١٠١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ...}. ذكر أن هذه الاَية أنزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام، امتـحانا له أحيانا، واستهزاء أحيانا، فـيقول له بعضهم: من أبـي؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: أين ناقتـي؟ فقال لهم تعالـى ذكره: لا تسألوا عن أشياء من ذلك، كمسألة عبد اللّه بن حذافة إياه من أبوه، إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ يقول: إن أبدينا لكم حقـيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك تظاهرت الأخبـار عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر الرواية بذلك: ١٠٠٥١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا بعض بنـي نفـيـل، قال: حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا أبو الـجويرية، قال: قال ابن عبـاس لأعرابـي من بنـي سلـيـم: هل تدري فـيـما أنزلت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ؟ حتـى فرغ من الاَية، فقال: كان قوم يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استهزاء، فـيقول الرجل: من أبـي؟ والرجل تضلّ ناقته فـ يقول: أين ناقتـي؟ فأنزل اللّه فـيهم هذه الاَية. ١٠٠٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو عامر وأبو داود، قالا: حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس، قال: سأل الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أحفوه بـالـمسألة، فصعد الـمنبر ذات يوم، فقال: (لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَـيّنْتُهُ لَكُمْ) قال أنس: فجعلت أنظر يـمينا وشمالاً، فأرى كلْ إنسان لافّـا ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان ذا لاحى يدعى إلـى غير أبـيه، فقال: يا رسول اللّه ، من أبـي؟ فقال: (أبُوكَ حُذَافَةُ) قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بـاللّه ربّـا وبـالإسلام دينا وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم رسولاً، وأعوذ بـاللّه من سوء الفتن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَـمْ أرَ فِـي الشّرّ والـخَيْرِ كالـيَوْم قَطّ، إنّهُ صُوّرَتْ لِـيَ الـجَنّةُ وَالنّارُ حتـى رأيْتُهُما وَرَاءَ الـحائِطِ). وكان قتادة يذكر هذا الـحديث عند هذه الاَية: لا تَسأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. ١٠٠٥٣ـ حدثنـي مـحمد بن معمر البحرانـي، قال: حدثنا روح بن عبـادة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنـي موسى بن أنس، قال: سمعت أنسا يقول: قال رجل: يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ فُلانٌ) قال: فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: فحُدّثنا أن أنس بن مالك حدثهم: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سألوه حتـى أحفوه بـالـمسألة، فخرج علـيهم ذات يوم فصعد الـمنبر، فقال: (لا تَسْأَلُونِـي الـيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَـيّنْتُهُ لَكُمْ) فأشفق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكون بـين يديه أمر قد حضر، فجعلت لا ألتفت يـمينا ولا شمالاً إلاّ وجدت كلاّ لافـاّ رأسه فـي ثوبه يبكي. فأنشأ رجل كان يُلاحَى فـيدعى إلـى غير أبـيه، فقال: يا نبـيّ اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافة) قال: ثم قام عمر أو قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بـاللّه ربّـا وبـالإسلام دينا وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم رسولاً عائذا بـاللّه أو قال: أعوذ بـاللّه من سوء الفتن قال: وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَـمْ أرَ فِـي الـخَيْرِ والشّرّ كالـيَوْمِ قَطّ، صُوّرَتْ لـيَ الـجَنّةُ والنّارُ حتـى رأيْتُهُما دُونَ الـحائِطِ). ١٠٠٥٤ـ حدثنا أحمد بن هشام وسفـيان بن وكيع، قالا: حدثنا معاذ، قال: حدثنا ابن عون، قال: سألت كرمة مولـى ابن عبـاس عن قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: ذاك يوم قام فـيهم النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فقال: (لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُكُمْ بِهِ) قال: فقام رجل، فكره الـمسلـمون مقَامه يومئذ، فقال: يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَة) قال: فنزلت هذه الاَية. ١٠٠٥٥ـ حدثنا الـحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه قال: نزلت: لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ فـي رجل قال: يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوك فلان). حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي سفـيان، عن معمر، عن قتادة، قال: سألوا النبـي صلى اللّه عليه وسلم حتـى أكثروا علـيه، فقام مغضبـا خطيبـا، فقال: (سَلُونـي فَوَاللّه لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ ما دُمْتُ فـي مَقامي إلاّ حَدّثْتُكُمْ) فقام رجل فقال: من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَة) واشتدّ غضبه وقال: (سَلُونِـي) فلـما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم، فجثا عمر علـى ركبتـيه فقال: رضينا بـاللّه ربّـا، قال معمر: قال الزهري: قال أنس مثل ذلك: فجثا عمر علـى ركبتـيه، فقال: رضينا بـاللّه ربـا، وبـالإسلام دينا، وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم رسولاً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أمَا وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ، لَقَدْ صُوّرَتْ لـيَ الـجَنّةُ وَالنّارُ آنِفـا فِـي عَرْضِ هَذَا الـحائِطِ، فَلَـمْ أرَ كالـيَوْمِ فِـي الـخَيْرِ والشّرّ). قال الزهريّ: فقالت أمّ عبد اللّه بن حُذافة: ما رأيت ولدا أعقّ منك قطّ، أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الـجاهلـية، فتفضحها علـى رؤوس الناس فقال: واللّه لو ألـحقنـي بعبد أسود للـحقته. ١٠٠٥٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما من الأيام فقام خطيبـا، فقال: (سَلُونِـي فإنّكُمْ لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْء إلاّ أنْبَأْتُكُمْ بِهِ) فقام إلـيه رجل من قريش من بنـي سَهْم يقال له عبد اللّه بن حُذَاقة، وكان يُطعنَ فـيه، قال: فقال يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ فُلانٌ) فدعاه لأبـيه فقام إلـيه عمر، فقبّل رجله وقال: يا رسول اللّه ، رضينا بـاللّه ربـا، وبك نبـيا، وبـالإسلام دينا، وبـالقرآن إماما، فـاعف عنا عفـا اللّه عنك فلـم يزل به حتـى رضي، فـيومئذ قال: (الوَلَدُ للفِرَاش وللعاهِرِ الـحَجَرُ). ١٠٠٥٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن أبـي حصين، عن أبـي صالـح، عن أبـي هريرة، قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو غضبـان مـحمارّ وجههُ، حتـى جلس علـى الـمنبر، فقام إلـيه رجل، فقال أين أبـي؟ قال: (فـي النّارِ) فقام آخر فقال: من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَةُ). فقام عمر بن الـخطاب فقال: رضينا بـاللّه ربـا، وبـالإسلام دينا، وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم نبـيا، وبـالقرآن إماما، إنا يا رسول اللّه حديثو عهد بجاهلـية وشرك، واللّه يعلـم من آبـاؤنا قال: فسكن غضبه، ونزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. وقال آخرون: نزلت هذه الاَية علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء فـي أمر الـحجّ. ذكر من قال ذلك: ١٠٠٥٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا منصور بن وردان الأسديّ، قال: حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى، قال: لـما نزلت هذه الاَية: وَللّهِ علـى النّاسِ حِجّ البَـيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَـيْهِ سَبِـيلاً قالوا: يا رسول اللّه أفـي كلّ عام؟ فسكت، ثم قالوا: أفـي كلّ عام؟ فسكت، ثم قال: (لا، ولَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ) فأنزل اللّه هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. ١٠٠٥٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلـيـمان، عن إبراهيـم بن مسلـم الهَجَريّ، عن ابن عياض، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه كَتَبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ) فقال رجل: أفـي كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فأعرض عنه، حتـى عاد مرّتـين أو ثلاثا، فقال: (مَنِ السّائِلُ؟) فقال فلان، فقال: (والذي نَفْسِي بِـيَدِهِ، لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَـيْكُمْ ما أطَقْتُـموه، وَلَوْ تَرَكْتُـمُوهُ لَكَفَرْتـمْ). فأنزل اللّه هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حتـى ختـم الاَية. ١٠٠٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن علـيّ بن الـحسين بن شقـيق، قال سمعت أبـي، قال: أخبرنا الـحسين بن واقد، عن مـحمد بن زياد، قال: سمعت أبـا هريرة يقول: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (يا أيّهَا النّاسُ، كَتَبَ اللّه عَلَـيْكُمْ الـحَجّ). فقام مـحصن الأسديّ، فقال: أفـي كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فقال: (أمَا إنّـي لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، ولَوْ وَجَبَتْ ثُمّ تَرَكْتُـمْ لَضَلَلْتُـمْ. اسْكُتُوا عَنّى ما سَكَتّ عَنْكُمْ، فإنّـمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ واخْتِلافِهِمْ علـى أنْبِـيائِهمْ) فأنزل اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إلـى آخر الاَية. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين وقد، عن مـحمد بن زيادة، قال: سمعت أبـا هريرة يقول: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر مثله، إلا أنه قام: فقام عُكاشة ابنِ مـحْصَن الأسديّ. ١٠٠٦١ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري، قال: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبـي العمر، قال: حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن صفوان بن عمرو، قال: ثنـي سلـيـم بن عامر، قال: سمعت أبـا أمامة البـاهلـي يقول: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الناس فقال: (كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ) فقام رجل من الأعراب، فقال: أفـي كل عام؟ قال: فعلا كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأسكت وأغضب واستغضب. فمكث طويلاً ثم تكلـم فقال: مَنِ السّائِلُ؟ فقال الأعرابـيّ: أنا ذا، فقال: (وَيْحَكَ ماذَا يُؤْمِنُكَ أنْ أقُولَ نَعَمْ، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمُ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُـمْ؟ ألا إنّهُ إنّـمَا أهْلَكَ الّذِينَ قبْلَكُمْ أئِمّةُ الـحَرَجِ، وَاللّه لَوْ أنّـي أحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ ما فِـي الأرْضِ وَحَرّمْتُ عَلَـيْكُمْ مِنْها مَوْضِعَ خُفّ لَوَقَعْتُـمْ فِـيهِ) قال: فأنزل اللّه تعالـى عند ذلك يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ... إلـى آخر الاَية. ١٠٠٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاء إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أذّن فـي الناس، فقال: (يا قَوْمِ، كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ) فقام رجل من بنـي أسد فقال: يا رسول اللّه ، أفـي كلّ عام؟ فأُغْضِبَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غضبـا شديدا، فقال: (وَالّذِي نَفْسُ مُـحَمّدِ بَـيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما اسْتَطَعْتُـمْ، وِإذَنْ لَكَفَرْتُـمْ فـاتْرُكُونِـي ما تَرَكْتُكُمْ، فإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فـافْعَلُوا، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فـانُتَهُوا عَنْهُ). فأنزل اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من الـمائدة، فأصبحوا بها كافرين فنهى اللّه تعالـى عن ذلك، وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فـيها بتغلـيظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنّكُمْ لا تسألون عن شيء إلا وجدتـم تبـيانه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، قال: حدثنا علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنزّل القُرْآنِ تُبْدَ لَكُمْ قال: لـما أنزلت آية الـحجّ، نادى النبـي صلى اللّه عليه وسلم فـي الناس، فقال (يا أيّها النّاسُ، إنّ اللّه قَدْ كَتَبَ عَلَـيْكُمْ الـحَجّ فَحُجّوا) فقالوا: يا رسول اللّه ، أعاما واحدا أم كل عام؟ فقال (لا بَلْ عاما وَاحِدا، وَلَوْ قُلْتُ كُلّ عامٍ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُـمْ) ثم قال اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: سألوا النبـي صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء فوعظهم، فـانتهوا. ١٠٠٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـحجّ، فقـيـل: أواجب هو يا رسول اللّه كلّ عام؟ قال: (لا، لَوْ قُلْتُها لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما أطَقْتُـمْ، وَلَوْ لَـمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُـمْ) ثم قال: (سَلُونِـي فَلا يَسْأَلُنِـي رَجُلٌ فـي مَـجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُهُ، وإنْ سَأَلَنِـي عَنْ أبِـيهِ) فقام إلـيه رجل، فقال: من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَةُ بْنُ قَـيْسٍ) فقام عمر، فقال: يا رسول اصلى اللّه عليه وسلم رضينا بـاللّه ربـا، وبـالإسلام دينا، وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم نبـيا، ونعوذ بـاللّه من غضبه وغضب رسوله. وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية من أجل أنهم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحامي. ذكر من قال ذلك: ١٠٠٦٤ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قال: حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ قال: هي البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحام. ألا ترى أنه يقول بعد ذلك: ما جعل اللّه من كذا ولا كذا؟ قال: وأما عكرمة فإنه قال: إنهم كانوا يسألونه عن الاَيات فنهوا عن ذلك. ثم قال: قَدْ سَأَلها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمّ أصْبَحُوا بها كَافِرينَ قال: فقلت: قد حدثنـي مـجاهد بخلاف هذا ابن عبـاس ، فما لك تقول هذا؟ فقال هَيْهَ. ١٠٠٦٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن ابن عون، عن عكرمة عن الأعمش، قال: هو الذي سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من أبـي؟. وقال سعيد بن جبـير: هم الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البحيرة والسائبة. وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك قول من قال: نزلت هذه الاَية من أجل إكثار السائلـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمسائل، كمسئلة ابن حذافة إياه من أبوه، ومسئلة سائله إذ قال: (إنّ اللّه فَرَضَ عَلَـيْكُمْ الـحَجّ): أفـي كلّ عام؟ وما أشبه ذلك من الـمسائل، لتظاهر الأخبـار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويـل، وأما القول الذي رواه مـجاهد عن ابن عبـاس ، فقول غير بعيد من الصواب، ولكن الأخبـار الـمتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه، وكرهنا القول به من أجل ذلك. علـى أنه غير مستنكر أن تكون الـمسئلة عن البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحام كانت فـيـما سألوا النبـي صلى اللّه عليه وسلم عنه من الـمسائل التـي كره اللّه لهم السؤال عنها، كما كره اللّه لهم الـمسئلة عن الـحجّ، أكلّ عام هو أم عاما واحدا؟ وكما كره لعبد اللّه بن حذافة مسئلته عن أبـيه، فنزلت الاَية بـالنهي عن الـمسائل لها، فأخبر كلّ مخبر منهم ببعض ما نزلت الاَية من أجله وأجل غيره. وهذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصحة، لأن مخارج الأخبـار بجميع الـمعانـي التـي ذُكرت إصحاح، فتوجيهها إلـى الصواب من وجودها أوْلـى. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفـا اللّه عَنْهَا وَاللّه غَفُورٌ حَلِـيـمٌ: يقول تعالـى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عن مسألة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه، من فرائض لـم يفرضها اللّه علـيهم، وتـحلـيـل أمور لهم يحللها لهم، وتـحريـم أشياء لـم يحرّمها علـيهم قبل نزول القرآن بذلك: أيها الـمؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولـي مـما لـم أنزل به كتابـا ولا حيا، لا تسألوا عنه، فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبـيان بوحي وتنزيـل ساءكم لأن التنزيـل بذلك إذا جاءكم يجيئكم بـما فـيه امتـحانكم واختبـاركم، إما بإيجاب عمل علـيكم، ولزوم فرض لكم، وفـي ذلك علـيكم مشقة ولزوم مؤنة وكلفة وإما بتـحريـم ما لو لـم يأتكم بتـحريـمه وحي كنتـم من التقدّم علـيه فـي فسحة وسعة وإما بتـحلـيـل ما تعتقدون تـحريـمه، وفـي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتـم ترونه حقا إلـى ما كنتـم ترونه بـاطلاً، ولكنكم إن سألتـم عنها بعد نزول القرآن بها وبعد ابتدائكم شأن أمرها فـي كتابـي إلـى رسولـي إلـيكم، بـين لكم ما أنزلته إلـيه من إتـيان كتابـي وتأويـل تنزيـلـي ووحي وذلك نظير الـخبر الذي رُويَ عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذي: ١٠٠٦٦ـ حدثنا به هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبـي هند، عن مكحول، عن أبـي ثعلبة الـخشنـي، قال: (إن اللّه تعالـى فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وعفـا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها). ١٠٠٦٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: كان عبـيد بن عمير يقول: إن اللّه تعالـى أحلّ وحرّم، فما أحلّ فـاستـحلوه وما حرّم فـاجتنبوه، وترك من ذلك أشياء لـم يحلها ولـم يحرّمها فذلك عفو من اللّه عفـاه ثم يتلو: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا الضحاك ، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي عطاء، عن عبـيد ابن عمير، أنه كان يقول: إن اللّه حرّم وأحلّ، ثم ذكر نـحوه. وأما قوله: عَفـا اللّه عَنْها فإنه يعنـي به: عفـا اللّه لكم عن مسألتكم عن الأشياء التـي سألتـم عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي كره اللّه لكم مسألتكم إياه عنها، أن يؤاخذكم بها، أو يعاقبكم علـيها، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم. وَاللّه غَفُورٌ يقول: واللّه ساتر ذنوب من تاب منها، فتارك أن يصفحه فـي الاَخرة حَلِـيـمٌ أن يعاقبه بها لتغمده التائب منها برحمته وعفوه، عن عقوبته علـيها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن ابن عبـاس الذي ذكرناه آنفـا. وذلك ما: ١٠٠٦٨ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : لا تسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إن نزل القرآن فـيها بتغلـيظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتـم تبـيانه. |
﴿ ١٠١ ﴾