١٢٤القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ ...}. يعني بذلك جلّ ثناؤه: الذين قال لهم: {لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ} يقول اللّه لهم: إنما يدخل الجنة وينعم فيها في الاَخرة، من يعمل من الصالحات من ذكوركم وإناثكم، وذكور عبادي وإناثهم وهو مؤمن بي وبرسولي محمد، مصدّق بوحدانيتي، ونبوّة محمد صلى اللّه عليه وسلم وبما جاء به من عندي، لا أنتم أيها المشركون بي المكذّبون رسولي، فلا تطمعوا أن تحلوا وأنتم كفار محلّ المؤمنين بي وتدخلوا مداخلهم في القيامة وأنتم مكذّبون برسولي. كما: ٨٣٩٤ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ انْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} قال: أبى أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح، وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان. وأما قوله: {وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا} فإنه يعني: ولا يظلم اللّه هؤلاء الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة، فيكف بما هو أعظم من ذلك وأكثر. وإنما يخبر بذلك جل ثناؤه عباده أنه لا يبخسهم من جزاء أعمالهم قليلاً ولا كثيرا، ولكن يوفيهم ذلك كما وعدهم. وبالذي قلنا في معنى النقير قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٨٣٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: {وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا} قال: النقير: الذي يكون في ظهر النواة. ٨٣٩٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن عطية، قال: النقير: الذي في وسط النواة. فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول (مَنْ) في قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ}، ولم يقل: ومن يعمل الصالحات؟ قيل: لدخولها وجهان: أحدهما أن يكون اللّه قد علم أن عباده المؤمنين لن يطيقوا أن يعملوا جميع الأعمال الصالحات، فأوجب وعده لمن عمل ما أطاق منها ولم يحرمه من فضله بسبب ما عجزت عن عمله منها قواه. والاَخر منهما أن يكون تعالى ذكره أوجب وعده لمن اجتنب الكبائر وأدّى الفرائض، وإن قصر في بعض الواجب له عليه، تفضلاً منه على عباده المؤمنين، إذ كان الفضل به أولى، والصفح عن أهل الإيمان به أحرى. وقد تقوّل قوم من أهل العربية أنها أدخلت في هذا الموضع بمعنى الحذف، ويتأوّله: ومن يعمل الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن. وذلك عندي غير جائز، لأن دخولها المعنى، فغير جائز أن يكون معناها الحذف. |
﴿ ١٢٤ ﴾