٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه الّذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: اللّه يا مـحمد هو الذي رفع السموات السبع بغير عمد ترونها، فجعلها للأرض سقـفـا مسموكا. والعمد جمع عمود، وهي السواري، وما يُعْمد به البناء، كما قال النابغة:

وخَيّسُ الـجِنّ إنّـي قدْ أذِنْتُ لهُمْيَبْنُونَ تَدْمُرَ بـالصّفّـاح والعَمَدِ

وجمع العمود: عَمَد، كما جمع الأديـم: أَدَم، ولو جمع بـالضم فقـيـل: عُمُد جاز، كما يجمع الرسول: رُسُل، والشّكُور: شُكُر.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها

فقال بعضهم: تأويـل ذلك: اللّه الذي رفع السموات بعمَد لا ترونها. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٩١ـ حدثنا أحمد بن هشام، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، قال: قلت لابن عبـاس : إن فلانا

يقول: إنها علـى عَمَد، يعني السماء؟ قال: فقال: اقرأها (بغيرِ عَمَدٍ تَرَونها) : أي لا ترونها.

حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حُدَير، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، مثله.

١٥٢٩٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا حميد، عن الـحسن بن مسلـم، عن مـجاهد، قوله: بغَيُرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: بعمد لا ترونها.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الـحسن بن مسلـم، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوَنْهَا قال: هي لا ترونها.

١٥٢٩٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بغير عمد

يقول: عمد.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٥٢٩٤ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الـحسن وقتادة، قوله: اللّه الّذِي رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال قتادة: قال ابن عبـاس : بعَمَد ولكن لا ترونها.

١٥٢٩٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: ما يدريك لعلها بعمد لا ترونها؟

ومن تأوّل ذلك كذلك، قصد مذهب تقديـم العرب الـجحد من آخر الكلام إلـى أوّله، كقول الشاعر:

ولا أرَاها تَزَالُ ظالِـمَةًتُـحْدِثُ لـي نَكْبَةً وتَنْكَؤُها

يريد: أراها لا تزال ظالـمة، فقدم الـجحد عن موضعه من تزال، وكما قال الاَخر:

إذَا أعْجَبَتْكَ الدّهْر حالٌ منِ امْرِىءٍفَدَعْهِ وَوَاكِلْ حالَهُ واللّـيالِـيا

يَجِئْنَ علـى ما كانَ مِنْ صَالِـحٍ بِهِوإنْ كانَ فِـيـما لا تَرَى النّاسُ آلِـيا

 يعني : وإن كان فـيـما يرى الناس لا يألو.

وقال آخرون: بل هي مرفوعة بغير عمد. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـيّ، قال: أخبرنا آدم، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن إياس بن معاوية، فـي قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: السماء مقببة علـى الأرض مثل القبة.

١٥٢٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: رفعها بغير عمد.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال كما قال اللّه تعالـى: اللّه الّذِي رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فهي مرفوعة بغير عمد نراها، كما قال ربنا جلّ ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسلـيـم لها بقول سواه.

وأما قوله: ثُمّ اسْتَوَى علـى العَرْشِ فإنه يعني : علا علـيه.

وقد بـيّنا معنى الاستواء واختلاف الـمختلفـين فـيه والصحيح من القول فـيـما قالوا فـيه بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

وقوله: وسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ

يقول: وأجرى الشمس والقمر فـي السماء، فسخرهما فـيها لـمصالـح خـلقه، وذللهما لـمنافعهم، لـيعلـموا بجريهما فـيها عدد السنـين والـحساب، ويفصلوا به بـين اللـيـل والنهار.

وقوله: كُلّ يَجْرِي لأَجَل مسَمّى

يقول جلّ ثناؤه: كل ذلك يجري فـي السماء لأجل مسمى: أي لوقت معلوم، وذلك إلـى فناء الدنـيا وقـيام القـيامة التـي عندها تكوّر الشمس، ويُخسف القمر وتنكدر النـجوم وحذف ذلك من الكلام لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه، وأنّ (كلّ) لا بدّ لها من إضافة إلـى ما تـحيط به.

وبنـحو الذي قلنا فـي قوله لأَجَل مُسَمّى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأَجَل مُسَمّى قال: الدنـيا.

وقوله: يُدَبّرُ الأمْرَ

يقول تعالـى ذكره: يقضي اللّه الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمور الدنـيا والاَخرة كلها، ويدبر ذلك كله وحده، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سبحانه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يُدَبّرُ الأمْرَ يقضيه وحده.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.

وقوله: يُفَصّلُ الاَياتِ

يقول: يفصل لكم ربكم آيات كتابه، فـيبـينها لكم احتـجاجا بها علـيكم أيها الناس، لَعَلّكُمْ بِلِقاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ

يقول: لتوقنوا بلقاء اللّه ، والـمعاد إلـيه، فتصدّقوا بوعده ووعيده، وتنزجروا عن عبـادة الاَلهة والأوثان، وتـخـلصوا له العبـادة إذا تـيقنتـم ذلك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٣٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لَعَلّكُمْ بِلِقاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ وأن اللّه تبـارك وتعالـى إنـما أنزل كتابه، وأرسل رسله لنؤمن بوعده، ونستـيقن بلقائه.

﴿ ٢