١٨٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ...}

اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه جماعة من أهل الـحجاز والعراق: {وَلا يَحسَبنّ الّذِينَ يَبخَـلونَ} بـالـياء من يحسبنّ وقرأته جماعة أخر: (وَلا تَـحسَبنّ) بـالتاء.

ثم اختلف أهل العربـية فـي تأويـل ذلك، فقال بعض نـحويـي الكوفة: معنى ذلك: لا يحسبنّ البـاخـلون البخـل هو خيرا لهم. فـاكتفـى بذكر يبخـلون من البخـل، كما تقول: قدم فلان فسررت به، وأنت تريد فسررت بقدومه، وهو عماد

وقال بعض نـحويـي أهل البصرة: إنـما أراد بقوله: (وَلا تَـحسَبنّ الّذِينَ يَبخَـلونَ بِـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيرا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ) لا تـحسبن البخـل هو خيرا لهم، فألقـى الاسم الذي أوقع علـيه الـحسبـان به وهو البخـل، لأنه قد ذكر الـحسبـان، وذكر ما آتاهم اللّه من فضله، فأضمرهما إذ ذكرهما، قال: وقد جاء من الـحذف ما هو أشد من هذا، قال: {لا يَستَوِي مِنكُمْ مَنْ انْفَقَ مِنْ قَبْل الفَتْـحِ وَقاتَلَ} ولـم يقل: ومن أنفق من بعد الفتـح، لأنه لـما قال: {أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ} كان فـيه دلـيـل علـى أنه قد عناهم.

وقال بعض من أنكر قول من ذكرنا قوله من أهل البصرة، أن (من) فـي قوله: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْـحِ} فـي معنى جمع. ومعنى الكلام: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتـح فـي منازلهم وحالاتهم، فكيف من أنفق من بعد الفتـح، فـالأول مكتف

وقال فـي قوله: {لا يَحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ بِـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خيْرا لَهُمْ} مـحذوف، غير أنه لـم يحذف إلا وفـي الكلام ما قام مقام الـمـحذوف، لأن (هو) عائد البخـل، و(خيرا لهم) عائد الأسماء، فقد دلّ هذان العائدان علـى أن قبلهما اسمين، واكتفـى بقوله: يبخـلون، من البخـل

قال: وهذا إذا قرىء بـالتاء، فـالبخـل قبل الذين، وإذا قرىء بـالـياء، فـالبخـل بعد الذين، وقد اكتفـى بـالذين يبخـلون من البخـل، كما قال الشاعر:

إذَا نُهِيَ السّفِـيهُ جَرَى إلَـيْهِوخالَفَ وَالسّفـيهُ إلـى خِلافِ

كأنه قال: جرى إلـى السفه، فـاكتفـى عن السفه بـالسفـيه، كذلك اكتفـى بـالذين يبخـلون من البخـل.

وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك عندي، قراءة من قرأ: {وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ} بـالتاء بتأويـل: ولا تـحسبنّ أنت يا مـحمد بخـل الذين يبخـلون بـما أتاهم اللّه من فضله، هو خيرا لهم، ثم ترك ذكر البخـل، إذ كان فـي قوله هو خيرا لهم، دلالة علـى أنه مراد فـي الكلام، إذ كان قد تقدّمه قوله: {الّذِينَ يَبْخَـلُونَ بِـما آتاهُمْ اللّه مِنْ فَضلِهِ}.

وإنـما قلنا قراءة ذلك بـالتاء أولـى بـالصواب من قراءته بـالـياء، لأن الـمـحسبة من شأنها طلب اسم وخبر، فإذا قرىء قوله: {وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ} بـالـياء لـم يكن للـمـحسبة اسم يكون قوله: {هُوَ خَيْرا لَهُمْ} خبرا عنه، وإذا قرىء ذلك بـالتاء كان قوله: {الّذِينَ يَبْخَـلُونَ} اسما له، قد أدّى عن معنى البخـل الذي هو اسم الـمـحسبة الـمتروك، وكان قوله: {هُوَ خَيْرا لَهُمْ} خبرا لها، فكان جاريا مـجرى الـمعروف من كلام العرب الفصيح. فلذلك اخترنا القراءة بـالتاء فـي ذلك علـى ما بـيناه، وإن كانت القراءة بـالـياء غير خطأ، ولكنه لـيس بـالأفصح ولا الأشهر من كلام العرب.

وأما تأويـل الاَية الذي هو تأويـلها علـى ما اخترنا من القراءة فـي ذلك: ولا تـحسبنّ يا مـحمد، بخـل الذين يبخـلون بـما أعطاهم اللّه فـي الدنـيا من الأموال، فلا يخرجون منه حقّ اللّه الذي فرضه علـيهم فـيه من الزكوات هو خيرا لهم عند اللّه يوم القـيامة، بل هو شرّ لهم عنده فـي الاَخرة. كما:

٦٧٢١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: (وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ بِـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرا لَهُمْ بَلْ هُو شَرّ لَهُمْ): هم الذين آتاهم اللّه من فضله، فبخـلوا أن ينفقوها فـي سبـيـل اللّه ، ولـم يؤدّوا زكاتها.

وقال آخرون: بل عنى بذلك الـيهود الذين بخـلوا أن يبـينوا للناس ما أنزل اللّه فـي التوراة من أمر مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته. ذكر من قال ذلك:

٦٧٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي عمي، ثنـي أبـي، قال: قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: (وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ بِـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ)... إلـى {سُيَطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} يعنـي بذلك: أهل الكتاب أنهم بخـلوا بـالكتاب أن يبـينوه للناس.

٦٧٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قوله: (وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ بِـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ) قال: هم يهود، إلـى قوله: {وَالكتاب الـمُنِـير}.

وأولـى التأويـلـين بتأويـل هذه الاَية التأويـل الأوّل وهو أنه معنـيّ بـالبخـل فـي هذا الـموضع: منع الزكاة لتظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه تأوّل قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: البخيـل الذي منع حقّ اللّه منه أنه يصير ثعبـانا فـي عنقه، ولقول اللّه عقـيب هذه الاَية: {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ وَنَـحْنُ أغْنِـياءُ} فوصف جل ثناؤه قول الـمشركين من الـيهود الذين زعموا عند أمر اللّه إياهم بـالزكاة أن اللّه فقـير.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخَـلِوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ}.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {سَيُطَوّقُونَ}: سيجعل اللّه ما بخـل به الـمانعون الزكاة طوقا فـي أعناقهم، كهيئة الأطواق الـمعروفة. كالذي:

٦٧٢٤ـ حدثنـي الـحسن بن قزعة، قال: حدثنا مسلـمة بن علقمة، قال: حدثنا داود، عن أبـي قزعة، عن أبـي مالك العبدي، قال: ما من عبد يأتـيه ذو رحم له يسأله من فضل عنده فـيبخـل علـيه إلا أخرج له الذي بخـل به علـيه شجاعا أقرع

وقال: وقرأ: (وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ بِـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ)... إلـى آخر الاَية.

٦٧٢٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن أبـي قزعة، عن رجل، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: (ما مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِـيَ ذَا رَحِمِهِ فَـيَسألُهُ فَضْلٍ جَعَلَهُ اللّه عِنْدَهُ فَـيَبْخَـلَ بِهِ عَلَـيْهِ إلاّ أُخْرِجَ مِنْ لَهُ مِنْ جَهَنّـمَ شُجاعٌ يَتَلَـمّظُ حتـى يُطَوّقَهُ).

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو معاوية مـحمد بن خازم، قال: حدثنا داود، عن أبـي قزعة حجر بن بـيان، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِـي ذَا رَحِمِهِ فَـيَسألَهُ مِنْ فَضْلٍ أعْطاهُ اللّه إيّاهُ فَـيَبْخَـلَ بِهِ عَلَـيْهِ، إلاّ أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ شُجاعٌ مِنَ النّارِ يَتَلَـمّظُ حتـى يُطَوّقَهُ) ثم قرأ: (وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلُونَ بِـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ) حتـى انتهى إلـى قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ}.

٦٧٢٦ـ حدثنـي زياد بن عبـيد اللّه الـمرّي، قال: حدثنا مروان بن معاوية، وحدثنـي مـحمد بن عبد اللّه الكلابـي، قال: حدثنا عبد اللّه بن بكر السهمي، وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا عبد الواحد بن واصل أبو عبـيدة الـحداد، واللفظ لـيعقوب جميعا، عن بهز بن حكيـم بن معاوية بن حيدة، عن أبـيه، عن جده، قال: سمعت نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (لا يَأْتِـي رَجُلٌ مَوْلاهُ فَـيَسألَهُ مِنْ فَضْل مالٍ عِنْدَهُ فَـيَـمْنَعُهُ إيّاهُ إلاّ دَعا لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ شُجاعا يَتَلَـمّظُ فَضْلَهُ الّذِين مَنَعَ).

٦٧٢٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي وائل، عن عبد اللّه بن مسعود: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: ثعبـان ينقر رأس أحدهم،

يقول: أنا مالك الذي بخـلت به.

٦٧٢٨ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت أبـا وائل يحدّث أنه سمع عبد اللّه ، قال فـي هذه الاَية: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: شجاع يـلتوي برأس أحدهم.

حدثنـي ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، قال: حدثنا خلاد بن أسلـم، قال أخبرنا النضر بن شميـل، قال: أخبرنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي وائل، عن عبد اللّه ، بـمثله، إلا أنهما قالا: قال شجاع أسود.

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبـي إسحاق، عن أبـي وائل، عن ابن مسعود، قال: يجيء ماله يوم القـيامة ثعبـانا، فـينقر رأسه فـ

يقول: أنا مالك الذي بخـلت به، فـينطوي علـى عنقه.

٦٧٢٩ـ حُدثت عن سفـيان بن عيـينة، قال: حدثنا جامع بن شداد وعبد الـملك بن أعين، عن أبـي وائل، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما مِنْ أحَدٍ لا يُؤَدّي زَكاةَ مالِهِ إلاّ مُثّلَ لَهُ شُجاعٌ أقْرَعُ يُطَوّقُهُ) ثم قرأ علـينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَـلونَ بِـما آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرا لَهُمْ)... الاَية.

٦٧٣٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنـي أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أما {سَيُطَوّقون ما بَخِـلُوا بِهِ} فإنه يجعل ماله يوم القـيامة شجاعا أقرع يطوّقه، فـيأخذ بعنقه، فـيتبعه حتـى يقذفه فـي النار.

٦٧٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة، عن أبـي هاشم، عن أبـي وائل، قال: هو الرجل الذي يرزقه اللّه مالاً، فـيـمنع قرابته الـحقّ الذي جعل اللّه لهم فـي ماله، فـيجعل حية فـيطوّقها، فـ

يقول: مالـي ولك؟ فـ

يقول: أنا مالك.

٦٧٣٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا إسرائيـل، عن حكيـم بن جبـير، عن سالـم بن أبـي الـجعد عن مسروق، قال: سألت ابن مسعود عن قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: يطوّقون شجاعا أقرع، ينهش رأسه.

وقال آخرون: معنى ذلك: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} فـيجعل فـي أعناقهم طوقا من نار. ذكر من قال ذلك:

٦٧٣٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: طوقا من النار.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيـم أنه قال فـي هذه الاَية: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: طوقا من نار.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيـم، فـي قوله: {سَيُطَوّقُونَ} قال: طوقا من نار.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: طوق من نار.

وقال آخرون: معنى ذلك: سيحمل الذين كتـموا نبوّه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من أحبـار الـيهود ما كتـموا من ذلك. ذكر من قال ذلك:

٦٧٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي عن أبـيه عن ابن عبـاس ، قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} ألـم تسمع أنه قال: {يَبْخَـلُونَ ويَأْمُرُونَ النّاسَ بـالبُخْـلِ} يعنـي: أهل الكتاب،

يقول: يكتـمون ويأمرون الناس بـالكتـمان.

وقال آخرون: معنى ذلك: سيكلفون يوم القـيامة أن يأتوا بـما بخـلوا به فـي الدنـيا من أموالهم. ذكر من قال ذلك:

٦٧٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال: سيكلفون أن يأتوا بـما بخـلوا به، إلـى قوله: {وَالكِتابِ الـمُنِـير}.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {سَيُطَوّقونَ} سيكلفون أن يأتوا بـمثل ما بخـلوا به من أموالهم يوم القـيامة.

وأولـى الأقوال بتأويـل هذه الاَية التأويـل الذي قلناه فـي ذلك فـي مبدإ قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِـلُوا بِهِ} للأخبـار التـي ذكرنا فـي ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا أحد أعلـم بـما عنى اللّه تبـارك وتعالـى بتنزيـله منه علـيه الصلاة والسلام.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وِللّهِ مِيرَاثُ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَاللّه بِـمَا تَعْمَلُونَ خَبِـيرٌ}.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أنه الـحيّ الذي لا يـموت، والبـاقـي بعد فناء جميع خـلقه.

فإن قال قائل: فما معنى قوله: {لَهُ مِيرَاثُ السّمَوَاتِ والأرْضِ} والـميراث الـمعروف: هو ما انتقل من ملك مالك إلـى وارثه بـموته ولله الدنـيا قبل فناء خـلقه وبعده؟

قـيـل: إن معنى ذلك ما وصفنا من وصفه نفسه بـالبقاء، وإعلام خـلقه أنه كتب علـيهم الفناء. وذلك أن ملك الـمالك إنـما يصير ميراثا بعد وفـاته، فإنـما قال جلّ ثناؤه: {ولِلّهِ مِيراثُ السّمَوَاتِ والأرْضِ} إعلاما بذلك منه عبـاده أن أملاك جميع خـلقه منتقلة عنهم بـموتهم، وأنه لاأحد إلا وهو فـان سواء، فإنه الذي إذا هلك جميع خـلقه، فزالت أملاكهم عنهم لـم يبق أحد يكون له ما كانوا يـملكونه غيره.

وإنـما معنى الاَية: لا تـحسبن الذي يبخـلون بـما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخـلوا به يوم القـيامة، بعد ما يهلكون، وتزول عنهم أملاكهم فـي الـحين الذي لا يـملكون شيئا، وصار لله ميراثه وميراث غيره من خـلقه. ثم أخبر تعالـى ذكره أنه بـما يعمل هؤلاء الذين يبخـلون بـما آتاهم اللّه من فضل، وغيرهم من سائر خـلقه، ذو خبرة وعلـم، مـحيط بذلك كله، حتـى يجازي كلاّ منهم علـى قدر استـحقاقه، الـمـحسن بـالإحسان، والـمسيء علـى ما يرى تعالـى ذكره.

﴿ ١٨٠