٢٠٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّه لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: اصبروا علـى دينكم، وصابروا الكفـار ورابطوهم. ذكر من قال ذلك:

٦٨٠٦ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الـمبـارك بن فضالة، عن الـحسن أنه سمعه يقول فـي قول اللّه : {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} قال: أمرهم أن يصبروا علـى دينهم، ولا يدعوه لشدّة ولا رخاء، ولا سرّاء ولا ضرّاء، وأمرهم أن يصابروا الكفـار، وأن يرابطوا الـمشركين.

٦٨٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}: أي اصبروا علـى طاعة اللّه ، وصابروا أهل الضلالة، ورابطوا فـي سبـيـل اللّه ، {وَاتّقُوا اللّه لَعَلّكمْ تُفْلِـحُونَ}.

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}

يقول: صابروا الـمشركين، ورابطوا فـي سبـيـل اللّه .

٦٨٠٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج: {اصْبِرُوا} علـى الطاعة، {وَصَابِرُوا} أعداء اللّه ، {وَرَابِطُوا} فـي سبـيـل اللّه .

٦٨٠٩ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} قال: اصبروا علـى ما أمرتـم به، وصابروا العدوّ ورابطوهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: اصبروا علـى دينكم، وصابروا وعدي إياكم علـى طاعتكم لـي، ورابطوا أعداءكم. ذكر من قال ذلك:

٦٨١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي أبو صخر، عن مـحمد بن كعب القرظي، أنه كان يقول فـي هذه الاَية: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}

يقول: اصبروا علـى دينكم، وصابروا الوعد الذي وعدتكم، ورابطوا عدوّي وعدوّكم، حتـى يترك دينه لدينكم.

وقال آخرون: معنى ذلك: اصبروا علـى الـجهاد، وصابروا عدوّكم ورابطوهم. ذكر من قال ذلك:

٦٨١١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلـم فـي قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} قال: اصبروا علـى الـجهاد، وصابروا عدوّكم، ورابطوا علـى عدوّكم.

٦٨١٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مطرف بن عبد اللّه الـمرّي، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلـم، قال: كتب أبو عبـيدة بن الـجراح إلـى عمر بن الـخطاب، فذكر له جموعا من الروم وما يتـخوّف منهم، فكتب إلـيه عمر: أما بعد، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن منزلة شدة يجعل اللّه بعدها فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن اللّه يقول فـي كتابه: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}.

وقال آخرون: معنى: {وَرَابِطُوا}: أي رابطوا علـى الصلوات: أي انتظروها واحدة بعد واحدة. ذكر من قال ذلك:

٦٨١٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبـير، قال: ثنـي داود بن صالـح، قال: قال لـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري فـي أيّ شيء نزلت هذه الاَية {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}؟ قال: قلت لا

قال: إنه يا ابن أخي لـم يكن فـي زمان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم غزو يرابط فـيه، ولكنه انتظار الصلاة خـلف الصلاة.

٦٨١٤ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن عبد اللّه بن سعيد الـمقبري، عن جدّه، عن شرحبـيـل عن علـيّ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ألا أدُلّكُمْ علـى ما يُكَفّرُ اللّه بِهِ الذّنُوبَ والـخَطايا؟ إسْبـاغُ الوُضُوءِ علـى الـمَكارِهِ، وانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ، فَذَلِكَ الرّبـاطُ).

٦٨١٥ـ حدثنا موسى بن سهل الرملـي، قال: حدثنا يحيـى بن واضح، قال: حدثنا مـحمد بن مهاجر، قال: ثنـي يحيـى بن زيد، عن زيد بن أبـي أنـيسة، عن شرحبـيـل، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ألا أدُلكُمْ علـى ما يَـمْـحُو اللّه بِهِ الـخطايا ويُكَفّرُ بِهِ الذّنُوبَ؟) قال: قلنا بلـى يا رسول اللّه ! قال: (إسْبـاغُ الوضُوءِ فِـي أماكِنِها، وكَثْرَةُ الـخَطا إلـى الـمَساجِدِ، وَانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ).

٦٨١٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ألا أدُلّكُمْ علـى ما يَحُطّ اللّه بِهِ الـخَطايا وَيَرْفَعُ بِهِ الدّرَجاتِ؟)

قالوا: بلـى يا رسول اللّه

قال: (إسْبـاغُ الُوضُوءِ عِنْدَ الـمَكارِهِ، وكَثْرَةُ الـخُطا إلـى الـمَساجِدِ، وَانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ).

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا إسماعيـل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

وأولـى التأويلات بتأويـل الاَية، قول من قال فـي ذلك: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا}: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله، اصبروا علـى دينكم، وطاعة ربكم، وذلك أن اللّه لـم يخصص من معانـي الصبر علـى الدين والطاعة شيئا فـيجوز إخراجه من ظاهر التنزيـل. فلذلك قلنا إنه عنى بقوله: {اصْبِرُوا} الأمر بـالصبر علـى جميع معانـي طاعة اللّه فـيـما أمر ونهى، صعبها وشديدها، وسهلها وخفـيفها. {وَصَابِرُوا} يعنـي: وصابروا أعداءكم من الـمشركين.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب، لأن الـمعروف من كلام العرب فـي الـمفـاعلة، أن تكون من فريقـين، أو اثنـين فصاعدا، ولا تكون من واحد إلا قلـيلاً فـي أحرف معدودة، وإذ كان ذلك كذلك، فإنـما أمر الـمؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم، حتـى يظفرهم اللّه بهم، ويعلـي كلـمته، ويخزي أعداءهم، وأن لا يكن عدوّهم أصبر منهم. وكذلك قوله {وَرَابِطُوا} معناه: ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشرك فـي سبـيـل اللّه . وأرى أنّ أصل الربـاط: ارتبـاط الـخيـل للعدوّ، كما ارتبط عدوّهم لهم خيـلهم، ثم استعمل ذلك فـي كل مقـيـم فـي ثغر، يدفع عمن وراءه من أراده من أعدائهم بسوء، ويحمي عنهم من بـينه وبـينهم، مـمن بغاهم بشرّ كان ذا خيـل قد ارتبطها، أو ذا رُجْلة لا مركب له.

وإنـما قلنا: معنى {وَرَابِطُوا}: ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم، لأن ذلك هو الـمعنى الـمعروف من معانـي الربـاط. وإنـما توجه الكلام إلـى الأغلب الـمعروف فـي استعمال الناس من معانـيه دون الـخفـيّ، حتـى يأتـي بخلاف ذلك ما يوجب صرفه إلـى الـخفـيّ من معانـيه حجةٌ يجب التسلـيـم لها من كتاب أو خبر عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، أو إجماع من أهل التأويـل.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}.

يعنـي بذلك تعالـى ذكره: واتقوا اللّه أيها الـمؤمنون، واحذروه أن تـخالفوا أمره، أو تتقدّموا نهيه، {لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}

يقول: لتفلـحوا فتبقوا فـي نعيـم الأبد، وتنـجحوا فـي طلبـاتكم عنده. كما:

٦٨١٧ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي أبو صخر، عن مـحمد بن كعب القرظي أنه كان يقول فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}: واتقوا اللّه فـيـما بـينـي وبـينكم لعلكم تفلـحون غدا إذا لقـيتـمونـي.

﴿ ٢٠٠