٢٠١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وِمِنْهُمْ مّن يَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ }

اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـحسنة التـي ذكر اللّه فـي هذا الـموضع،

فقال بعضهم: يعنـي بذلك: ومن الناس من

يقول: ربنا أعطنا عافـية فـي الدنـيا وعافـية فـي الاَخرة: ذكر من قال ذلك:

٣٣٠٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً قال: فـي الدنـيا عافـية، وفـي الاَخرة عافـية.

قال قتادة: وقال رجل: اللّه مّ ما كنت معاقبـي به فـي الاَخرة فعجله لـي فـي الدنـيا فمرض مرضا حتـى أضنى علـى فراشه، فذكر للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم شأنه، فأتاه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقـيـل له: إنه دعا بكذا وكذا، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (إنّهُ لا طاقَةَ لأِحَدٍ بِعُقُوبَةِ اللّه ، وَلَكِنْ قُلْ: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنـيْا حَسَنَةً وفـي الاَخِرِةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النّار) فقالها، فما لبث إلا أياما أو يسيرا حتـى برأ.

٣حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سعيد بن الـحكم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: ثنـي حميد، قال: سمعت أنس بن مالك

يقول: عاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً قد صار مثل الفرخ الـمنتوف، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللّه بِشَيْءٍ، أوْ تَسألُ اللّه شَيْئا؟) قال: قلت: اللّه مّ ما كنت معاقبـي به فـي الاَخرة فعاقبنـي به فـي الدنـيا

قال: (سُبْحانَ اللّه هَلْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ أحَدٌ أوْ يُطِيقُهُ فهَلاّ قُلْتَ: اللّه مّ آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً، وفِـي الاَخِرَة حَسَنَةً، وَقِنا عَذَابَ النّارِ).

وقال آخرون: بل عنى اللّه عز وجل بـالـحسنة فـي هذا الـموضع: فـي الدنـيا: العلـم والعبـادة، وفـي الاَخرة: الـجنة. ذكر من قال ذلك:

٣حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عبـاد، عن هشام بن حسان، عن الـحسن: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً قال: الـحسنة فـي الدنـيا: العلـم والعبـادة، وفـي الاَخرة: الـجنة.

٣٣٠٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن سفـيان بن حسين، عن الـحسن فـي قوله: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنـيْا حَسَنَةً، وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذَابَ النّارِ قال: العبـادة فـي الدنـيا، والـجنة فـي الاَخرة.

٣حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن هشام، عن الـحسن فـي قوله: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً قال: الـحسنة فـي الدنـيا: الفهم فـي كتاب اللّه والعلـم.

٣٣٠٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفـيان الثوري يقول هذه الآية: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً قال: الـحسنة فـي الدنـيا: العلـم والرزق الطيب، وفـي الاَخرة حسنة: الـجنة.

وقال آخرون: الـحسنة فـي الدنـيا: الـمال، وفـي الاَخرة: الـجنة. ذكر من قال ذلك:

٣٣٠٩ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النّارِ قال: فهؤلاء النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنون.

٣٣١٠ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً هؤلاء الـمؤمنون أما حسنة الدنـيا فـالـمال، وأما حسنة الاَخرة فـالـجنة.

والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن اللّه جل ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الإيـمان به وبرسوله، مـمن حجّ بـيته، يسألون ربهم الـحسنة فـي الدنـيا، والـحسنة فـي الاَخرة، وأن يقـيهم عذاب النار. وقد تـجمعُ الـحسنة من اللّه عزّ وجل العافـية فـي الـجسم والـمعاش والرزق وغير ذلك والعلـم والعبـادةوأما فـي الاَخرة فلا شك أنها الـجنة، لأن من لـم ينلها يومئذٍ فقد حرم جميع الـحسنات وفـارق جميع معانـي العافـية.

وإنـما قلنا إن ذلك أولـى التأويلات بـالآية لأن اللّه عز وجل لـم يخصص بقوله مخبرا عن قائل ذلك من معانـي الـحسنة شيئا، ولا نصب علـى خصوصه دلالة دالة علـى أن الـمراد من ذلك بعض دون بعض، فـالواجب من القول فـيه ما قلنا من أنه لا يجوز أن يخصّ من معانـي ذلك شيء، وأن يحكم بعمومه علـى ما عمه اللّه .

وأما قوله: وَقِنا عَذَابَ النّارِ فإنه يعنـي بذلك: اصرف عنا عذاب النار، يقال منه: وقـيته، كذا أقـيه وقاية وواقـية ووقاء مـمدودا، وربـما

قالوا: وقاك اللّه وَقْـيا: إذا دفعت عنه أذى أو مكروها.

﴿ ٢٠١