١٩٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثم أفـيضوا من حيث أفـاض الناس} اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، ومَن الـمعنـيّ بـالأمر بـالإفـاضة من حيث أفـاض الناس، ومَنِ الناسُ الذين أمروا بـالإفـاضة من موضع إفـاضتهم.

فقال بعضهم: الـمعنـيّ بقوله: ثمّ أفِـيضُوا قريش، ومن ولدته قريش الذين كانوا يسمون فـي الـجاهلـية الـحمس، أمروا فـي الإسلام أن يفـيضوا من عرفـات، وهي التـي أفـاض منها سائر الناس غير الـحمس. وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش، كانوا يقولون: لا نـخرج من الـحرم. فكانوا لا يشهدون موقـف الناس بعرفة معهم، فأمرهم اللّه بـالوقوف معهم. ذكر من قال ذلك:

٣٢٦٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن عبد الرحمن الطفـاوي، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبـيه. عن عائشة قالت: كانت قريش ومن كان علـى دينها وهم الـحمس، يقـفون بـالـمزدلفة يقولون: نـحن قَطِين اللّه ، وكان من سواهم يقـفون بعرفة. فأنزل اللّه : ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ.

٣٢٧٠ـحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا أبـان، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة: أنه كتب إلـى عبد الـملك بن مروان كتبتَ إلـيّ فـي قول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لرجل من الأنصار (إنّـي أحْمَس) وإنـي لا أدري أقالها النبـيّ أم لا؟ غيرأنـي سمعتها تُـحدّث عنه. والـحمس: ملة قريش، وهم مشركون، ومَن ولدت قريش فـي خزاعة وبنـي كنانة. كانوا لا يدفعون من عرفة، إنـما كانوا يدفعون من الـمزدلفة وهو الـمشعر الـحرام، وكانت بنو عامر حمسا، وذلك أن قريشا ولدتهم، ولهم

قـيـل: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ وأن العرب كلها كانت تفـيض من عرفة إِلا الـحمس، كانوا يدفعون إذا أصبحوا من الـمزدلفة.

٣٢٧١ـحدثنـي أحمد بن مـحمد الطوسي، قال: حدثنا أبو توبة، قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفـيان، عن حسين بن عبـيد اللّه ، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كانت العرب تقـف بعرفة، وكانت قريش تقـف دون ذلك بـالـمزدلفة، فأنزل اللّه : ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ فرفع النبـي صلى اللّه عليه وسلم الـموقـف إلـى موقـف العرب بعرفة.

٣٢٧٢ـحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عبد الـملك، عن عطاء: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من حيث تُفـيض جماعة الناس.

٣٢٧٣ـحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم، قال: حدثنا ، عن عبد اللّه بن أبـي طلـحة، عن مـجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط اللّه إلـى السماء الدنـيا فـي الـملائكة، فـ

يقول: هلّـم إلـيّ عبـادي، آمنوا بوعدي وصَدّقوا رسلـي فـ

يقول: ما جزاؤهم؟ فـيقال: أن تغفر لهم. فذلك قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ واسْتَغْفِرُوا اللّه إنّ اللّه غَفُورٌ رحيـمٌ.

٣٢٧٤ـحدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ قال: عرفة

قال: كانت قريش تقول: نـحن الـحمس أهل الـحرم ولا نـخـلّفُ الـحرم ونفـيض عن الـمزدلفة. فأُمروا أن يبلغوا عرفة.

٣٢٧٥ـحدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ، قال قتادة: وكانت قريش وكل حلـيف لهم وبنـي أخت لهم لا يفـيضون من عرفـات، إنـما يفـيضون من الـمغَمّس ويقولون: إنـما نـحن أهل اللّه ، فلا نـخرج من حرمه. فأمرهم اللّه أن يفـيضوا من حيث أفـاض الناس من عرفـات، وأخبرهم أن سُنّة إبراهيـم وإسماعيـل هكذا: الإفـاضة من عرفـات.

٣٢٧٦ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ قال: كانت العرب تقـف بعرفـات، فتُعظم قريشٌ أن تقـف معهم، فتقـف قريشٌ بـالـمزدلفة فأمرهم اللّه أن يفـيضوا مع الناس من عرفـات.

٣٢٧٧ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ، قال: كانت قريش وكل ابن أخت وحلـيف لهم لا يفـيضون مع الناس من عرفـات، يقـفون فـي الـحرم ولا يخرجون منه، يقولون: إنـما نـحن أهل حرم اللّه فلا نـخرج من حرمه. فأمرهم اللّه أن يفـيضوا من حيث أفـاض الناس وكانت سُنّة إبراهيـم وإسماعيـل الإفـاضة من عرفـات.

٣٢٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبـي نـجيح، قال: كانت قريش لا أدري قبل الفـيـل أو بعده ابتدعت أمْرَ الـحمس، رأيا رأوه بـينهم

قالوا: نـحن بنو إبراهيـم وأهل الـحرمة وولاة البـيت وقاطنو مكة وساكنوها، فلـيس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظّموا شيئا من الـحِلّ كما تعظمون الـحرم، فإنكم إن فعلتـم ذلك استـخفّت العرب بحرمكم، و

قالوا: قد عظموا من الـحل مثل ما عظموا من الـحرم. فتركوا الوقوف علـى عرفة، والإفـاضة منها، وهم يعرفون ويقرّون أنها من الـمشاعر والـحجّ ودين إبراهيـم، ويرون لسائر الناس أن يقـفوا علـيها، وأن يفـيضوا منها. إلا أنهم

قالوا: نـحن أهل الـحرم، فلـيس ينبغي لنا أن نـخرج من الـحرمة، ولا نعظم غيرها كما نعظمها نـحن الـحمس والـحمس: أهل الـحرم ثم جعلوا لـمن ولدوا من العرب من ساكنـي الـحلّ مثل الذي لهم بولادتهم إياهم، فـيحلّ لهم ما يحلّ لهم، ويحرم علـيهم ما يحرم علـيهم. وكانت كنانة وخزاعة قد دخـلوا معهم فـي ذلك، ثم ابتدعوا فـي ذلك أمورا لـم تكن، حتـى

قالوا: لا ينبغي للـحمس أن يأقطوا الأقط، ولا يسلئوا السمن وهم حُرُم، ولا يدخـلوا بـيتا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا فـي بـيوت الأدم ما كانوا حراما، ثم رفعوا فـي ذلك فقالوا لا ينبغي لأهل الـحلّ أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الـحلّ فـي الـحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا، ولا يطوفوا بـالبـيت إذا قدموا أوّل طوافهم إلا فـي ثـياب الـحمس، فإن لـم يجدوا منها شيئا طافوا بـالبـيت عراة. فحملوا علـى ذلك العرب فدانت به، وأخذوا بـما شرعوا لهم من ذلك، فكانوا علـى ذلك حتـى بعث اللّه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه حين أحكم له دينه وشرع له حجته: ثُمّ أفـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفرُوا اللّه إنّ اللّه غَفُورٌ رَحيـمٌ يعنـي قريشا والناس العرب. فرفعهم فـي سنة الـحجّ إلـى عرفـات، والوقوف علـيها، والإفـاضة منها فوضع اللّه أمر الـحمس، وما كانت قريش ابتدعت منه عن الناس بـالإسلام حين بعث اللّه رسوله.

٣٢٧٩ـ حدثنا بحر بن نصر، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن أبـي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، قال: كانت قريش تقـف بقزح، وكان الناس يقـفون بعرفة

قال: فأنزل اللّه : ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ.

وقال آخرون: الـمخاطبون بقوله: ثُمّ أفِـيضُوا الـمسلـمون كلهم، والـمعنـيّ بقوله: مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من جمع، وبـالناس إبراهيـم خـلـيـل الرحمن علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:

٣٢٨٠ـ حدثت عن القاسم بن سلام، قال: حدثنا هارون بن معاوية الفزاري، عن أبـي بسطام عن الضحاك ، قال: هو إبراهيـم.

والذي نراه صوابـا من تأويـل هذه الآية، أنه عنى بهذه الآية قريش ومن كان متـحمسا معها من سائر العرب لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن ذلك تأويـله.

وإذ كان ذلك كذلك

فتأويـل الآية: فمن فرض فـيهن الـحجّ، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فـي الـحج، ثم أفـيضوا من حيث أفـاض الناس، واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيـم، وما تفعلوا من خير يعلـمه اللّه . وهذا إذ كان ما وصفنا تأويـله فهو من الـمقدّم الذي معناه التأخير، والـمؤخر الذي معناه التقديـم، علـى نـحو ما تقدم بـياننا فـي مثله، ولولا إجماع من وصفت إجماعه علـى أن ذلك تأويـله. لقلت: أولـى التأويـلـين بتأويـل الآية ما قاله الضحاك من أن اللّه عنى بقوله: مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من حيث أفـاض إبراهيـم لأن الإفـاضة من عرفـات لا شك أنها قبل الإفـاضة من جمع، وقبل وجوب الذكر عند الـمشعر الـحرام. وإذ كان ذلك لا شك كذلك وكان اللّه عز وجل إنـما أمر بـالإفـاضة من الـموضع الذي أفـاض منه الناس بعد انقضاء ذكر الإفـاضة من عرفـات وبعد أمره بذكره عند الـمشعر الـحرام، ثم قال بعد ذلك: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ كان معلوما بذلك أنه لـم يأمر بـالإفـاضة إلا من الـموضع الذي لـم يفـيضوا منه دون الـموضع الذي قد أفـاضوا منه، وكان الـموضع الذي قد أفـاضوا منه فـانقضى وقت الإفـاضة منه، لا وجه لأن يقال: أفض منه. فإذا كان لا وجه لذلك وكان غير جائز أن يأمر اللّه جل وعز بأمر لا معنى له، كانت بـيّنة صحة ما قاله من التأويـل فـي ذلك، وفساد ما خالفه لولا الإجماع الذي وصفناه وتظاهر الأخبـار بـالذي ذكرنا عمن حكينا قوله من أهل التأويـل.

فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه: والناس جماعة، وإبراهيـم صلى اللّه عليه وسلم واحد، واللّه تعالـى ذكره

يقول: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ؟

قـيـل: إن العرب تفعل ذلك كثـيرا، فتدلّ بذكر الـجماعة علـى الواحد. ومن ذلك قول اللّه عزّ وجل: الّذين قاَل لهُمْ النّاسَ إنّ النّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ والذي قال ذلك واحد، وهو فـيـما تظاهرت به الرواية من أهل السير نعيـم بن مسعود الأشجعي، ومنه قول اللّه عز وجل: يا ايّها الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبـات وَاعْمَلُوا صَالـحا

قـيـل: عنى بذلك النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. ونظائر ذلك فـي كلام العرب أكثر من أن تـحصى.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاسْتَغْفِرُوا اللّه إنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ.

يعنـي بذلك جل ثناؤه: فإذَا أفضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ منصرفـين إلـى منى فـاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الـمَشْعَر الـحَرَامِ وادعوه واعبدوه عنده، كما ذكركم بهدايته، فوفقكم لـما ارتضى لـخـلـيـله إبراهيـم، فهداه له من شريعة دينه بعد أن كنتـم ضلالاً عنه.

وفـي (ثُمّ) فـي قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من التأويـل وجهان: أحدهما ما قاله الضحاك من أن معناه: ثم أفـيضوا فـانصرفوا راجعين إلـى منى من حيث أفـاض إبراهيـم خـلـيـلـي من الـمشعر الـحرام، وسلونـي الـمغفرة لذنوبكم، فإنـي لها غفور، وبكم رحيـم. كما:

٣٢٨١ـ حدثنـي إسماعيـل بن سيف العجلـي، قال: حدثنا عبد القاهر بن السريّ السلـمي، قال: حدثنا ابن كنانة، ويكنى أبـا كنانة، عن أبـيه، عن العبـاس بن مرداس السلـمي، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (دَعَوْتُ اللّه يَوْمَ عَرَفَةَ أنْ يَغْفِرَ لأمّتِـي ذُنُوبَها، فأجابَنِـي أنْ قَدْ غَفَرْتُ، إلاّ ذُنُوبَها بَـيْنَها وَبْـينَ خَـلْقِـي، فأعَدْت الدّعاءَ يَوْمَئِذٍ، فَلَـمْ أُجَبْ بِشَيْءٍ، فَلَـمّا كانَ غَدَاةَ الـمُزْدَلفة قلْتُ: يا رَبّ إنّكَ قادرٌ أنْ تُعَوّضَ هَذَا الـمَظْلُومَ منْ ظُلامَتِهِ، وتَغْفِرَ لِهَذَا الظّالِـمِ، فأجَابِنـي أنْ قَدْ غَفَرْتُ) قال: فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: فقلنا: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأيناك تضحك فـي يوم لـم تكن تضحك فـيه؟ قال: (ضحكت مِنْ عَدُوّ اللّه إبْلِـيسَ لَـمّا سَمِعَ بِـمَا سَمِعَ إذَا هُوَ يَدْعُو بـالْوَيْـلِ وَالثُبُوِر، وَيَضَعُ التّرَابَ علـى رأسِهِ).

٣٢٨٢ـحدثنا مسلـم بن حاتـم الأنصاري، قال: حدثنا بشار بن بكير الـحنفـي، قالا: حدثنا عبد العزيز بن أبـي روّاد عن نافع، عن ابن عمر، قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشية عرفة،

فقال: (أيّها النّاسُ إنّ اللّه تَطَوّلُ عَلَـيْكُمْ فِـي مَقامِكُمْ هَذَا، فَقَبِلَ مِنْ مُـحْسِنِكُمْ، وأعْطَى مُـحْسِنَكُمْ ما سألَ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِـمُـحْسِنِكُمْ إلاّ التّبِعاتِ فِـيـما بَـيْنَكُمْ أفِـيضُوا علـى اسْمِ اللّه ) فلـما كان غداة جمع قال: (أيّها النّاسِ إنّ اللّه قَدْ تَطَوّلَ عَلَـيْكُمْ فـي مَقامِكُمْ هَذَا، فَقَبِلَ مِنْ مُـحْسِنِكُمْ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمُ لِـمُـحْسِنِكُمْ، والتّبِعاتِ بَـيْنَكُمْ عَوّضَها مِنْ عِنْدِهِ أفِـيضُوا علـى اسْمِ اللّه ) فقال أصحابه: يا رسول اللّه أفضت بنا بـالأمس كئيبـا حزينا، وأفضت بنا الـيوم فرحا مسرورا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّـي سألْتُ رّبـي بـالأمْسِ شَيْئا لَـمْ يَجُدْ لـي بِهِ، سألتُه التّبِعات فأبى علـيّ، فَلَـمّا كانَ الـيَوْمُ أتانـي جِبْرِيـلُ قال: إنّ رَبّكَ يُقْرِئُكَ السّلامَ ويَقُول التّبِعاتُ ضَمِنْتُ عِوَضَها مِنْ عِنْدِي).

فقد بـين هذان الـخبران أن غفران اللّه التبعات التـي بـين خـلقه فـيـما بـينهم إنـما هو غداة جمع، وذلك فـي الوقت الذي قال جل ثناؤه: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ واسْتَغْفِرُوا اللّه لذنوبكم، فإنه غفور لها حينئذٍ، تفضلاً منه علـيكم، رحيـم بكم.

والاَخر منهما: ثم أفـيضوا من عرفة إلـى الـمشعر الـحرام، فإذا أفضتـم إلـيه منها فـاذكروا اللّه عنده كما هداكم.

﴿ ١٩٩