٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّه بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ }. اختلف أهل التأويـل، فـي تأويـل قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيث فقال بعضهم: من يشتري الشراء الـمعروف بـالثمن، ورووا بذلك خبرا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ما: ٢١٣٥٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن خلاد الصفَـار، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لا يَحِلّ بَـيْعُ الـمُغَنّـياتِ، وَلا شِرَاؤُهُنّ، وَلا التّـجارَةُ فِـيهِنّ، وَلا أثمَانُهُنّ، وفـيهنّ نزلت هذه الاَية: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ) . حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن خَلاد الصفَـار، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه، إلاّ أنه قال: (أكْلُ ثَمَنِهِنّ حَرَامٌ) وقال أيضا: (وفِـيهِنّ أنْزَلَ اللّه علـيّ هَذِهِ الاَيَةَ: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه ) . حدثنـي عبـيد بن آدم بن أبـي إياس العسقلانـي، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا سلـيـمان بن حيان، عن عمرو بن قـيس الكلابـي، عن أبـي الـمهلّب، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة. قال: وثنا إسماعيـل بن عَياش، عن مُطَرّح بن يزيد، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن زيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة البـاهلـي، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لا يحلّ تَعْلِـيـمُ الـمُغَنّـياتِ، وَلا بَـيْعُهُنّ وَلا شِرَاؤُهُنّ، وثَمَنُهُنّ حَرامٌ، وقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذلكَ فِـي كِتابِ اللّه وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ إلـى آخر الاَية) . وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الـحديث ويستـحبه. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه بغَيْرِ عِلْـمٍ واللّه لعله أن لا ينفق فـيه مالاً، ولكن اشتراؤه استـحبـابه، بحسب الـمرء من الضلالة أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ، وما يضرّ علـى ما ينفع. ٢١٣٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا ابن شوذب، عن مطر، فـي قول اللّه وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: اشتراؤه: استـحبـابه. وأولـى التأويـلـين عندي بـالصواب تأويـل من قال: معناه: الشراء، الذي هو بـالثمن، وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه. فإن قال قائل: وكيف يشتري لهو الـحديث؟ قـيـل: يشتري ذات لهو الـحديث، أو ذا لهو الـحديث، فـيكون مشتريا لهو الـحديث. وأما الـحديث، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيه، فقال بعضهم: هو الغناء والاستـماع له. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٥٣ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يزيد بن يونس، عن أبـي صخر، عن أبـي معاوية البجلـي، عن سعيد بن جُبَـير، عن أبـي الصهبـاء البكري، أنه سمع عبد اللّه بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه بغَيْرِ عِلْـمٍ فقال عبد اللّه : الغناء، والذي لا إله إلاّ هو، يردّدها ثلاث مرّات. حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا حميد الـخراط، عن عمار، عن سعيد بن جُبَـير، عن أبـي الصهبـاء، أنه سأل ابن مسعود، عن قول اللّه وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. ٢١٣٥٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا علـيّ بن عابس، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغِناء. ٢١٣٥٥ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء وأشبـاهه. حدثنا ابن وكيع، والفضل بن الصبـاح، قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عباس ، فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء ونـحوه. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عباس ، مثله. حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، قال: حدثنا ابن أبـي لـيـلـى، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عباس ، قال: هو الغناء والاستـماع له، يعني قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ. ٢١٣٥٦ـ حدثنا الـحسن بن عبد الرحيـم، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا سفـيان، عن قابوس بن أبـي ظبـيان، عن أبـيه، عن جابر، فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء والاستـماع له. ٢١٣٥٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـحكم أو مقسم، عن مـجاهد ، عن ابن عباس قال: شراء الـمغنـية. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص والـمـحاربـي، عن لـيث، عن الـحكم، عن ابن عباس ، قال: الغناء. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه قال: بـاطل الـحديث: هو الغناء ونـحوه. ٢١٣٥٨ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حبـيب، عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد أنه قال فـي هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حبـيب عن مـجاهد قال: الغناء. قال: ثنا أبـي، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد ، مثله. ٢١٣٥٩ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن عبد الكريـم، عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء، وكلّ لعب لهو. حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي، قال: حدثنا علـيّ بن حفص الهمدانـي، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء والاستـماع له وكل لهو. ٢١٣٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الـمغنـي والـمغنـية بـالـمال الكثـير، أو استـماع إلـيه، أو إلـى مثله من البـاطل. حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية، عن لـيث، عن مـجاهد ، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء أو الغناء منه، أو الاستـماع له. ٢١٣٦١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثام بن علـيّ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرمة قال: لَهْوَ الـحَدِيثِ: الغناء. ٢١٣٦٢ـ حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهَبّـاريّ، قال: حدثنا عَثّام، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن شعيب بن يسار هكذا قال عكرمة، عن عبـيد مثله. حدثنا الـحسين بن الزبرقان النـخعي، قال: حدثنا أبو أسامة وعبـيد اللّه ، عن أسامة، عن عكرمة، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، قال: الغناء. وقال آخرون: عنى بـاللّه و: الطّبل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٦٣ـ حدثنـي عباس بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج الأعور، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: اللّه و: الطبل. وقال آخرون: عنى بلهو الـحديث: الشرك. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٦٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ يعني الشرك. ٢١٣٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه بغَيْرِ عِلْـمٍ، ويَتّـخِذها هُزُوا قال: هؤلاء أهل الكفر، ألا ترى إلـى قوله: وَإذا تُتْلَـى عَلَـيْهِ آياتُنا وَلّـى مُسْتَكْبِرا كأنْ لَـمْ يَسْمَعْها، كأنّ فِـي أُذُنَـيْهِ وَقْرا فلـيس هكذا أهل الإسلام، قال: وناس يقولون: هي فـيكم، ولـيس كذلك، قال: وهو الـحديث البـاطل الذي كانوا يَـلْغَون فـيه. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الـحديث ملهيا عن سبـيـل اللّه ، مـما نهى اللّه عن استـماعه أو رسولُه، لأن اللّه تعالـى عَمّ بقوله لَهْوَ الـحَدِيثِ ولـم يخصص بعضا دون بعض، فذلك علـى عمومه، حتـى يأتـي ما يدلّ علـى خصوصه، والغناء والشرك من ذلك. و قوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه يقول: لـيصدّ ذلك الذي يشتري من لهم الـحديث عن دين اللّه وطاعته، وما يقرّب إلـيه من قراءة قرآن، وذكر اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه قال: سبـيـل اللّه : قراءة القرآن، وذكر اللّه إذا ذكره، وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنـية. و قوله: بغَيْرِ عِلْـمٍ يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الـحديث، جهلاً منه بـما له فـي العاقبة عند اللّه من وزر ذلك وإثمه. وقوله وَيَتّـخِذَها هُزُوا اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وَيَتّـخِذُها) رفعا، عطفـا به علـى قوله: يَشْتَرِي كأن معناه عندهم: ومن الناس من يشتري لهو الـحديث، ويتـخذ آيات اللّه هزوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: وَيَتّـخِذَها نصبـا عطفـا علـى يضلّ، بـمعنى: لـيضلّ عن سبـيـل اللّه ، ولـيتـخذَها هُزُوا. والصواب من القول فـي ذلك: أنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار، متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء، فمصيب الصواب فـي قراءته، والهاء والألف فـي قوله: ويَتّـخِذَها من ذكر سبـيـل اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢١٣٧٥حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : وَيَتّـخِذَها هُزُوا قال: سبـيـل اللّه . وقال آخرون: بل ذلك من ذِكر آيات الكتاب. ٢١٣٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: بِحَسْب الـمرء من الضلالة، أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ، وما يضرّ علـى ما ينفع. ويَتّـخِذَها هُزُوا يستهزىء بها ويكذّب بها. وهما من أن يكونا من ذكر سبـيـل اللّه أشبه عندي لقربهما منها، وإن كان القول الاَخر غير بعيد من الصواب. واتـخاذه ذلك هُزُوا هو استهزاؤه به. و قوله: أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الـحديث لـيضلوا عن سبـيـل اللّه ، لهم يوم القـيامة عذاب مُذِلّ مخزٍ فـي نار جهنـم. |
﴿ ٦ ﴾