١٥

فأمّا الّذِينَ آمَنُوا بـاللّه ورسوله وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ يقول: وعملوا بـما أمرهم اللّه به، وانتهوا عما نهاهم عنه فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ يقول: فهم فـي الرياحين والنبـاتات الـملتفة، وبـين أنواع الزهر فـي الـجنان يسرون، ويـلذّذون بـالسماع وطيب العيش الهنـيّ. وإنـما خصّ جلّ ثناؤه ذكر الروضة فـي هذا الـموضع، لأنه لـم يكن عند الطرفـين أحسن منظرا، ولا أطيب نشرا من الرياض، ويدل علـى أن ذلك كذلك قول أعشى بنـي ثعلبة:

ما رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الـحُسْن مُعْشِبَةٌ خَضْرَاءُ جادَ عَلَـيْها مُسْبِلٌ هَطِلُ

يُضَاحكُ الشّمسَ منها كَوْكَبٌ شَرِقٌ مُؤَزّرٌ بعَمِيـمِ النّبْتِ مُكْتَهِلُ

يَوْما بأطْيَبَ مِنْها نَشْرَ رائحَةٍ وَلا بأحْسَنَ مِنْها إذ دنَا الأُصُلُ

فأعلـمهم بذلك تعالـى، أن الذين آمنوا وعملوا الصالـحات من الـمنظر الأنـيق، واللذيذ من الأرايـيح، والعيش الهنـيّ فـيـما يحبون، ويسرّون به، ويغبطون علـيه. والـحبرة عند العرب: السرور والغبطة قال العجاج:

فـالْـحَمْدُ للّه الّذِي أعْطَى الـحَبَرْمَوَالِـيَ الـحَقّ إنّ الـمَوْلـى شَكَرْ

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم فـي روضة يكرمون. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٤٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله فَهم فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: يكرمون.

وقال آخرون: معناه: ينعمون. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله يُحْبَرُون قال: ينعمون.

٢١٢٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: ينعمون.

وقال آخرون: يـلذذون بـالسماع والغناء. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٥١ـ حدثنـي مـحمد بن موسى الـحرسي، قال: ثنـي عامر بن يساف، قال: سألت يحيى بن أبـي كثـير، عن قول اللّه فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: الـحبرة: اللذة والسماع.

٢١٢٥٢ـ حدثنا عبـيد اللّه بن مـحمد الفريابـي، قال: حدثنا ضمرة بن ربـيعة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبـي كثـير فـي قوله يُحْبَرُونَ قال: السماع فـي الـجنة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبـي كثـير، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن عامر بن يِساف، عن يحيى بن أبـي كثـير، مثله.

وكل هذه الألفـاظ التـي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلـى معنى ما قلنا.

﴿ ١٥