| ١١القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمّ صَوّرْنَاكُمْ ثُمّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مّنَ السّاجِدِينَ }. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويل ذلك: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ في ظهر آدم أيها الناس، ثُمّ صَوّرْناكُمْ في أرحام النساء خلقا مخلوقا ومثالاً ممثّلاً في صورة آدم. ذكر من قال ذلك: ١١٢٢٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ، قوله: خَلَقْناكُمْ يعني آدم، وأما صوّرناكم فذرّيته. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ... الاَية، قال: أما خلقناكم فآدم، وأما صوّرناكم: فذرّية آدم من بعده. ١١٢٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ يعني : آدم، ثُمّ صَوّرْناكُمْ يعني : في الأرحام. حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ يقول: خلقناكم خلق آدم، ثم صوّرناكم في بطون أمهاتكم. ١١٢٢٤ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ يقول: خلقنا آدم ثم صوّرنا الذرية في الأرحام. ١١٢٢٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: خلق اللّه آدم من طين، ثم صوّرناكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، علقة ثم مضغة ثم عظاما، ثم كسا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر. ١١٢٢٦ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: خلق اللّه آدم ثم صوّر ذرّيته من بعده. ١١٢٢٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مشارس، عن الضحاك : خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: ذرّيته. حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك ، قوله: ولَقَدْ خَلَقْناكُمْ يعني آم، ثُمّ صَوّرْناكُمْ، يعني : ذرّيته. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقناكم في أصلاب آبائكم ثم صوّرناكم في بطون أمهاتكم. ذكر من قال ذلك: ١١٢٢٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُم صَوّرْناكُمْ قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، وصوّرناكم في أرحام النساء. حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، مثله. ١١٢٢٩ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت الأعمش يقرأ: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صوّرناكم في أرحام النساء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: خَلَقْناكُمْ يعني آدم، ثُمّ صَوّرْناكُمْ يعني في ظهره. ذكر من قال ذلك: ١١٢٣٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه :وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ قال: آدم، ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: في ظهر آدم. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ في ظهر آدم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد، قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: صورّناكم في ظهر آدم. حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو سعد المدني، قال: سمعت مجاهدا في قوله: ولقَد خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: في ظهر آدم لما تصيرون إليه من الثواب في الاَخرة. وقال آخرون: معنى ذلك: ولقد خلقناكم في بطون أمهاتكم، ثم صورناكم فيها. ذكر من قال ذلك: ١١٢٣١ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره، قال: خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: خلق اللّه الإنسان في الرحم، ثم صوّره فشقّ سمعه وبصره وأصابعه. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ولقد خلقنا آدم، ثُمّ صَوّرْناكُمْ بتصويرنا آدم، كما قد بيّنا فيما مضى من خطاب العرب الرجل بالأفعال تضيفها إليه، والمعنىّ في ذلك سلفه، وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوّةٍ وما أشبه ذلك من الخطاب الموجّه إلى الحيّ الموجود والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم، ثم صوّرناه. وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله: ثُمّ قُلْنا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ ومعلوم أن اللّه تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لاَدم قبل أن يصوّر ذرّيته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلق أمهاتهم، و(ثم) في كلام العرب لا تأي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، وذلك كقول القائل: قمت ثم قعدت، لا يكون القعود إذ عطف به ب(ثم) على قوله: (قمت) إلا بعد القيام، وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل: قمت وقعدت، فجائز أن يكون القعود في هذا الكلام قد كان قبل القيام، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفا لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها من غير دلالة منها بنفسها، على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين أيهما المتقدّم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إن قوله: ولَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ لا يصحّ تأويله إلا على ما ذكرنا. فإن ظنّ ظانّ أن العرب إذا كانت ربما نطقت ب(ثم) في موضع الواو في ضرورة شعر كما قال بعضهم: سألْتُ رَبِيَعَةَ مَنْ خَيْرُهاأبا ثُمّ أمّا فَقالَتْ لِمَهْ بمعنى: أبا وأما، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره، فإن ذلك بخلاف ما ظنّ وذلك أن كتاب اللّه جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها وله في الأفصح الأشهر معنى مفهوم ووجه معروف. وقد وجّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة: اسجدوا لاَدم، ثم صوّرناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل (ثم) في الكلام وهي مراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدّمونها في الكلام، إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم: قام ثم عبد اللّه عمرو فأما إذا قيل: قام عبد اللّه ثم قعد عمرو، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد اللّه ، إذا كان الخبر صدقا، فقول اللّه تبارك وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ ثُمّ قُلْنا للْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا نظير قول القائل: قام عبد اللّه ثم قعد عمرو في أنه غير جائز أن يكون أمر اللّه الملائكة بالسجود لاَدم كان إلا بعد الخلق والتصوير لما وصفنا قبل. وأما قوله: للْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ فإنه يقول جلّ ثناؤه: فلما صوّرنا آدم وجعلناه خلقا سويّا، ونفخنا فيه من روحنا، قلنا للملائكة: اسجدوا لاَدم، ابتلاءً منا واختبارا لهم بالأمر، ليعلم الطائع منهم من العاصي فَسَجَدُوا يقول: فسجد الملائكة إلاّ إبْلِيسَ فإنه لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ لاَدم حين أمره اللّه مع من أمر من سائر الملائكة غيره بالسجود. وقد بيّنا فيما مضى المعنى الذي من أجله امتحن جلّ جلاله ملائكته بالسجود لاَدم، وأمر إبليس وقصصه، وبما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. | 
﴿ ١١ ﴾