٣٤

وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان اللّه لـيعذّبهم وأنت فـيهم يا مـحمد، وما كان اللّه معذّب الـمشركين وهم يستغفرون، أي: لو استغفروا. قالوا: ولـم يكونوا يستغفرون فقال جل ثناؤه إذ لـم يكونوا يستغفرون: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك.

١٢٤٩٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: إن القوم لـم يكونوا يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون ما عذّبوا. وكان بعض أهل العلـم

يقول: هما أمانان أنزلهما اللّه ، فأما أحدهما فمضى نبـيّ اللّه ، وأما الاَخر فأبقاه اللّه رحمة بـين أظهركم، الاستغفـار والتوبة.

١٢٤٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال اللّه لرسوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

يقول: ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون، ولو استغفروا وأقرّوا بـالذنوب لكانوا مؤمنـين، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون، وما لهم ألا يعذّبهم اللّه وهم يصدّون عن مـحمد وعن الـمسجد الـحرام

١٢٤٩٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَمَا كانَ اللهُ مُعَذّبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون قال:

يقول: لو استغفروا لـم أعذّبهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان اللّه لـيعذّبهم وهم يسلـمون. قالوا: واستغفـارهم كان فـي هذا الـموضع: إسلامهم. ذكر من قال ذلك.

١٢٤٩٨ـ حدثنا سوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قال: سألوا العذاب، فقال: لـم يكن لـيعذبهم وأنت فـيهم، ولـم يكن لـيعذّبهم وهم يدخـلون فـي الإسلام.

١٢٤٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وأنْتَ فِـيهمْ قال: بـين أظهرهم.

وقوله: وَهُمْ يَسْتَغْفِروُنَ قال: يسلـمون.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وما كان اللّه لـيعذبهم وأنت فـيهم بـين أظهرهم وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يسلـمون. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد اللّه ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ قال: بـين أظهرهم. وَما كان اللّه مُعَذّبَهُمْ وهم يَسْتَغْفِرُونَ قال: دخولهم فـي الإسلام.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفـيهم مَن قد سبق له من اللّه الدخول فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك.

١٢٥٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ

يقول: ما كان اللّه سبحانه يعذّب قوما وأنبـياؤهم بـين أظهرهم حتـى يخرجهم. ثم قال: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

يقول: ومنهم من قد سبق له من اللّه الدخول فـي الإيـمان، وهو الاستغفـار، ثم قال: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه فعذّبهم يوم بدر بـالسيف.

وقال آخرون: بل معناه: وما كان اللّه معذّبهم وهم يصلّون. ذكر من قال ذلك.

١٢٥٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني : يصلون، يعني بهذا أهل مكة.

١٢٥٠٢ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ، قال: حدثنا حسين الـجعفـيّ، عن زائدة، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: يصلون.

١٢٥٠٣ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ يعني : أهل مكة،

يقول: لـم أكن لأعذّبكم وفـيكم مـحمد. ثم قال: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني : يؤمنون ويصلون.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يصلون.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان اللّه لـيعذّب الـمشركين وهم يستغفرون. قالوا: ثم نسخ ذلك ب قوله: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك.

١٢٥٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة والـحسن البصريّ، قالا: قال فـي الأنفـال: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فنسختها الاَية التـي تلـيها: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه ... إلـى قوله: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ فقوتلوا بـمكة، وأصابهم فـيها الـجوع والـحصر.

وأولـى هذه الأقوال عندي فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـله: وما كان اللّه لـيعذبهم وأنت فـيهم يا مـحمد وبـين أظهرهم مقـيـم، حتـى أخرجك من بـين أظهرهم لأنـي لا أهلك قرية وفـيها نبـيها. وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرّون علـيه، فهم للعذاب مستـحقون، كما يقال: ما كنت لأحسن إلـيك وأنت تسيء إلـيّ، يراد بذلك: لا أحسن إلـيك إذا أسأت إلـيّ ولو أسأت إلـيّ لـم أحسن إلـيك، ولكن أحسن إلـيك لأنك لا تسيء إلـيّ وكذلك ذلك.

ثم قـيـل: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ بـمعنى: وما شأنهم وما يـمنعهم أن يعذّبهم اللّه وهم لا يستغفرون اللّه من كفرهم فـيؤمنوا به، وهم يصدّون الـمؤمنـين بـاللّه ورسوله عن الـمسجد الـحرام.

وإنـما قلنا هذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، لأن القوم أعنـي مشركي مكة كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: اللهمّ إن كان ما جاء به مـحمد هو الـحقّ، فأمطر علـينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألـيـم فقال اللّه لنبـيه: ما كنت لأعذّبهم وأنت فـيهم وما كنت لأعذّبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذّبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام فأعلـمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلـمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بـين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب فـي الاَخرة، وهم مستعجلوه فـي العاجل، ولا شكّ أنهم فـي الاَخرة إلـى العذاب صائرون، بل فـي تعجيـل اللّه لهم ذلك يوم بدر الدلـيـل الواضح علـى أن القول فـي ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول مَن وجّه قوله: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ إلـى أنه عنـي به الـمؤمنـين، وهو فـي سياق الـخبر عنهم وعما اللّه فـاعل بهم، ولا دلـيـل علـى أن الـخبر عنهم قد تقضّى، وعلـى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف فـي تأويـله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ ب قوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ... الاَية، لأن قوله جلّ ثناؤه: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ خبر، والـخبر لا يجوز أن يكون فـيه نسخ، وإنـما يكون النسخ للأمر والنهي.

واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول (أن) فـي قوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه فقال بعض نـحويـي البصرة: هي زائدة ههنا، وقد عملت كما عملت (لا) وهي زائدة، وجاء فـي الشعر:

لَوْ لَـمْ تكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنُوبَ لَهَاإلـيّ لامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا

وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربـية، وقال: لـم تدخـل (أن) إلاّ لـمعنى صحيح، لأن معنى وَما لَهُمْ ما يـمنعهم من أن يعذّبوا، قال: فدخـلت (أن) لهذا الـمعنى، وأخرج ب (لا) ، لـيعلـم أنه بـمعنى الـجحد، لأن الـمنع جحد. قال: و (لا) فـي البـيت صحيح معناها، لأن الـجحد إذا وقع علـيه جحد صار خبرا. وقال: ألا ترى إلـى قولك: ما زيد لـيس قائما، فقد أوجبت القـيام؟ قال: وكذلك (لا) فـي هذا البـيت.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنّ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.

يقول تعالـى ذكره: وما لهؤلاء الـمشركين ألا يعذّبهم اللّه وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام، ولـم يكونوا أولـياء اللّه إنْ أوْلِـيَاؤُهُ

يقول: ما أولـياء اللّه إلاّ الـمتقون، يعني : الذين يتقون اللّه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ

يقول: ولكن أكثر الـمشركين لا يعلـمون أن أولـياء اللّه الـمتقون، بل يحسبون أنهم أولـياء اللّه .

وبنـحو ما قلنا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٢٥٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ هم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

١٢٥٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ مَن كانوا وحيث كانوا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٢٥٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ الذين يخرجون منه، ويقـيـمون الصلاة عنده، أي: أنت يعني النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ومن آمن بك. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.

﴿ ٣٤