٩

القول في تأويل قوله تعالى:

{إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ }.

يقول تعالى ذكره: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إن الذين صدّقوا اللّه ورسوله وعملوا الصالحات، وذلك العمل بطاعة اللّه والانتهاء إلى أمره. يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ

يقول: يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة. كما:

١٣٦٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأنهارُ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ بلغنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ المُؤْمِنَ إذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَة حَسَنَة، فَيُقُولُ لَهُ: ما أنْتَ، فوَاللّه إنّي لأرَاكَ امْرأ صِدْقٍ؟ فَ

يَقُولُ: أنا عَمَلُكَ، فَيَكُون لَهُ نُورا وَقائِدا إلى الجَنّةِ. وأمّا الكافِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ سَيّئَةٍ وَبِشارَةٍ سَيّئَةٍ، فَ

يَقُولُ: ما أنْتَ فَواللّه إنّي لأَرَاكَ أمْرأَ سَوْءٍ؟ فَ

يَقُولُ: أنا عَمَلُكَ. فَيَنْطَلِقُ بِهِ حتى يُدْخِلَهُ النّارُ) .

١٣٦٨٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه :يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ قال: يكون لهم نورا يمشون به.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وقال ابن جريج: يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ قال: يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة، يعارض صاحبه ويبشره بكل خير، فيقول له: من أنت؟ ف

يقول: أنا عملك فيجعل له نورا من بين يديه حتى يدخله الجنة، فذلك قوله: يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ. والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة، فيلازم صاحبه ويُلادّه حتى يقذفه في النار.

وقال آخرون: معنى ذلك: بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه،

يقول: بتصديقهم هداهم. ذكر من قال ذلك:

وقوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتَهِمُ الأنهارُ

يقول: تجري من تحت هؤلاء المؤمنين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم أنهار الجنة. في جَنّاتِ النّعِيمِ

يقول: في بساتين النعيم الذي نعمّ اللّه به أهل طاعته والإيمان به.

فإن قال قائل: وكيف قيل تجري من تحتهم الأنهار، وإنما وصف جل ثناؤه أنهار الجنة في سائر القرآن أنها تجري تحت الجنات؟ وكيف يمكن الأنهار أن تجري من تحتهم إلا أن يكونوا فوق أرضها والأنهار تجري من تحت أرضها، وليس ذلك من صفة أنهار الجنة، لأن صفتها أنها تجري على وجه الأرض في غير أخاديد؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى ذلك: تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النعيم، وذلك نظير قول اللّه :قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا ومعلوم أنه لم يجعل السريّ تحتها وهي عليه قاعدة، إذ كان السريّ هو الجدول، وإنما عني به جعل دونها: بين يديها، وكما قال جل ثناؤه مخبرا عن قيل فرعون: ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي بمعنى: من دوني بين يدي.

﴿ ٩