١٥٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }. اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ يعنـي بعيسى قَبْلَ مَوْتِهِ يعنـي: قبل موت عيسى، يوجه ذلك إلـى أن جميعهم يصدّقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الـملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الـحنـيفـية، دين إبراهيـم صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ٨٥٨٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى ابن مريـم. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى. ٨٥٨٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن أبـي مالك فـي قوله: إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: ذلك عند نزول عيسى ابن مريـم لا يبقـى أحد من أهل الكتاب إلا لـيومننّ به. ٨٥٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن حميد، عن الـحسن، قال: قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل أن يـموت عيسى ابن مريـم. ٨٥٨٥ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى، واللّه إنه الاَن لـحيّ عند اللّه ، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون. ٨٥٨٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يقول: قبل موت عيسى. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى إذا نزل آمنت به الأديان كلها. حدثنا ابو وكيع قال: حدثنا أبـي، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن الـحسن، قال: قبل موت عيسى. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الـحسن: إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: عيسى ولـم يـمت بعد. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: لا يبقـى أحد منهم عند نزول عيسى إلا آمن به. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: قبل موت عيسى. ٨٥٨٧ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: إذا نزل عيسى ابن مريـم فقتل الدجال لـم يبق يهوديّ فـي الأرض إلا آمن به، قال: وذلك حين لا ينفعهم الإيـمان. ٨٥٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه عن ابن عبـاس ، قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يعنـي: أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى، فـيؤمنون به، ويوم القـيامة يكون علـيهم شهيدا. ٨٥٨٩ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الـحسن أنه قال فـي هذه الاَية: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قال أبو جعفر: أظنه إنـما قال: إذا خرج عيسى آمنت به الـيهود. وقال آخرون: يعنـي بذلك: وإن من أهل الكتاب إلا لـيؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابـي. ذكر من كان يوجه ذلك، إلـى أنه إذا عاين علـم الـحقّ من البـاطل، لأن كلّ من نزل به الـموت لـم تـخرج نفسه حتـى يتبـين له الـحقّ من البـاطل فـي دينه: ٨٥٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت يهوديّ حتـى يؤمن بعيسى. ٨٥٩١ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا تـخرج نفسه، حتـى يؤمن بعيسى، وإن غرق، أو تردّى من حائط، أو أيّ ميتة كانت. حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ كلّ صاحب كتاب لـيؤمننّ به بعيسى قبل موته، موت صاحب الكتاب. ٨٥٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ كلّ صاحب كتاب يؤمن بعيسى قبل موته، قبل موت صاحب الكتاب قال ابن عبـاس : لو ضُربت عنقه، لـم تـخرج نفسه حتـى يؤمن بعيسى. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لا يـموت الـيهوديّ، حتـى يشهد أن عيسى عبد اللّه ورسوله، ولو عجل علـيه بـالسلاح. ٨٥٩٣ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قال: حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: هي فـي قراءة أبـيّ: (قبل موتهم). لـيس يهوديّ يـموت أبدا حتـى يؤمن بعيسى قـيـل لابن عبـاس : أرأيت إن خرّ من فوق بـيت؟ قال: يتكلـم به فـي الهُويّ. فقـيـل: أرأيت إن ضُربت عنق أحد منهم؟ قال: يتلـجلـج بها لسانه. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي أبو نعيـم الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفـيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت يهوديّ حتـى يؤمن بعيسى ابن مريـم، قـيـل: وإن ضرب بـالسيف؟ قال: يتكلـم به، قـيـل: وإن هَوَى؟ قال: يتكلـم به وهو يَهْوي. حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي هارون الغنوي، عن عكرمة عن ابن عبـاس ، أنه قال فـي هذه الاَية: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لو أنّ يهوديا وقع من فوق هذا البـيت لـم يـمت حتـى يؤمن به يعنـي: بعيسى. ٨٥٩٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن مولـى لقريش، قال: سمعت عكرمة يقول: لو وقع يهوديّ من فوق القصر، لـم يبلغ إلـى الأرض، حتـى يؤمن بعيسى. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي هاشم الرّمانـي، عن مـجاهد: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: وإن وقع من فوق البـيت لا يـموت حتـى يؤمن به. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن منصور، عن مـجاهد: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت رجل من أهل الكتاب حتـى يؤمن به، وإن غرق، أو تردّى، أو مات بشيء. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن لـيث، عن مـجاهد فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا تـخرج نفسه حتـى يؤمن به. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن عكرمة: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحدهم حتـى يؤمن به، يعنـي: بعيسى، وإن خرّ من فوق بـيت يؤمن به وهو يهوي. ٨٥٩٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: لـيس أحد من الـيهود يخرج من الدنـيا حتـى يؤمن بعيسى. ٨٥٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن فرات القزاز، عن الـحسن فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحد منهم، حتـى يؤمن بعيسى، يعنـي: الـيهود والنصارى. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن فرات، عن الـحسن فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحد منهم، حتـى يؤمن بعيسى قبل أن يـموت. ٨٥٩٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا الـحكم بن عطية، عن مـحمد بن سيرين: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: موت الرجل من أهل الكتاب. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قال ابن عبـاس : لـيس من يهوديّ ولا نصرانـيّ يـموت حتـى يؤمن بعيسى ابن مريـم. فقال له رجل من أصحابه: كيف والرجل يغرق، أو يحترق، أو يسقط علـيه الـجدار، أو يأكله السبع؟ فقال: لا تـخرج روحه من جسده حتـى يقذف فـيه الإيـمان بعيسى. حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحد من الـيهود حتـى يشهد أن عيسى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ٨٥٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعلـى، عن جويبر فـي قوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: فـي قراءة أبـيّ: (قبل موتهم). وقال آخرون: معنى ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا لـيؤمننّ بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل موت الكتابـي. ذكر من قال ذلك: ٨٥٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن حميد، قال: قال عكرمة: لا يـموت النصرانـيّ والـيهوديّ حتـى يؤمن بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم يعنـي فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصحة والصواب قول من قال: تأويـل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا لـيؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى. وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب من غيره من الأقوال، لأن اللّه جل ثناؤه حكم لكل مؤمن بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم بحكم أهل الإيـمان فـي الـموارثة والصلاة علـيه وإلـحاق صغار أولاده بحكمه فـي الـملة، فلو كان كلّ كتابـيّ يؤمن بعيسى قبل موته، لوجب أن لا يرث الكتابـيّ إذا مات علـى ملته إلا أولاده الصغار أو البـالغون منهم من أهل الإسلام، إن كان له ولد صغير أو بـالغ مسلـم، وإن لـم يكن له ولد صغير ولا بـالغ مسلـم، كان ميراثه مصروفـا حيث يصرف مال الـمسلـم، يـموت ولا وارث له، وأن يكون حكمه حكم الـمسلـمين فـي الصلاة علـيه وغسله وتقبـيره، لأن من مات مؤمنا بعيسى فقد مات مؤمنا بـمـحمد وبجميع الرسل وذلك أن عيسى صلوات اللّه علـيه جاء بتصديق مـحمد وجميع الـمرسلـين، فـالـمصدّق بعيسى والـمؤمن به مصدّق بـمـحمد وبجميع أنبـياء اللّه ورسله، كما أن الـمؤمن بـمـحمد مؤمن بعيسى وبجميع أنبـياء اللّه ورسله، فغير جائز أن يكون مؤمنا بعيسى من كان بـمـحمد مكذّبـا. فإن ظنّ ظانّ أن معنى إيـمان الـيهوديّ بعيسى، الذي ذكره اللّه فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إنـما هو إقراره بأنه لله نبـيّ مبعوث دون تصديقه بجميع ما أتـى به من عند اللّه ، فقد ظنّ خطأ. وذلك أنه غير جائز أن يكون منسوبـا إلـى الإقرار بنبوّة نبـيّ من كان له مكذّبـا فـي بعض ما جاء به من وحي اللّه وتنزيـله، بل غير جائز أن يكون منسوبـا إلا الإقرار بنبوةّ أحد من أنبـياء اللّه لأن الأنبـياء جاءت الأمـمـم بتصديق جميع أنبـياء اللّه ورسله فـالـمكذب بعض أنبـياء اللّه فـيـما أتـى به أمته من عند اللّه مكذب جميع أنبـياء اللّه فـيـما دعوا إلـيه من دين عبـاد اللّه . وإذ كان ذلك كذلك، كان فـي إجماع الـجميع من أهل الإسلام علـى أن كل كتابـي مات قبل إقراره بـمـحمد صلوات اللّه علـيه وما جاء به من عند اللّه ، مـحكوم له بحكم الـمسألة التـي كان علـيها أيام حياته، غير منقول شيء من أحكامه فـي نفسه وماله وولده صغارهم وكبـارهم بـموته عما كان علـيه فـي حياته، أدلّ الدلـيـل علـى أن معنى قول اللّه : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إنـما معناه: إلا لـيؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى، وأن ذلك فـي خاصّ من أهل الكتاب، ومعنىّ به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التـي كانت بعد عيسى، وأن ذلك كائن عند نزوله. كالذي: ٨٦٠٠ـ حدثنـي بشر بن معاذ، قال: ثنـي يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبـي هريرة، أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (الأنْبِـياءُ إخْوَةٌ لِعَلاّتٍ أُمّهاتُهُمْ شَتّـى وَديِنُهُمْ وَاحِدٌ، وإنّى أوْلـى النّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ لأنّهُ لَـمْ يَكُنْ بَـيْنِـي وَبَـيْنَهُ نَبِـيّ. وَإنّهُ نازِلٌ، فإذَا رأيْتُـمُوهُ فـاعْرِفُوهُ، فإنّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ الـخَـلْقِ إلـى الـحُمْرَةِ وَالبَـياضِ، سَبْطُ الشّعْرِ كأنّ رأسَهُ يَقْطُرُ وَإنْ لَـمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، بـينَ مُـمَصّرَتَـيْنِ، فَـيَدُقّ الصّلِـيبَ، وَيَقْتُلُ الـخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الـجزْيَةَ، وَيُفِـيضُ الـمَالُ، وَيُقاتِلِ النّاسَ علـى الإسْلامِ حتـى يَهْلِكَ اللّه فِـي زَمانِهِ الـمِلَلَ كُلّها غيرَ الإسْلامِ، ويُهْلِكُ اللّه فِـي زَمانِهِ مَسِيحَ الضّلالَةِ الكَذّابَ الدّجّالَ، وَتَقَعُ الأمَنَةُ فِـي الأرْضِ فِـي زَمانِهِ حتـى تَرْتَعَ الأُسُودُ معَ الإبِلِ والنّـمُورُ مَعَ البَقَرِ وَالذّئابُ مَعَ الغَنـمِ، وَتَلْعَبُ الغِلْـمانُ وَالصبْـيانُ بـالـحَيّاتِ لا يَضُرّ بَعْضُهُمْ بَعْضا، ثُمّ يَـلْبَثُ فِـي الأرْضِ ما شاء اللّه ) وربـما قال: (أربعين سنة، ثم يُتوفـى ويصلـي علـيه الـمسلـمون ويُدفنونه). وأما الذي قال: عنـي بقوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لـيؤمننّ بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل موت الكتابـي، فمـما لا وجه له مفهوم لأنه مع فساده من الوجه الذي دللّنا علـى فساد قول من قال: عنى به: لـيؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابـيّ، يزيده فسادا أنه لـم يجر لـمـحمد علـيه الصلاة والسلام فـي الاَيات التـي قبل ذلك ذكر، فـيجوز صرف الهاء التـي فـي قوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ إلـى أنها من ذكره، وإنـما قوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ فـي سياق ذكر عيسى وأمه والـيهود، فغير جائز صرف الكلام عما هو فـي سياقه إلـى غيره إلا بحجة يجب التسلـيـم لها من دلالة ظاهر التنزيـل أو خبر عن الرسول تقوم به حجة فأما الدعاوي فلا تتعذّر علـى أحد. فتأويـل الاَية إذ كان الأمر علـى ما وصفت: وما من أهل الكتاب إلا من لـيؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى، وحذف (مَنْ) بعد (إلا) لدلالة الكلام علـيه، فـاستغنـي بدلالته عن إظهاره كسائر ما قد تقدمّ من أمثاله التـي قد أتـينا علـى البـيان عنها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عَلَـيْهِمْ شَهِيدا. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عيسى علـى أهل الكتاب شَهِيدا يعنـي: شاهدا علـيهم بتكذيب من كذّبه منهم، وتصديق من صدّقه منهم فـيـما أتاهم به من عند اللّه وبإبلاغه رسالة ربه. كالذي: ٨٦٠١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عَلَـيْهِمْ شَهِيدا أنه قد أبلغهم ما أرسله به إلـيهم. ٨٦٠٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عَلَـيْهِمْ شَهِيدا يقول: يكون علـيهم شهيدا يوم القـيامة، علـى أنه قد بلّغ رسالة ربه وأقرّ بـالعبودية علـى نفسه. |
﴿ ١٥٩ ﴾