٦٥و قوله: فَوَجَدَا عَبْدا مِنْ عبـادِنا آتَـيْناه رحْمَةً مِنْ عِنْدِنا يقول: وهبنا له رحمة من عندنا وَعَلّـمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْـما يقول: وعلـمناه من عندنا أيضا علـما. كما: ١٧٤٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مِنْ لَدُنّا عِلْـما: أي من عندنا علـما. وكان سبب سفر سُئل: هل فـي الأرض أحد أعلـم منك؟ فقال: لا، أو حدّثته نفسه بذلك، فكره ذلك له، فأراد اللّه تعريفه أن من عبـاده فـي الأرض من هو أعلـم منه، وأنه لـم يكن له أن يحتـم علـى ما لا علـم له به، ولكن كان ينبغي له أن يكل إلـى عالـمه. وقال آخرون: بل كان سبب ذلك أنه سأل اللّه جل ثناؤه أن يدله علـى عالـم يزداد من علـمه إلـى علـم نفسه. ذكر من قال ذلك: ١٧٤٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن هارون بن عنترة، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: سأل موسى ربه وقال: ربّ أيّ عبـادك أحبّ إلـيك؟ قال: الذي يذكرنـي ولا ينسانـي قال: فأيّ عبـادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بـالـحقّ ولا يتبع الهوى قال: أي ربّ أيّ عبـادك أعلـم؟ قال: الذي يبتغي علـم الناس إلـى علـم نفسه، عسى أن يصيب كلـمة تهديه إلـى هُدَى، أو تردّه عن رَدَى قال: ربّ فهل فـي الأرض أحدٌ؟ قال: نعم قال: ربّ، فمن هو؟ قال: الـخضر قال: وأين أطلبه؟ قال: علـى الساحل عند الصخرة التـي ينفلت عندها الـحوت قال: فخرج موسى يطلبه، حتـى كان ما ذكر اللّه ، وانتهى إلـيه موسى عند الصخرة، فسلـم كلّ واحد منهما علـى صاحبه، فقال له موسى: إنـي أريد أن تستصحبنـي، قال: إنك لن تطيق صحبتـي، قال: بلـى، قال: فإن صحبتنـي (فَلا تَسْأَلْنِـي عَنْ شَيْءٍ حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا فـانْطَلَقا حتـى إذَا رَكِبـا فِـي السّفِـينَةِ خَرَقَها قال أخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا قالَ أَلَـمْ أقُلْ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا قال لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِـي مِنْ أمْرِي عُسْرا فـانْطَلَقَا حتـى إذَا لَقِـيا غُلاما فَقَتَلَهُ قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَكيّةً بغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جئْتَ شَيْئا نُكْرا) ... إلـى قوله: لاتّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْرا قال: فكان قول موسى فـي الـجدار لنفسه، ولطلب شيء من الدنـيا، وكان قوله فـي السفـينة وفـي الغلام للّه، قالَ هَذَا فِرَاقُ بَـيْنِـي وَبَـيْنِكَ سأُنَبّئُكَ بتَأْوِيـلِ ما لَـمْ تَسْتَطِعْ عَلَـيْهِ صَبْرا فأخبره بـما قال أما السفـينة وأما الغلام وأما الـجدار، قال: فسار به فـي البحر حتـى انتهى إلـى مـجمع البحور، ولـيس فـي الأرض مكان أكثر ماء منه، قال: وبعث ربك الـخُطّاف فجعل يستقـي منه بـمنقاره، فقـيـل لـموسى: كم ترى هذا الـخطاف رَزَأ من هذا الـماء؟ قال: ما أقلّ ما رَزَأ قال: يا موسى فإن علـمي وعلـمك فـي علـم اللّه كقدر ما استقـى هذا الـخطاف من هذا الـماء وكان موسى قد حدّث نفسه أنه لـيس أحد أعلـم منه، أو تكلـم به، فمن ثَم أُمِرَ أن يأتـي الـخضر. ١٧٤٩٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: خطب موسى بنـي إسرائيـل، فقال: ما أحد أعلـم بـاللّه وبأمره منـي، فأوحى اللّه إلـيه أن يأتـي هذا الرجل. ١٧٤٩٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة أنه قـيـل له: إن آية لقـيك إياه أن تنسى بعض متاعك، فخرج هو وفتاه يوشع بن نون، وتزوّدا حوتا مـملوحا، حتـى إذا كانا حيث شاء اللّه ، ردّ اللّه إلـى الـحوت روحه، فسرب فـي البحر، فـاتـخذ الـحوت طريقه سربـا فـي البحر، فسرب فـيه فَلَـمّا جاوَزَا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَدَاءنا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذا نَصَبـا... حتـى بلغ واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا فكان موسى اتـخذ سبـيـله فـي البحر عجبـا، فكان يعجب من سرب الـحوت.
١٧٤٩٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس قال: لـما اقتص موسى أثر الـحوت انتهى إلـى رجل، راقد قد سجى علـيه ثوبه فسلـم علـيه موسى فكشف الرجل عن وجهه الثوب وردّ علـيه السلام وقال: من أنت؟ قال: موسى، قال: صاحب بنـي إسرائيـل؟ قال: نعم، قال: أوَ ما كان لك فـي بنـي إسرائيـل شغل؟ قال: بلـى، ولكن أُمرت أن آتـيك وأصحبك، قال: إنك لن تستطيع معي صبرا، كما قصّ اللّه ، حتـى بلغ فلـما رَكِبـا فِـي السَفـينَةِ خَرَقَها صاحب موسى قالَ أخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا يقول: نُكرا قالَ لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمعا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِـي مِنْ أمْرِي عُسْرا فـانْطَلَقَا حتـى إذَا لَقِـيا غُلاما فَقَتَلَهُ، قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ. ١٧٤٩٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبـير، قال: قلت لابن عباس : إن نوفـا يزعم أن الـخضر لـيس بصاحب موسى، فقال: كذب عدوّ اللّه . حدثنا أبـيّ بن كعب، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ مُوسَى قامَ فِـي بَنِـي إسْرَائِيـلَ خَطِيبـا فَ قِـيـلَ: أيّ النّاسُ أعْلَـمُ؟ فَقالَ: أنا، فعَتَبَ اللّه عَلَـيْهِ حِينَ لَـمْ يَرُدّ العِلْـمَ إلَـيْهِ، فقالَ: بَلـى عَبْدٌ لـي عِنْدَ مَـجْمَعَ البَحْرَيْنِ، فَقالَ: يا رَبّ كَيْفَ بِهِ؟ فَ قِـيـلَ: تَأْخُذُ حُوتا، فَتَـجْعَلُهُ فِـي مِكْتَلٍ، ثُمّ قالَ لِفُتاهُ: إذَا فَقَدْتَ هَذَا الـحُوتَ فَأَخْبِرْنِـي، فـانْطَلَقا يَـمْشِيانِ عَلـى ساحِلِ البَحْرِ حتـى أتَـيا صَخْرَةً، فَرَقَدَ مُوسَى، فـاضْطَرَب الـحُوتُ فِـي الـمِكْتَلِ، فَخَرَجَ فَوَقَعَ فِـي البَحْرِ، فأمْسَكَ اللّه عَنْهُ جِرْيَةَ الـمَاءِ، فَصَارَ مِثْلَ الطّاقِ، فَصَارِتْ للْـحُوتِ سَرَبـا وكانَ لَهُما عَجَبـا. ثُمّ انْطَلَقا، فَلَـمّا كانَ حِينَ الغَدِ، قالَ مُوسَى لَفَتاهُ: آتِنا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبـا، قالَ: وَلـمْ يَجِدْ مُوسَى النّصَبَ حتـى جاوَزَ حَيْثُ أمَرَهُ اللّه قالَ: فَقالَ: أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ، وَما أنْسانِـيهُ إلاّ الشّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ، واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا، قالَ: فَقالَ: ذلكَ ما كُنّا نَبْغِ، فـارْتَدّا عَلـى آثارِهما قَصَصا، قالَ: يَقُصّانِ آثارَهما، قالَ: فَأَتَـيَا الصّخْرَةَ، فإذَا رَجُلٌ نائمٌ مُسّجّى بِثَوْبِهِ، فَسَلّـمَ عَلَـيْهِ مُوسَى، فَقالَ: وأنّـي بأرْضِنَا السّلامُ؟ فَقالَ: أنا مُوسَى، قالَ: مُوسَى بَنِـي إسْرَائِيـلَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: يا مُوسَى، إنّـي عَلـى عِلْـمٍ مِنْ عِلْـمٍ اللّه ، عَلّـمَنِـيَهِ اللّه لا تعْلَـمُهُ، وأنْتَ عَلـى عِلْـمٍ مِنْ عِلْـمِهِ عَلّـمَكَهُ لا أعْلَـمُهُ، قالَ: فإنّـي أتّبِعُكَ عَلـى أنْ تُعَلّـمَنِـي مِـمّا عُلّـمْتَ رُشْدا، قالَ: فإنِ اتّبِعْتَنِـي فَلا تَسْأَلْنِـي عَنْ شَيْءٍ حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا. فـانْطَلَقا يَـمْشِيانِ عَلـى السّاحِلِ، فَعُرِفَ الـخَضِرُ، فَحُمِل بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلـى حَرْفِها فَنَقَرَ، أوْ فَنَقَدَ فِـي الـمَاءِ، فَقالَ الـخَضِرُ لِـمُوسَى: ما نَقَصَ عِلْـمِي وَعِلْـمُكَ مِنْ عِلْـمِ اللّه إلاّ مِقْدَارَ ما نَقَرَ أوْ نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِنَ البَحْرِ) . أبو جعفر الطبري يشكّ، وهو فـي كتابه نَقَر، قالَ: (فَبَـيْنـما هُوَ إذْ لَـمْ يَفْجَأهُ مُوسَى إلاّ وَهُوَ يَتِدُ وَتِدا أوْ يَنْزِعُ تَـحْتا مِنْها، فَقالَ لَهُ مُوسَى: حُمِلْنا بِغَيرِ نَوْلٍ وَتـخْرِقُها لِتُغْرِقَ أهْلَها؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا، قالَ: أَلـمْ أقُل إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَيَ صَبْرا، قالَ: لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ، قالَ: وكانَتِ الأُوَلـى مِنْ مُوسَى نِسْيانا قالَ: ثُمّ خَرَجا فـانْطَلَقَا يَـمْشيانِ، فَأَبْصَرَا غُلاما يَـلْعَبُ مَعَ الغلْـمانِ، فَأخَذَ برأْسِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا، قالَ: أَلْـمْ أقُلْ لَكَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَي صَبْرا؟ قالَ: إنْ سألْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصَاحِبْنِـي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنّـي عُذْرا. قالَ: فـانْطَلَقّ حتـى إذَا أتَـيا أهْلَ قَرْيَةِ اسْتَطْعَما أهْلَها، فَلَـمْ يَجدَا أحَدا يُطْعِمُهُمْ وَلا يَسْقِـيهِمْ، فَوَجَدَا فِـيها جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضّ، فأقاَمهُ بـيَدِهِ، قالَ: مَسَحَه بِـيَدِهِ فَقالَ لَهُ مُوسَى: لَـمْ يُضَيّفُونا ولَـمْ يُنْزِلُونا، لَوْ شِئْتَ لاتّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْرا، قالَ: هَذَا فِرَقُ بَـيْنِـي وَبَـيْنِكَ) فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَوَددْتُ أنّهُ كانَ صَبَرَ حتـى يَقُصّ عَلَـيْنا قَصَصَهُمْ) . ١٧٥٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن الـحسن بن عمارة، عن الـحكم بن عتـيبة، عن سعيد بن جبـير، قال: جلست فأسنَدَ ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب، فقال بعضهم: يا أبـا العباس ، إن نوفـا ابن امرأة كعب يزعم عن كعب، أن موسى النبي الذي طلب العالـم، إنـما هو موسى بن ميشا. قال سعيد: قال ابن عباس : أنوف يقول هذا؟ قال سعيد: فقلت له نعم، أنا سمعت نوفـا يقول ذلك، قال: أنت سمعته يا سعيد؟ قال: قلت: نعم، قال: كذب نوف ثم قال ابن عباس : حدثنـي أبـيّ بن كعب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ مُوسَى هُوَ نَبِـيّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ سأَلَ رَبّهُ فَقالَ: أيْ رَبّ إنْ كانَ فِـي عِبـادِكَ أحَدٌ هُوَ أعْلَـمُ مِنّـي فـادْلُلْنِـي عَلَـيْهِ، فَقالَ لَهُ: نَعَمْ فـي عِبـادِي مَنْ هُوَ أعْلَـمُ مِنْكَ، ثُمّ نَعَتَ لَهُ مَكانَهُ، وأذِنَ لَهُ فِـي لُقِـيّهِ فخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ فَتاه وَمَعَهُ حُوتٌ مَلْـيحٌ، وَقَدْ قِـيـلَ لَهُ: إذَا حَيِـيَ هَذَا الـحُوتُ فِـي مَكانِ فصاحبُكَ هُنالكَ وَقَدْ أدْرَكْتَ حاجَتَكَ فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ، وَمَعَهُ ذلكَ الـحُوتُ يَحْمِلانِهِ، فَسارَ حتـى جَهَدَهُ السّيْرُ، وَانْتَهَى إلـى الصّخْرَةِ وَإلـى ذلكَ الـمَاءِ، ماءِ الـحَياةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ خَـلَدَ، وَلا يُقاربُهُ شَيْءٌ مَيّتٌ إلاّ حَيِـيَ فَلَـمّا نَزَلا، وَمَسّ الـحُوتَ الـمَاءُ حَيِـيَ، فـاتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـا فـانْطَلَقا، فَلَـمّا جاوَزَا مُنْقَلَبَهُ قالَ مُوسَى: آتِنا غَدَاءَنا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبـا. قالَ الفَتـى وَذَكَرَ: أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إلاّ الشّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ. واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا) قال ابن عباس : فظهر موسى علـى الصخرة حين انتهيا إلـيها، فإذا رجل متلفف فـي كساء له، فسلـم موسى، فردّ علـيه العالـم، ثم قال له: وما جاء بك؟ إن كان لك فـي قومك لشغل؟ قال له موسى: جئتك لتعلـمنـي مـما علـمت رشدا، قالَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَيَ صَبْرا، وكان رجلاً يعلـم علـم الغيب قد علّـم ذلك، فقال موسى: بلـى قالَ وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلـى ما لَـمْ تُـحِطْ بِهِ خُبرا: أي إنـما تعرف ظاهر ما ترى من العدل، ولـم تُـحط من علـم الغيب بـما أعلـم قالَ سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّه صَابِرا وَلا أعْصِيَ لَكَ أمْرا وإن رأيتَ ما يخالفنـي، قالَ فإنِ اتّبَعْتَنِـي فَلا تَسْأَلْنِـي عَنْ شَيْءٍ وإن أنكرته حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا، فـانطلقا يـمشيان علـى ساحل البحر، يتعرّضان الناس، يـلتـمسان من يحملهما، حتـى مرّت بهما سفـينة جديدة وثـيقة لـم يـمرّ بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها، فسألا أهلها أن يحملوهما، فحملوهما، فلـما اطمأنا فـيها، ولـجت بهما مع أهلها، أخرج منقارا له ومطرقة، ثم عمد إلـى ناحية منها فضرب فـيها بـالـمنقار حتـى خرقها، ثم أخذ لوحا فطبقه علـيها، ثم جلس علـيها يرقعها. قال له موسى ورأى أمرا فظع به: أخَرَقْتَهَا لتُقْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا قالَ أَلْـمْ أقُلْ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَي صَبْرا قالَ لا تؤاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ: أي ما تركت من عهدك وَلا تُرْهقْنِـي منْ أمْرِي عُسْرا. ثم خرجا من السفـينة، فـانطلقا حتـى إذا أتـيا أهل قرية فإذا غلـمان يـلعبون خـلفها، فـيهم غلام لـيس فـي الغلـمان أظرف منه، ولا أثرى ولا أوضأ منه، فأخذه بـيده، وأخذ حجرا، قال: فضرب به رأسه حتـى دمغه فقتله، قال: فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر علـيه، صبـيّ صغير لا ذنب له قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ أي صغيرة بغير نفس لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا قالَ أَلْـم أقُلْ لَكَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعيَ صَبْرا قالَ إنْ سألْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصَاحبْنِـي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنّـي عُذْرا: أي قد أعذرتَ فـي شأنـي فـانْطَلَقا حتـى إذَا أتَـيا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أهْلَها فأَبَوْا أنْ يُضَيّفُوهَما فَوَجَدَا فِـيها جَدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضّ فهدمه، ثم قعد يبنـيه، فضجر موسى مـما رآه يصنع من التكلـيف لـما لـيس علـيه صبر، فقال: لَوْ شِئْتَ لاتّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْرا أي قد استطعمناهم فلـم يطعمونا، وضفناهم فلـم يضيفونا، ثم قعدت فـي غير صنـيعة، ولو شئت لأعطيت علـيه أجرا فـي عمله قالَ هَذَا فِراقُ بَـيْنِـي وَبَـيْنِكَ سأُنَبّئُكَ بَتأْوِيـلِ ما لَـمْ تَسْتَطِعْ عَلَـيْهِ صَبْرا أمّا السّفِـينَةُ فَكانَتْ لِـمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِـي البَحْرِ فأرَدْتُ أنْ أعِيبَها، وَكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يأْخُذُ كُلّ سَفِـينَةٍ غَصْبـا، وفـي قراءة أبـيّ بن كعب: (كلّ سفـينة صالـحة) ، وإنـما عبتها لأردّه عنها، فسلـمت حين رأى العيب الذي صنعت بها. وأمّا الغُلامُ فَكانَ أبَوَاهُ مُؤْمِنَـيْنِ فَخَشِيا أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانا وكُفْرا. فأرَدْنا أنْ يُبْدِ لَهُما رَبّهُما خَيْرا مِنْهُ زَكاةً وأقْرَبَ رُحْما وأمّا الـجِدَارُ فَكانَ لغُلامَيْنِ يَتِـيـمَيْنِ فِـي الـمَدينَةِ وكانَ تَـحْتَهُ كَنْزٌ لهما وكانَ أبُوهُمَا صَالِـحا فأرَادَ رَبّكَ أنْ يَبْلُغا أشُدّهُما ويَسْتَـخْرِجا كَنْزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي: أي ما فعلته عن نفسي ذلكَ تَأْوِيـلُ ما لَـمْ تَسْطِعْ عَلَـيْهِ صَبْرا فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علـما. ١٧٥٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، عن الـحسن بن عُمارة، عن أبـيه، عن عكرِمة قال: قـيـل لابن عباس : لـم نسمع لفتـى موسى بذكر من حديث، وقد كان معه، فقال ابن عباس فـيـما يذكر من حديث الفتـى قال: شرب الفتـى من الـماء فخـلّد، فأخذه العالـم فطابق به سفـينة، ثم أرسله فـي البحر، فإنها لتـموج به إلـى يوم القـيامة، وذلك أنه لـم يكن له أن يشرب منه فشرب. ١٧٥٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَإذْ قالَ مُوسَى لفَتاهُ لا أبْرَحُ حتـى أبْلُغَ مَـجْمَعَ البَحْرَيْنِ أوْ أمْضِيَ حُقُبـا قال: لـما ظهر موسى وقومه علـى مصر أنزل قومه مصر فلـما استقرّت بهم الدار أنزل اللّه علـيه أن ذَكّرْهُمْ بِأيّامِ اللّه فخطب قومه، فذكر ما آتاهم اللّه من الـخير والنعمة، وذكّرَهم إذ أنـجاهم اللّه من أل فرعون، وذكرهم هلاك عدوّهم، وما استـخـلفهم اللّه فـي الأرض، وقال: كلـم اللّه نبـيكم تكلـيـما، واصطفـانـي لنفسه، وأنزل علـيّ مـحبة منه، وآتاكم اللّه من كلّ ما سألتـموه، فنبـيكم أفضل أهل الأرض، وأنتـم تقرأون التوراة، فلـم يترك نعمة أنعمها اللّه علـيهم إلا ذكرها، وعرّفها إياهم، فقال له رجل من بنـي إسرائيـل: هم كذلك يا نبـيّ اللّه ، قد عرفنا الذي تقول، فهل علـى الأرض أحد أعلـم منك يا نبـيّ اللّه ؟ قال: لا فبعث اللّه جبرئيـل إلـى موسى علـيهما السلام، فقال: إن اللّه يقول: وما يدريك أين أضع علـمي؟ بلـى إن علـى شطّ البحر رجلاً أعلـم منك فقال ابن عباس : هو الـخَضِر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه، فأوحى اللّه إلـيه أن ائت البحر، فإنك تـجد علـى شطّ البحر حُوتا، فخذه فـادفعه إلـى فتاك، ثم الزم شطّ البحر، فإذا نسيتَ الـحوت وهَلك منك، فثمّ تـجد العبد الصالـح الذي تطلب فلـما طال سفر موسى نبـيّ اللّه ونصب فـيه، سأل فتاه عن الـحوت، فقال له فتاه وهو غلامه أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إلاّ الشّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ قال الفتـى: لقد رأيت الـحوت حين اتـخذ سبـيـله فـي البحر سَرَبـا، فأعجب ذلك موسى فرجع حتـى أتـى الصخرة، فوجد الـحوت يضرب فـي البحر، ويتبعه موسى، وجعل موسى يقدّم عصاه يفرُج بها عن الـماء يتبع الـحوت، وجعل الـحوت لا تـمسّ شيئا من البحر إلا يبس حتـى يكون صخرة، فجعل نبـيّ اللّه يعجب من ذلك حتـى انتهى به الـحوت إلـى جزيرة من جزائر البحر، فلقـى الـخَضِر بها فسلـم علـيه، فقال الـخضر: وعلـيك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذه الأرض، ومن أنت؟ قال: أنا موسى، فقال له الـخضر: أصاحبُ بنـي إسرائيـل؟ قال: نعم فرحب به، وقال: ما جاء بك؟ قال: جئتك علـى أن تعلـمنـي مـما علّـمت رُشدا قَالَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا قال: لا تطيق ذلك، قال موسى: سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّه صَابِرا وَلا أعْصِيَ لَكَ أمْرا قال: فـانطلق به وقال له: لا تسألنـي عن شيء أصنعه حتـى أبّـين لك شأنه، فذلك قوله: أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا. فركبـا فـي السفـينة يريدان البرّ، فقام الـخضر فخرق السفـينة، فقال له موسى أخَرَقْتَها لتُقْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا. ١٧٥٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَلَـمّا بَلَغا مَـجْمَعَ بَـيْنِهِما نَسِيا حُوَتَهُما ذُكِر أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـما قطع البحر وأنـجاه اللّه من آل فرعون، جمع بنـي إسرائيـل، فخطبهم فقال: أنتـم خير أهل الأرض وأعلـمه، قد أهلك اللّه عدوّكم، وأقطعكم البحر، وأنزل علـيكم التوراة قال: ف قـيـل له: إن ههنا رجلاً هو أعلـم منك. قال: فـانطلق هو وفتاه يوشع بن نون يطلبـانه، وتزوّدا سمكة مـملوحة فـي مِكتل لهما، وقـيـل لهما: إذا نسيتـما ما معكما لقـيتـما رجلاً عالـما يقال له الـخضر فلـما أتـيا ذلك الـمكان، ردّ اللّه إلـى الـحوت روحه، فسرب له من الـجسر حتـى أفضى إلـى البحر، ثم سلك فجعل لا يسلك فـيه طريقا إلا صار ماء جامدا. قال: ومضى موسى وفتاه يقول اللّه عزّ وجلّ: فَلَـمّا جاوَزَا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَدَاءَنا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبـا قالَ أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ... ثم تلا إلـى قوله: وَعَلّـمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْـما فلقـيا رجلاً عالـما يقال له الـخَضِر، فذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّـما سُمّىَ الـخَضِرُ خَضِرا لأنهُ قَعَدَ عَلـى فَرْوَةٍ بَـيْضَاءَ، فـاهْتَزّتْ بِهِ خَضراء) . ١٧٥٠٤ـ حدثنـي العباس بن الولـيد، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا الأوزاعيّ، قال: حدثنا الزهريّ، عن عبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس أنه تـمارى هو والـحرّ بن قـيس بن حِصْن الفزاريّ فـي صاحب موسى، فقال ابن عباس : هو خَضِر، فمرّ بهما أبـيّ بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إنـي تـماريت أنا وصاحبـي هذا فـي صاحب موسى الذي سأل السبـيـل إلـى لقـيّه، فقال سمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال: إنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (بَـيْنا مُوسَى فِـي مَلأ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ إذْ جاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: تَعْلَـمُ مَكانَ أحَدٍ أعْلَـمُ مِنْكَ؟ قالَ مُوسَى: لا، فَأوْحَى اللّه إلـى مُوسَى: بَلـى عَبْدُنا خَضِرٌ، فَسأَلَ مُوسَى السّبِـيـلَ إلـى لُقِـيّهِ، فَجَعَلَ اللّه لَهُ الـحُوتَ آيَةً، وَ قِـيـلَ لَهُ: إذَا فَقَدْتَ الـحُوتَ فـارْجِعْ فإنّكَ سَتَلْقاهُ، فَكانَ مُوسَى يَتْبَعُ أثَرَ الـحُوتِ فِـي البَحْرِ، فَقال فَتِـى مُوسَى لـمُوسَى: أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ، فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ، قالَ مُوسَى: ذلكَ ما كُنّا نَبْغِ، فـارْتَدّا عَلـى آثارِهِما قَصَصا، فَوَجَدَا عَبْدَنا خَضِرا، وكانَ مِنْ شأْنِهِما ما قَصّ اللّه فـي كِتابِهِ) . حدثنـي مـحمد بن مرزوق، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا عبد اللّه بن عمر النـميري، عن يونس بن يزيد، قال: سمعت الزهريّ يحدّث، قال: أخبرنـي عميد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس ، أنه تـمارى هو والـحرّ بن قـيس بن حصن الفزاري فـي صاحب موسى، ثم ذكر نـحو حديث العباس ، عن أُبـيّ بن كعب، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم . |
﴿ ٦٥ ﴾