٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ ...}

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وبأنـي قد جئتكم بآية من ربكم، وجئتكم مصدّقا لـما بـين يديّ من التوراة، ولذلك نصب (مصدّقا) علـى الـحال من جئتكم. والذي يدلّ علـى أنه نصب علـى قوله وجئتكم دون العطف علـى قوله: (وجيها)، قوله: {لِـمَا بَـيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ} ولو كان عطفـا علـى قوله: (وجيها)، لكان الكلام: ومصدّقا لـما بـين يديه من التوراة، ولـيحلّ لكم بعض الذي حرّم علـيكم. وإنـما

قـيـل: {ومُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ} لأن عيسى صلوات اللّه علـيه كان مؤمنا بـالتوراة مقرّا بها، وأنها من عند اللّه ، وكذلك الأنبـياء كلهم يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب اللّه ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لـمخالفة اللّه بـينهم فـي ذلك، مع أن عيسى كان فـيـما بلغنا عاملاً بـالتوراة، لـم يخالف شيئا من أحكامها إلا ما خفف اللّه عن أهلها فـي الإنـجيـل مـما كان مشدّدا علـيهم فـيها. كما:

٥٧٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه

يقول: إن عيسى كان علـى شريعة موسى صلى اللّه عليه وسلم، وكان يسبت ويستقبل بـيت الـمقدس، فقال لبنـي إسرائيـل: إنـي لـم أدعكم إلـى خلاف حرف مـما فـي التوراة إلا لأحلّ لكم بعض الذي حرّم علـيكم، وأضع عنكم من الاَصار.

٥٧٢٧ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَمُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الذِي حُرّمَ عَلَـيْكُمْ} كان الذي جاء به عيسى ألـين مـما جاء به موسى، وكان قد حرّم علـيهم فـيـما جاء به موسى لـحوم الإبل والثروب، وأشياء من الطير والـحيتان.

٥٧٢٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله: {وَمُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَـيْكُمْ} قال: كان الذي جاء به عيسى ألـين من الذي جاء به موسى، قال: وكان حرّم علـيهم فـيـما جاء به موسى من التوراة لـحوم الإبل والثروب فأحلها لهم علـى لسان عيسى، وحرّمت علـيهم الشحوم، وأحلت لهم فـيـما جاء به عيسى، وفـي أشياء من السمك، وفـي أشياء من الطير مـما لا صِيصِيَةَ له، وفـي أشياء حرّمها علـيهم، وشدّدها علـيهم، فجاءهم عيسى بـالتـخفـيف منه فـي الإنـجيـل، فكان الذي جاء به عيسى ألـين من الذي جاء به موسى، صلوات اللّه علـيه.

٥٧٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: {ولأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَـيْكُمْ} قال: لـحوم الإبل والشحوم لـما بعث عيسى أحلها لهم، وبعث إلـى الـيهود فـاختلفوا وتفرّقوا.

٥٧٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {وَمُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ} أي لـما سبقنـي منها، {ولأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَـيْكُمْ} أي أخبركم أنه كان حراما علـيكم، فتركتـموه، ثم أحله لكم تـخفـيفـا عنكم، فتصيبون يسره وتـخرجون من تِبَـاعته.

٥٧٣١ـ حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، عن عبـاد، عن الـحسن: {وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَـيْكُمْ} قال: كان حرّم علـيهم أشياء، فجاءهم عيسى لـيحلّ لهم الذي حرّم علـيهم، يبتغي بذلك شكرهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجِئْتُكُمْ بآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ}.

يعنـي بذلك: وجئتكم بحجة وعبرة من ربكم، تعلـمون بها حقـيقة ما أقول لكم. كما:

٥٧٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيج، عن مـجاهد: {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ} قال: ما بـيّن لهم عيسى من الأشياء كلها، وما أعطاه ربه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ}: ما بـين لهم عيسى من الأشياء كلها.

ويعنـي بقوله: {مِنْ رَبّكُمْ}: من عند ربكم .

﴿ ٥٠