١٧٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ ...} يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ولا يظنن الذين كفروا بـاللّه ورسوله، وما جاء به من عند اللّه ، أن إملاءنا لهم خير لأنفسهم. ويعنـي بـالإملاء: الإطالة فـي العمر والإنساء فـي الأجل¹ ومنه قوله جل ثناؤه: {وَاهجُرْنِـي مَلِـيّا}: أي حينا طويلاً¹ ومنه قـيـل: عشت طويلاً وتـملـيت حينا والـملا نفسه: الدهر، والـملوان: اللـيـل والنهار، ومنه قول تـميـم بن مقبل: ألا يا دِيارَ الـحَيّ بـالسّبُعانِأمَلّ عَلَـيها بـالبِلَـى الـمَلَوَانِ يعنـي بـالـملوان: اللـيـل والنهار. وقد اختلفت القراء فـي قراءة قوله: (وَلا تَـحسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا أنّـمَا نُـملِـيَ لهُمْ خَيرٌ لأَنفُسِهِمْ) فقرأ ذلك جماعة منهم: {وَلا يَحسَبنّ} بـالـياء وفتـح الألف من قوله {أنّـمَا} علـى الـمعنى الذي وصفت من تأويـله. وقرأه آخرون: (وَلا تَـحسَبنّ) بـالتاء و{أنّـمَا} أيضا بفتـح الألف من (أنـما)، بـمعنى: ولا تـحسبن يا مـحمد الذين كفروا أنـما نـملـي لهم خير لأنفسهم. فإن قال قائل: فما الذي من أجله فتـحت الألف من قوله: {أنّـمَا} فـي قراءة من قرأ بـالتاء، وقد علـمت أن ذلك إذا قرىء بـالتاء فقد أعلـمت تـحسبنّ فـي الذين كفروا، وإذا أعملتها فـي ذلك لـم يجز لها أن تقع علـى (أنـما) لأن (أنّـما) إنـما يعمل فـيها عامل يعمل فـي شيئين نصبـا؟ قـيـل: أما الصواب فـي العربـية ووجه الكلام الـمعروف من كلام العرب كسر إن قرئت تـحسبن بـالتاء، لأن تـحسبن إذا إذا قرئت بـالتاء، فإنها قد نصبت الذين كفروا، فلا يجوز أن تعمل وقد نصبت اسما فـي أن، ولكنى أظن أن من قرأ ذلك بـالتاء فـي تـحسبن وفتـح الألف من أنـما، إنـما أراد تكرير تـحسبن علـى أنـما، كأنه قصد إلـى أن معنى الكلام: ولا تـحسبن يا مـحمد أنت الذين كفروا، لا تـحسبن أنـما نـملـي لهم خير لأنفسهم، كما قال جل ثناؤه: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاّ السّاعَةَ أنْ تَأْتِـيَهُمْ بَغتَةً} بتأويـل: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتـيهم بغتة؟ وذلك وإن كان وجها جائزا فـي العربـية، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل. والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: {وَلا يَحسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا} بـالـياء من (يحسبن)، وبفتـح الألف من (أنـما)، علـى معنى الـحسبـان للذين كفروا دون غيرهم، ثم يعمل فـي (أنـما) نصبـا¹ لأن (يحسبن) حينئذ لـم يشغل بشيء عمل فـيه، وهي تطلب منصوبـين. وإنـما اخترنا ذلك لإجماع القراء علـى فتـح الألف من (أنـما) الأولـى، فدل ذلك علـى أن القراءة الصحيحة فـي (يحسبن) بـالـياء لـما وصفنا¹ وأما ألف (إنـما) الثانـية فـالكسر علـى الابتداء بـالإجماع من القراء علـيه. وتأويـل قوله: {إنّـمَا نُـملِـي لَهُمْ لِـيَزْدَادُوا إثْما}: إنـما نؤخر آجالهم فنطيـلها لـيزدادوا إثما، يقول: يكتسبوا الـمعاصي فتزداد آثامهم وتكثر {ولَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} يقول: ولهؤلاء الذين كفروا بـاللّه ورسوله فـي الاَخرة عقوبة لهم مهينة مذلة. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك جاء الأثر. ٦٧١٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود، قال: قال عبد اللّه : ما من نفس برة ولا فـاجرة إلا والـموت خير لها، وقرأ: {وَلا يَحسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا ...}. |
﴿ ١٧٨ ﴾