٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الّذِينَ كَفَرُواْ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقّ وَاتّخَذُوَاْ آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً }.

يقول عزّ ذكره: وما نرسل إلا لـيبشروا أهل الإيـمان والتصديق بـاللّه بجزيـل ثوابه فـي الاَخرة، ولـينذروا أهل الكفر به والتكذيب، عظيـم عقابه، وألـيـم عذابه، فـينتهوا عن الشرك بـاللّه ، وينزجروا عن الكفر به ومعاصيه ويُجادِلُ الّذينَ كَفَرُوا بـالبـاطِلِ لِـيُدْحِضُوا بِهِ الـحَقّ يقول: ويخاصم الذين كذّبوا بـاللّه ورسوله بـالبـاطل، ذلك كقولهم للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم : أخبرنا عن حديث فتـية ذهبوا فـي أوّل الدهر لـم يدر ما شأنهم، وعن الرجل الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح، وما أشبه ذلك مـما كانوا يخاصمونه به، يبتغون إسقاطه، تعنـيتا له صلى اللّه عليه وسلم ، فقال اللّه لهم: إنا لسنا نبعث إلـيكم رسلنا للـجدال والـخصومات، وإنـما نبعثهم مبشرين أهل الإيـمان بـالـجنة، ومنذرين أهل الكفر بـالنار، وأنتـم تـجادلونهم بـالبـاطل طلبـا منكم بذلك أن تبطلوا الـحقّ الذي جاءكم به رسولـي. وعنى ب قوله: لـيُدْحِضُوا بِهِ الـحَقّ لـيبطلوا به الـحقّ ويزيـلوه ويذهبوا به. يقال منه: دحض الشيء: إذا زال وذهب، ويقال: هذا مكان دَحْض: أي مُزِل مُزْلِق لا يثبت فـيه خفّ ولا حافر ولا قدم ومنه قوله الشاعر:

رَدِيتُ ونَـجّى الـيَشْكُرِيّ حِذَارُهُ

وحادَ كما حادَ البَعيرُ عَن الدّحْضِ

ويروى: ونـحّى، وأدحضته أنا: إذا أذهبته وأبطلته.

و قوله: واتّـخَذُوا آياتـي وَما أُنْذِرُوا هُزُوا يقول: واتـخذوا الكافرون بـاللّه حججه التـي احتـجّ بها علـيهم، وكتابه الذي أنزله إلـيهم، والنذر التـي أنذرهم بها سخريا يسخرون بها، يقولون: إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِـينَ اكْتَتَبها فَهِيَ تُـمْلـىَ عَلـيْهِ بُكْرَةً وَأصِيلاً ولَوْ شِئْنا لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا.

﴿ ٥٦