٢

و قوله: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ

يقول تعالـى ذكره: الذين هم فـي صلاتهم إذا قاموا فـيها خاشعون وخشوعهم فـيها تذللّهم للّه فـيها بطاعته، وقـيامهم فـيها بـما أمرهم بـالقـيام به فـيها. و

قـيـل: إنها نزلت من أجل أن القوم كانوا يرفعون أبصارهم فـيها إلـى السماء قبل نزولها، فنُهُوا بهذه الاَية عن ذلك. ذكر الرواية بذلك:

١٩٢٣٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت خالدا، عن مـحمد بن سيرين، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلّـى نظر إلـى السماء، فأنزلت هذه الاَية: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشعُونَ قال: فجعل بعد ذلك وجهه حيث يسجد.

١٩٢٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة، عن أبـي جعفر، عن الـحجاج الصوّاف، عن ابن سيرين، قال: كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرفعون أبصارهم فـي الصلاة إلـى السماء حتـى نزلت: قَدْ أفْلَـحَ الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشعُونَ فقالوا بعد ذلك برؤوسهم هكذا.

١٩٢٣٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا أيوب، عن مـحمد، قال: (نبئت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا صلـى رفع بصره إلـى السماء، فنزلت آية إن لـم تكن الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشعُونَ فلا أدري أية آية هي قال: فطأطأ) . قال: وقال مـحمد: وكانوا يقولون: لا يجاوز بصْره مصّلاه، فإن كان قد استعاد رالنظر فلـيغْمِض.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، عن ابن عون، عن مـحمد نـحوه.

واختلف أهل التأويـل فـي الذي عنـي به فـي هذا الـموضع من الـخشوع، فقال بعضهم: عنـي به سكون الأطراف فـي الصلاة. ذكر من قال ذلك:

١٩٢٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد : الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قال: السكون فـيها.

١٩٢٣٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قال: سكون الـمرء فـي صلاته.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، مثله.

١٩٢٣٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، عن الثوريّ، عن أبـي سفـيان الشيبـانـي، عن رجل، عن علـيّ، قال: سئل عن قوله: الّذِينَ فِـي صَلاتِهِمْ خاشعُونَ قال: لا تلتفت فـي صلاتك.

١٩٢٣٨ـ حدثنا عبد الـجبـار بن يحيى الرملـيّ، قال: قال ضَمْرة بن ربـيعة، عن أبـي شَوْذب، عن الـحسن، فـي قوله: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قال: كان خشوعهم فـي قلوبهم، فغضوا بذلك البصر وخفضوا به الـجَناح.

١٩٢٣٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا معمر، عن إبراهيـم، فـي قوله: خاشعُونَ قال: الـخشوع فـي القلب، وقال: ساكنون.

قال: حدثنا الـحسن، قال: ثنـي خالد بن عبد اللّه ، عن الـمسعوديّ، عن أبـي سنان، عن رجل من قومه، عن علـيّ رضي اللّه عنه، قال: الـخشوع فـي القلب، وأن تُلِـين للـمرء الـمسلـم كَنَفك، ولا تلتفت.

١٩٢٤٠ـ قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جرَيج، قال: قال عطاء بن أبـي ربـاح، فـي قوله: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهمْ خاشعُونَ قال: التـخشع فـي الصلاة. وقال لـي غير عطاء: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا قام فـي الصلاة نظر عن يـمينه ويساره ووُجاهه، حتـى نزلت: قَدْ أفْلَـحَ الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فما رُؤي بعد ذلك ينظر إلاّ إلـى الأرض.

وقال آخرون: عنـي به الـخوف فـي هذا الـموضع. ذكر من قال ذلك:

١٩٢٤١ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الـحسن: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهِمْ خاشعُونَ قال: خائفون.

١٩٢٤٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا معمر، فـي قوله: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهمْ خاشِعُونَ قال الـحسن: خائفون. وقال قتادة : الـخشوع فـي القلب.

١٩٢٤٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: الّذِينَ هُمْ فِـي صَلاتِهمْ حاشعُونَ يقول: خائفون ساكنون.

وقد بـيّنا فـيـما مضى قبل من كتابنا أن الـخشوع التذلل والـخضوع بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وإذ كان ذلك كذلك، ولـم يكن اللّه تعالـى ذكره دلّ علـى أن مراده من ذلك معنى دون معنى فـي عقل ولا خبر، كان معلوما أن معنى مراده من ذلك العموم. وإذ كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام ما وصفت مِنْ قَبْلُ من أنه: والذين هم فـي صلاتهم متذللّون للّه بإدامة ما ألزمهم من فرضه وعبـادته، وإذا تذلل للّه فـيها العبد رؤيت ذلة خضوعه فـي سكون أطرافه وشغله بفرضه وتركه ما أمر بتركه فـيها.

﴿ ٢