٢٠

وقال آخرون: بل عنـي ب قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ السيارة أنهم بـاعوا يوسف بثمن بخس. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ وهم السيارة الذين بـاعوه.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـل ذلك: وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس، وذلك أن اللّه عزّ وجلّ قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرّوا شراء يوسف من أصحابهم خيفة أن يستشركوهم بـادعائهم أنه بضاعة، ولـم يقولوا ذلك إلا رغبة فـيه أن يخـلص لهم دونهم واستر خاصا لثمنه الذي ابتاعه به، لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه بِثَمَنٍ بَخْسٍ. ولو كان مبتاعوه من إخوته فـيه من الزاهدين لـم يكن لقـيـلهم لرفقائهم هو بضاعة معنى، ولا كان لشرائهم إياه وهم فـيه من الزاهدين وجه، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبـا علـى عقولهم لأنه مـحال أن يشترى صحيح العقل ما هو فـيه زاهد من غير إكراه مكره له علـيه، ثم يكذب فـي أمره الناس بأن

يقول: هو بضاعة لـم أشتره مع زهده فـيه، بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنـين لنفـاستها عنده، ولـما يرجو من نفـيس الثمن لها وفضل الربح.

وأما قوله: بَخْسٍ فإنه يعني : نقص، وهو مصدر من قول القائل: بَخِسْتُ فلانا حقه: إذا ظلـمته، يعني : ظلـمه فنقصه عما يجب له من الوفـاء، أبْخَسُهُ بخسا ومنه قوله: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ. وإنـما أريد بثمن مبخوس: منقوص، فوضع البخس وهو مصدر مكان مفعول، كما قـيـل: بِدَمٍ كَذِبٍ وإنـما هو بدم مكذوب فـيه.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: قـيـل بِثَمَنٍ بَخْسٍ لأنه كان حراما علـيهم. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: البخس: الـحرام.

١٤٥٦٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: كان ثمنه بخسا حراما، لـم يحلّ لهم أن يأكلوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: بـاعوه بثمن بخس، قال: كان بـيعه حراما وشراؤه حراما.

حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك : بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: حرام.

١٤٥٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : بِثَمَنٍ بَخْسٍ

يقول: لـم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنه.

وقال آخرون: معنى البخس هنا: الظلـم. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: البخس: هو الظلـم، وكان بـيع يوسف وثمنه حراما علـيهم.

١٤٥٦٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: قال قتادة: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: ظلـم.

وقال آخرون: عُنـي بـالبخس فـي هذا الـموضع: القلـيـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن جابر، عن عامر، قال: البخس: القلـيـل.

١٤٥٦٩ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن جابر، عن عكرمة، مثله.

وقد بـيّنا الصحيح من القول فـي ذلك. وأما قوله دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ فإنه يعني عز وجلّ أنهم بـاعوه بدراهم غير موزونة ناقصة غير وافـية لزهدهم كان فـيه. وقـيـل: إنـما قـيـل معدودة لـيعلـم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين، لأنهم كانوا فـي ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما، لأن أقلّ أوزانهم وأصغرها كان الأوقـية، وكان وزن الأوقـية أربعين درهما. قالوا: وإنـما دلّ ب قوله: مَعْدُودَةٍ علـى قلة الدراهم التـي بـاعوه بها،

فقال بعضهم: كان عشرين درهما. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه ، قال: إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.

١٤٥٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نوف البكالـي، فـي قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع: وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نوف البكالـي: بَخْسٍ دَرَاهِمَ قال: كانت عشرين درهما.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحِمّانـيّ، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن نوف، مثله.

١٤٥٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، فـي قوله: بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.

١٤٥٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: كانت عشرين درهما.

١٤٥٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنه بـيع بعشرين درهما، وكانوا فـيه من الزاهدين.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

١٤٥٧٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي إدريس، عن عطية، قال: كانت الدراهم عشرين درهما اقتسموها درهمين درهمين.

وقال آخرون: بل كان عددها اثنـين وعشرين درهما، أخذ كلّ واحد من إخوة يوسف وهم أحد عشر رجلاً درهمين درهمين منها. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: اثنـين وعشرين درهما.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: اثنان وعشرون درهما لإخوة يوسف أحد عشر رجلاً.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ.

قال: وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.

وقال آخرون: بل كانت أربعين درهما. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن جابر، عن عكرمة: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: أربعين درهما.

١٤٥٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: بـاعوه ولـم يبلغ ثمنه الذي بـاعوه به أوقـية، وذلك أن الناس كانوا يتبـايعون فـي ذلك الزمان بـالأواقـي، فما قصر عن الأوقـية فهو عدد يقول اللّه :

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ أي لـم يبلغ الأوقـية.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر أنهم بـاعوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولـم يحَدّ مبلغ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع علـيه دلالة فـي كتاب ولا خبر من الرسول صلى اللّه عليه وسلم. وقد يحتـمل أن يكون كان عشرين، ويحتـمل أن يكون كان اثنـين وعشرين، وأن يكون كان أربعين، وأقلّ من ذلك وأكثر، وأيّ ذلك كان فإنها كانت معدودة غير موزونة ولـيس فـي العلـم بـمبلغ وزن ذلك فـائدة تقع فـي ديِن ولا فـي الـجهل به دخول ضرّ فـيه، والإيـمان بظاهر التنزيـل فرض، وما عداه فموضوع عنا تكلّف علـمه.

وقوله: وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ

يقول تعالـى ذكره: وكان إخوة يوسف فـي يوسف من الزاهدين، لا يعلـمون كرامته عند اللّه ، ولا يعرفون منزلته عنده، فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بـينه وبـين والده لـيخـلو لهم وجهه منه، ويقطعوه عن القرب منه لتكون الـمنافع التـي كانت مصروفة إلـى يوسف دونهم مصروفة إلـيهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك : وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ قال: لـم يعلـموا بنبوّته ومنزلته من اللّه .

١٤٥٨٠ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك ، فـي قوله: وَجاءَتْ سَيّارَةٌ فنزلت علـى الـجبّ، فأرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فـاستقـى من الـماء فـاستـخرج يوسف، فـاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلـمون علـمه ولا منزلته من ربه، فزهدوا فـيه فبـاعوه وكان بـيعه حراما، وبـاعوه بدراهم معدودة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك : وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ قال إخوته زهدوا، فلـم يعلـموا منزلته من اللّه ونبوّته ومكانه.

١٤٥٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: إخوته زهدوا فـيه، لـم يعلـموا منزلته من اللّه عزّ وجلّ.

﴿ ٢٠