١٩٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّنَآ إِنّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ ... }. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الـمنادي الذي ذكره اللّه تعالـى فـي هذه الاَية، فقال بعضهم: الـمنادي فـي هذا الـموضع القرآن. ذكر من قال ذلك: ٦٧٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة، حدثنا سفـيان، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَانِ} قال: هو الكتاب، لـيس كلهم لقـي النبـي صلى اللّه عليه وسلم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا منصور بن حكيـم، عن خارجة، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي، فـي قوله: {رَبّنا إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَانِ} قال: لـيس كل الناس سمع النبـي صلى اللّه عليه وسلم، ولكن الـمنادي: القرآن. وقال آخرون: بل هو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ٦٧٨٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيـمَانِ} قال: هو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ٦٧٨٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {رَبّنا إنّنا سَمِعْنا مُناديا يُنادِي للإِيـمَانِ} قال: ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول مـحمد بن كعب، وهو أن يكون الـمنادي القرآن¹ لأن كثـيرا مـمن وصفهم اللّه بهذه الصفة فـي هذه الاَيات لـيسوا مـمن رأى النبـي صلى اللّه عليه وسلم ولا عاينه، فسمعوا دعاءه إلـى اللّه تبـارك وتعالـى ونداءه، ولكنه القرآن. وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرا عن الـجن إذ سمعوا كلام اللّه يتلـى علـيهم أنهم قالوا: {إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبَـا يَهْدِي إلـى الرّشْدِ}. وبنـحو ذلك: ٦٧٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {رَبّنا إنّنَا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيَـمانِ} إلـى قوله: {وَتَوَفّنا مَعَ الأبْرَارِ} سمعوا دعوة من اللّه فأجابوها، فأحسنوا الإجابة فـيها، وصبروا علـيها، بنبئكم اللّه عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الـجنّ كيف قال. فأما مؤمن الـجنّ، فقال: {إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبـا يَهْدِي إلـى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبّنا أحَدا} وأما مؤمن الإنس، فقال: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيـمَانِ أنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنا فـاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا}.. الاَية. وقـيـل: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَان} يعنـي: ينادي إلـى الإيـمان، كما قال تعالـى ذكره: {الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانا لِهَذَا} بـمعنى: هدانا إلـى هذا، وكما قال الراجز. أوْحَى لها القَرَارَ فـاسْتَقَرّتِوَشَدّها بـالرّاسياتِ الثّبّتِ بـمعنى: أوحى إلـيها، ومنه قوله: {بِأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا}. وقـيـل: يحتـمل أن يكون معناه: إننا سمعنا مناديا للإيـمان ينادي أن آمنوا بربكم. فتأويـل الاَية إذا: ربنا سمعنا داعيا يدعو إلـى الإيـمان يقول إلـى التصديق بك، والإقرار بوحدانـيتك، واتبـاع رسولك وطاعته، فـيـما أمرنا به، ونهانا عنه، مـما جاء به من عندك فآمنا ربنا، يقول: فصدقنا بذلك يا ربنا، فـاغفر لنا ذنوبنا، يقول: فـاستر علـينا خطايانا، ولا تفضحنا بها فـي القـيامة علـى رءوس الأشهاد، بعقوبتك إيانا علـيها، ولكن كفرها عنا، وسيئات أعمالنا فـامـحها بفضلك ورحمتك إيانا، وتَوفنا مع الأبرار، يعنـي بذلك: واقبضنا إلـيك إذا قبضتنا إلـيك فـي عداد الأبرار، واحشرنا مـحشرهم ومعهم¹ والأبرار جمع برّ، وهم الذين بروا اللّه تبـارك وتعالـى بطاعتهم إياه وخدمتهم له، حتـى أرضوه فرضي عنهم. |
﴿ ١٩٣ ﴾