١٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّه ...}

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وما يـموت مـحمد ولا غيره من خـلق اللّه إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله اللّه غاية لـحياته وبقائه، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه اللّه له وأذن له بـالـموت فحينئذ يـموت، فأما قبل ذلك فلن تـموت بكيد كائد ولا بحيـلة مـحتال. كما:

٦٤٤١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {وَما كان لِنَفْسٍ أنْ تَـمُوتَ إلاّ بإذْنِ اللّه كِتابـا مُؤَجّلاً}: أي أن لـمـحمد أجلاً هو بـالغه إذا أذن اللّه له فـي ذلك كان.

 إن معنى ذلك: وما كانت نفس لتـموت إلا بإذن اللّه .

وقد اختلف أهل العربـية فـي معنى الناصب قوله: {كِتابـا مُؤجّلاً}¹ فقال بعض نـحويـي البصرة: هو توكيد، ونصبه علـى: كتب اللّه كتابـا مؤجلاً، قال: وكذلك كل شيء فـي القرآن من قوله (حقّا)، إنـما هو: أحقّ ذلك حقّا، وكذلك: {وَعْدَ اللّه } و{رحْمَةً مِنْ رَبّكَ} وَ{صُنْعَ اللّه الّذِي أتْقَنَ كلّ شيءٍ} و{كِتَابَ اللّه عَلَـيكُمْ} إنـما هو: صنع اللّه هكذا صنعا، فهكذا تفسير كل شيء فـي القرآن من نـحو هذا، فإنه كثـير.

وقال بعض نـحويـي الكوفة فـي قوله: {وَما كان لِنَفْسٍ أنْ تَـمُوتَ إلاّ بإذْنِ اللّه } معناه: كتب اللّه آجال النفوس، ثم

قـيـل: كتابـا مؤجلاً، فأخرج قوله: كتابـا مؤجلاً، نصبـا من الـمعنى الذي فـي الكلام، إذ كان قوله: {وَما كان لِنَفْسٍ أنْ تَـمُوتَ إلاّ بـاذْنِ اللّه } قد أدّى عن معنى (كتب)، قال: وكذلك سائر ما فـي القرآن من نظائر ذلك، فهو علـى هذا النـحو.

وقال آخرون منهم: قول القائل: زيد قائم حقا، بـمعنى: أقول زيد قائم حقا، لأن كل كلام قول، فأدّى الـمقول عن القول، ثم خرج ما بعده منه، كما تقول: أقول قولاً حقّا، وكذلك ظنّا ويقـينا، وكذلك وَعْدَ اللّه ، وما أشبهه.

والصواب من القول فـي ذلك عندي، أن كل ذلك منصوب علـى الـمصدر من معنى الكلام الذي قبله، لأن فـي كل ما قبل الـمصادر التـي هي مخالفة ألفـاظها ألفـاظ ما قبلها من الكلام معانـي ألفـاظ الـمصادر وإن خالفها فـي اللفظ فنصبها من معانـي ما قبلها دون ألفـاظه.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: من يرد منكم أيها الـمؤمنون بعمله جزاء منه بعض أعراض الدنـيا دون ما عند اللّه من الكرامة، لـمن ابتغى بعمله ما عنده {نُؤْتِهِ مِنْها}

يقول: نعطه منها، يعنـي: من الدنـيا، يعنـي: أنه يعطيه منها ما قسم له فـيها من رزق أيام حياته، ثم لا نصيب له فـي كرامة اللّه التـي أعدّها لـمن أطاعه، وطلب ما عنده فـي الاَخرة. {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الاَخِرَةِ}

يقول: ومن يرد منكم بعمله جزاء منه ثواب الاَخرة، يعنـي ما عند اللّه من كرامته التـي أعدّها للعاملـين له فـي الاَخرة، {نُؤْتِهِ مِنْهَا}

يقول: نعطه منها، يعنـي من الاَخرة¹ والـمعنى: من كرامة اللّه التـي خصّ بها أهل طاعته فـي الاَخرة. فخرج الكلام علـى الدنـيا والاَخرة، والـمعنى ما فـيهما. كما:

٦٤٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {ومَنْ يُرِدْ ثَواب الدّنـيْا نُؤْتِهِ مِنْها وَمْن يُرِدْ ثَوابَ الاَخِرِةِ نُؤْتِهِ مِنْها}: أي فمن كان منكم يريد الدنـيا لـيست له رغبة فـي الاَخرة، نؤته ما قسم له منها من رزق، ولا حظّ له فـي الاَخرة، ومن يرد ثواب الاَخرة نؤته منها ما وعده مع ما يُجْرَى علـيه من رزقه فـي دنـياه.

وأما قوله: {وَسَنَـجْزِي اللّه الشّاكِرِين}

يقول: وسأثـيب من شكر لـي ما أولـيته من إحسانـي إلـيه بطاعته إياي وانتهائه إلـى أمري وتـجنبه مـحارمي فـي الاَخرة، مثل الذي وعدت أولـيائي من الكرامة علـى شكرهم إياي

وقال ابن إسحاق فـي ذلك بـما:

٦٤٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {وَسَنَـجْزِي اللّه الشّاكِرِين} أي ذلك جزاء الشاكرين، يعنى بذلك: إعطاء اللّه إياه ما وعده فـي الاَخرة مع ما يجرى علـيه من الرزق فـي الدنـيا.

﴿ ١٤٥