٢٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{لاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلّقْتُمُ النّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ ...}

يعنـي تعالـى ذكره بقوله لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ لا حرج علـيكم إن طلقتـم النساء،

يقول: لا حرج علـيكم فـي طلاقكم نساءكم وأزواجكم ما لـم تـماسوهن، يعنـي بذلك: ما لـم تـجامعوهن. والـمـماسة فـي هذا الـموضع كناية عن اسم الـجماع. كما:

٤٤٨١ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، وحدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قالا جميعا: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، قال:

قال ابن عبـاس : الـمس: الـجماع، ولكن اللّه يكنـي ما يشاء بـما شاء.

٤٤٨٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال حدثنـي معاوية، عن علـي بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قال: الـمس: النكاح.

وقد اختلف القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الـحجاز والبصرة: ما لَـم تَـمَسّوهُنّ بفتـح التاء من تـمسوهن، وبغير ألف من قولك: مَسِسْتُه أمَسّه مَسّا وَمَسِيسا ومِسّيسَى مقصور مشدّد غير مـجرى. وكأنهم اختاروا قراءة ذلك إلـحاقا منهم له بـالقراءة الـمـجتـمع علـيها فـي قوله: ولَـمْ يَـمْسَسْنِـي بَشَرٌ. وقرأ ذلك آخرون: (ما لَـمْ تُـمَاسّوهُنّ) بضم التاء والألف بعد الـميـم إلـحاقا منهم ذلك بـالقراءة الـمـجمع علـيها فـي قوله: فَتَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَـمَاسّا وجعلوا ذلك بـمعنى فعل كل واحد من الرجل والـمرأة بصاحبه من قولك: ماسست الشيء مـماسة ومِسَاسا.

والذي نرى فـي ذلك أنهما قراءتان صحيحتا الـمعنى متفقتا التأويـل، وإن كان فـي إحداهما زيادة معنى غير موجبة اختلافـا فـي الـحكم والـمفهوم. وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا

قـيـل له: مسِست زوجتـي أن الـمـمسوسة قد لاقـى من بدنها بدن الـماسّ ما لاقاه مثله من بدن الـماسّ، فكل واحد منهما وإن أفرد الـخبر عنه بأنه الذي مسّ صاحبه معقول، كذلك الـخبر نفسه أن صاحبه الـمسوس قد ماسه، فلا وجه للـحكم لإحدى القراءتـين مع اتفـاق معانـيهما، وكثرة القراءة بكل واحدة منهما بأنها أولـى بـالصواب من الأخرى، بل الواجب أن يكون القارىء بأيتهما قرأ مصيب الـحقّ فـي قراءته.

وإنـما عنى اللّه تعالـى ذكره بقوله: لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إنْ طَلّقْتُـمُ النّساءَ ما لَـمْ تَـمَسّوهُنّ الـمطلقات قبل الإفضاء إلـيهنّ فـي نكاح قد سمي لهن فـيه الصداق. وإنـما قلنا إن ذلك كذلك، لأن كل منكوحة فإنـما هي إحدى اثنتـين إما مسمى لها الصداق، أو غير مسمى لها ذلك، فعلـمنا بـالذي يتلو ذلك من قوله تعالـى ذكره أن الـمعنـية بقوله: لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إنْ طَلّقْتُـمْ النّساءَ مَا لَـمْ تَـمَسّوهُنّ إنـما هي الـمسمى له، لأن الـمعنـية بذلك لو كانت غير الـمفروض لها الصداق لـما كان لقوله: أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً معنى معقول، إذ كان لا معنى لقول قائل: لا جناح علـيكم إذا طلقتـم النساء ما لـم تفرضوا لهنّ فرِيضة فـي نكاح لـم تـماسوهنّ فـيه أو ما لـم تفرضوا لهنّ فريضة. فإذ كان لا معنى لذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويـل فـي ذلك: لا جناح علـيكم إن طلقتـم الـمفروض لهن من نسائكم الصداقُ قبل أن تـماسوهن، وغير الـمفروض لهن قبل الفرض.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله أو تَفْرِضُوا لَهُنّ أو توجبوا لهنّ، وبقوله: فَرِيضةً صداقا واجبـا. كما:

٤٤٨٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضةً قال: الفريضة: الصداق. وأصل الفرض: الواجب، كما قال الشاعر:

كانَتْ فَريضَةَ ما أتَـيْتَ كمَاكانَ الزّناءُ فَرِيضَةَ الرّجْمِ

يعنـي كما كان الرجم الواجب من حدّ الزنا، لذلك

قـيـل: فرض السلطان لفلان ألفـين، يعنـي بذلك أوجب له ذلك ورزقه من الديوان.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَتّعُوهُنّ علـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَمَتّعُوهُنّ وأعطوهنّ ما يتـمتعن به من أموالكم علـى أقداركم ومنازلكم من الغنى والإقتار.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي مبلغ ما أمر اللّه به الرجال من ذلك،

فقال بعضهم: أعلاه الـخادم، ودون ذلك الوَرِق، ودونه الكسوة. ذكر من قال ذلك:

٤٤٨٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن إسماعيـل، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: متعة الطلاق أعلاه الـخادم، ودون ذلك الوَرِق، ودون ذلك الكسوة.

٤٤٨٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا سفـيان، عن إسماعيـل بن أمية، عن عكرمة، ابن عبـاس بنـحوه.

٤٤٨٦ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن داود، عن الشعبـي قوله: وَمَتّعُوهُنّ علـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ قلت له: ما أوسط متعة الـمطلقة؟ قال: خمارها ودرعها وجلبـابها وملـحفتها.

٤حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: وَمَتّعوهُنّ عَلـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعا بـالـمَعْرُوفِ حَقّا علـى الـمُـحْسِنـينَ فهذا الرجل يتزوّج الـمرأة ولـم يسمّ لها صداقا ثم يطلقها من قبل أن ينكحها، فأمر اللّه سبحانه أن يـمتعها علـى قدر عسره ويسره، فإن كان موسرا متعها بخادم أو شبه ذلك، وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نـحو ذلك.

٤حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـي فـي قوله: وَمَتّعُوهُنّ عَلـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ قال: قلت للشعبـي: ما وسط ذلك؟ قال: كسوتها فـي بـيتها ودرعها وخمارها وملـحفتها وجلبـابها. قال الشعبـي: فكان شريح يـمتع بخمسمائة.

٤٤٨٧ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر: أن شريحا كان يـمتع بخمسائة. قلت لعامر: ما وسط ذلك؟ قال: ثـيابها فـي بـيتها درع وخمار وملـحفة وجلبـاب.

٤٤٨٨ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن عمار الشعبـي أنه قال: وسط من الـمتعة ثـياب الـمرأة فـي بـيتها درع وخمار وملـحفة وجلبـاب.

٤٤٨٩ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا داود، عن الشعبـي: أن شريحا متع بخمسمائة

وقال الشعبـي: وسط من الـمتعة درع وخمار وجلبـاب وملـحفة.

٤٤٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس فـي قوله: لاَ جُناحَ عَلَـيْكُمْ إنْ طَلّقْتُـمُ النّساءَ ما لَـمْ تَـمَسّوهُنّ أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً وَمَتّعُوهّنّ عَلـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعا بـالـمَعْروفِ حَقّا علـى الـمُـحْسِنـينَ قال: هو الرجل يتزوّج الـمرأة ولا يسمي لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخـل بها، فلها متاع بـالـمعروف ولا صداق لها

قال: أدنى ذلك ثلاثة أثواب درع وخمار وجلبـاب وإزار.

﴿ ٢٣٦