٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ ...}..

وهذا تذكير من اللّه عزّ وجلّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومناصحة.

يقول: أطيعوا اللّه ورسوله أيها الـمؤمنون، واستـجيبوا له إذا دعاكم لـما يحيـيكم ولا تـخالفوا أمره، وإن أمركم بـما فـيه علـيكم الـمشقة والشدّة، فإن اللّه يهوّنه علـيكم بطاعتكم إياه ويعجل لكم منه ما تـحبون، كما فعل بكم إذ آمنتـم به واتبعتـموه وأنتـم قلـيـل يستضعفكم الكفـار فـيفتنونكم عن دينكم وينالونكم بـالـمكروه فـي أنفسكم وأعراضكم تـخافون منهم أن يتـخطفوكم فـيقتلوكم ويصطلـموا جميعكم فآوَاكُمْ

يقول: فجعل لكم مأوى تأوون إلـيه منهم. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ

يقول: وقوّاكم بنصره علـيهم، حتـى قتلتـم منهم من قتلتـم ببدر. وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ

يقول: وأطعمكم غنـيـمتهم حلالاً طيبـا. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ

يقول: لكي تشكروا علـى ما رزقكم وأنعم به علـيكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم.

واختلف أهل التأويـل فـي الناس الذين عنوا ب قوله: أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ

فقال بعضهم: كفـار قريش. ذكر من قال ذلك.

١٢٤٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: وَاذكُرُوا إذ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضعَفُونَ فِـي الأرضِ تَـخافُونَ أن يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: يعني بـمكة مع النبـي صلى اللّه عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفـائها وموالـيها قبل الهجرة.

١٢٤٢٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبـي أو قتادة أو كلـيهما: وَاذكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ أنها نزلت فـي يوم بدر، كانوا يومئذٍ يخافون أن يتـخطفهم الناس، فآواهم اللّه وأيدهم بنصره.

١٢٤٢٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، بنـحوه.

وقال آخرون: بل عُنـي به غيرُ قريش. ذكر من قال ذلك.

١٢٤٢٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنـي أبـي، قال: سمعت وهب بن منبه يقول فـي قوله عزّ وجلّ: تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: فـارس.

١٢٤٢٦ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد، أنه سمع وهب بن منبه يقول، وقرأ: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ والناس إذ ذاك: فـارس، والروم.

١٢٤٢٧ـ قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ قال: كان هذا الـحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاّ، وأشقاه عيشا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا، وأبـينه ضلالاً من عاش منهم عاش شقـيّا، ومن مات منهم ردّي فـي الناس، يؤكلون ولا يأكلون، واللّه ما نعلـم قبـيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرّ منهم منزلاً. حتـى جاء اللّه بـالإسلام، فمكّن به فـي البلاد، ووسّع به فـي الرزق، وجعلكم به ملوكا علـى رقاب الناس، فبـالإسلام أعطى اللّه ما رأيتـم، فـاشكروا اللّه علـى نعمه، فإن ربكم منعم يحبّ الشكر وأهل الشكر فـي مزيد من اللّه تبـارك وتعالـى.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب، قول من قال: عُنـي بذلك مشركو قريش لأن الـمسلـمين لـم يكونوا يخافون علـى أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم، لأنهم كانوا أدنى الكفـار منهم إلـيهم، وأشدّهم علـيهم يومئذٍ مع كثرة عددهم وقلة عدد الـمسلـمين.

وأما قوله: فَآوَاكُمْ فإنه يعني : آواكم الـمدينة، وكذلك قوله: وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بـالأنصار.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٢٤٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَآوَاكُمْ قال: إلـى الأنصار بـالـمدينة. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وهؤلاء أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، أيدهم بنصره يوم بدر.

١٢٤٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: فَآوَاكُمْ وأيّدَكُمْ بِنَصْرهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطيّبـاتِ يعني بـالـمدينة.

﴿ ٢٦