١٩١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِيَاماً وَقُعُوداً ... }.

وقوله: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِـياما وَقُعُودا} من نعت (أولـي الألبـاب)، و(الذين) فـي موضع خفض ردّا علـى قوله: (لأولـي الألبـاب).

ومعنى الاَية: إن فـي خـلق السموات والأرض واختلاف اللـيـل والنهار لاَيات لأولـي الألبـاب، الذاكرين اللّه قـياما وقعودا وعلـى جنوبهم، يعنـي بذلك: قـياما فـي صلاتهم وقعودا فـي تشهدهم وفـي غير صلاتهم وعلـى جنوبهم نـياما. كما:

٦٧٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِـياما وَقُعُودا}.. الاَية، قال: هو ذكر اللّه فـي الصلاة وفـي غير الصلاة، وقراءة القرآن.

٦٧٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {الّذِينَ يَذْكُرُون اللّه قِـياما وَقُعُودا وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم، فـاذكره وأنت علـى جنبك يسرا من اللّه وتـخفـيفـا.

فإن قال قائل: وكيف

قـيـل: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} فعطف بـ(علـى)، وهي صفة علـى القـيام والقعود وهما اسمان؟

قـيـل: لأن قوله: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} فـي معنى الاسم، ومعناه: ونـياما أو مضطجعين علـى جنوبهم¹ فحسن عطف ذلك علـى القـيام والقعود لذلك الـمعنى، كما

قـيـل: {وَإذَا مَسّ الإنْسانَ الضّرّ دَعانا لِـجَنْبِهِ أوْ قاعِدا أو قائما} فعطف بقوله: {أوْ قاعِدا أوْ قائما} علـى قوله: {لِـجَنْبِهِ}، لأن معنى قوله: لـجنبه مضطجعا، فعطف بـالقاعد والقائم علـى معناه، فكذلك ذلك فـي قوله: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ}.

وأما قوله: {وَيَتَفَكّرُونَ فِـي خَـلْقِ السّمَواتِ والأرْضِ} فإنه يعنـي بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك، فـيعلـمون أنه لا يصنع ذلك إلا من لـيس كمثله شيء، ومن هو مالك كل شيء ورازقه، وخالق كل شيء ومدبره، من هو علـى كل شيء قدير، وبـيده الإغناء والإفقار، والإعزاز والإذلال، والإحياء والإماتة، والشقاء والسعادة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنا ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابِ النّارِ}.

يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ويتفكرون فـي خـلق السموات والأرض، قائلـين: {رَبّنا ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِلاً} فترك ذكر قائلـين، إذ كان فـيـما ظهر من الكلام دلالة علـيه¹

وقوله: {ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِلاً}

يقول: لـم تـخـلق هذا الـخـلق عبثا ولا لعبـا، لـم تـخـلقه إلا لأمر عظيـم من ثواب وعقاب ومـحاسبة ومـجازاة، وإنـما قال: ما خـلقت هذا بـاطلاً، ولـم يقل: ما خـلقت هذه، ولا هؤلاء، لأنه أراد بهذا الـخـلق الذي فـي السموات والأرض، يدل علـى ذلك قوله: {سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابَ النّارِ} ورغبتهم إلـى ربهم فـي أن يقـيهم عذاب الـجحيـم، ولو كان الـمعنـيّ بقوله: {ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِلاً} السموات والأرض، لـما كان لقول عقـيب ذلك: {فَقِنا عَذَابَ النّارِ} معنى مفهوم، لأن السموات والأرض أدلة علـى بـارئها، لا علـى الثواب والعقاب، وإنـما الدلـيـل علـى الثواب والعقاب: الأمر والنهي¹ وإنـما وصف جل ثناؤه أولـي الألبـاب الذين ذكرهم فـي هذه الاَية، أنهم إذا رأوا الـمأمورين الـمنهيـين،

قالوا: يا ربنا لـم تـخـلق هؤلاء بـاطلاً عبثا سبحانك، يعنـي: تنزيها لك من أن تفعل شيئا عبثا، ولكنك خـلقتهم لعظيـم من الأمر، لـجنة أو نار. ثم فزعوا إلـى ربهم بـالـمسألة أن يجيرهم من عذاب النار، وأن لا يجعلهم مـمن عصاه وخالف أمره، فـيكونوا من أهل جهنـم.

﴿ ١٩١