٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً }.

 يعني تعالـى ذكره: فلـما بلغ موسى وفتاه مـجمع البحرين، كما:

١٧٤٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله مَـجْمَعَ بَـيْنِهِما قال: بـين البحرين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله.

و قوله: نَسيا حُوَتهُما يعني ب قوله: نسيا: تركا، كما:

١٧٤٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نَسيَا حُوَتهُما قال: أضلاه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، قال: أضلاه.

قال بعض أهل العربـية: إن الـحوت كان مع يوشع، وهو الذي نسيه، فأضيف النسيان إلـيهما، كما قال: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ والـمَرْجانُ وإنـما يخرج من الـملـح دون العذب.

وإنـما جاز عندي أن يقال: نَسِيا لأنهما كانا جميعا تزوّداه لسفرهما، فكان حمل أحدهما ذلك مضافـا إلـى أنه حمل منهما، كما يقال: خرج القوم من موضع كذا، وحملوا معهم كذا من الزاد، وإنـما حمله أحدهما ولكنه لـما كان ذلك عن رأيهم وأمرهم أضيف ذلك إلـى جميعهم، فكذلك إذا نسيه حامله فـي موضع

قـيـل: نسي القوم زادهم، فأضيف ذلك إلـى الـجميع بنسيان حامله ذلك، فـيجرى الكلام علـى الـجميع، والفعل من واحد، فكذلك ذلك فـي قوله: نَسِيا حُوَتُهما لأن اللّه عزّ ذكره خاطب العرب بلغتها، وما يتعارفونه بـينهم من الكلام.

وأما قوله: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤلُؤُ والـمَرْجانُ فإن القول فـي ذلك عندنا بخلاف ما قال فـيه، وسنبـينه إن شاء اللّه تعالـى إذا انتهينا إلـيه.

وأما قوله: فـاتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـا فإنه يعني أن الـحوت اتـخذ طريقه الذي سلكه فـي البحر سربـا، كما:

١٧٤٧٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد فـاتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـا قال: الـحوت اتـخذ. و يعني بـالسرب: الـمسلك والـمذهب، يسرب فـيه: يذهب فـيه ويسلكه.

ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة اتـخاذه سبـيـله فـي البحر سربـا، فقال بعضهم: صار طريقه الذي يسلك فـيه كالـحجر. ذكر من قال ذلك:

١٧٤٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس ، قوله سَرَبـا قال: أثره كأنه حجر.

١٧٤٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبـيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس ، عن أبـيّ بن كعب، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك: (ما انْـجابَ ماءٌ مُنْذُ كانَ النّاسُ غيرُهُ ثَبَتَ مَكانُ الـحُوتِ الّذِي فِـيهِ فـانْـجابَ كالكُوّةِ حتـى رَجَعَ إلَـيْهِ مُوسَى، فَرأى مَسْلَكَهُ، فقالَ: ذلكَ ما كُنّا نَبْغي) .

١٧٤٨١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، فـي قوله فـاتّـخَذَ سَبـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـا قال: جاء فرأى أثر جناحيه فـي الطين حين وقع فـي الـماء، قال ابن عباس فـاتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـا وحلق بـيده.

وقال آخرون: بل صار طريقه فـي البحر ماء جامدا. ذكر من قال ذلك:

١٧٤٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: سرب من الـجرّ حتـى أفضى إلـى البحر، ثم سلك، فجعل لا يسلك فـيه طريقا إلا صار ماء جامدا.

وقال آخرون: بل صار طريقه فـي البحر حجرا. ذكر من قال ذلك:

١٧٤٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: جعل الـحوت لا يـمسّ شيئا من البحر إلا يبس حتـى يكون صخرة.

وقال آخرون: بل إنـما اتـخذ سبـيـله سربـا فـي البرّ إلـى الـماء، حتـى وصل إلـيه لا فـي البحر. ذكر من قال ذلك:

١٧٤٨٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فـاتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـا قال: قال: حشر الـحوت فـي البطحاء بعد موته حين أحياه اللّه . قال ابن زيد، وأخبرنـي أبو شجاع أنه رآه قال: أتـيت به فإذا هو شقة حوت وعين واحدة، وشقّ آخر لـيس فـيه شيء.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال كما قال اللّه عزّ وجلّ: واتـخذ الـحوت طريقه فـي البحر سربـا. وجائز أن يكون ذلك السرب كان بـانـجياب عن الأرض وجائز أن يكون كان بجمود الـماء وجائز أن يكون كان بتـحوّله حجرا.

وأصحّ الأقوال فـيه ما رُوي الـخبر به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي ذكرنا عن أبـيّ عنه.

﴿ ٦١