط. وقال زكريا: ما سال من الـجبل الذي يقـف علـيه الإمام إلـى عرفة، فهو من عرفة، وما دبَر ذلك الـجبل فلـيس من عرفة. وهذا القول يدلّ علـى أنها سميت بذلك نظير ما يسمى الواحد بـاسم الـجماعة الـمختلفة الأشخاص. وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك عندي أن يقال: هو اسم لواحد سمي بجماع، فإذا صرف ذهب به مذهب الـجماع الذي كان له أصلاً، وإذا ترك صرفه ذهب به إلـى أنه اسم لبقعة واحدة معروفة، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار والقرى الـمعارف. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ. يعنـي بذلك جل ثناؤه: فإذَا أفَضْتُـمْ فكررتـم راجعين من عرفة إلـى حيث بدأتـم الشخوص إلـيها منه فـاذْكُرُوا اللّه يعنـي بذلك الصلاة، والدعاء عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ. وقد بـينا قبل أن الـمشاعر هي الـمعالـم من قول القائل: شعرت بهذا الأمر: أي علـمت، فـالـمشعر هو الـمَعْلَـم، سمي بذلك لأن الصلاة عنده والـمقام والـمبـيت والدعاء من معالـم الـحجّ وفروضه التـي أمر اللّه بها عبـاده. وقد: ٣٢٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن زكريا، عن ابن أبـي نـجيح، قال: يستـحبّ للـحاج أن يصلـي فـي منزله بـالـمزدلفة إن استطاع، وذلك أن اللّه قال: فـاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كما هَدَاكُمْ. فأما الـمشعر فإنه هو ما بـين جبلـي الـمزدلفة من مَأزِمي عرفة إلـى مـحسر، ولـيس مأزما عرفة من الـمشعر. وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٣٢٣٧ـحدثنا هناد بن السريّ قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: رأى ابن عمر الناس يزدحمون علـى الـجبـيـل بجمع فقال: أيها الناس إن جمعا كلها مشعر. ٣٢٣٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج، عن نافع، عن ابن عمر أنه سئل عن قوله: فـاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ قال: هو الـجبل وما حوله. ٣٢٣٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن حكيـم بن جبـير، عن ابن عبـاس قال: ما بـين الـجبلـين اللذين بجمع مشعر. ٣٢٤٠ـحدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبـير، مثله. ٣٢٤١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، وحدثنـي أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن السدي، عن سعيد بن جبـير، قال: سألته عن الـمشعر الـحرام فقال: ما بـين جبلـي الـمزدلفة. ٣٢٤٢ـحدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالـم، عن ابن عمر، قال: الـمشعر الـحرام: الـمزدلفة كلها. قال معمر: وقاله قتادة. ٣٢٤٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، قال: أنبأنا الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبـير: فـاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ قال: ما بـين جبلـي الـمزدلفة هو الـمشعر الـحرام. ٣٢٤٤ـحدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا أبـي، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، قال: سألت عبد اللّه بن عمر عن الـمشعر الـحرام، فقال: إذا انطلقت معي أعلـمتكه قال: فـانطلقت معه، فوقـفنا حتـى إذا أفـاض الإمام سار وسرنا معه، حتـى إذا هبطت أيدي الركاب، وكنا فـي أقصى الـجبـال مـما يـلـي عرفـات قال: أين السائل عن الـمشعر الـحرام؟ أخذت فـيه، قلت: ما أخذت فـيه؟ قال: كلها مشاعر إلـى أقصى الـحرم. ٣٢٤٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون الأوديّ، قال: سألت عبد اللّه بن عمر، عن الـمشعر الـحرام قال: إن تلزمنـي أركه قال: فلـما أفـاض الناس من عرفة وهبطت أيدي الركاب فـي أدنى الـجبـال، قال: أين السائل عن الـمشعر الـحرام؟ قال: قلت: ها أنا ذاك، قال: أخذتَ فـيه، قلت: ما أخذت فـيه؟ قال: حين هبطت أيدي الركاب فـي أدنى الـجبـال فهو مشعر إلـى مكة. ٣٢٤٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن عمارة بن زاذان، عن مكحول الأزدي، قال: سألت ابن عمر يوم عرفة عن الـمشعر الـحرام؟ فقال: الْزَمْنـي فلـما كان من الغد وأتـينا الـمزدلفة، قال: أين السائل عن الـمشعر الـحرام؟ هذا الـمشعر الـحرام. ٣٢٤٧ـحدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: الـمشعر الـحرام: الـمزدلفة كلها. ٣٢٤٨ـحدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أين الـمزدلفة؟ قال: إذا أفضت من مأزِمي عرفة، فذلك إلـى مـحسّر قال: ولـيس الـمأزمان مأزما عرفة من الـمزدلفة، ولكنّ مفـاضاهما قال: قـف بـينهما إن شئت، وأحبّ إلـيّ أن تقـف دون قُزَح، هلـمّ إلـينا من أجل طريق الناس. ٣٢٤٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: رآهم ابن عمر يزدحمون علـى قزح، فقال علام يزدحم هؤلاء كل ما ههنا مشعر. ٣٢٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الـمشعر الـحرام الـمزدلفة كلها. ٣٢٥١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٣٢٥٢ـحدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: فإذَا أفَضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ فـاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ وذلك لـيـلة جمع. قال قتادة: كان ابن عبـاس يقول: ما بـين الـجبلـين مشعر. ٣٢٥٣ـحدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، قال: الـمشعر الـحرام هو ما بـين جبـال الـمزدلفة، ويقال: هو قرن قزح. ٣٢٥٤ـحدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: فـاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ وهي الـمزدلفة، وهي جمع. وذكر عن عبد الرحمن بن الأسود ما: ٣٢٥٥ـ حدثنا به هناد، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: لـم أجد أحدا يخبرنـي عن الـمشعر الـحرام. ٣٢٥٦ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن السدي، قال: سمعت سعيد بن جبـير يقول: الـمشعر الـحرام: ما بـين جبلـي مزدلفة. ٣٢٥٧ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا قـيس، عن حكيـم بن جبـير، عن سعيد بن جبـير، قال: سألت ابن عمر عن الـمشعر الـحرام؟ فقال: ما أدري، وسألت ابن عبـاس ، فقال: ما بـين الـجبلـين. ٣٢٥٨ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل: عن أبـي إسحاق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس قال: الـجبـيـل وما حوله مشاعر. ٣٢٥٩ـحدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن ثوير، قال: وقـفت مع مـجاهد علـى الـجبـيـل، فقال: هذا الـمشعر الـحرام. ٣٢٦٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حسن بن عطية، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، الـجبـيـل وما حوله مشاعر. وإنـما جعلنا أول حدّ الـمشعر مـما يـلـي منى منقطع وادي مـحسر مـما يـلـي الـمزدلفة، لأن ٣٢٦١ـالـمثنى، حدثنـي قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، عن زيد بن أسلـم، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (عَرَفَةُ كُلّها مَوْقِـفٌ إلا عُرَنَةَ، وَجمْعٌ كُلّها مَوْقِـفٌ إلا مُـحَسّرا). ٣٢٦٢ـحدثنـي يعقوب، قال: ثنـي هشيـم، عن حجاج، عن ابن أبـي ملـيكة، عن عبد اللّه بن الزبـير، أنه قال: كل مزدلفة موقـف إلا وادي مـحسر. ٣٢٦٣ـحدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن حجاج، قال: أخبرنـي من سمع عروة بن الزبـير يقول مثل ذلك. ٣٢٦٤ـحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، عن هشام بن عروة، قال: قال عبد اللّه بن الزبـير فـي خطبته: تَعَلّـمُنّ أن عرفة كلها موقـف إلا بطن عرنة، تعلّـمُنّ أن مزدلفة كلها موقـف إلا بطن مـحسر. غير أن ذلك وإن كان كذلك فإنـي أختار للـحاج أن يجعل وقوفه لذكر اللّه من الـمشعر الـحرام علـى قزح وما حوله، لأن: ٣٢٦٥ـأبـا كريب حدثنا ، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن إبراهيـم بن إسماعيـل بن مـجمع، عن عبد الرحمن بن الـحرث الـمخزومي، عن زيد بن علـيّ، عن عبـيد اللّه بن أبـي رافع، عن علـيّ قال: لـما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـمزدلفة، غدا فوقـف علـى قزح، وأردف الفضل، ثم قال: (هذا الـمَوْقِـفُ، وكل مُزْدِلفة مَوْقِـفٌ). ٣٢٦٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: أخبرنا إبراهيـم بن إسماعيـل بن مـجمع، عن عبد الرحمن بن الـحرث، عن زيد بن علـيّ بن الـحسين، عن عبـيد اللّه بن أبـي رافع عن أبـي رافع، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه. ٣٢٦٧ـ حدثنا هناد وأحمد الدولابـي، قالا: حدثنا سفـيان، عن ابن الـمنكدر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن ابن الـحويرث، قال: رأيت أبـا بكر واقـفـا عل قزح وهو يقول: أيها الناس أصبحوا أيها الناس أصبحوا ثم دفع. ٣٢٦٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عبد اللّه بن عثمان، عن يوسف بن ماهك، حججت مع ابن عمر، فلـما أصبح بجمع صلـى الصبح، ثم غدا وغدونا معه حتـى وقـف مع الإمام علـى قزح، ثم دفع الإمام فدفع بدفعته. وأما قول عبد اللّه بن عمر حين صار بـالـمزدلفة: (هذا كله مشاعر إلـى مكة)، فإن معناه أنها معالـم من معالـم الـحج ينسك فـي كل بقعة منها بعض مناسك الـحجّ، لا أن كل ذلك الـمشعر الـحرام الذي يكون الواقـف حيث وقـف منه إلـى بطن مكة قاضيا ما علـيه من الوقوف بـالـمشعر الـحرام من جمع. وأما قول عبد الرحمن بن الأسود: (لـم أجد أحدا يخبرنـي عن الـمشعر الـحرام) فلأنه يحتـمل أن يكون أراد: لـم أجد أحدا يخبرنـي عن حدّ أوله ومنتهى آخره علـى حقه وصدقه لأن حدود ذلك علـى صحتها حتـى لا يكون فـيها زيادة ولا نقصان لا يحيط بها إلا القلـيـل من أهل الـمعرفة بها، غير أن ذلك وإن لـم يقـف علـى حدّ أوله ومنتهى آخره وقوفـا لا زيادة فـيه ولا نقصان إلا من ذكرت، فموضع الـحاجة للوقوف لاخفـاء به علـى أحد من سكان تلك الناحية وكثـير من غيرهم، وكذلك سائر مشاعر الـحجّ والأماكن التـي فرض اللّه عز وجل علـى عبـاده أن ينسكوا عندها كعرفـات ومنى والـحرم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاذْكُرُوهُ كمَا هَدَاكُمْ وَإنْ كُنْتُـمْ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنْ الضالّـينَ. يعنـي بذلك جل ثناؤه: واذكروا اللّه أيها الـمؤمنون عند الـمشعر الـحرام بـالثناء علـيه، والشكر له علـى أياديه عندكم، ولـيكن ذكركم إياه بـالـخضوع لأمره، والطاعة له والشكر علـى ما أنعم علـيكم من التوفـيق، لـما وفقكم له من سنن إبراهيـم خـلـيـله بعد الذي كنتـم فـيه من الشرك والـحيرة والعمى عن طريق الـحقّ وبعد الضلالة كذكره إياكم بـالهدى، حتـى استنقذكم من النار به بعد أن كنتـم علـى شفـا حفرة منها، فنـجاكم منها. وذلك هو معنى قوله: كمَا هَدَاكُمْ. وأما قوله: وَإنْ كُنْتُـمْ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الضّالّـينَ فإن من أهل العربـية من يوجه تأويـل (إن) إلـى تأويـل (ما)، وتأويـل اللام التـي فـي (لَـمِنَ) إلـى (إلا). فتأويـل الكلام علـى هذا الـمعنى: وما كنتـم من قبل هداية اللّه إياكم لـما هداكم له من ملة خـلـيـله إبراهيـم التـي اصطفـاها لـمن رضي عنه من خـلقه إلا من الضالـين. ومنهم من يوجه تأويـل (إن) إلـى (قد)، فمعناه علـى قول قائل هذه الـمقالة: واذكروا اللّه أيها الـمؤمنون كما ذكركم بـالهدى، فهداكم لـما رضيه من الأديان والـملل، وقد كنتـم من قبل ذلك من الضالـين. |
﴿ ١٩٨ ﴾