١٩٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَآ إِنّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.

اختلف أهل التأويـل فـي ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخـل النار من عبـادك فتـخـلده فـيها فقد أخزيته، قال: ولا يخزي مؤمن مصيره إلـى الـجنة وإن عذّب بـالنار بعض العذاب. ذكر من قال ذلك:

٦٧٧٩ـ حدثنـي أبو حفص الـجبـيري ومـحمد بن بشار، قال: أخبرنا الـمؤمل، أخبرنا أبو هلال، عن قتادة، عن أنس، فـي قوله: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: من تُـخـلد.

٦٧٨٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن رجل، عن ابن الـمسيب: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: هي خاصة لـمن لا يخرج منها.

٦٧٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا قبـيصة بن مروان، عن الأشعث الـحملـي، قال: قلت للـحسن: يا أبـا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفـاعة حق هو؟ قال: نعم حق

قال: قلت يا أبـا سعيد أرأيت قول اللّه تعالـى: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} و{يُريدُون أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ ومَا هُمْ بَخارِجِينَ مِنْها}؟ قال: فقال لـي: إنك واللّه لا تستطيع علـى شيء، إن للنار أهلاً لا يخرجون منها كما قال اللّه

قال: قلت يا أبـا سعيد: فـيـمن دخـلوا ثم خرجوا؟ قال: كانوا أصابوا ذنوبـا فـي الدنـيا، فأخذهم اللّه بها فأدخـلهم بها، ثم أخرجهم بـما يعلـم فـي قلوبهم من الإيـمان والتصديق به.

٦٧٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: {إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: هو من يخـلد فـيها.

وقال آخرون: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخـل النار من مخـلد فـيها وغير مخـلد فـيها، فقد أخزي بـالعذاب. ذكر من قال ذلك:

٦٧٨٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا الـحرث بن مسلـم، عن يحيـى بن عمرو بن دينار، قال: قدم علـينا جابر بن عبد اللّه فـي عمرة، فـانتهيت إلـيه أنا وعطاء، فقلت: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ}؟ قال: وما إخزاؤه حين أحرقه بـالنار! وإن دون ذلك لـخزيا.

وأولـى القولـين بـالصواب عندي قول جابر: إن من أدخـل النار فقد أخزي بدخوله إياها، وإن أخرج منها. وذلك أن الـخزي إنـما هو هتك ستر الـمخزي وفضيحته، ومن عاقبه ربه فـي الاَخرة علـى ذنوبه، فقد فضحه بعقابه إياه، وذلك هو الـخزي.

وأما قوله: {وَمَا للظّالِـمِينَ مِنْ أنْصَارٍ}

يقول: وما لـمن خالف أمر اللّه فعصاه من ذي نصرة له ينصره من اللّه فـيدفع عنه عقابه أو ينقذه من عذابه.

﴿ ١٩٢