تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الأحزابمدنـيّة وآياتها ثلاث وسبعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا النبي اتّقِ اللّه وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّه كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : يا أيّها النبي اتّق اللّه بطاعته، وأداء فرائضه، وواجب حقوقه علـيك، والانتهاء عن مـحارمه، وانتهاك حدوده وَلا تُطِع الكافِرِينَ الذين يقولون لك: اطرد عنك أتبـاعك من ضعفـاء الـمؤمنـين بك حتـى نـجالسك وَالـمُنافِقِـينَ الذين يظهرون لك الإيـمان بـاللّه والنصيحة لك، وهم لا يألونك وأصحابك ودينك خبـالاً، فلا تقبل منهم رأيا، ولا تستشرهم مستنصحا بهم، فإنهم لك أعداء إنّ اللّه كانَ عَلِـيـما حَكِيـما يقول: إن اللّه ذو علـم بـما تضمره نفوسهم، وما الذي يقصدون فـي إظهارهم لك النصيحة، مع الذي ينطوون لك علـيه، حكيـم فـي تدبـير أمرك وأمر أصحابك ودينك، وغير ذلك من تدبـير جميع خـلقه. ٢وَاتّبِعْ ما يُوحَى إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ يقول: واعمل بـما ينزل اللّه علـيك من وحيه، وآي كتابه إنّ اللّه كانَ بـمَا تَعْمَلُونَ خَبِـيرا يقول: إن اللّه بـما تعمل به أنت وأصحابك من هذا القرآن، وغير ذلك من أموركم وأمور عبـاده خبـيرا أي ذا خبرة، لا يخفـى علـيه من ذلك شيء، وهو مـجازيكم علـى ذلك بـما وعدكم من الـجزاء. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: وَاتّبِعْ ما يُوحَى إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاتّبِعْ ما يُوحَى إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ أي هذا القرآن إنّ اللّه كانَ بِـمَا تَعْمَلُونَ خَبـيرا. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّه وَكَفَىَ بِاللّه وَكِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: وفوّض إلـى اللّه أمرك يا مـحمد، وثق به وكَفَـى بـاللّه وَكِيلاً يقول: وحسيك بـاللّه فـيـما يأمرك وكيلاً، وحفـيظا بك. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ...}. اختلف أهل التأويـل فـي الـمراد من قول اللّه ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـيْنِ فِـي جَوْفِهِ فقال بعضهم: عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفـاق، وصفوا نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأنه ذو قلبـين، فنفـى اللّه ذلك عن نبـيه، وكذّبهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٦٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا حفص بن نفـيـل، قال: حدثنا زهير بن معاوية، عن قابوس بن أبـي ظبـيان أن أبـاه حدثه، قال: قلنا لابن عباس : أرأيت قول اللّه ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـيْن فِـي جَوْفِه ما عنى بذلك؟ قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما فصلـى، فخطر خطرة فقال الـمنافقون الذين يصلون معه: إن له قلبـين، قلبـا معكم، وقلبـا معهم، فأنزل اللّه : ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـين فـي جَوْفِهِ. وقال آخرون: بل عنى بذلك: رجل من قريش كان يُدعى ذا القلبـين من دِهْيه. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٦٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس : ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـيْنِ فِـي جَوْفِهِ قال: كان رجل من قريش يسمى من دهيه ذا القلبـين، فأنزل اللّه هذا فـي شأنه. ٢١٥٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـين فِـي جَوْفِهِ قال: إن رجلاً من بنـي فهر، قال: إن فـي جوفـي قلبـين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل مـحمد (وكذب) . ٢١٥٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـيْنِ فِـي جَوْفِهِ قال قتادة : كان رجل علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسمى ذا القلبـين، فأنزل اللّه فـيه ما تسمعون. ٢١٥٧١ـ قال قتادة : وكان الـحسن يقول: كان رجل يقول لـي: نفس تأمرنـي، ونفس تنهانـي، فأنزل اللّه فـيه ما تسمعون. ٢١٥٧٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن عكرمة، قال: كان رجل يسمى ذا القلبـين، فنزلت ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـيْنِ فِـي جَوْفِه. وقال آخرون: بل عنى بذلك زيد بن حارثة من أجل أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان تبنّاه، فضرب اللّه بذلك مثلاً. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٧٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، فـي قوله: ما جَعَلَ اللّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـيْنِ فِـي جَوْفِهِ قال: بلغنا أن ذلك كان فـي زيد بن حارثة، ضرب له مثلاً يقول: لـيس ابن رجل آخر ابنك. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك تكذيب من اللّه تعالـى قول من قال لرجل فـي جوفه قلبـان يعقل بهما، علـى النـحو الذي رُوي عن ابن عباس وجائز أن يكون ذلك تكذيبـا من اللّه لـمن وصف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك، وأن يكون تكذيبـا لـمن سمى القرشيّ الذي ذُكر أنه سمي ذا القلبـين من دهيه، وأيّ الأمرين كان فهو نفـي من اللّه عن خـلقه من الرجال أن يكونوا بتلك الصفة. و قوله: وَما جَعَلَ أزْوَاجَكُمُ اللاّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنّ أمّهاتِكُمْ يقول تعالـى ذكره: ولـم يجعل اللّه أيها الرجال نساءكم اللائي تقولون لهنّ: أنتن علـينا كظهور أمهاتنا أمهاتكم، بل جعل ذلك من قـيـلكم كذبـا، وألزمكم عقوبة لكم كفّـارة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَما جَعَلَ أزْوَاجَكُمُ اللاّئي تُظاهِرُونَ مِنْهُنّ أُمّهاتِكُمْ: أي ما جعلها أمك فإذا ظاهر الرجل من امرأته، فإن اللّه لـم يجعلها أمه، ولكن جعل فـيها الكفّـارة. و قوله: وَما جَعَلَ أدعِياءَكُمْ أبْناءَكُمْ يقول: ولـم يجعل اللّه من ادّعيت أنه ابنك، وهو ابن غيرك ابنك بدعواك. وذُكر أن ذلك نزل علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل تبنـيه زيد بن حارثة. ذكر الرواية بذلك: ٢١٥٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أدْعِياءَكُمْ أبْناءَكُمْ قال: نزلت هذه الاَية فـي زيد بن حارثة. ٢١٥٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما جَعَلَ أدْعِياءَكُمْ أبْناءَكُمْ قال: كان زيد بن حارثة حين منّ اللّه ورسوله علـيه، يقال له: زيد بن مـحمد، كان تبنّاه، فقال اللّه : ما كانَ مُـحَمّدٌ أبـا أحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ قال: وهو يذكر الأزواج والأخت، فأخبره أن الأزواج لـم تكن بـالأمهات أمهاتكم، ولا أدعياءكم أبناءكم. ٢١٥٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما جَعَلَ أدْعِياءَكُمْ أبْناءَكُمْ وما جعل دعّيك ابنك، يقول: إذا ادّعى رجل رجلاً ولـيس بـابنه ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بأفْوَاهِكُمْ... الاَية. وذُكر لنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (من ادّعى إلـى غَير أبِـيهِ مُتَعَمّدا حَرّمَ اللّه عَلَـيْهِ الـجَنّةَ) . ٢١٥٧٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن أشعث، عن عامر، قال: لـيس فـي الأدعياء زيد. وقوله ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بأفْوَاهِكُمْ يقول تعالـى ذكره هذا القول وهو قول الرجل لامرأته: أنت علـيّ كظهر أمي، ودعاؤه من لـيس بـابنه أنه ابنه، إنـما هو قولكم بأفواهكم لا حقـيقة له، لا يثبت بهذه الدعوى نسب الذي ادّعيت بنوّته، ولا تصير الزوجة أمّا بقول الرجل لها: أنت علـيّ كظهر أمي وَاللّه يقُولُ الـحَقّ يقول: واللّه هو الصادق الذي يقول الـحقّ، وبقوله يثبت نسب من أثبت نسبه، وبه تكون الـمرأة للـمولود، أمّا إذا حكم بذلك وَهُوَ يَهْدِي السّبِـيـلَ يقول تعالـى ذكره: واللّه يبـين لعبـاده سبـيـل الـحقّ، ويرشدهم لطريق الرشاد. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ادْعُوهُمْ لاَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللّه فَإِن لّمْ تَعْلَمُوَاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدّينِ ...}. يقول اللّه تعالـى ذكره: انسبوا أدعياءكم الذين ألـحقتـم أنسابهم بكم لاَبـائهم. يقول لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ألـحق نسب زيد بأبـيه حارثة، ولا تدعه زيدا بن مـحمد. وقوله هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللّه يقول: دعاؤكم إياهم لاَبـائهم هو أعدل عند اللّه ، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبـائهم ونسبتكموهم إلـى من تبنّاهم وادّعاهم ولـيسوا له بنـين. كما: ٢١٥٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ادْعُوهُمْ لاَبـائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللّه : أي أعدل عند اللّه ، و قوله: فإنْ لَـمْ تَعْلـمُوا آبـاءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ فِـي الدّينِ وَمَوَالِـيكُمْ يقول تعالـى ذكره: فإن أنتـم أيها الناس لـم تعلـموا آبـاء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إلـيهم، ولـم تعرفوهم، فتلـحقوهم بهم، فإخوانكم فـي الدين يقول: فهم إخوانكم فـي الدين، إن كانوا من أهل ملّتكم، وموالـيكم إن كانوا مـحرّريكم ولـيسوا ببنـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ادْعُوهُمْ لاَبـائهمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللّه : أي أعدل عند اللّه فإنْ لَـمْ تَعْلَـمُوا آبـاءَهُمْ فإخْوَانَكُمْ فِـي الدّينِ وَمَوَالِـيكُمْ فإن لـم تعلـموا من أبوه فإنـما هو أخوك ومولاك. ٢١٥٨١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن عُيـينة بن عبد الرحمن، عن أبـيه، قال: قال أبو بكرة: قال اللّه ادْعُوهُمْ لاَبـائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللّه ، فإنْ لَـمْ تَعْلَـمُوا آبـاءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِـي الدّينِ وَمَوَالِـيكُمْ فأنا مـمن لا يُعرف أبوه، وأنا من إخوانكم فـي الدين، قال: قال أبـي: واللّه إنـي لأظنه لو علـم أن أبـاه كان حمّارا لانتـمى إلـيه. و قوله: وَلَـيْسَ عَلـيْكُمْ جُناحٌ فِـيـما أخْطأْتُـمْ بِهِ يقول: ولا حرج علـيكم ولا وزر فـي خطأ يكون منكم فـي نسبة بعض من تنسبونه إلـى أبـيه، وأنتـم ترونه ابن من ينسبونه إلـيه، وهو ابن لغيره وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ يقول: ولكن الإثم والـحرج علـيكم فـي نسبتكموه إلـى غير أبـيه، وأنتـم تعلـمونه ابن غير من تنسبونه إلـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ فِـيـما أخْطأْتُـمْ بِهِ يقول: إذا دعوت الرجل لغير أبـيه، وأنت ترى أنه كذلك وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ يقول اللّه : لا تدعه لغير أبـيه متعمدا. أما الـخطأ فلا يؤاخذكم اللّه به وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بِـمَا تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ. ٢١٥٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ قال: فـالعمد ما أتـى بعد البـيان والنهي فـي هذا وغيره. و (ما) التـي فـي قوله وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ خفض ردّا علـى (ما) التـي فـي قوله فِـيـما أخْطأْتُـمْ بِهِ وذلك أن معنى الكلام: لـيس علـيكم جناح فـيـما أخطأتـم به، ولكن فـيـما تعمدت قلوبكم. و قوله: وكانَ اللّه غَفُورا رَحِيـما يقول اللّه تعالـى ذكره: وكان اللّه ذا ستر علـى ذنب من ظاهر زوجته فقال البـاطل والزور من القول، وذنب من ادّعى ولد غيره ابنا له، إذا تابـا وراجعا أمر اللّه ، وانتهيا عن قـيـل البـاطل بعد أن نهاهما ربهما عنه ذا رحمة بهما أن يعاقبهما علـى ذلك بعد توبتهما من خطيئتهما. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {النبي أَوْلَىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ ...}. يقول تعالـى ذكره: النبي مـحمد أولـى بـالـمؤمنـين، يقول: أحقّ بـالـمؤمنـين به من أنفسهم، أن يحكم فـيهم بـما يشاء من حكم، فـيجوز ذلك علـيهم. كما: ٢١٥٨٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد النبي أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ كما أنت أولـى بعبدك ما قضى فـيهم من أمر جاز، كما كلـما قضيت علـى عبدك جاز. ٢١٥٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد النبي أولـى بـالـمُؤْمِنـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ قال: هو أب لهم. ٢١٥٨٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا فلـيح، عن هلال بن علـيّ، عن عبد الرحمن بن أبـي عمرة، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ما مِنْ مُؤْمِنٍ إلاّ وأنا أوْلَـى النّاسِ بِهِ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُـمْ النبي أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وأيّـمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَعَصَبَتِهِ مَنْ كانُوا، وَإنْ تَرَكَ دَيْنا أوْ ضِياعا فَلْـيأْتِنـي وأنا مَوْلاهُ) . ٢١٥٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسن بن علـيّ، عن أبـي موسى إسرائيـل بن موسى، قال: قرأ الـحسن هذه الاَية النبي أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهمْ، وأزْوَاجُهُ أمّهاتُهُمْ قال: قال الـحسن: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (أنا أوْلَـى بكُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِه) قال الـحسن: وفـي القراءة الأولـى: (أوْلَـى بـالـمُؤْمنـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، وَهُوَ أبٌ لَهُمْ) . ٢١٥٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال فـي بعض القراءة: (النبي أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ) وذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أيّـمَا رَجُلٍ تَرَكَ ضِياعا فَأنا أوْلَـى بِهِ، وَإنْ تَرَكَ مالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ) . و قوله: وأزْوَاجُهُ أمّهاتُهُمْ يقول: وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم علـيهم، فـي أنهن يحرم علـيهن نكاحهن من بعد وفـاته، كما يحرمُ علـيهم نكاح أمهاتهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة النبي أولَـى بـالـمُؤْمِنـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ يعظّم بذلك حقهنّ، وفـي بعض القراءة: (وَهُوَ أبٌ لَهُمْ) . ٢١٥٩٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ مـحرّمات علـيهم. و قوله: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَـى بِبَعْضٍ فِـي كِتابِ اللّه مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُهاجِرِينَ يقول تعالـى ذكره: وأولوا الأرحام الذين وَرّثْتُ بعضهم من بعض، هم أولـى بـميراث بعض من الـمؤمنـين والـمهاجرين أن يرث بعضهم بعضا، بـالهجرة والإيـمان دون الرحم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَـى ببَعْضٍ فِـي كِتابِ اللّه مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ والـمُهاجرِينَ لبث الـمسلـمون زمانا يتوارثون بـالهجرة، والأعرابـيّ الـمسلـم لا يرث من الـمهاجرين شيئا، فأنزل اللّه هذه الاَية، فخـلط الـمؤمنـين بعضهم ببعض، فصارت الـمواريث بـالـملل. ٢١٥٩٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَـى بِبَعْضٍ فِـي كِتابِ اللّه مِنَ الـمُؤْمِنـينَ والـمُهاجِرِينَ إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم قد آخَى بـين الـمهاجرين والأنصار أوّل ما كانت الهجرة، وكانوا يتوارثون علـى ذلك، وقال اللّه وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِـيَ مـمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْربُونَ والّذِينَ عَقَدَتْ أيـمَانُكُمْ، فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قال: إذا لـم يأت رحم لهذا يحول دونهم، قال: فكان هذا أوّلاً، فقال اللّه : إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائكُمْ مَعْرُوفـا يقول: إلاّ أن تُوصُوا لهم كانَ ذلكَ فِـي الكِتابِ مَسْطُورا أنّ أولـي الأرحام بعضهم أولـى ببعض فـي كتاب اللّه ، قال: وكان الـمؤمنون والـمهاجرون لا يتوارثون إن كانوا أولـي رحم، حتـى يهاجروا إلـى الـمدينة، وقرأ قال اللّه : وَالّذِينَ آمَنُوا ولَـمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهمْ مِنْ شَيْءٍ حتـى يُهاجِرُوا... إلـى قوله وَفَسادٌ كَبِـيرٌ، فكانوا لا يتوارثون، حتـى إذا كان عام الفتـح، انقطعت الهجرة، وكثر الإسلام، وكان لا يُقْبل من أحد أن يكون علـى الذي كان علـيه النبي ومن معه إلاّ أن يهاجر قال: وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـمن بَعَث: (اغْدُوا عَلـى اسْمِ اللّه لا تَغُلّوا وَلا تُوَلّوا، ادْعُوهُمْ إلـى الإسْلامِ، فإنْ أجابُوكُمْ فـاقْبَلُوا وَادْعُوهُمْ إلـى الهِجْرَةِ، فإنْ هاجَرُوا مَعَكُمْ، فَلَهُمْ ما لَكُمْ، وَعَلَـيْهِمْ ما عَلَـيْكُمْ، فإنْ أبَوْا ولَـمْ يُهاجِرُوا وَاخْتارُوا دَارَهُمْ فَأقِرّوهُمْ فِـيها، فَهُمْ كالأعْرابِ تَـجْرِي عَلَـيْهمْ أحْكامُ الإسْلامِ، ولَـيْسَ لَهُمْ فِـي هَذَا الفَـيْءِ نَصِيبٌ) . قال: فلـما جاء الفتـح، وانقطعت الهجرة، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْـحِ) وكثر الإسلام، وتوارث الناس علـى الأرحام حيث كانوا، ونسخ ذلك الذي كان بـين الـمؤمنـين والـمهاجرين، وكان لهم فـي الفـيء نصيب، وإن أقاموا وأبَوا، وكان حقهم فـي الإسلام واحد، الـمهاجر وغير الـمهاجر والبدوي وكلّ أحد، حين جاء الفتـح. فمعنى الكلام علـى هذا التأويـل: وأولوا الأرحام بعضهم أولـى ببعض من الـمؤمنـين والـمهاجرين ببعضهم أن يرثوهم بـالهِجرة، وقد يحتـمل ظاهر هذا الكلام أن يكون من صلة الأرحام من الـمؤمنـين والـمهاجرين، أوْلـى بـالـميراث، مـمن لـم يؤمن، ولـم يهاجر. و قوله: إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله، فقال بعضهم: معنى ذلك: إلاّ أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل الإيـمان والهجرة. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٩٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن حجّاج، عن سالـم، عن ابن الـحنفـية إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا قالوا: يوصي لقرابته من أهل الشرك. ٢١٥٩٤ـ قال: ثنا عبدة، قال: قرأت علـى ابن أبـي عروبة، عن قتادة إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا قال: للقرابة من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا قال: إلـى أولـيائكم من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم. ٢١٥٩٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري ويحيى بن آدم، عن ابن الـمبـارك، عن معمر، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن عكرِمة إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا قال: وصية. ٢١٥٩٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مـحمد بن عمرو، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما قوله إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا فقال: العطاء، فقلت له: الـمؤمن للكافر بـينهما قرابة؟ قال: نعم عطاؤه إياه حبـاء ووصية له. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلاّ أن تـمسكوا بـالـمعروف بـينكم بحقّ الإيـمان والهجرة والـحلف، فتؤتونهم حقهم من النصرة والعقل عنهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا قال: حلفـاؤكم الذين والـى بـينهم النبي صلى اللّه عليه وسلم من الـمهاجرين والأنصار، إمساك بـالـمعروف والعقل والنصر بـينهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن توصوا إلـى أولـيائكم من الـمهاجرين وصية. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلـى أوْلِـيائِكُمْ مَعْرُوفـا يقول: إلاّ أن توصوا لهم. وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال: معنى ذلك إلاّ أن تفعلوا إلـى أولـيائكم الذين كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آخَى بـينهم وبـينكم من الـمهاجرين والأنصار، معروفـا من الوصية لهم، والنصرة والعقل عنهم، وما أشبه ذلك، لأن كلّ ذلك من الـمعروف الذي قد حثّ اللّه علـيه عبـاده. وإنـما اخترت هذا القول، وقلت: هو أولـى بـالصواب من قـيـل من قال: عنى بذلك الوصية للقرابة من أهل الشرك، لأن القريب من الـمشرك، وإن كان ذا نسب فلـيس بـالـمولـى، وذلك أن الشرك يقطع ولاية ما بـين الـمؤمن والـمشرك، وقد نهى اللّه الـمؤمنـين أن يتـخذوا منهم ولـيا ب قوله: لا تَتّـخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أوْلِـياءَ وغير جائز أن ينهاهم عن اتـخاذهم أولـياء، ثم يصفهم جل ثناؤه بأنهم لهم أولـياء. وموضع (أن) من قوله إلاّ أنْ تَفْعَلُوا نصب علـى الاستثناء. ومعنى الكلام: وأولوا الأرحام بعضهم أولـى ببعض فـي كتاب اللّه من الـمؤمنـين والـمهاجرين، إلاّ أن تفعلوا إلـى أولـيائكم الذين لـيسوا بأولِـي أرحام منكم معروفـا. و قوله: كانَ ذلكَ فِـي الكِتابِ مَسْطُورا يقول: كان أولوا الأرحام بعضهم أولـى ببعض فـي كتاب اللّه : أي فـي اللوح الـمـحفوظ مسطورا أي مكتوبـا، كما قال الراجز: (فـي الصّحُفِ الأُولـى التـي كانَ سَطَرْ ) وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٥٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله كانَ ذلكَ فِـي الكِتابِ مَسْطُورا: أي أن أولـي الأرحام بعضهم أولـى ببعض فـي كتاب اللّه . وقال آخرون: معنى ذلك: كان ذلك فـي الكتاب مسطورا: لا يرث الـمشرك الـمؤمن. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبي يْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقاً غَلِيظاً }. يقول تعالـى ذكره: كان ذلك فـي الكتاب مسطورا، إذ كتبنا كلّ ما هو كائن فـي الكتاب وَإذْ أخَذْنا مِنَ النبي ـينَ مِيثاقَهُمْ كان ذلك أيضا فـي الكتاب مسطورا، و يعني بـالـميثاق: العهد، وقد بـيّنا ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل. وَمِنْكَ يا مـحمد وَمِنْ نُوحِ وإبْرَاهِيـم وَمُوسَى وَعِيسَى ابنِ مَرْيَـمَ، وأخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقا غَلِـيظا يقول: وأخذنا من جميعهم عهدا مؤكدا أن يصدّق بعضهم بعضا. كما: ٢١٦٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإذْ أخَذْنا مِنَ النبي ـينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ قال: وذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (كُنْتُ أوّلَ الأَنْبِـياءِ فِـي الـخَـلْقِ، وآخِرَهُمْ فِـي البَعْثِ) ، وَإبْرَاهِيـمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ، وأخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقا غَلِـيظا ميثاق أخذه اللّه علـى النبي ـين، خصوصا أن يصدّق بعضهم بعضا، وأن يتبع بعضهم بعضا. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: كان قتادة إذا تلا هذه الاَية وَإذْ أخَذْنا مِنَ النبي ـينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ قال: كان نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي أوّل النبي ـين فـي الـخـلق. ٢١٦٠١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه مِنَ النبي ـينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ قال: فـي ظهر آدم. ٢١٦٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وأخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقا غَلِـيظا قال: الـميثاق الغلـيظ: العهد. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّيَسْأَلَ الصّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً }. يقول تعالـى ذكره: أخذنا من هؤلاء الأنبـياء ميثاقهم كيـما أسأل الـمرسلـين عما أجابتهم به أمـمهم، وما فعل قومهم فـيـما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة. وبنـحو قولنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن لـيث، عن مـجاهد لِـيَسْأَلَ الصّادقِـينَ عَنْ صِدْقِهِمْ قال: الـمبلغين الـمؤدّين من الرسل. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد لِـيَسْألَ الصّادقِـينَ عَنْ صدْقِهِمْ قال: الـمبلغين الـمؤدّين من الرسل. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أُسامة، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد لِـيَسْأَلَ الصّادقِـينَ عَنْ صِدْقِهِمْ قال: الرسل الـمؤدّين الـمبلغين. و قوله: وأعَدّ للكافِرِينَ عَذَابـا ألِـيـما يقول: وأعدّ للكافرين بـاللّه من الأمـم عذابـا موجعا. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ ...}. يقول تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ التـي أنعمها علـى جماعتكم وذلك حين حوصر الـمسلـمون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيام الـخندق إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ: جنود الأحزاب: قُريش، وغَطفـان، ويهود بنـي النضير فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ رِيحا وهي فـيـما ذكر: ريح الصّبـا. كما: ٢١٦٠٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرِمة، قال: قالتِ الـجنوبُ للشمال لـيـلة الأحزاب: انطلقـي ننصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال الشمال: إن الـحرّة لا تسري بـاللـيـل، قال: فكانت الريح التـي أُرسلت علـيهم الصّبـا. ٢١٦٠٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو عامر، قال: ثنـي الزبـير، يعني ابن عبد اللّه ، قال: ثنـي ربـيح بن أبـي سعيد، عن أبـيه، عن أبـي سعيد، قال: قلنا يوم الـخندق: يا رسول اللّه بلغت القلوب الـحناجر، فهل من شيء تقوله؟ قال: (نَعَمْ قُولُوا: اللّه مّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وآمِنْ روْعاتِنا) ، فَضَرَبَ اللّه وُجُوهَ أعْدائهِ بـالرّيحِ، فهَزَمَهُمُ اللّه بـالرّيحِ. ٢١٦٠٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي عبد اللّه بن عمرو، عن نافع، عن عبد اللّه ، قال: أرسلنـي خالـي عثمان بن مظعون لـيـلة الـخندق فـي برد شديد وريح، إلـى الـمدينة، فقال: ائتنا بطعام ولـحاف قال: فـاستأذنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأذن لـي وقال: (مَنْ لَقِـيتَ مِنْ أصحَابِـي فَمُرْهُم يَرْجِعُوا) . قال: فذهبت والريح تَسْفِـي كل شيء، فجعلت لا ألقـى أحدا إلاّ أمرته بـالرجوع إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: فما يَـلْوِي أحد منهم عنقه قال: وكان معي تُرْس لـي، فكانت الريح تضربه علـيّ، وكان فـيه حديد، قال: فضربته الريح حتـى وقع بعض ذلك الـحديد علـى كفـي، فأنفذها إلـى الأرض. ٢١٦٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة: قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن مـحمد بن كعب القُرَظِيّ، قال: قال فتـى من أهل الكوفة لـحُذَيفة بن الـيـمان: يا أبـا عبد اللّه ، رأيتـم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصحبتـموه؟ قال: نعم يا بن أخي، قال: فكيف كنتـم تصنعون؟ قال: واللّه لقد كنا نَـجْهَد، قال الفتـى: واللّه لو أدركناه ما تركناه يـمشيء علـى الأرض، لـحملناه علـى أعناقنا. قال حُذَيفة: يا بن أخي، واللّه لقد رأيتُنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـخندق، وصلـى رسول اللّه هَوِيّا من اللـيـل، ثم التفت إلـينا فقال: (من رجل يقوم فـينظر لنا ما فعل القوم؟ يشرط له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن يرجع أدخـله اللّه الـجنة) ، فما قام أحد، ثم صلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هَوِيا من اللـيـل، ثم التفت إلـينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هَوِيا من اللـيـل، ثم التفت إلـينا فقال: (مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَـيَنْظُرُ لَنا ما فَعَلَ القَوْمُ ثُمّ يَرْجِعُ، يَشْتَرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّه صَلـى اللّه علـيهِ وسلم الرّجْعَةَ، أسأَلُ اللّه أنْ يكُونَ رَفِـيقـي فِـي الـجَنّةِ) فما قام رجل من شدّة الـخوف، وشدّة الـجوع، وشدّة البرد فلـما لـم يقم أحد، دعانـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلـم يكن لـي بدّ من القـيام حين دعانـي، فقال: (يا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فـادْخُـلْ فِـي القَوْمِ فـانْظُرْ ما يَفْعَلونَ، وَلا تُـحْدِثَنّ شَيْئا حتـى تَأْتِـينَا) . قال: فذهبت فدخـلت فـي القوم، والريح وجنود اللّه تفعل بهم ما تفعل، لا تُقِرّ لهم قِدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سُفـيان فقال: يا معشر قريش، لـينظر امرؤ من جلـيسه، فقال حُذَيفة: فأخذت بـيد الرجل الذي إلـى جنبـي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان ثم قال أبو سفـيان: يا معشر قريش، إنكم واللّه ما أصبحتـم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والـخفّ، واختلفت بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقـينا من هذه الريح ما ترون، واللّه ما يطمئنّ لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستـمسك لنا بناء، فـارتـحلوا فإنـي مرتـحل. ثم قام إلـى جمله وهو معقول، فجلس علـيه، ثم ضربه فوثب به علـى ثلاث، فما أطلق عقاله إلاّ وهو قائم. ولولا عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـيّ أن (لا تُـحدث شيئا حتـى تأتـينـي) ، لو شئت لقتلته بسهم قال حُذَيفة: فرجعت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو قائم يصلـي فـي مرط لبعض نسائه فلـما رآنـي أدخـلنـي بـين رجلـيه، وطرح علـيّ طرَف الـمِرط، ثم ركع وسجد وإنـي لفـيه فلـما سلـم أخبرته الـخبر، وسمعت غَطفـان بـما فعلت قريش، فـانشمروا راجعين إلـى بلادهم. ٢١٦٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ قال: الأحزاب: عيـينة بن بدر، وأبو سفـيان، وقريظة. و قوله: فَأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ رِيحا قال: ريح الصبـا أرسلت علـى الأحزاب يوم الـخندق، حتـى كفأت قدورهم علـى أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتـى أظعنتهم. و قوله: وَجُنُودا لَـمْ تَرَوْها قال: الـملائكة ولـم تقاتل يومئذ. ٢١٦٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله يا أيها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ، إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فأرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ رِيحا وَجُنُودا لَـمْ تَرَوْها قال: يعني الـملائكة، قال: نزلت هذه الاَية يوم الأحزاب وقد حصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شهرا فخندق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأقبل أبو سفـيان بقريش ومن تبعه من الناس، حتـى نزلوا بعقوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأقبل عُيـينة بن حصن، أحد بنـي بدر ومن تبعه من الناس حتـى نزلوا بعقوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكاتبت الـيهود أبـا سفـيان وظاهروه، فقال حيث يقول اللّه تعالـى: إذْ جاءوُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أسْفَلَ مِنْكُمْ فبعث اللّه علـيهم الرعب والريح، فذكر لنا أنهم كانوا كلـما أوقدوا نارا أطفأها اللّه ، حتـى لقد ذكر لنا أن سيد كلّ حيّ يقول: يا بنـي فلان هلـمّ إلـيّ، حتـى إذا اجتـمعوا عنده فقال: النـجاء النـجاء، أتـيتـم لـما بعث اللّه علـيهم من الرعب. ٢١٦١٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نَعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ... الاَية، قال: كان يوم أبـي سفـيان يوم الأحزاب. ٢١٦١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان، فـي قول اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِم رِيحا وَجُنُودا لَـمْ تَرَوْها والـجنود قريش وغطفـان وبنو قريظة، وكانت الـجنود التـي أرسل اللّه علـيهم مع الريح: الـملائكة. و قوله: وكانَ اللّه بِـمَا تَعْملُونَ بَصِيرا يقول تعالـى ذكره: وكان اللّه بأعمالكم يومئذٍ، وذلك صبرهم علـى ما كانوا فـيه من الـجَهْد والشدّة، وثَبـاتهم لعَدُوّهم، وغير ذلك من أعمالهم، بصيرا لا يخفـى علـيه من ذلك شيء، يُحصيه علـيهم، لـيجزيَهُمْ علـيه. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ جَآءُوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ ...}. يقول تعالـى ذكره: وكان اللّه بـما تعملون بَصِيرا، إذ جاءتكم جنودُ الأحزاب من فوقِكم، ومن أسفلَ منكم. و قـيـل: إن الذين أتَوْهم من أسفل منهم، أبو سفـيان فـي قريش ومن معه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦١٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ قال عيـينة بن بدر فـي أهل نـجد، ومن أسفل منكم، قال: أبو سفـيان. قال: وواجَهَتْهم قُرَيظة. ٢١٦١٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة: ذكرت يوم الـخندق وقرأت: إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ، وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الـحَناجِرَ قالت: هو يوم الـخندق. ٢١٦١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلَـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن رُومان مولـى آل الزبـير، عن عُروة بن الزبـير، وعمن لاأتهم، عن عُبـيد اللّه بن كعب بن مالك، وعن الزّهريّ، وعن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد اللّه بن أبـي بكر بن مـحمد بن عمرو بن حزم، وعن مـحمد بن كعب القُرَظيّ، وعن غيرهم من علـمائنا: أنه كان من حديث الـخندق، أن نَفَرا من الـيهود، منهم سلام بن أبـي الـحُقَـيق النّضَريّ، وحُيـيّ بن أخطب النّضَري، وكِنانة بن الرّبـيع بن أبـي الـحُقَـيق النضريّ، وهَوْذَة بن قـيس الوائلـيّ، وأبو عمار الوائلـيّ، فـي نفر من بنـي النضير، ونفر من بنـي وائل، وهم الذين حَزّبوا الأحزاب علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، خرجوا حتـى قدِموا مكة علـى قريش، فدعَوْهم إلـى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقالوا: إنا سنكون معكم علـيه، حتـى نستأصلَه. فقال لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأوّل، والعلـم بـما أصبحنا نـختلف فـيه نـحن ومـحمد، أَفَدِيننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتـم أولـى بـالـحقّ منه. قال: فهم الذين أنزل اللّه فـيهم: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبـا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بـالـجِبْتِ والطّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِـيلاً... إلـى قوله: وكَفَـى بِجَهَنّـمَ سَعِيرا فلـما قالوا ذلك لقريش، سرّهم ما قالوا، ونشطوا لـما دعوهم له من حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فـاجتـمعوا لذلك، واتعدوا له. ثم خرج أولئك النفر من الـيهود، حتـى جاءوا غطفـان من قـيس عيلان، فدعوهم إلـى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم علـيه، وأن قريشا قد تابعوهم علـى ذلك، فـاجتـمعوا فـيه، فأجابوهم فخرجت قريش وقائدها أبو سفـيان بن حرب، وخرجت غطفـان وقائدها عيـينة بن حصن بن حُذَيفة بن بدر فـي بنـي فزارة، والـحارث بن عوف بن أبـي حارثة الـمري فـي بنـي مرّة، ومسْعر بن رخيـلة بن نُوَيرة بن طريف بن سحمة بن عبداللّه بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفـان، فـيـمن تابعه من قومه من أشجع فلـما سمع بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبـما اجتـمعوا له من الأمر ضرب الـخندق علـى الـمدينة فلـما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الـخندق، أقبلت قريش حتـى نزلت بـمـجتـمع الأسيال من رومة بـين الـجرف والغابة فـي عشرة آلاف من أحابـيشهم، ومن تابعهم من بنـي كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطَفـان ومن تابعهم من أهل نـجد، حتـى نزلوا بذنب نَقَمَى إلـى جانب أحد، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمسلـمون حتـى جعلوا ظهورهم إلـى سَلْع فـي ثلاثة آلاف من الـمسلـمين، فضرب هنالك عسكره، والـخندق بـينه وبـين القوم، وأمر بـالذّراري والنساء، فرفعوا فـي الاَطام، وخرج عدوّ اللّه حيـي بن أخطب النضري، حتـى أتـى كعب بن أسد القرظيّ، صاحب عقد بنـي قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى قومه، وعاهده علـى ذلك وعاقده، فلـما سمع كعب بحيـيّ بن أخطب، أغلق دونه حصنه، فـاستأذن علـيه، فأبى أن يفتـح له، فناداه حيـيّ: يا كعب افتـح لـي، قال: ويحك يا حيـيّ، إنك امرؤ مشؤوم، إنـي قد عاهدت مـحمدا، فلست بناقض ما بـينـي وبـينه، ولـم أر منه إلاّ وفـاء وصدقا قال: ويحك افتـح لـي أكلـمك، قال: ما أنا بفـاعل. قال: واللّه إن أغلقت دونـي إلاّ تـخوّفت علـى جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرجل، ففتـح له، فقال: يا كعب جئتك بعزّ الدهر، وببحر طمّ، جئتك بقريش علـى قاداتها وساداتها، حتـى أنزلتهم بـمـجتـمع الأسيال من رُومَة، وبغطَفـان علـى قاداتها وساداتها حتـى أنزلتهم بذنب نَقَمَى إلـى جانب أُحد، قد عاهدونـي وعاقدونـي أن لا يبرحوا حتـى يستأصلوا مـحمدا ومن معه، فقال له كعب بن أسد: جئتنـي واللّه بذلّ الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، يرعد ويبرق، لـيس فـيه شيء، فدعنـي ومـحمدا وما أنا علـيه، فلـم أر من مـحمد إلاّ صدقا ووفـاء فلـم يزل حيـيّ بكعب يفتله فـي الذروة والغارب حتـى سمـح له علـى أن أعطاهم عهدا من اللّه وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفـان ولـم يصيبوا مـحمدا أن أدخـل معك فـي حصنك حتـى يصيبنـي ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبرىء مـما كان علـيه، فـيـما بـينه وبـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلـما انتهى إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـخبر، وإلـى الـمسلـمين، بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القـيس، أحد بنـي الأشهل، وهو يومئذٍ سيد الأوس، وسعد بن عبـادة بن ديـلـم أخي بنـي ساعدة بن كعب بن الـخزرج، وهو يومئذٍ سيد الـخزرج، ومعهما عبد اللّه بن رواحة أخو بلـحرث بن الـخزرج، وخوات بن جبـير أخو بنـي عمرو بن عوف، فقال: انطلقوا حتـى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟، فإن كان حقا فـالـحنوا لـي لـحنا أعرفه، ولا تفتوا فـي أعضاد الناس، وإن كانوا علـى الوفـاء فـيـما بـيننا وبـينهم، فـاجهروا به للناس. فخرجوا حتـى أتوهم، فوجدوهم علـى أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقالوا: لا عهد بـيننا وبـين مـحمد ولا عقد، فشاتـمهم سعد بن عبـادة وشاتـموه، وكان رجلاً فـيه حدّة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتـمتهم، فما بـيننا وبـينهم أربى من الـمشاتـمة. ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فسلـموا علـيه، ثم قالوا: عضل والقارة: أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحاب الرجيع خبـيب بن عديّ وأصحابه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اللّه أكبر، أبشروا يا معشر الـمسلـمين) ، وعظم عند ذلك البلاء، واشتدّ الـخوف، وأتاهم عدوّهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتـى ظنّ الـمسلـمون كلّ ظنّ، ونـجم النفـاق من بعض الـمنافقـين، حتـى قال معتب بن قشير أخو بنـي عمرو بن عوف: كان مـحمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقـيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلـى الغائط، وحتـى قال أوس بن قـيظي أحد بنـي حارثة بن الـحارث: يا رسول اللّه إن بـيوتنا لعورة من العدوّ، وذلك عن ملإ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلـى دارنا، وإنها خارجة من الـمدينة، فأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضعا وعشرين لـيـلة قريبـا من شهر، ولـم يكن بـين القوم حرب إلاّ الرمي بـالنبل والـحصار. ٢١٦١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان، قوله إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أسْفَلَ مِنْكُمْ فـالذين جاءوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم: قريش وغطفـان. و قوله: وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ يقول: وحين عدلت الأبصار عن مقرّها، وشخصت طامـحة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ: شخصت. و قوله: وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الـحَناجِرَ يقول: نبت القلوب عن أماكنها من الرعب والـخوف، فبلغت إلـى الـحناجر. كما: ٢١٦١٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرِمة: وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الـحَناجِرَ قال: من الفزع. و قوله: وَتَظُنّونَ بـاللّه الظّنُونا يقول: وتظنون بـاللّه الظنونَ الكاذبة، وذلك كظنّ من ظنّ منهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يُغلب، وأن ما وعده اللّه من النصر أن لا يكون، ونـحو ذلك من ظنونهم الكاذبة التـي ظنها من ظنّ مـمن كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي عسكره. ٢١٦١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا هوذة بن خـلـيفة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن وَتَظُنّونَ بـاللّه الظّنُونا قال: ظنونا مختلفة: ظنّ الـمنافقون أن مـحمدا وأصحابه يُستأصلون، وأيقن الـمؤمنون أن ما وعدهم اللّه حقّ، أنه سيظهره علـى الدين كله ولو كره الـمشركون. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَتَظُنّونَ بـاللّه الظّنُونا فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة، وبعض الكوفـيـين: الظّنَونا بإثبـات الألف، وكذلك وأطَعْنا الرّسُولا فأضَلّونا السّبِـيلا فـي الوصل والوقـف وكان اعتلال الـمعتلّ فـي ذلك لهم، أن ذلك فـي كل مصاحف الـمسلـمين بإثبـات الألف فـي هذه الأحرف كلها. وكان بعض قرّاء الكوفة يثبت الألف فـيهنّ فـي الوقـف، ويحذفها فـي الوصل اعتلالاً بأن العرب تفعل ذلك فـي قوافـي الشعر ومصاريعها، فتلـحق الألف فـي موضع الفتـح للوقوف، ولا تفعل ذلك فـي حشو الأبـيات، فإن هذه الأحرف، حسُن فـيها إثبـات الألفـات، لأنهنّ رؤوس الاَي تـمثـيلاً لها بـالقوافـي. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة والكوفة بحذف الألف من جميعه فـي الوقـف والوصل، اعتلالاً بأن ذلك غير موجود فـي كلام العرب إلاّ فـي قوافـي الشعر دون غيرها من كلامهم، وأنها إنـما تفعل ذلك فـي القوافـي طلبـا لإتـمام وزن الشعر، إذ لو لـم تفعل ذلك فـيها لـم يصحّ الشعر، ولـيس ذلك كذلك فـي القرآن، لأنه لا شيء يضطرهم إلـى ذلك فـي القرآن، وقالوا: هنّ مع ذلك فـي مصحف عبد اللّه بغير ألف. وأولـى القرَاءات فـي ذلك عندي بـالصواب، قراءة من قرأه بحذف الألف فـي الوصل والوقـف، لأن ذلك هو الكلام الـمعروف من كلام العرب، مع شهرة القراءة بذلك فـي قرّاء الـمصرين: الكوفة، والبصرة ثم القراءة بإثبـات الألف فـيهنّ فـي حالة الوقـف والوصل، لأن علة من أثبت ذلك فـي حال الوقـف أنه كذلك فـي خطوط مصاحف الـمسلـمين. وإذا كانت العلة فـي إثبـات الألف فـي بعض الأحوال كونه مثبتا فـي مصاحف الـمسلـمين، فـالواجب أن تكون القراءة فـي كل الأحوال ثابتة، لأنه مثبت فـي مصاحفهم. وغير جائز أن تكون العلة التـي توجب قراءة ذلك علـى وجه من الوجوه فـي بعض الأحوال موجودة فـي حال أخرى، والقراءة مختلفة، ولـيس ذلك لقوافـي الشعر بنظير، لأن قوافـي الشعر إنـما تلـحق فـيها الألفـات فـي مواضع الفتـح، والـياء فـي مواضع الكسر، والواو فـي مواضع الضمّ طلبـا لتتـمة الوزن، وأن ذلك لو لـم يفعل كذلك بطل أن يكون شعرا لاستـحالته عن وزنه، ولا شيء يضطرّ تالـي القرآن إلـى فعل ذلك فـي القرآن. ١١و قوله: هُنالكَ ابْتُلِـيَ الـمُؤْمِنُونَ يقول: عند ذلك اختبر إيـمان الـمؤمنـين، ومـحّص القوم وعرف الـمؤمن من الـمنافق. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦١٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله هُنالكَ ابْتُلِـيَ الـمُؤْمِنُونَ قال: مـحصوا. و قوله: وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدا يقول: وحرّكوا بـالفتنة تـحريكا شديدا، وابتلوا وفتنوا. ١٢و قوله: وَإذْ يقُولُ الـمُنافِقونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شَكّ فـي الإيـمان، وضعف فـي اعتقادهم إياه: ما وعدنا اللّه ورسوله إلاّ غُرورا، وذلك فـيـما ذُكِر قولُ معتّب بن قُشَير. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٢٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رُومان وَإذْ يَقُولُ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا يقول: مُعَتّب بن قُشَير، إذ قال ما قال يوم الـخندق. ٢١٦٢١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله وَإذْ يَقُولُ الـمنافقون والّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: تكلّـمهم بـالنفـاق يومئذٍ، وتَكَلّـمَ الـمؤمنون بـالـحقّ والإيـمان، قالوا: هذا ما وعدنا اللّه ورسوله. ٢١٦٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَإذْ يَقولُ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا قال: قال ذلك أُناس من الـمنافقـين: قد كان مـحمد يعدُنا فتـح فـارس والروم، وقد حُصِرنا هاهنا، حتـى ما يستطيع أحدُنا أن يبرُز لـحاجته ما وعدنا اللّه ورسوله إلاّ غرورا. ٢١٦٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: قال رجل يوم الأحزاب لرجل من صحابة النبي صلى اللّه عليه وسلم : يا فلان أرأيت إذ يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إذَا هَلَكَ قَـيْصَرُ فَلا قَـيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ لَتُنْفَقَنّ كُنُوزُهُما فِـي سَبِـيـلِ اللّه ) . فأينَ هذا من هذا، وأحدُنا لا يستطيع أن يخرج يبول من الـخوف؟ ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا. فقال له: كذبت، لأُخْبِرَنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبرك، قال: فأَتـى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبره، فدعاه فقال: (ما قلت؟) فقال: كذبَ علـيّ يا رسول اللّه ، ما قلت شيئا، ما خرج هذا من فمي قطّ قال اللّه : يَحْلِفُونَ بـاللّه ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِـمَةَ الكُفْرِ... حتـى بلغ وَما لَهُمْ فـي الأَرْضِ مِنْ وَلِـيّ وَلا نَصِيرٍ قال: (فهذا قول اللّه : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً.) ٢١٦٢٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة، قال: حدثنا كثـير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف الـمُزَنـيّ، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، قال: خطّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـخندق عام ذُكِرت الأحزاب، من أحمر الشيخين، طرف بنـي حارثة، حتـى بلغ الـمَذَاد، ثم جعل أربعين ذراعا بـين كلّ عشرة، فـاختلف الـمهاجرون والأنصار فـي سَلْـمان الفـارسيّ، وكان رجلاً قويّا، فقال الأنصار: سَلْـمان منا، وقال الـمهاجرون: سلـمان منا، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (سَلْـمانُ مِنّا أهْلَ البَـيْتِ) . قال عمرو بن عوف: فكنت أنا وسلم انُ وحُذَيفةُ بن الـيـمان والنّعمانُ بن مُقَرّن الـمُزَنـيّ، وستةٌ من الأنصار، فـي أربعين ذراعا، فحفَرنا تـحت دوبـار حتـى بلغنا الصّرَى، أخرج اللّه من بطن الـخندق صخرة بـيضاء مروة، فكسرت حديدنا، وشَقّت علـينا، فقلنا: يا سلـمان، ارْقَ إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، فإن الـمعدل قريب، وإما أن يأمرنا فـيها بأمره، فإنا لا نـحبّ أن نـجاوز خَطّه. فرقـي سَلـمان حتـى أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ضارب علـيه قُبةً تركية، فقال: يا رسول اللّه بأبـينا أنت وأمنا، خرجت صخرة بـيضاء من بطن الـخندق، مَرْوَة، فكسرت حديدنا، وشقّت علـينا، حتـى ما يجيء منها قلـيـل ولا كثـير، فمرنا فـيها بأمرك، فإنا لا نـحبّ أن نـجاوز خَطّك. فهبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع سلـمان فـي الـخندق، ورَقِـينا نـحن التسعة علـى شَفَة الـخندق، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمِعْول من سَلـمان، فضرب الصخرة ضربة صَدَعها، وبَرَقت منها بَرْقة أضاءت ما بـين لابتـيها، يعني : لابتـي الـمدينة، حتـى لكأن مصبـاحا فـي جوف بـيت مظلـم، فكّبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تكبـير فتـح، وكبر الـمسلـمون. ثم ضربها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الثانـية، فصَدَعها وبَرَقت منها بَرْقة أضاءت ما بـين لابتـيها، حتـى لكأن مصبـاحا فـي جوف بـيت مظلـم، فكبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تكبـير فتـح، وكبر الـمسلـمون، ثم ضربها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الثالثة، فكسرها، وبَرَقَت منها بَرْقة أضاءت ما بـين لابتـيها، حتـى لكأن مصبـاحا فـي جوف بـيت مظلـم، فكبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تكبـير فتـح، ثم أخذ بـيد سَلْـمانَ فَرِقـي، فقال سلـمان: بأبـي أنت وأمي يا رسول اللّه ، لقد رأيت شيئا ما رأيته قطّ، فـالتفت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى القوم، فقال: (هَلْ رأيْتُـمْ ما يقُولُ سَلْـمانُ؟) قَالُوا: نعم يا رسول اللّه ، بأبـينا أنت وأمنا وقد رأيناك تضرب، فـيخرج بَرْق كالـموجِ، فرأيناك تكبّر فنكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، قال: (صَدَقْتُـمْ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِـي الأُولـى، فبَرَقَ الّذِي رأيتُـمْ، أضَاءَ لـي مِنْهُ قُصُورُ الْـحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كسْرَى، كأنّها أنْـيابُ الكِلابِ، فأخْبَرَنِـي جَبْرَائِيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ أنّ أُمّتِـي ظاهِرَةٌ عَلَـيْها، ثُمّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِـي الثّانِـيَةَ، فبَرَقَ الّذِي رأيْتُـمْ، أضَاءَ لـي مِنْهُ قُصُورُ الـحُمْرِ مِنْ أرْضِ الرّومِ، كأنّها أنْـيابُ الكِلابِ، وأخْبَرَنِـي جَبْرائِيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ أنّ أُمّتِـي ظاهِرَةٌ عَلَـيْها، ثُمّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِـي الثّالِثَةَ، وَبَرَقَ مِنْها الّذِي رأيْتُـمْ، أضَاءَتْ لـي مِنْها قُصُورُ صَنْعاءَ، كأنّها أنْـيابُ الكِلابِ، وأخْبَرَنِـي جَبْرَائِيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ أنّ أُمّتِـي ظاهِرَةٌ عَلَـيْها، فأَبْشِرُوا، يُبَلّغْهُمُ النصْرُ، وأبْشِرُوا، يُبَلّغُهُمُ النّصْرُ، وأبْشِرُوا يُبَلّغُهُمُ النّصْرُ) . فـاستبشر الـمسلـمون، وقالوا: الـحمد للّه موعود صدق، بأن وعَدَنا النصر بعد الـحَصْر، فطَبّقت الأحزاب، فقال الـمسلـمون هَذا ما وَعَدَنا اللّه وَرَسولُهُ... الاَية، وقال الـمنافقون: ألا تعجبون.؟ يُحَدّثكم ويـمنـيكم ويَعِدكم البـاطل، يُخْبركم أنه يبصر من يثربَ قصور الـحِيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتُـح لكم، وأنتـم تـحفرون الـخندق من الفَرَق، ولا تستطيعون أن تَبْرزُوا؟ وأُنزل القرآن: وَإذْ يَقُولُ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَت طّآئِفَةٌ مّنْهُمْ يَأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ...}. يعني تعالـى ذكره ب قوله: وَإذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ وإذ قال بعضهم: يا أهل يثرب، ويثرب: اسم أرض، فـيقال: إن مدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي ناحية من يثرب. و قوله: (لا مَقامَ لَكُمْ فـارْجِعُوا) بفتـح الـميـم من مقام. يقول: لا مكان لكم، تقومون فـيه، كما قال الشاعر: فأيّـيّ ما وأَيّكَ كانَ شَرّافَقـيدَ إلـى الـمَقامَةِ لا يَرَاها قوله فـارْجِعُوا يقول: فـارجعوا إلـى منازلكم أمرهم بـالهرب من عسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والفرار منه، وترك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . و قـيـل: إن ذلك من قـيـل أوس بن قـيظي ومن وافقه علـى رأيه. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٢٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد، بن رومان وَإذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أهْلَ يَثْرِبِ... إلـى فِرَارا يقول: أوس بن قـيظي، ومن كان علـى ذلك من رأيه من قومه. والقراءة علـى فتـح الـميـم من قوله: (لا مَقامَ لَكُمْ) بـمعنى: لا موضع قـيام لكم، وهي القراءة التـي لا أستـجيز القراءة بخلافها، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها. وذُكر عن أبـي عبد الرحمن السلـمي أنه قرأ ذلك: لا مُقامَ لَكُمْ بضم الـميـم، يعني : لا إقامة لكم. و قوله: وَيَسْتأذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النبي يَقُولُونَ إنّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ يقول تعالـى ذكره: ويستأذن بعضهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الإذن بـالانصراف عنه إلـى منزله، ولكنه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٢٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَيَسْتأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النبي ... إلـى قوله إلاّ فِرَارا قال: هم بنو حارثة، قالوا: بـيوتنا مخـلـية نـخشى علـيها السرق. ٢١٦٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إنّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ قال: نـخشى علـيها السرق. ٢١٦٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَيَسْتأذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النبي يَقُولُونَ إنّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بعَوْرَةٍ وإنها مـما يـلـي العدوّ، وإنا نـخاف علـيها السرّاق، فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلا يجد بها عدوّا، قال اللّه : إنْ يُرِيدُونَ إلاّ فِرَارا يقول: إنـما كان قولهم ذلك إنّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ إنـما كان يريدون بذلك الفرار. ٢١٦٢٩ـ حدثنا مـحمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن حمران، قال: حدثنا عبد السلام بن شدّاد أبو طالوت عن أبـيه فـي هذه الاَية إنّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ، وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ قال: ضائعة. ١٤و قوله: وَلَوْ دُخِـلَتْ عَلَـيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول: ولو دخـلت الـمدينة علـى هؤلاء القائلـين إنّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ من أقطارها، يعني : من جوانبها ونواحيها، واحدها: قطر، وفـيها لغة أخرى: قُتر، وأقتار ومنه قول الراجز: إنْ شِئْتَ أنْ تدهن أو تـمرافَوَلّهِنّ قُتْرَكَ الأشَرّا و قوله: ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ يقول: ثم سئلوا الرجوع من الإيـمان إلـى الشرك لاَتَوْها يقول: لفعلوا ورجعوا عن الإسلام وأشركوا. و قوله: وَما تَلَبّثُوا بها إلاّ يَسِيرا يقول: وما احتبسوا عن إجابتهم إلـى الشرك إلاّ يسيرا قلـيلاً، ولأسرعوا إلـى ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَوْ دُخِـلَتْ عَلَـيْهِمْ مِنْ أقْطارها أي لو دخـل علـيهم من نواحي الـمدينة ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ: أي الشرك لاَتَوْها يقول: لأعطوها، وَما تَلَبّثُوا بِها إلاّ يَسِيرا يقول: إلاّ أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه. ٢١٦٣١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَلَوْ دُخِـلَتْ عَلَـيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول: لو دخـلت الـمدينة علـيهم من نواحيها ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لاَتَوْها سئلوا أن يكفروا لكفروا قال: وهؤلاء الـمنافقون لو دخـلت علـيهم الـجيوش، والذين يريدون قتالهم ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا قال: والفتنة: الكفر، وهي التـي يقول اللّه الفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْلِ أي الكفر يقول: يحملهم الـخوف منهم، وخبث الفتنة التـي هم علـيها من النفـاق علـى أن يكفروا به. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لاَتَوْها فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة وبعض قرّاء مكة: (لاَءَتَوْها) بقصر الألف، بـمعنى جاءوها. وقرأه بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة: لاَتَوْها بـمدّ الألف، بـمعنى: لأعطوها، ل قوله: ثم سئلوا الفتنة وقالوا: إذا كان سؤال كان إعطاء، والـمدّ أعجب القراءتـين إلـيّ لـما ذكرت، وإن كانت الأخرى جائزة. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللّه مِن قَبْلُ لاَ يُوَلّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللّه مَسْئُولاً }. يقول تعالـى ذكره: ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الانصراف عنه، ويقولون إن بـيوتنا عورة، عاهدوا اللّه من قبل ذلك، إن لا يولوا عدوّهم الأدبـار، إن لقولهم فـي مشهد لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معهم، فما أوفوا بعهدهم وكانَ عَهْد اللّه مَسْئُولاً يقول: فـيسأل اللّه ذلك من أعطاه إياه من نفسه. وذُكر أن ذلك نزل فـي بنـي حارثة لـما كان من فعلهم فـي الـخندق بعد الذي كان منهم بأُحد. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّه مِنْ قَبْلُ لا يُوَلّونَ الأَدْبـارَ، وكانَ عَهْدُ اللّه مَسْئُولاً وهم بنو حارثة، وهم الذين همّوا أن يفشلوا يوم أُحد مع بنـي سلـمة حين همّا بـالفشل يوم أُحد، ثم عاهدوا اللّه لا يعودون لـمثلها، فذكر اللّه لهم الذي أعطوه من أنفسهم. ٢١٦٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّه مِنْ قَبْلُ لا يُوَلّونَ الأدْبـارَ وكانَ عَهْدُ اللّه مَسْئُولاً قال: كان ناس غابوا عن وقعة بدر، ورأوا ما أعطى اللّه أصحاب بدر من الكرامة والفضيـلة، فقالوا: لئن أشهدنا اللّه قتالاً لنقاتلنّ، فساق اللّه ذلك إلـيهم حتـى كان فـي ناحية الـمدينة. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لاّ تُمَتّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لهؤلاء الذين يستأذنوك فـي الانصراف عنك ويقولون إن بـيوتنا عورة: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الفِرَارُ إنْ فَرَرْتُـمْ مِنَ الـمَوْتِ أوِ القَتْل يقول: لأن ذلك، أو ما كتب اللّه منهما واصل إلـيكم بكل حال، كرهتـم أو أحببتـم. وإذا لا تُـمَتّعُونَ إلاّ قَلِـيلاً يقول: وإذا فررتـم من الـموت أو القتل لـم يزد فراركم ذلك فـي أعماركم وآجالكم، بل إنـما تـمتعون فـي هذه الدنـيا إلـى الوقت الذي كتب لكم، ثم يأتـيكم ما كتب لكم وعلـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الفِرَارُ إنْ فَرَرْتُـمْ منَ الـمَوْتِ أوِ القَتْلِ، وَإذا لا تُـمَتّعُونَ إلاّ قَلِـيلاً وإنـما الدنـيا كلها قلـيـل. ٢١٦٣٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن منصور، عن أبـي رزين، عن ربـيع بن خيثم وَإذا لا تُـمَتّعُونَ إلاّ قَلِـيلاً قال: إلـى آجالهم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن أبـي رزين، عن ربـيع بن خيثم وَإذا لا تُـمَتّعُونَ إلاّ قَلِـيلاً قال: ما بـينهم وبـين الأجل. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن الأعمش، عن أبـي رزين، عن الربـيع بن خيثم مثله، إلاّ أنه قال: ما بـينهم وبـين آجالهم. ٢١٦٣٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبـي رزين، أنه قال فـي هذه الاَية فَلْـيَضْحَكُوا قَلـيلاً وَلْـيَبْكوا كَثِـيرا قال: لـيضحكوا فـي الدنـيا قلـيلاً، ولـيبكوا فـي النار كثـيرا. وقال فـي هذه الاَية: وَإذا لا تُـمَتّعُونَ إلاّ قَلِـيلاً قال: إلـى آجالهم. أحد هذين الـحديثـين رفعه إلـى ربـيع بن خيثم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن الأعمش، عن أبـي رزين، عن الربـيع بن خيثم وَإذَا لا تُـمَتّعُونَ إلاّ قَلِـيلاً قال: الأجل. ورفع قوله تُـمَتّعُونَ ولـم ينصب بإذن للواو التـي معها، وذلك أنه إذا كان قبلها واو، كان معنى (إذا) التأخير بعد الفعل، كأنه قـيـل: ولو فرّوا لا يـمتّعون إلاّ قلـيلاً إذا، وقد يُنصب بها أحيانا، وإن كان معها واو، لأن الفعل متروك، فكأنها لأوّل الكلام. ١٧وقوله قُلْ مَنْ ذَا الّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّه إنْ أرَادَ بِكُمْ سُوءا أوْ أرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لهؤلاء الذين يستأذنونك ويقولون: إن بـيوتنا عورة هربـا من القتل: من ذا الذي يـمنعكم من اللّه إن هو أراد بكم سوءا فـي أنفسكم، من قتل أو بلاء أو غير ذلك، أو عافـية وسلامة؟ وهل ما يكون بكم فـي أنفسكم من سوء أو رحمة إلاّ من قِبَله؟ كما: ٢١٦٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان قُلْ مَنْ ذَا الّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّه إنْ أرَادَ بِكُمْ سُوءا أوْ أرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي أنه لـيس الأمر إلاّ ما قضيت. و قوله: وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّه وَلِـيّا وَلا نَصِيرا يقول تعالـى ذكره: ولا يجد هؤلاء الـمنافقون إن أراد اللّه بهم سوءا فـي أنفسهم وأموالهم من دون اللّه ولـيا يـلـيهم بـالكفـاية ولا نصيرا ينصرهم من اللّه فـيدفع عنهم ما أراد اللّه بهم من سوء ذلك. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَدْ يَعْلَمُ اللّه الْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: قد يعلـم اللّه الذين يعوّقون الناس منكم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيصدّونهم عنه، وعن شهود الـحرب معه، نفـاقا منهم، وتـخذيلاً عن الإسلام وأهله والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمّ إلَـيْنا: أي تعالوا إلـينا، ودعوا مـحمدا، فلا تشهدوا معه مشهده، فإنا نـخاف علـيكم الهلاك بهلاكه. وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِـيلاً يقول: ولا يشهدون الـحرب والقتال إن شهدوا إلاّ تعذيرا، ودفعا عن أنفسهم الـمؤمنـين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ قال: هؤلاء ناس من الـمنافقـين كانوا يقولون لإخوانهم: ما مـحمد وأصحابه إلاّ أكلة رأس، ولو كانوا لـحما لالتهمهم أبو سفـيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك. و قوله: وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِـيلاً: أي لا يشهدون القتال، يغيبون عنه. ٢١٦٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا يزيد بن رومان قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ: أي أهل النفـاق وَالقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمّ إلَـيْنا، وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِـيلاً: أي إلاّ دفعا وتعذيرا. ٢١٦٤٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ، والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ... إلـى آخر الاَية، قال: هذا يوم الأحزاب، انصرف رجل من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فوجد أخاه بـين يديه شواء ورغيف ونبـيذ، فقال له: أنت ههنا فـي الشواء والرغيف والنبي ذ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـين الرماح والسيوف؟ فقال: هلـمّ إلـى هذا، فقد بلغ بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها مـحمد أبدا، فقال: كذبت والذي يحلف به قال، وكان أخاه من أبـيه وأمّه: أما واللّه لأخبرنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم أمرك قال: وذهب إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـيخبره قال: فوجده قد نزل جبرائيـل علـيه السلام بخبره قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الـمُعَوّقِـين مِنْكُمْ والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمّ إلَـيْنا، وَلا يَأْتُون البأْسَ قَلِـيلاً. ١٩وقوله أشِحّةً عَلَـيْكُمْ اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف اللّه به هؤلاء الـمنافقـين، فـي هذا الـموضع من الشحّ، فقال بعضهم: وصفهم بـالشّحّ علـيهم فـي الغنـيـمة. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤١ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أشِحّةً عَلَـيْكُمْ فـي الغنـيـمة. وقال آخرون: بل وصفهم بـالشحّ علـيهم بـالـخير. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أشِحّةً عَلَـيْكُمْ قال: بـالـخير، الـمنافقون. وقال غيره: معناه: أشحة علـيكم بـالنفقة علـى ضعفـاء الـمؤمنـين منكم. والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن اللّه وصف هؤلاء الـمنافقـين بـالـجبن والشّحّ، ولـم يخصُص وصفهم من معانـي الشحّ، بـمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم اللّه به أشحة علـى الـمؤمنـين بـالغنـيـمة والـخير والنفقة فـي سبـيـل اللّه ، علـى أهل مسكنة الـمسلـمين. ونصب قوله أشِحّةً عَلَـيْكُمْ علـى الـحال من ذكر الاسم الذي فـي قوله وَلا يأْتُونَ البأْسَ، كأنه قـيـل: هم جبناء عند البأس، أشحاء عند قَسْم الغنـيـمة، بـالغنـيـمة. وقد يحتـمل أن يكون قَطْعا من قوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ فـيكون تأويـله: قد يعلـم اللّه الذين يعوّقون الناس علـى القتال، ويَشِحّون عند الفتـح بـالغنـيـمة. ويجوز أن يكون أيضا قَطْعا من قوله: هلـم إلـينا أشحة، وهم هكذا أشحة. ووصفهم جل ثناؤه بـما وصفهم من الشحّ علـى الـمؤمنـين، لِـما فـي أنفسهم لهم من العداوة والضّغْن. كما: ٢١٦٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رُومان أشِحّةً عَلَـيْكُمْ أي للضّغْن الذي فـي أنفسهم. و قوله: فإذَا جاءَ الـخَوْفُ... إلـى قوله مِنَ الـمَوْتِ يقول تعالـى ذكره: فإذا حضر البأُس، وجاء القتال، خافوا الهلاك والقَتْل، رأيتهم يا مـحمد ينظرون إلـيك لِواذا بك، تَدُور أعينهم، خوفـا من القتل، وفرارا منه. كالّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ مِنَ الـمَوْتِ يقول: كدَوَران عين الذي يُغْشَى علـيه من الـموت النازل به فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ يقول: فإذا انقطعت الـحربُ واطمأنوا سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فإذَا جاءَ الـخَوْفُ رأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ من الـخوف. ٢١٦٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان فإذَا جاءَ الـخَوْفُ رأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كالّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ منَ الـمَوْتِ: أي إعظاما وفَرقا منه. وأما قوله سَلَقُوكُمْ بألْسنَةٍ حِدادٍ. فإنه يقول: عَضّوكم بألسنة ذَرِبة. ويقال للرجل الـخطيب الذّرِب اللسان: خطيب مِسْلَق ومِصْلَق، وخطيب سَلاّق وصَلاّق. وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف تعالـى ذكره هؤلاء الـمنافقـين أنهم يَسْلُقون الـمؤمنـين به، فقال بعضهم: ذلك سَلْقُهم إياهم عند الغنـيـمة، بـمسألتهم القَسْمَ لهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ أما عند الغنـيـمة، فأشحّ قوم، وأسوأ مُقاسَمَة: أعطُونا أعطُونا، فإنا قد شِهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للـحقّ. وقال آخرون: بل ذلك سَلْقُهُمْ إياهم بـالأذَى. ذكر ذلك عن ابن عباس : ٢١٦٤٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله سَلَقُوكُم بألْسِنَةٍ حِدادٍ قال: استقبلوكم. ٢١٦٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ قال: كَلّـموكم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم يَسْلُقونهم من القول بـما تُـحبون، نفـاقا منهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رُومان فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدَادٍ فـي القول بـما تـحبون، لأنهم لا يرجون آخرة، ولا تَـحمُلهم حِسْبة، فهم يهابون الـموت هيبة من لا يرجو ما بعده. وأشبه هذه الأقوال بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل قول من قال سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدَادٍ أشِحّةً عَلـى الـخَيْرِ فأخبر أن سَلْقَهُمْ الـمسلـمين شُحَا منهم علـى الغنـيـمة والـخير، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أن ذلك لطلب الغنـيـمة. وإذا كان ذلك منهم لطلب الغنـيـمة، دخـل فـي ذلك قول من قال: معنى ذلك: سَلَقوكم بـالأذى، لأن فعلهم ذلك كذلك، لا شكّ أنه للـمؤمنـين أذى. و قوله: أشِحّةً عَلـى الـخَيْرِ يقول: أشحّة علـى الغنـيـمة، إذا ظفر الـمؤمنون. و قوله: لَـمْ يُؤْمنُوا فأحُبَطَ اللّه أعمالَهُمْ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفتُ لك صفتهم فـي هذه الاَيات، لـم يصدّقوا اللّه ورسوله، ولكنهم أهل كفر ونِفـاق. فأحبط اللّه أعمالهم يقول: فأذهب اللّه أجورَ أعمالهم وأبطلَها. وذُكر أن الذي وُصِفَ بهذه الصفة كان بَدْريّا، فأحبط اللّه عمله. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٥٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَأَحْبَطَ اللّه أعمالَهُمْ وكانَ ذلكَ علـى اللّه يَسِيرا قال: فحدثنـي أبـي أنه كان بدريا، وأن قوله: أحْبَطَ اللّه أعمالَهُمْ: أحبط اللّه عمله يوم بدر. و قوله: وكانَ ذلكَ علـى اللّه يَسِيرا يقول تعالـى ذكره: وكان إحبـاط عملهم الذي كانوا عملوا قبل ارتدادهم ونفـاقهم علـى اللّه يسيرا. ٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدّواْ ...}. يقول تعالـى ذكره: يحسب هؤلاء الـمنافقون الأحزاب، وهم قريش وغطفـان. كما: ٢١٦٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان يَحْسَبُونَ الأحْزَابُ لَـمْ يَذْهَبُوا قريش وغطفـان. و قوله: لَـمْ يَذْهَبُوا يقول: لـم ينصرفوا، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهَلعا منهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَـمْ يَذْهَبُوا قال: يحسبونهم قريبـا. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا، فإذَا وَجَدُوهُمْ لَـمْ يَذْهَبُوا وَدّوا لَوْ أنّهُمْ بـادُونَ فِـي الأعْرَابِ) . و قوله: وَإنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدّوا لَوْ أنهُمْ بـادُونَ فِـي الأعْرابِ يقول تعالـى ذكره: وإن يأت الـمؤمنـين الأحزاب وهم الـجماعة: واحدهم حزب يَوَدّوا يقول: يتـمنوا من الـخوف والـجبن أنهم غيب عنكم فـي البـادية مع الأعراب خوفـا من القتل. وذلك أن قوله: لَوْ أنّهُمْ بـادُونَ فِـي الأعْرَابِ تقول: قد بدا فلان إذا صار فـي البدو فهو يبدو، وهو بـاد وأما الأعراب: فإنهم جمع أعرابـيّ، وواحد العرب عربـيّ، وإنـما قـيـل أعرابـيّ لأهل البدو، فرقا بـين أهل البوادي والأمصار، فجعل الأعراب لأهل البـادية، والعرب لأهل الـمصر. و قوله: يَسأَلُونَ عَنْ أنْبـائِكُمْ يقول: يستـخبر هؤلاء الـمنافقون أيها الـمؤمنون الناس عن أنبـائكم، يعني عن أخبـاركم بـالبـادية، هل هلك مـحمد وأصحابه؟ نقول: يتـمنون أن يسمعوا أخبـاركم بهلاككم، أن لا يشهدوا معكم مشاهدكم. وَلَوْ كانُوا فِـيكُمْ ما قاتَلُوا إلاّ قَلِـيلاً يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين: ولو كانوا أيضا فـيكم ما نفعوكم، وما قاتلوا الـمشركين إلاّ قلـيلاً. يقول: إلاّ تعذيرا، لأنهم لا يقاتلونهم حسبة ولا رجاء ثواب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٥٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله يَسألَونَ عَنْ أنْبـائِكُمْ قال: أخبـاركم. وقرأت قرّاء الأمصار جميعا سوى عاصم الـجحدري: يَسأَلُونَ عَنْ أنْبـائِكُمْ بـمعنى: يسألون من قدم علـيهم من الناس عن أنبـاء عسكركم وأخبـاركم، وذكر عن عاصم الـجحدري أنه كان يقرأ ذلك: (يَسّاءَلونَ) بتشديد السين، بـمعنى: يتساءلون: أي يسأل بعضهم بعضا عن ذلك. والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّه وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّه كَثِيراً }. اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: أُسْوَةٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: (إسْوَةٌ) بكسر الألف، خلا عاصم بن أبـي النـجود، فإنه قرأه بـالضمّ: أُسْوَةٌ. وكان يحيى بن وثاب يقرأ هذه بـالكسر، ويقرأ قوله لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِـيهِمْ أُسْوَةٌ بـالضمّ، وهما لغتان. وذُكر أن الكسر فـي أهل الـحجاز، والضمّ فـي قـيس. يقولون: أُسوة، وأُخوة. وهذا عتاب من اللّه للـمتـخـلفـين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعسكره بـالـمدينة، من الـمؤمنـين به. يقول لهم جلّ ثناؤه: لقد كان لكم فـي رسول اللّه أسوة حسنة، أن تتأسوا به، وتكونوا معه حيث كان، ولا تتـخـلّفوا عنه. لِـمَنْ كانَ يَرْجُو اللّه يقول: فإن من يرجو ثواب اللّه ورحمته فـي الاَخرة لا يرغب بنفسه، ولكنه تكون له به أُسوة فـي أن يكون معه حيث يكون هو. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٥٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان، قال: ثم أقبل علـى الـمؤمنـين، فقال لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِـي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لـمَنْ كانَ يَرْجُو اللّه وَالـيَومَ الاَخِرَ أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ولا عن مكان هو به. وَذَكَرَ اللّه كَثِـيرا يقول: وأكثر ذكر اللّه فـي الـخوف والشدّة والرخاء. ٢٢و قوله: ولَـمّا رأى الـمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ يقول: ولـمّا عاين الـمؤمنون بـاللّه ورسوله جماعات الكفـار قالوا تسلـيـما منهم لأمر اللّه ، وإيقانا منهم بأن ذلك إنـجاز وعده لهم، الذي وعدهم بقوله أمْ حَسِبْتُـمْ أنْ تَدْخُـلُوا الـجَنّةَ ولَـمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ... إلـى قوله قَرِيبٌ هذا ما وعدنا اللّه ورسوله، وصدق اللّه ورسوله، فأحسن اللّه علـيهم بذلك من يقـينهم، وتسلـيـمهم لأمره الثناء، فقال: وما زادهم اجتـماع الأحزاب علـيهم إلاّ إيـمانا بـاللّه وتسلـيـما لقضائه وأمره، ورزقهم به النصر والظفر علـى الأعداء. وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: ولَـمّا رأى الـمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ... الاَية قال: ذلك أن اللّه قال لهم فـي سورة البقرة أمْ حَسِبْتُـمْ أنْ تَدْخُـلُوا الـجَنّةَ... إلـى قوله إنّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ قال: فلـما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب فـي الـخندق، تأوّل الـمؤمنون ذلك، ولـم يزدهم ذلك إلاّ إيـمانا وتسلـيـما. ٢١٦٥٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان، قال: ثم ذكر الـمؤمنـين وصدقهم وتصديقهم بـما وعدهم اللّه من البلاء يختبرهم به قالُوا هَذَا ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّه وَرَسُولُهُ وَما زَادَهُمْ إلاّ إيـمانا وَتَسْلِـيـما: أي صبرا علـى البلاء، وتسلـيـما للقضاء، وتصديقا بتـحقـيق ما كان اللّه وعدهم ورسوله. ٢١٦٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ولَـمّا رأى الـمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قالُوا هَذَا ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّه وَرَسُولُهُ وكان اللّه قد وعدهم فـي سورة البقرة فقال: أمْ حَسِبْتُـمْ أنْ تَدْخُـلُوا الـجَنّةَ ولَـمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسّتْهُمْ البأْساءُ والضّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حتـى يَقُولَ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ خيرهم وأصبرهم وأعلـمهم بـاللّه مَتـى نَصْرُ اللّه ألا إنّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ هذا واللّه البلاء والنقص الشديد، وإن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـما رأوا ما أصابهم من الشدّة والبلاء قالُوا هَذَا ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّه وَرَسُولُهُ وَما زَادَهُمْ إلاّ إيـمَانا وَتَسْلِـيـما وتصديقا بـما وعدهم اللّه ، وتسلـيـما لقضاء اللّه . ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللّه عَلَيْهِ ...}. يقول تعالـى ذكره مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ بـاللّه ورسوله رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَـيْه يقول: أوفوا بـما عاهدوه علـيه من الصبر علـى البأساء والضرّاء، وحين البأس فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره اللّه وأوجبه له علـى نفسه، فـاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أُحد، وبعض فـي غير ذلك من الـمواطن وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم علـى الوفـاء للّه بعهده، والنصر من اللّه ، والظفر علـى عدوّه. والنّـحب: النذر فـي كلام العرب. وللنـحب أيضا فـي كلامهم وجوه غير ذلك، منها الـموت، كما قال الشاعر: (قَضَى نَـحْبَهُ فِـي مُلْتَقَـى القَوْمِ هَوْبَرُ ) يعني : منـيته ونفسه ومنها الـخطر العظيـم، كما قال جرير: بِطَخْفَةَ جالَدْنا الـمُلُوكَ وَخَيْـلُنَاعَشِيّةَ بِسْطامٍ جَرَيْنَ عَلـى نَـحْبِ أي علـى خطر عظيـم ومنها النـحيب، يقال: نـحب فـي سيره يومه أجمع: إذا مدّ فلـم ينزل يومه ولـيـلته ومنها التنـحيب، وهو الـخطار، كما قال الشاعر: وإذْ نَـحّبَتْ كَلْبٌ علـى النّاس أيّهُمْأحَقّ بِتاجِ الـمَاجِدِ الـمُتَكَوّم؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان مِنَ الـمُؤْمِنـينَ رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَـيْهِ: أي وفوا اللّه بـما عاهدوه علـيه فمنهم من قَضَى نَـحْبَهُ أي فرغ من عمله، ورجع إلـى ربه، كمن استشهد يوم بدر ويوم أُحد ومنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ما وعد اللّه من نصره والشهادة علـى ما مضى علـيه أصحابه. ٢١٦٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ قال: عهده فقتل أو عاش وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يوما فـيه جهاد، فـيقضي نـحبه عهده، فـيقتل أو يصدق فـي لقائه. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن ابن جريج، عن مـجاهد فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ قال: عهده وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ قال: يوما فـيه قتال، فـيصدق فـي اللقاء. قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن مـجاهد فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ قال: مات علـى العهد. ٢١٦٦٠ـ قال: ثنا أبو أُسامة، عن عبد اللّه بن فلان قد سماه ذهب عنى اسمه عن أبـيه فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ قال: نذره. ٢١٦٦١ـ حدثنا ابن إدريس، عن طلـحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلـحة: أن أعرابـيا أتـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فسأله: من الذين قضوا نـحبهم؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ودخـل طلـحة من بـاب الـمسجد وعلـيه ثوبـان أخضران، فقال: (هَذَا مِنَ الّذِينَ قَضَوْا نَـحْبَهُمْ) . ٢١٦٦٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوّذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، قوله فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ قال: موته علـى الصدق والوفـاء. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الـموت علـى مثل ذلك، ومنهم من بدّل تبديلاً. حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سعيد بن مسروق، عن مـجاهد فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ قال: النـحب: العهد. ٢١٦٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا اللّه عَلَـيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ علـى الصدق والوفـاء وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ من نفسه الصدق والوفـاء. ٢١٦٦٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ قال: مات علـى ما هو علـيه من التصديق والإيـمان وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ذلك. ٢١٦٦٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي بكير، قال شريك بن عبد اللّه ، أخبرناه عن سالـم، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ قال: الـموت علـى ما عاهد اللّه علـيه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الـموت علـى ما عاهد اللّه علـيه. و قـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي قوم لـم يشهدوا بدرا، فعاهدوا اللّه أن يفوا قتالاً للـمشركين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فمنهم من أوفـى فقضى نـحبه، ومنهم من بدّل، ومنهم من أوفـى ولـم يقض نـحبه، وكان منتظرا، علـى ما وصفهم اللّه به من صفـاتهم فـي هذه الاَية. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٦٦ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن ثابت، عن أنس، أن أنس بن النضر تغيب عن قتال بدر، فقال: تغيبت عن أوّل مشهد شهده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، لئن رأيت قتالاً لـيرينّ اللّه ما أصنع فلـما كان يوم أُحُد، وهُزم الناس، لقـي سعد بن معاذ فقال: واللّه إنـي لأجدُ ريح الـجنة، فتقدّم فقاتل حتـى قُتل، فنزلت فـيه هذه الاَية: مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ رِجالُ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَـيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد اللّه بن بكير، قال: حدثنا حميد، قال: زعم أنس بن مالك قال: غاب أنس بن النضر، عن قتال يوم بدر، فقال: غبت عن قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمشركين، لئن أشهدنـي اللّه قتالاً، لـيرينّ اللّه ما أصنع فلـما كان يوم أُحُد، انكشف الـمسلـمون، فقال: اللّه م إنـي أبرأ إلـيك مـما جاء به هؤلاء الـمشركون، وأعتذر إلـيك مـما صنع هؤلاء، يعني الـمسلـمين، فمشى بسيفه، فلقـيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد إنـي لأجد ريح الـجنة دون أُحُد. فقال سعد: يا رسول اللّه فما استطعت أن أصنع ما صنع. قال أنس بن مالك: فوجدناه بـين القتلـى، به بضع ثمانون جراحة، بـين ضربة بسيف، وطعنة برمـح، ورمية بسهم، فما عرفناه حتـى عرفته أخته ببنانه. قال أنس: فكنا نتـحدّث أن هذه الاَية مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَـيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ نزلت فـيه، وفـي أصحابه. حدثنا سوار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت حميدا يحدّث، عن أنس بن مالك، أن أنس بن النضر، غاب عن قتال بدر، ثم ذكر نـحوه. ٢١٦٦٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا طلـحة بن يحيى، عن موسى وعيسى بن طلـحة عن طلـحة أن أعرابـيا أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: وكانوا لا يجرءون علـى مسألته، فقالوا للأعرابـي: سله مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ من هو؟ فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم دخـلت من بـاب الـمسجد وعلـيّ ثـياب خُضر فلـما رآنـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أيْنَ السّائِلـيُ عَمّنْ قَضَى نَـحْبَهُ؟) قال الأعرابـيّ: أنا يا رسول اللّه ، قال: (هَذَا مِـمّنْ قَضَى نَـحْبَهُ) . ٢١٦٦٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عبد الـحميد الـحِمّانـي، عن إسحاق بن يحيى الطّلْـحِي، عن موسى بن طلـحة، قال: قام معاوية بن أبـي سفـيان، فقال: إنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (طَلْـحَةُ مـمّنْ قَضَى نَـحْبَهُ) . حدثنـي مـحمد بن عمرو بن تـمام الكلبـي، قال: حدثنا سلـيـمان بن أيوب، قال: ثنـي أبـي، عن إسحاق، عن يحيى بن طلـحة، عن عمه موسى بن طلـحة، عن أبـيه طلـحة، قال: لـما قدمنا من أُحُد وصرنا بـالـمدينة، صعد النبي صلى اللّه عليه وسلم الـمنبر، فخطب الناس وعزّاهم، وأخبرهم بـما لهم فـيه من الأجر، ثم قرأ: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَـيْهِ... الاَية، قال: فقام إلـيه رجل فقال: يا رسول اللّه ، من هؤلاء؟ فـالتفت وعلـيّ ثوبـات أخضران، فقال: (أيّها السّائِلُ هَذَا مِنْهُمْ) . و قوله: وَما بَدّلُوا تَبْدِيلاً: وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغيـيرا، كما غيره الـمعوّقون القائلون لإخوانهم: هلّ إلـينا، والقائلون: إن بـيوتنا عورة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما بَدّلُوا تَبْديلاً يقول: ما شكّوا وما تردّدوا فـي دينهم، ولا استبدلوا به غيره. ٢١٦٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَما بَدّلُوا تَبْديلاً: لـم يغيروا دينهم كما غير الـمنافقون. ٢٤و قوله: لِـيَجْزِيَ اللّه الصّادِقِـينَ بصِدْقِهِمْ يقول تعالـى ذكره مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه عَلَـيْهِ لِـيَجْزِيَ اللّه الصّادِقِـينَ بِصِدْقِهِمْ: يقول: لـيثـيب اللّه أهل الصدق بصدقهم اللّه بـما عاهدوه علـيه، ووفـائهم له به وَيُعَذّبَ الـمُنافِقِـينَ إنْ شاءَ بكفرهم بـاللّه ونفـاقهم أوْ يَتُوبَ عَلَـيهِمْ من نفـاقهم، فـيهديهم للإيـمان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٧١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيُعَذّبَ الـمُنافِقِـينَ إنْ شاءَ، أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ يقول: إن شاء أخرجهم من النفـاق إلـى الإيـمان. إن قال قائل: ما وجه الشرط فـي قوله وَيُعَذّبَ الـمُنافِقِـينَ ب قوله: إنْ شاءَ والـمنافق كافر وهل يجوز أن لا يشاء تعذيب الـمنافق، فـيقال ويعذّبه إن شاء؟ قـيـل: إن معنى ذلك علـى غير الوجه الذي توهمته. وإنـما معنى ذلك: ويعذّب الـمنافقـين بأن لا يوفقهم للتوبة من نفـاقهم حتـى يـموتوا علـى كفرهم إن شاء، فـيستوجبوا بذلك العذاب، فـالاستثناء إنـما هو من التوفـيق لا من العذاب إن ماتوا علـى نفـاقهم. وقد بـين ما قلنا فـي ذلك قوله: أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ فمعنى الكلام إذن: ويعذّب الـمنافقـين إذ لـم يهدهم للتوبة، فـيوفقهم لها، أو يتوب علـيهم فلا يعذّبهم. و قوله: إنّ اللّه كانَ غَفُورا رَحِيـما يقول: إن اللّه كان ذا ستر علـى ذنوب التائبـين، رحيـما بـالتائبـين أن يعاقبهم بعد التوبة. ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَرَدّ اللّه الّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى اللّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّه قَوِيّاً عَزِيزاً }. يقول تعالـى ذكره: ورَدّ اللّه الّذِينَ كَفَرُوا به وبرسوله من قُرَيش وغطفـان بِغَيْظِهِمْ يقول: بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أمّلوا من الظفر، وخيبتهم مـما كانوا طَمِعوا فـيه من الغَلَبة لَـمْ ينَالوا خَيْرا يقول: لـم يصيبوا من الـمسلـمين مالاً ولا إسارا وكَفَـى اللّه الـمُؤْمِنِـينَ القِتالَ بجنود من الـملائكة والريح التـي بعثها علـيهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَرَدّ اللّه الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَـمْ يَنالُوا خَيْرا الأحزاب. ٢١٦٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَرَدّ اللّه الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَـمْ يَنالُوا خَيْرا وذلك يوم أبـي سفـيان والأحزاب، ردّ اللّه أبـا سفـيان وأصحابه بغيظهم لـم ينالوا خيرا وكَفَـى اللّه الـمُؤْمِنِـينَ القِتالَ بـالـجنود من عنده، والريح التـي بعث علـيهم. ٢١٦٧٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان وَرَدّ اللّه الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَـمْ يَنالُوا خَيْرا: أي قريش وغطفـان. ٢١٦٧٥ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصّدائي، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ابن أبـي ذئب، عن سعيد بن أبـي سعيد الـمقبري، عن عبد الرحمن بن أبـي سعيد الـخدري، عن أبـيه، قال: حُبِسنا يوم الـخندق عن الصلاة، فلـم نصلّ الظهر، ولا العصر، ولا الـمغرب، ولا العشاء، حتـى كان بعد العشاء بهويّ كفـينا، وأنزل اللّه : وكَفَـى اللّه الـمُؤْمِنِـينَ القِتالَ، وكانَ اللّه قَوِيّا عَزِيزا فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلالاً، فأقام الصلاة، وصلـى الظهر، فأحسن صلاتها، كما كان يصلـيها فـي وقتها، ثم صلـى العصر كذلك، ثم صلـى الـمغرب كذلك، ثم صلـى العشاء كذلك، جعل لكل صلاة إقامة، وذلك قبل أن تنزل صلاة الـخوف فإنْ خِفْتُـمْ فِرِجالاً أوْ رُكْبـانا. حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا ابن أبـي فديك، قال: حدثنا ابن أبـي ذئب، عن الـمقبري عن عبد الرحمن بن أبـي سعيد، عن أبـي سعيد الـخدري قال: حُبسنا يوم الـخندق، فذكر نـحوه. و قوله: وكانَ اللّه قَوِيّا عَزِيزا يقول: وكان اللّه قويا علـى فعل ما يشاء فعله بخـلقه، فـينصر من شاء منهم علـى من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالب عزيزا يقول: هو شديد انتقامه مـمن انتقم منه من أعدائه. كما: ٢١٦٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكانَ اللّه قَويّا عَزيزا: قويا فـي أمره، عزيزا فـي نقمته. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنزَلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُم مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ ...}. يقول تعالـى ذكره: وأنزل اللّه الذين أعانوا الأحزاب من قريش وغطفـان علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، وذلك هو مظاهرتهم إياه، وعنى بذلك بنـي قريظة، وهم الذين ظاهروا الأحزاب علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وقوله مِنْ أهْلِ الكِتابِ يعني : من أهل التوراة، وكانوا يهود: و قوله: منْ صَياصِيهمْ يعني : من حصونهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وأنْزَلَ الّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ قال قريظة، يقول: أنزلهم من صياصيهم. ٢١٦٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وأنْزَلَ الّذينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ وهم بنو قُرَيظة، ظاهروا أبـا سفـيان وراسلوه، فنكثوا العهد الذي بـينهم وبـين نبـيّ اللّه . قال: فبـينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه، وقد غسلت شقه، إذ أتاه جبرائيـل صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: عفـا اللّه عنك، ما وضعت الـملائكة سلاحها منذ أربعين لـيـلة، فـانهض إلـى بنـي قريظة، فإنـي قد قطعت أوتارهم، وفتـحت أبوابهم، وتركتهم فـي زلزال وبلبـال قال: فـاستلأم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم سلك سكة بنـي غنـم، فـاتبعه الناس وقد عصب حاجبه بـالتراب قال: فأتاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحاصروهم وناداهم: يا إخوان القردة، فقالوا: يا أبـا القاسم ما كنت فحاشا، فنزلوا علـى حكم ابن معاذ، وكان بـينهم وبـين قومه حلف، فرجوا أن تأخذه فـيهم هوادة، وأومأ إلـيهم أبو لبـابة أنه الذبح، فأنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتكمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فحكم فـيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن عقارهم للـمهاجرين دون الأنصار، فقال قومه وعشيرته: آثرت الـمهاجرين بـالعقار علـينا قال: فإنكم كنتـم ذوي عقار، وإن الـمهاجرين كانوا لا عقار لهم. وذُكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كبر وقال: (قَضَى فِـيكُمْ بِحُكْمِ اللّه ) . ٢١٦٧٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الـخندق راجعا إلـى الـمدينة والـمسلـمون، ووضعوا السلاح، فلـما كانت الظهر أتـى جبريـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . كما: ٢١٦٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري معتـجرا بعمامة من استبرق، علـى بغلة علـيها رحالة، علـيها قطيفة من ديبـاج فقال: أقد وضعت السلاح يا رسول اللّه ؟ قال: (نعم) ، قال جبريـل: ما وضعت الـملائكة السلاح بعد، ما رجعت الاَن إلاّ من طلب القوم، إن اللّه يأمرك يا مـحمد بـالسير إلـى بنـي قريظة، وأنا عامد إلـى بنـي قريظة، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مناديا، فأذّن فـي الناس: إن من كان سامعا مطيعا فلا يصلـينّ العصر إلاّ فـي بنـي قريظة. وقدّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه برايته إلـى بنـي قريظة وابتدرها الناس، فسار علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه حتـى إذا دنا من الـحصون، سمع منها مقالة قبـيحة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم فرجع حتـى لقـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالطريق، فقال: يا رسول اللّه لا علـيك ألاّ تدنو من هؤلاء الأخبـاث، قال: (لِـمَ؟ أظُنّك سَمِعْتَ لـي مِنْهُمْ أذًى) ، قال: نعم يا رسول اللّه . قال: (لَوْ قَدْ رأَونِـي لَـمْ يقُولُوا مِنْ ذلكَ شَيْئا) . فلـما دنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من حصونهم قال: (يا إخْوَانَ القِرَدَة هَلْ أخْزَاكُمُ اللّه وأنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟) قالُوا: يا أبـا القاسم، ما كنت جهولاً ومرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى أصحابه بـالصورين قبل أن يصل إلـى بنـي قريظة، فقال: (هل مَرّ بِكُمْ أحَدٌ؟) فقالوا: يا رسول اللّه ، قد مرّ بنا دِحية بن خـلـيفة الكلبـي علـى بغلة بـيضاء علـيها رحالة علـيها قطيفة ديبـاج، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ذَاكَ جَبْرَائِيـلُ بعِثَ إلـى بَنِـي قُرَيْظَةَ يُزَلْزلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذفُ الرّعْبَ فِـي قُلُوبِهِمْ) فلـما أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قريظة نزل علـى بئر من آبـارها فـي ناحية من أموالهم يقال لها: بئر أنا، فتلاحق به الناس، فأتاه رجال من بعد العشاء الاَخرة، ولـم يصلوا العصر لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لا يُصَلّـيَنّ أحَدٌ العَصْرَ إلاّ فِـي بَنِـي قُرَيْظَةَ) ، فصلوا العصر فما عابهم اللّه بذلك فـي كتابه ولا عنفهم به رسوله. ٢١٦٨١ـ والـحديث عن مـحمد بن إسحاق، عن أبـيه، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري، قال: وحاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خمسا وعشرين لـيـلة حتـى جهدهم الـحصار وقذف اللّه فـي قلوبهم الرعب. وقد كان حُيَـيّ بن أخطب دخـل علـى بنـي قريظة فـي حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفـان وفـاء لكعب بن أسد بـما كان عاهده علـيه فلـما أيقنوا بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غير منصرف عنهم حتـى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإنـي عارض علـيكم خلالاً ثلاثا، فخذوا أيها قالوا: وما هنّ؟ قال: نبـايع هذا الرجل ونصدّقه، فواللّه لقد تبـين لكم إنه لنبـيّ مرسل، وإنه الذي كنتـم تـجدونه فـي كتابكم، فتأمنوا علـى دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفـارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره قال: فإذا أبـيتـم هذه علـيّ، فهلـمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نـخرج إلـى مـحمد وأصحابه رجالاً مصلتـين بـالسيوف، ولـم نترك وراءنا ثقلاً يهمنا حتـى يحكم اللّه بـيننا وبـين مـحمد، فإن نهلك نهلك ولـم نترك وراءنا شيئا نـخشى علـيه، وإن نظهر فلعمري لنتـخذنّ النساء والأبناء، قالوا: نقتل هؤلاء الـمساكين، فما خير العيش بعدهم قال: فإذا أبـيتـم هذه علـيّ، فإن اللـيـلة لـيـلة السبت، وإنه عسى أن يكون مـحمد وأصحابه قد أمنوا، فـانزلوا لعلنا أن نصيب من مـحمد وأصحابه غرّة. قالوا: نفسد سبتنا ونـحدث فـيه ما لـم يكن أحدث فـيه من كان قبلنا؟ أما من قد علـمت فأصابهم من الـمسخ ما لـم يخف علـيك؟ قال: ما بـات رجل منكم منذ ولدته أمه لـيـلة واحدة من الدهر حازما، قال: ثم إنهم بعثوا إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أن ابعث إلـينا أبـا لبـابة بن عبد الـمنذر أخا بنـي عمرو بن عوف، وكانوا من حلفـاء الأوس، نستشيره فـي أمرنا فأرسله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلـما رأوه قام إلـيه الرجال، وجهش إلـيه النساء والصبـيان يبكون فـي وجهه، فرقّ لهم وقالوا له: يا أبـا لبـابة، أترى أن ننزل علـى حكم مـحمد؟ قال: نعم، وأشار بـيده إلـى حلقه، إنه الذبح قال أبو لبـابة: فواللّه ما زالت قدماي حتـى عرفت أنـي قد خُنت اللّه ورسوله ثم انطلق أبو لبـابة علـى وجهه، ولـم يأت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى ارتبط فـي الـمسجد إلـى عمود من عُمده وقال: لا أبرح مكانـي حتـى يتوب اللّه علـيّ مـما صنعت وعاهد اللّه لا يطأ بنـي قريظة أبدا ولا يرانـي اللّه فـي بلد خنت اللّه ورسوله فـيه أبدا. فلـما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبره، وكان قد استبطأه، قال: (أما إنّهُ لَوْ كانَ جاءَنِـي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ. أمّا إذْ فَعَلَ ما فَعَلَ، فَمَا أنا بـالّذي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكانِه حتـى يَتُوبَ اللّه عَلَـيْهِ) ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبـيد، وهم نفر من بنـي هذيـل لـيسوا من بنـي قريظة، ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عمّ القوم، أسلـموا تلك اللـيـلة التـي نزلت فـيها قريظة علـى حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وخرج فـي تلك اللـيـلة عمرو بن سعدى القرظي، فمرّ بحرس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعلـيه مـحمد بن مسلـمة الأنصاري تلك اللـيـلة فلـما رآه قال: مَنْ هَذَا؟ قال: عمرو بن سعدى وكان عمرو قد أبى أن يدخـل مع بنـي قريظة فـي غدرهم برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: لا أغدر بـمـحمد أبدا، فقال مـحمد بن مسلـمة حين عرفه: اللّه مّ لا تـحرمنـي إقالة عثرات الكرام، ثم خـلـى سبـيـله فخرج علـى وجهه حتـى بـات فـي مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـمدينة تلك اللـيـلة، ثم ذهب، فلا يُدرى أين ذهب من أرض اللّه إلـى يومه هذا فذُكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شأنه، فقال: (ذَاكَ رَجُلٌ نَـجّاهُ اللّه بِوَفـائهِ) . قال: وبعض الناس كان يزعم أنه كان أُوثق برمة فـيـمن أوثق من بنـي قريظة حين نزلوا علـى حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأصبحت رمته مُلقاة، ولا يُدرَى أين ذهب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الـمقالة، فـاللّه أعلـم. فلـما أصبحوا، نزلوا علـى حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول اللّه إنهم موالـينا دون الـخزرج، وقد فعلت فـي موالـي الـخزرج بـالأمس ما قد علـمت، وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل بنـي قريظة حاصر بنـي قـينقاع، وكانوا حلفـاء الـخزرج، فنزلوا علـى حكمه، فسأله إياهم عبد اللّه بن أُبـيّ بن سلول، فوهبهم له فلـما كلّـمته الأوس، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ألا تَرْضَوْنَ يا مَعْشَرَ الأَوْسِ أنْ يَحْكُمَ فِـيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟) قالوا: بلـى، قال: (فَذَاكَ إلـى سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ) وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي خيـمة امرأة من أسلـم يقال لها رفـيدة فـي مسجده، كانت تداوي الـجَرْحَى، وتـحتسب بنفسها علـى خدمة من كانت به ضيعة من الـمسلـمين. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بـالـخندق: (اجْعَلُوهُ فِـي خَيْـمَةِ رُفِـيْدَةَ حتـى أعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ) فلـما حكّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي بنـي قريظة، أتاه قومه فـاحتـملوه علـى حمار، وقد وطئوا له بوسادة من أدم، وكان رجلاً جسيـما، ثم أقبلوا معه إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهم يقولون: يا أبـا عمرو أحسن فـي موالـيك، فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولاك ذلك لتُـحسن فـيهم فلـما أكثروا علـيه قال: قد آن لسعد أن لا تأخذه فـي اللّه لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلـى دار بنـي عبد الأشهل، فنعى إلـيهم رجال بنـي قريظة قبل أن يصل إلـيهم سعد بن معاذ من كلـمته التـي سمع منه فلـما انتهى سعد إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمسلـمين، قال: قوموا إلـى سيدكم، فقاموا إلـيه فقالوا: يا أبـا عمرو إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولاك موالـيَك لتـحكم فـيهم، فقال سعد: علـيكم بذلك عهد اللّه وميثاقه، إن الـحكم فـيهم كما حكمت، قال: نعم، قال: وعلـى من ههنا فـي الناحية التـي فـيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو معرض عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إجلالاً له، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (نَعَمْ) ، قال سعد: فإنـي أحكم فـيهم أن تُقتل الرجال، وتقسّم الأموال، وتْسبى الذراري والنساء. ٢١٦٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: فحدثنـي مـحمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص اللـيثـي، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَقَدْ حَكَمْتَ فِـيهِمْ بِحُكْمِ اللّه مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أرْقِعَةٍ) ، ثم استنزلوا، فحبسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي دار ابنة الـحارث امرأة من بنـي النّـجار. ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى سوق الـمدينة، التـي هي سوقها الـيوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إلـيهم، فضرب أعناقهم فـي تلك الـخنادق، يخرج بهم إلـيه أرسالاً، وفـيهم عدوّ اللّه حُيَـيّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ستّ مئة أو سبع مئة، والـمكثر منهم يقول: كانوا من الثمان مئة إلـى التسع مئة، وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يُذهب بهم إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرسالاً: يا كعب، ما ترى ما يُصنع بنا؟ فقال كعب: أفـي كلّ موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وإنه من يُذهب به منكم فما يرجع، هو واللّه القتل فلـم يزل ذلك الدأب حتـى فرغ منهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأُتـي بحُيـيّ بن أخطب عدوّ اللّه ، وعلـيه حلة له فُقّاحية قد شققها علـيه من كل ناحية كموضع الأنـملة أنـملة أنـملة، لئلا يسلبها مـجموعة يداه إلـى عنقه بحبل، فلـما نظر إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أما واللّه ما لـمت نفسي فـي عداوتك، ولكنه من يخذل اللّه يُخْذَل ثم أقبل علـى الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر اللّه ، كتاب اللّه وقدره، وملـحمة قد كُتِبت علـى بنـي إسرائيـل، ثم جلس فضربت عنقه فقال جبل بن جوّال الثعلبـي: لعَمرُكَ مَا لامَ ابنُ أخْطَبَ نَفْسهولكنّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللّه يُخْذَلِ لـجَاهَدَ حتـى أبْلَغَ النّفْسَ عُذْرَهاوقَلْقَلَ يَبغي العِزّ كلّ مُقَلْقَلِ ٢١٦٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير، عن عروة بن الزبـير، عن عائشة، قالت: لـم يقتل من نسائهم إلاّ امرأة واحدة، قالت: واللّه إنها لعندي تـحدّث معي وتضحك ظهرا، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقتل رجالهم بـالسوق، إذ هتف هاتف بـاسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا واللّه . قالت: قلت: ويـلك ما لك؟ قالت: أقتل؟ قلت: ولِـمَ؟ قالت: لـحدث أحدثته قال: فـانطلق بها، فضُربت عنقها، فكانت عائشة تقول: ما أنسى عجبـي منها طيب نفس، وكثرة ضحك، وقد عرفت أنها تُقتل. ٢١٦٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي زيد بن رومان وأنْزَلَ الّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ والصياصي: الـحصون والاَطام التـي كانوا فـيها وَقذَفَ فِـي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ. ٢١٦٨٥ـ حدثنا عمرو بن مالك البكري، قال: حدثنا وكيع بن الـجرّاح وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة مِنْ صَياصِيهِمْ قال: من حصونهم. ٢١٦٨٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مِنْ صَياصِيهِمْ يقول: أنزلهم من صياصيهم، قال: قصورهم. ٢١٦٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله مِنْ صَياصِيهِمْ: أي من حصونهم وآطامهم. ٢١٦٨٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأَنْزَلَ الّذِينَ ظاهَرُوهمْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ قال: الصياصي: حصونهم التـي ظنوا أنها مانعتهم من اللّه تبـارك وتعالـى. وأصل الصياصي: جمع صيصة يقال: وعنى بها ههنا: حصونهم والعرب تقول لطرف الـجبل: صيصة ويقال لأصل الشيء: صيصة يقال: جزّ اللّه صيصة فلان: أي أصله ويقال لشوك الـحاكة: صياصي، كما قال الشاعر: (كَوَقْعِ الصّياصِي فِـي النّسِيجِ الـمُـمَدّدِ ) وهي شوكتا الديك. و قوله: وَقَذَفَ فِـي قُلُوبِهُمُ الرّعْبَ يقول: وألقـى فـي قلوبهم الـخوف منكم فَريقا تَقْتُلُونَ يقول: تقتلون منهم جماعة، وهم الذين قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم حين ظهر علـيهم وتَأْسِرُونَ فَرِيقا يقول: وتأسرون منهم جماعة، وهم نساؤهم وذراريهم الذين سبوا، كما: ٢١٦٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَرِيقا تَقْتُلُونَ الذين ضربت أعناقهم وتَأْسِرُونَ فَرِيقا الذين سبوا. ٢١٦٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان فَرِيقا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقا أي قتل الرجال وسبى الذراريّ والنساء. وأوْرَثَكُمْ أرْضَهُمْ وَديارَهُمْ وأمْوَالَهُم يقول: وملككم بعد مهلكهم أرضهم، يعني مزارعهم ومغارسهم وديارهم يقول: ومساكنهم وأموالهم يعني سائر الأموال غير الأرض والدور. و قوله: وأرْضا لَـمْ تَطَئُوها اختلف أهل التأويـل فـيها، أيّ أرض هي؟ فقال بعضهم: هي الروم وفـارس ونـحوها من البلاد التـي فتـحها اللّه بعد ذلك علـى الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأرْضا لَـمْ تَطَئُوها قال: قال الـحسن: هي الروم وفـارس، وما فتـح اللّه علـيهم. وقال آخرون: هي مكة. وقال آخرون: بل هي خيبر. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان وأرْضا لَـمْ تَطَئُوها قال: خيبر. ٢٧٢١٦٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وأوْرَثَكُمْ أرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ قال: قُرَيظة والنضير أهل الكتاب وأرْضا لَـمْ تَطَئُوها قال: خيبر. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر أنه أورث الـمؤمنـين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرض بنـي قريظة وديارهم وأموالهم، وأرضا لـم يطئوها يومئذٍ ولـم تكن مكة ولا خَيبر، ولا أرض فـارس والروم ولا الـيـمن، مـما كان وطئوه يومئذٍ، ثم وطئوا ذلك بعد، وأورثهموه اللّه ، وذلك كله داخـل فـي قوله وأرْضا لَـمْ تَطَئُوها لأنه تعالـى ذكره لـم يخصص من ذلك بعضا دون بعض. وكانَ اللّه علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرا يقول تعالـى ذكره: وكان اللّه علـى أن أورث الـمؤمنـين ذلك، وعلـى نصره إياهم، وغير ذلك من الأمور قدرة، لا يتعذّر علـيه شيء أراده، ولا يـمتنع علـيه فعل شيء حاول فعله. ٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النبي قُل لأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لاِءَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتنّ تُرِدْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزِينَتَها فَتَعالَـيْنَ أُمّتّعْكُنّ يقول فإنـي أمتعكن ما أوجب اللّه علـى الرجال للنساء من الـمتعة عند فراقهم إياهنّ بـالطلاق ب قوله: وَمَتّعُوهُنّ علـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعا بـالـمَعْرُوفِ حَقّا علـى الـمُـحْسِنِـينَ و قوله: وأُسَرّحْكُنّ سَراحا جَمِيلاً يقول: وأطلقكنّ علـى ما أذن اللّه به، وأدّب به عبـاده ب قوله: إذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ. ٢٩وَإنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ اللّه وَرَسُولَهُ يقول: وإن كنتنّ تردن رضا اللّه ورضا رسوله وطاعتهما فأطعنهما فإنّ اللّه أعَدّ للْـمُـحْسِناتِ مِنْكُنّ وهن العاملات منهنّ بأمر اللّه وأمر رسوله أجْرا عَظِيـما. وذُكر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل أن عائشة سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا من عرض الدنـيا، إما زيادة فـي النفقة، أو غير ذلك، فـاعتزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه شهرا فـيـما ذكر، ثم أمره اللّه أن يخيرهنّ بـين الصبر علـيه، والرضا بـما قسم لهنّ، والعمل بطاعة اللّه ، وبـين أن يـمتّعهنّ ويفـارقهنّ إن لـم يرضين بـالذي يقسم لهن. وقـيـل: كان سبب ذلك غيرة كانت عائشة غارتها. ذكر الرواية بقول من قال: كان ذلك من أجل شيء من النفقة وغيرها. ٢١٦٩٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أيوب، عن أبـي الزبـير، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـم يخرج صلوات، فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر: إن شئتـم لأعلـمنّ لكم شأنه فأتـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فجعل يتكلـم ويرفع صوته، حتـى أذن له. قال: فجعلت أقول فـي نفسي: أيّ شيء أكلـم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعله يضحك، أو كلـمة نـحوها؟ فقلت: يا رسول اللّه لو رأيت فلانة وسألتنـي النفقة فصككتها صكة، فقال: (ذلكَ حَبَسَنِـي عَنكُمْ) قال: فأتـى حفصة، فقال: لا تسألـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا، ما كانت لك من حاجة فإلـيّ ثم تتبع نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فجعل يكلـمهنّ، فقال لعائشة: أيغرّك أنك امرأة حسناء، وأن زوجك يحبك؟ لتنتهينّ، أو لـينزلنّ فـيك القرآن قال: فقالت أمّ سلـمة: يا ابن الـخطّاب، أو مَا بقـي لك إلاّ أن تدخـل بـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبـين نسائه، ولن تسأل الـمرأة إلا لزوجها قال: ونزل القرآن يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتنّ تُرِدْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزِينَتَهَا... إلـى قوله أجْرا عَظِيـما قال: فبدأ بعائشة فخيرها، وقرأ علـيها القرآن، فقالت: هل بدأت بأحد من نسائك قبلـي؟ قال: (لا) ، قالت: فإنـي أختار اللّه ورسوله، والدار الاَخرة، ولا تـخبرهنّ بذلك قال: ثم تتبعهنّ فجعل يخيرهنّ ويقرأ علـيهنّ القرآن، ويخبرهن بـما صنعت عائشة، فتتابعن علـى ذلك. ٢١٦٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها النبي قُلْ لاِءَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزِينَتَها فَتَعالَـيْنَ أُمَتّعْكُنّ وأُسَرّحْكُنّ سَرَاحا جَمِيلاً... إلـى قوله: أجْرا عَظِيـما قال: قال الـحسن وقتادة : خيرهنّ بـين الدنـيا والاَخرة والـجنة والنار فـي شيء كنّ أردنه من الدنـيا. وقال عكرمة فـي غيرة: كانت غارتها عائشة، وكان تـحته يومئذٍ تسع نسوة، خمس من قُرَيش: عائشة، وحفصة، وأمّ حبـيبة بنت أبـي سفـيان، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلـمة بنت أبـي أميّة، وكانت تـحته صفـية ابنة حُيـيّ الـخَيبرية، وميـمونة بنت الـحارث الهلالـية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجُوَيرية بنت الـحارث من بنـي الـمصطلق، وبدأ بعائشة، فلـما اختارت اللّه ورسوله والدار الاَخرة، رُئي الفرح فـي وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فتتابعن كلهنّ علـى ذلك واخترن اللّه ورسوله والدار الاَخرة. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الـحسن، وهو قول قتادة ، فـي قول اللّه يا أيّها النبي قُلْ لاِءَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزينَتَها... إلـى قوله عَظِيـما قالا: أمره اللّه أن يخيرهنّ بـين الدنـيا والاَخرة والـجنة والنار قال قتادة : وهي غيرة من عائشة فـي شيء أرادته من الدنـيا، وكان تـحته تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأمّ حبـيبة بنت أبـي سفـيان، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلـمة بنت أبـي أميّة، وزينب بنت جحش، وميـمونة بنت الـحارث الهلالـية، وجُوَيرية بنت الـحارث من بنـي الـمصطلق، وصفـية بنت حُيـيّ بن أخطب فبدأ بعائشة، وكانت أحبهنّ إلـيه فلـما اختارت اللّه ورسوله والدار الاَخرة، رُئي الفرح فـي وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتتابعن علـى ذلك. ٢١٦٩٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الـحسن، وهو قول قتادة قال: لـما اختَرْنَ اللّه ورسوله شكرهنّ اللّه علـى ذلك فقال لا يحلّ لكَ النساءُ مِنْ بَعدُ وَلاَ أنْ تَبَدّلَ بهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجبكَ حُسنُهنّ فقصره اللّه علـيهنّ، وهنّ التسع اللاتـي اخترن اللّه ورسوله. ذكر من قال ذلك من أجل الغيرة: ٢١٦٩٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ، وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ... الاَية، قال: كان أزواجه قد تغايرن علـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فهجرهنّ شهرا، نزل التـخيـير من اللّه له فـيهنّ يا أيّها النبي قُلْ لاِءَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزِينَتَها فقرأ حتـى بلغ وَلا تبَرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى فخيرهنّ بـين أن يخترن أن يخـلـى سبـيـلهنّ ويسرّحهنّ، وبـين أن يقمن إن أردن اللّه ورسوله علـى أنهنّ أمّهات الـمؤمنـين، لا ينكحن أبدا، وعلـى أنه يؤوي إلـيه من يشاء منهنّ، لـمن وهب نفسه له حتـى يكون هو يرفع رأسه إلـيها، ويرجي من يشاء حتـى يكون هو يرفع رأسه إلـيها، ومن ابتغى مـمن هي عنده وعزل فلا جناح علـيه، ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ، ولا يحزنّ، ويرضين إذا علـمن أنه من قضائي علـيهنّ، إيثار بعضهنّ علـى بعض، أدنى أن يرضين قال: ومن ابتغيت مـمن عزلت من ابتغى أصابه، ومن عزل لـم يصبه، فخيرهنّ بـين أن يرضين بهذا، أو يفـارقهنّ، فـاخترن اللّه ورسوله، إلاّ امرأة واحدة بدوية ذهبت وكان علـى ذلك، وقد شرط له هذا الشرط، ما زال يعدل بـينهنّ حتـى لقـي اللّه . ٢١٦٩٨ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبـي سلـمة، عن أبـيه، قال: قالت عائشة: لـما نزل الـخيار، قال لـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّـي أُرِيدُ أنْ أذْكُرَ لَكِ أمْرا فَلا تَقْضِي فِـيهِ شَيْئا حتـى تَسْتأْمِرِي أبَوَيْكِ) قالت: قلت: وما هو يا رسول اللّه ؟ قال: فردّه علـيها، فقالت: ما هو يا رسول اللّه ؟ قال: فقرأ علـيهنّ يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنّ تُردْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزِينَتَها... إلـى آخر الاَية قالت: قلت: بل نـختار اللّه ورسوله قالت: ففرح بذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم . حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، عن مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن عائشة، قالت: لـما نزلت آية التـخيـير، بدأ النبي صلى اللّه عليه وسلم بعائشة، فقال: (يا عائِشَةُ إنّـي عارضٌ عَلَـيْكِ أمْرا فَلا تَفْتاتِـي فِـيهِ بشَيْءٍ حتـى تَعْرِضِيهِ علـى أبَوَيْكِ، أبـي بَكْر وأُمّ رُومانَ) فقالت: يا رسول اللّه وما هو؟ قال: (قال اللّه يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجكَ إنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزينَتَها) إلـى عَظِيـما، فقلت: إنـي أريد اللّه ورسوله، والدار الاَخرة، ولا أؤامر فـي ذلك أبويّ أبـا بكر وأمّ رومان، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم استقرأ الـحُجَرَ فقال: (إن عائشة قالت كذا) ، فقلن: ونـحن نقول مثل ما قالت عائشة. حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثنا أبـي، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبـي بكر، عن عمرة، عن عائشة، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لـما نزل إلـى نسائه أُمر أن يخيرهنّ، فدخـل علـيّ فقال: (سأذكر لَكِ أمْرا وَلا تَعْجَلِـي حتـى تَسْتَشِيرِي أبـاكِ) ، فقلت: وما هو يا نبـيّ اللّه ؟ قال: (إنّـي أُمِرْتُ أنْ أُخَيّرَكُنّ) ، وتلا علـيها آية التـخيـير إلـى آخر الاَيتـين قالت: قلت: وما الذي تقول؟ لا تعجلـي حتـى تستشيري أبـاك، فإنـي أختار اللّه ورسوله فسُرّ بذلك، وعرض علـى نسائه، فتتابعن كلهنّ، فـاخترن اللّه ورسوله. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي موسى بن علـيّ، ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت: لـما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتـخيـير أزواجه، بدأنـي، فقال: (إنّـي ذَاكِرٌ لَكِ أمْرا، فَلا علَـيْكِ أنْ لا تَعْجَلِـي حتـى تَسْتأْمِرِي أبَوَيْكِ) قالت: قد علـم أن أبويّ لـم يكونا لـيأمرانـي بفراقه قالت: ثم تلا هذه الاَية: يا أيّها النبي قُلْ لاِءَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزِينَتَها فَتَعالَـيْنَ أمَتّعْكُنّ وأُسَرّحْكُنّ سَرَاحا جَمِيلاً قالت: فقلت: ففـي أيّ هذا استأمر أبويّ؟ فإنـي أريد اللّه ورسوله، والدار الاَخرة قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم مثل ما فعلت، فلـم يكن ذلك حين قاله لهنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فـاخترنه طلاقا من أجل أنهنّ اخترنه. ٣٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَنِسَآءَ النبي مَن يَأْتِ مِنكُنّ بِفَاحِشَةٍ مّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّه يَسِيراً }. يقول تعالـى ذكره لأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم : يا نِساء النبي مَنْ يَأْتِ مِنْكُنّ بفـاحِشَةٍ مَبَـيّنَةٍ يقول: من يزن منكنّ الزنى الـمعروف الذي أوجب اللّه علـيه الـحدّ، يضاعف لها العذاب علـى فجورها فـي الاَخرة ضعفـين علـى فجور أزواج الناس غيرهم، كما: ٢١٦٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَـيْنِ قال: يعني عذاب الاَخرة. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ بـالألف، غير أبـي عمرو، فإنه قرأ ذلك: (يُضَعّفْ) بتشديد العين تأوّلاً منه فـي قراءته ذلك أن يضعّف، بـمعنى: تضعيف الشيء مرّة واحدة، وذلك أن يجعل الشيء شيئين، فكأن معنى الكلام عنده: أن يجعل عذاب من يأتـي من نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم بفـاحشة مبـينة فـي الدنـيا والاَخرة، مثلـي عذاب سائر النساء غيرهنّ، ويقول: إنّ يُضَاعَفْ بـمعنى أنْ يجْعَل إلـى الشيء مثلاه، حتـى يكون ثلاثة أمثاله فكأن معنى من قرأ يُضَاعَفْ عنده كان أن عذابها ثلاثة أمثال عذاب غيرها من النساء من غير أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلذلك اختار (يضعّف) علـى يضاعف. وأنكر الاَخرون الذين قرءوا ذلك يضاعف ما كان يقول فـي ذلك، ويقولون: لا نعلـم بـين: ويُضاعَفْ ويُضَعّفْ فرقا. والصواب من القراءة فـي ذلك ما علـيه قرّاء الأمصار، وذلك يُضَاعَفْ. وأما التأويـل الذي ذهب إلـيه أبو عمرو، فتأويـل لا نعلـم أحدا من أهل العلـم ادّعاه غيره، وغير أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الـحجة مـجمعة علـيه بتأويـل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسلـيـم له. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للّه وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا يقول تعالـى ذكره: ومن يطع اللّه ورسوله منكنّ، وتعمل بـما أمر اللّه به نُؤْتها أجْرَها مَرّتَـيْنِ يقول: يعطها اللّه ثواب عملها، مثلـي ثواب عمل غيرهنّ من سائر نساء الناس وأعْتَدْنا لَهَا رِزْقا كَرِيـما يقول: وأعتدنا لها فـي الاَخرة عيشا هنـيئا فـي الـجنة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنّ للّه وَرَسُولِهِ... الاَية، يعني : (تطع اللّه ورسوله. وَتَعْمَلْ صَالِـحا تصوم وتصلـي) . ٢١٧٠١ـ حدثنـي سلـم بن جنادة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ابن عون، قال: سألت عامرا عن القنوت، قال: وما هو؟ قال: قلت وَقُومُوا للّه قانِتِـينَ قال: مطيعين قال: قلت وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنّ للّه وَرَسُولهِ قال: يطعن. ٢١٧٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكهنّ للّه وَرَسَولهِ أي من يطع منكنّ للّه ورسوله وَأعْتَدْنَا لَهَا رِزْقا كَرِيـما وهي الـجنة. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَتَعْمَلْ صَالِـحا فقرأ عامة قرّاء الـحجاز والبصرة: وَتَعْمَلْ بـالتاء ردّا علـى تأويـل مَن إذ جاء بعد قوله مِنْكُنّ. وحكى بعضهم عن العرب أنها تقول: كم بـيعَ لك جارية؟ وأنهم إن قدّموا الـجارية قالوا: كم جارية بـيعت لك؟ فأنّثوا الفعل بعد الـجارية، والفعل فـي الوجهين لكم لا للـجارية. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده: أيا أمّ عَمْروٍ مَن يكُنْ عُقْرُ دارِهِجِوَاءَ عَدِيّ يأْكُلِ الـحَشَرَاتِ وَيَسْوَدّ منْ لَفْحِ السّمُومِ جبـينُهُوَيَعْرُو إنْ كانَ ذَوِي بَكَرَاتِ فقال: وإن كانوا، ولـم يقل: وإن كان، وهو لـمن، فردّه علـى الـمعنى. وأما أهل الكوفة، فقرأت ذلك عامة قرّائها: (وَيَعْمَلْ) بـالـياء عطفـا علـى يقنت، إذ كان الـجميع علـى قراءة الـياء. والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان فـي كلام العرب، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن العرب تردّ خبر (من) أحيانا علـى لفظها، فتوحد وتذكر، وأحيانا علـى معناها كما قال جلّ ثناؤه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَـمِعُونَ إلَـيْكَ أفأَنْتَ تُسْمِعُ الصّمّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إلَـيْكَ فجمع مرّة للـمعنى، ووحد أخرى للفظ. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَنِسَآءَ النبي لَسْتُنّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَآءِ إِنِ اتّقَيْتُنّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ...}. يقول تعالـى ذكره لأزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا نِساءَ النبي لَسْتُنّ كأحَدٍ مِنَ النّساءِ من نساء هذه الأمة إنِ اتّقَـيْتُنّ اللّه فأطعتنه فـيـما أمركنّ ونهاكنّ، كما: ٢١٧٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا نِساءَ النبي لَسْتُنّ كأحَدٍ مِنَ النّساءِ يعني من نساء هذه الأمة. و قوله: فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ يقول: فلا تلنّ بـالقول للرجال فـيـما يبتغيه أهل الفـاحشة منكنّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: يا نِساءَ النبي لَسْتُنّ كأَحَدٍ مِنَ النّساءِ إنِ اتّقَـيْتُنّ فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ يقول: لا ترخصن بـالقول، ولا تـخضعن بـالكلام. ٢١٧٠٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ قال: خضع القول ما يكره من قول النساء للرجال مـما يدخـل فـي قلوب الرجال. و قوله: فَـيَطْمَعَ الّذِي فِـي قَلْبِهِ مَرَضٌ يقول: فـيطمع الذي فـي قلبه ضعف فهو لضعف إيـمانه فـي قلبه، إما شاكّ فـي الإسلام منافق، فهو لذلك من أمره يستـخفّ بحدود اللّه ، وإما متهاون بإتـيان الفواحش. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: إنـما وصفه بأن فـي قلبه مرضا، لأنه منافق. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَـيَطْمَعَ الّذِي فِـي قَلْبِه مَرَضٌ قال: نفـاق. وقال آخرون: بل وصفه بذلك لأنهم يشتهون إتـيان الفواحش. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة فَـيَطْمَعَ الّذِي فِـي قَلْبِهِ مَرَضٌ قال: قال عكرمة: شهوة الزنا. و قوله: وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفـا يقول: وقلن قولاً قد أذن اللّه لكم به وأبـاحه. كما: ٢١٧٠٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: قولاً جميلاً حسنا معروفـا فـي الـخير. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَقَرْنَ فِـي بُـيُوتِكُنّ فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض الكوفـيـين: وَقَرْنَ بفتـح القاف، بـمعنى: واقررن فـي بـيوتكنّ، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولـى من اقررن، وهي مفتوحة، ثم نقلها إلـى القاف، كما قـيـل: فَظَلْتُـمْ تَفَكّهُونَ وهو يريد فظللتـم، فأسقطت اللام الأولـى وهي مكسورة، ثم نُقلت كسرتها إلـى الظاء. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة: (وَقِرْنَ) بكسر القاف، بـمعنى: كنّ أهل وقار وسكينة فِـي بُـيُوتِكُنّ. وهذه القراءة وهي الكسر فـي القاف أَولـى عندنا بـالصواب، لأن ذلك إن كان من الوقار علـى ما اخترنا، فلا شكّ أن القراءة بكسر القاف، لأنه يقال: وقر فلان فـي منزله فهو يقر وقورا، فتكسر القاف فـي تفعل فإذا أمر منه قـيـل: قرّ، كما يقال من وزن: يزن زن، ومن وَعد: يعِد عِد. وإن كان من القرار، فإن الوجه أن يقال: اقررن، لأن من قال من العرب: ظلت أفعل كذا، وأحست بكذا، فأسقط عين الفعل، وحوّل حركتها إلـى فـائه فـي فعل وفعلنا وفعلتـم، لـم يفعل ذلك فـي الأمر والنهِي، فلا يقول: ظلّ قائما، ولا تظلّ قائما، فلـيس الذي اعتلّ به من اعتلّ لصحة القراءة بفتـح القاف فـي ذلك يقول العرب فـي ظللت وأحسست ظلت، وأحست بعلة توجب صحته لـما وصفت من العلة. وقد حكى بعضهم عن بعض الأعراب سماعا منه: ينـحطن من الـجبل، وهو يريد: ينـحططن. فإن يكن ذلك صحيحا، فهو أقرب إلـى أن يكون حجة لأهل هذه القراءة من الـحجة الأخرى. و قوله: وَلا تَبَرّجْنَ تُبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى قـيـل: إن التبرّج فـي هذا الـموضع التبخْتُر والتكسّر. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى: أي إذا خرجتن من بـيوتكنّ قال: كانت لهن مشية وتكسّر وتغنّـج، يعني بذلك الـجاهلـية الأولـى فنهاهنّ اللّه عن ذلك. ٢١٧١٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: سمعت ابن أبـي نـجيح، يقول فـي قوله: وَلا تَبَرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى قال: التبختر. و قـيـل: إن التبرّج هو إظهار الزينة، وإبراز الـمرأة مـحاسنها للرجال. وأما قوله: تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـجاهلـية الأولـى، فقال بعضهم: ذلك ما بـين عيسى ومـحمد علـيهما السلام. ذكر من قال ذلك: ٢١٧١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن زكريا، عن عامر وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى قال: الـجاهلـية الأولـى: ما بـين عيسى ومـحمد علـيهما السلام. وقال آخرون: ذلك ما بـين آدم ونوح. ذكر من قال ذلك: ٢١٧١٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن أبـيه، عن الـحكم وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى قال: وكان بـين آدم ونوح ثمان مائة سنة، فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء، ورجالهم حسان، فكانت الـمرأة تريد الرجل علـى نفسه، فأنزلت هذه الاَية: وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى. وقال آخرون: بل ذلك بـين نوح وإدريس. ذكر من قال ذلك: ٢١٧١٣ـ حدثنـي ابن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيـل، قال: حدثنا داود، يعني ابن أبـي الفرات، قال: حدثنا علبـاء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: تلا هذه الاَية: وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى قال: كان فـيـما بـين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة وإن بطنـين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل، والاَخر يسكن الـجبل، وكان رجال الـجبل صبـاحا، وفـي النساء دمامة، وكان نساء السهل صبـاحا، وفـي الرجال دمامة، وإن إبلـيس أتـى رجلاً من أهل السهل فـي صورة غلام، فأجر نفسه منه، وكان يخدمه، واتـخذ إبلـيس شيئا مثل ذلك الذي يزمر فـيه الرّعاء، فجاء فـيه بصوت لـم يسمع مثله، فبلغ ذلك من حولهم، فـانتابوهم يسمعون إلـيه، واتـخذوا عيدا يجتـمعون إلـيه فـي السنة، فتتبرّج الرجال للنساء. قال: ويتزين النساء للرجال، وإن رجلاً من أهل الـجبل هجم علـيهم وهم فـي عيدهم ذلك، فرأى النساء، فأتـى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتـحوّلوا إلـيهنّ، فنزلوا معهنّ، فظهرت الفـاحشة فـيهنّ، فهو قول اللّه : وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى. وأَولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره نهى نساء النبي أن يتبرّجن تبرّج الـجاهلـية الأولـى، وجائز أن يكون ذلك ما بـين آدم وعيسى، فـيكون معنى ذلك: ولا تبرّجن تبرّج الـجاهلـية الأولـى التـي قبل الإسلام. فإن قال قائل: أَوَ فـي الإسلام جاهلـية حتـى يقال: عنى بقوله الـجاهِلِـيّةِ الأولـى التـي قبل الإسلام؟ قـيـل: فـيه أخلاقٌ من أخلاق الـجاهلـية. كما: ٢١٧١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى قال: يقول: التـي كانت قبل الإسلام، قال: وفـي الإسلام جاهلـية؟ قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأبـي الدرداء، وقاللرجل وهو ينازعه: يا ابْن فلانة، لأُمّ كان يعيره بها فـي الـجاهلـية، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا أبـا الدّرْدَاءِ إنّ فِـيكَ جاهِلِـيّةً) ، قال: أجاهلـية كفر أو إسلام؟ قال: (بل جاهِلِـيّةُ كُفْرٍ) ، قال: فتـمنـيت أن لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ. قال: وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ أهْلِ الـجاهِلِـيّةِ لا يَدَعُهُنّ النّاسُ: الطّعْنُ بـالأنْساب، والإسْتِـمْطارُ بـالكَوَاكِبِ، والنّـياحَةُ) . ٢١٧١٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلال، عن ثور، عن عبد اللّه بن عباس ، أن عمر بن الـخطاب، قال له: أرأيت قول اللّه لأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم : وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى هل كانت إلا واحدة، فقال ابن عباس : وهل كانت من أُولـى إلا ولها آخرة؟ فقال عمر: للّه درك يابن عباس ، كيف قلت؟ فقال: يا أمير الـمؤمنـين، هل كانت من أُولـى إلا ولها آخرة؟ قال: فأت بتصديق ما تقول من كتاب اللّه ، قال: نعم وَجاهِدُوا فِـي اللّه حَقّ جِهادِهِ كمَا جاهَدْتُـمْ أوّلَ مَرّةٍ. قال عمر: فمن أُمر بـالـجهاد؟ قال: قبـيـلتان من قريش: مخزوم، وبنو عبد شمس، فقال عمر: صدقت. وجائز أن يكون ذلك ما بـين آدم ونوح. وجائز أن يكون ما بـين إدريس ونوح، فتكون الـجاهلـية الاَخرة، ما بـين عيسى ومـحمد، وإذا كان ذلك مـما يحتـمله ظاهر التنزيـل. فـالصواب أن يقال فـي ذلك، كما قال اللّه : إنه نهى عن تبرّج الـجاهلـية الأولـى. و قوله: وأقِمْنَ الصّلاةَ وآتِـينَ الزّكاةَ يقول: وأقمن الصلاة الـمفروضة، وآتـين الزكاة الواجبة علـيكنّ فـي أموالكنّ وَأطِعْنَ اللّه وَرَسُولهُ فـيـما أمراكنّ ونهياكنّ إنّـمَا يُريدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ يقول: إنـما يريد اللّه لـيذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بـيت مـحمد، ويطهركم من الدنس الذي يكون فـي أهل معاصي اللّه تطهيرا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّـمَا يَرِيدُ اللّه لـيُذْهبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّركُمْ تَطْهيرا فهم أهل بـيت طهرهم اللّه من السوء، وخصهم برحمة منه. ٢١٧١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهيرا قال: الرجس ههنا: الشيطان، وسوى ذلك من الرجس: الشرك. اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنوا بقوله أهْلَ البَـيْتِ فقال بعضهم: عنى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلـيّ وفـاطمة والـحسن والـحسين رضوان اللّه علـيهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٧١٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا بكر بن يحيى بن زبـان العنزي، قال: حدثنا مندل، عن الأعمش، عن عطية، عن أبـي سعيد الـخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ فِـي خَمْسَةٍ: فِـيّ، وفِـي علـيّ رَضِيَ اللّه عَنْهُ، وَحَسَنٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ، وَحُسَيْنٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ، وَفـاطِمَةَ رَضِيَ اللّه عَنْها) إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا. ٢١٧١٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفـية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم ذات غداة، وعلـيه مِرْطٌ مُرَجّلٌ من شعر أسود، فجاء الـحسن، فأدخـله معه، ثم قال: إنّـمَا يُريدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا. ٢١٧٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بكر، عن حماد بن سلـمة، عن علـيّ بن زيد، عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يـمرّ ببـيت فـاطمة ستة أشهر، كلـما خرج إلـى الصلاة فـيقول: (الصّلاةَ أهْلَ البَـيْتِ) إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهيرَا. ٢١٧٢١ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي، قال: حدثنا يحيى بن إبراهيـم بن سويد النـخعي، عن هلال، يعني ابن مقلاص، عن زبـيد، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلـمة، قالت: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم عندي، وعلـيّ وفـاطمة والـحسن والـحسين، فجعلت لهم خزيرة، فأكلوا وناموا، وغطى علـيهم عبـاءة أو قطيفة، ثم قال: (اللّه مّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَـيْتِـي، أذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا) . ٢١٧٢٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق، قال: أخبرنـي أبو داود، عن أبـي الـحمراء، قال: رابطت الـمدينة سبعة أشهر علـى عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا طلع الفجر، جاء إلـى بـاب علـيّ وفـاطمة فقال: (الصّلاةَ الصّلاةَ) إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا. حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق، بإسناده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، مثله. ٢١٧٢٣ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن كلثوم الـمـحاربـي، عن أبـي عمار، قال: إنـي لـجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا علـيا رضي اللّه عنه، فشتـموه فلـما قاموا، قال: اجلس حتـى أخبرك عن هذا الذي شتـموا، إنـي عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إذ جاءه علـيّ وفـاطمة وحسن وحسين، فألقـى علـيهم كساء له، ثم قال: (اللّه مّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَـيْتِـي، اللّه مّ أذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهيرا) . قلت: يا رسول اللّه وأنا؟ قال: (وأنْتَ) قال: فواللّه إنها لأوثق عملـي عندي. حدثنـي عبد الكريـم بن أبـي عمير، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: حدثنا أبو عمرو، قال: ثنـي شدّاد أبو عمار قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدّث، قال: سألت عن علـيّ بن أبـي طالب فـي منزله، فقالت فـاطمة: قد ذهب يأتـي برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إذ جاء، فدخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودخـلت، فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى الفراش وأجلس فـاطمة عن يـمينه، وعلـيا عن يساره وحسنا وحسينا بـين يديه، فلفع علـيهم بثوبه وقال: (إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا اللّه مّ هَؤلاءِ أهْلـي، اللّه مّ أهْلـي أحَقّ) . قال واثلة: فقلت من ناحية البـيت: وأنا يا رسول اللّه من أهلك؟ قال: (وأنت من أهلـي) ، قال واثلة: إنها لـمن أَرْجَى ما أرتـجي. حدثنـي أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن عبد الـحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية، عن أبـي سعيد الـخدري، عن أمّ سلـمة، قالت: لـما نزلت هذه الاَية: إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـيا وفـاطمة وحسنا وحسينا، فجلل علـيهم كساء خَيبريا، فقال: (اللّه مّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَـيْتِـي، اللّه مّ أذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا) قالت أمّ سلـمة: ألستُ منهم؟ قال: أنت إلـى خَيْرٍ. ٢١٧٢٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام، قال: حدثنا سعيد بن زربـي، عن مـحمد بن سيرين، عن أبـي هريرة، عن أمّ سلـمة، قالت: جاءت فـاطمة إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بُبْرَمة لها قد صنعت فـيها عصيدة تـحلها علـى طبق، فوضعته بـين يديه، فقال: (أين ابن عمك وابناك؟) فقالت: فـي البـيت، فقال: (ادعيهم) ، فجاءت إلـى علـيّ، فقالت: أجب النبي صلى اللّه عليه وسلم أنت وابناك. قالت أمّ سلـمة: فلـما رآهم مقبلـين مدّ يده إلـى كساء كان علـى الـمنامة فمدّه وبسطه وأجلسهم علـيه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله، فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بـيده الـيـمنى إلـى ربه، فقال: (هَؤُلاءِ أهْلُ البَـيْتِ، فأذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا) . ٢١٧٢٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حسن بن عطية، قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق، عن عطية، عن أبـي سعيد عن أمّ سلـمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أن هذه الاَية نزلت فـي بـيتها إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا قالت: وأنا جالسة علـى بـاب البـيت، فقلت: أنا يا رسول اللّه ألست من أهل البـيت؟ قال: (إنّكِ إلـى خَيْرٍ، أنْتِ مِنْ أزْوَاجِ النبي صلـى اللّه علـيهِ وسلم ) قالت: وفـي البـيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلـيّ وفـاطمة والـحسن والـحسين رضي اللّه عنهم. ٢١٧٢٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، قال: حدثنا موسى بن يعقوب، قال: ثنـي هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبـي وقاص، عن عبد اللّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتنـي أمّ سلـمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جمع علـيا والـحَسنـين، ثم أدخـلهم تـحت ثوبه، ثم جأر إلـى اللّه ، ثم قال: (هؤلاء أهل بـيتـي) ، فقالت أمّ سلـمة: يا رسول اللّه أدخـلنـي معهم، قال: (إنّكِ مِنْ أهْلِـي) . ٢١٧٢٧ـ حدثنـي أحمد بن مـحمد الطوسي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالـح، قال: حدثنا مـحمد بن سلـيـمان الأصبهانـي، عن يحيى بن عبـيد الـمكي، عن عطاء، عن عمر بن أبـي سلـمة، قال: نزلت هذه الاَية علـى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو فـي بـيت أمّ سلـمة إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا فدعا حسنا وحُسينا وفـاطمة، فأجلسهم بـين يديه، ودعا علـيا فأجلسه خـلفه، فتـجلّل هو وهم بـالكساء ثم قال: (هَؤُلاءِ أهْلُ بَـيْتِـي، فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا) قالت أم سلـمة: أنا معهم مكانك وأنْتِ علـى خَيْرٍ. ٢١٧٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـان، قال: حدثنا الصبـاح بن يحيى الـمرّيّ، عن السديّ، عن أبـي الديـلـم، قال: قال علـيّ بن الـحسين لرجل من أهل الشأم: أما قرأت فـي الأحزاب: إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا قال: ولأنتـم هم؟ قال: نعم. ٢١٧٢٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، قال: حدثنا بكير بن مسمار، قال: سمعت عامر بن سعد، قال: قال سعد: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين نزل علـيه الوحي، فأخذ علـيا وابنـيه وفـاطمة، وأدخـلهم تـحت ثوبه، ثم قال: (رَبّ هَؤُلاءِ أهْلِـي وأهْلُ بَـيْتِـي) . ٢١٧٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا عبد اللّه بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن حكيـم بن سعد، قال: ذكرنا علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه عند أمّ سلـمة قالت: فـيه نزلت: إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا قالت أمّ سلـمة: جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم إلـى بـيتـي، فقال: (لا تَأْذَنِـي لأَحَدٍ) ، فجاءت فـاطمة، فلـم أستطع أن أحجبها عن أبـيها، ثم جاء الـحسن، فلـم أستطع أن أمنعه أن يدخـل علـى جدّه وأمه، وجاء الـحسين، فلـم أستطع أن أحجبه، فـاجتـمعوا حول النبي صلى اللّه عليه وسلم علـى بساط، فجللّهم نبـيّ اللّه بكساء كان علـيه، ثم قال: (هَؤُلاءِ أهْلُ بَـيْتِـي، فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا) ، فنزلت هذه الاَية حين اجتـمعوا علـى البساط قالت: فقلت: يا رسول اللّه : وأنا، قالت: فواللّه ما أنعم وقال: (إنّكِ إلـى خَيْرٍ) . وقال آخرون: بل عنى بذلك أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢١٧٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الأصبغ، عن علقمة، قال: كان عكرمة ينادي فـي السوق: إنّـمَا يُرِيدُ اللّه لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا قال: نزلت فـي نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة. ٣٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىَ فِي بُيُوتِكُـنّ مِنْ آيَاتِ اللّه وَالْحِكْــمَةِ إِنّ اللّه كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }. يقول تعالـى ذكره لأزواج نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : واذكرْنَ نعمة اللّه علـيكنّ، بأن جعلكنّ فـي بـيوت تُتلـى فـيها آيات اللّه والـحكمة، فـاشكرن اللّه علـى ذلك، واحمدنه علـيه وعنى ب قوله: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلَـى فِـي بُـيُوتِكُنّ مِنْ آياتِ اللّه واذكرن ما يقرأ فـي بـيوتكنّ من آيات كتاب اللّه والـحكمة و يعني بـالـحكمة: ما أُوحي إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أحكام دين اللّه ، ولـم ينزل به قرآن، وذلك السنة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلَـى فِـي بَـيوتِكُنّ مِنْ آياتِ اللّه والْـحِكْمَةِ: أي السنة، قال: يـمتنّ علـيهم بذلك. و قوله: إنّ اللّه كانَ لَطِيفـا خَبِـيرا يقول تعالـى ذكره: إن اللّه كان ذا لطف بكنّ، إذ جعلكنّ فـي البـيوت التـي تتُلـى فـيها آياته والـحكمة، خبـيرا بكُنّ إذ اختاركن لرسوله أزواجا. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ...}. يقول تعالـى ذكره: إن الـمتذلّلـين للّه بـالطاعة والـمتذلّلات، والـمصدّقـين والـمصدّقات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما أتاهم به من عند اللّه ، والقانتـين والقانتات للّه، والـمطيعين للّه والـمطيعات له فـيـما أمرهم ونهاهم، والصادقـين للّه فـيـما عاهدوه علـيه والصادقات فـيه، والصابرين للّه فـي البأساء والضرّاء علـى الثبـات علـى دينه، وحين البأس والصابرات، والـخاشعة قلوبهم للّه وجَلاً منه ومن عقابه والـخاشعات، والـمتصدّقـين والـمتصدقات، وهم الـمؤدّون حقوق اللّه من أموالهم والـمؤدّيات، والصائمين شهر رمضان الذي فرض اللّه صومه علـيهم والصائمات، الـحافظين فروجهم إلا علـى أزواجهم أو ما ملكت أيـمانهم، والـحافظات ذلك إلا علـى أزواجهنّ إن كنّ حرائر، أو مَنْ ملكهنّ إن كنّ إماء، والذاكرين اللّه بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم والذاكرات، كذلك أعدّ اللّه لهم مغفرة لذنوبهم، وأجرا عظيـما: يعني ثوابـا فـي الاَخرة علـى ذلك من أعمالهم عظيـما، وذلك الـجنة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: دخـل نساء علـى نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقلن: قد ذكركنّ اللّه فـي القرآن، ولـم نُذكر بشيء، أما فـينا ما يُذْكَر؟ ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً }. يقول تعالـى ذكره: لـم يكن لـمؤمن بـاللّه ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله فـي أنفسهم قضاء أن يتـخيروا من أمرهم غير الذي قضى فـيهم، ويخالفوا أمر اللّه وأمر رسوله وقضاءهما فـيعصوهما، ومن يعص اللّه ورسوله فـيـما أَمَرا أو نَهَيا فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً مُبِـينا يقول: فقد جار عن قصد السبـيـل، وسلك غير سبـيـل الهدى والرشاد. وذُكر أن هذه الاَية نزلت فـي زينب بنت جحش حين خطبها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى فتاه زيد بن حارثة، فـامتنعت من إنكاحه نفسها. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما كانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أمْرا.... إلـى آخر الاَية، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انطلق يخطب علـى فتاه زيد بن حارثة، فدخـل علـى زينب بنت جحش الأسدية فخطبها، فقالت: لست بناكحته، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (فـانكحيه) ، فقلت: يا رسول اللّه أؤامَر فـي نفسي فبـينـما هما يتـحدّثان أنزل اللّه هذه الاَية علـى رسوله: وَما كانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ... إلـى قوله: ضَلالاً مُبِـينا قالت: قد رضيته لـي يا رسول اللّه مَنْكَحا؟ قال: (نَعم) ، قالت: إذن لا أعصى رسول اللّه ، قد أنكحته نفسي. ٢١٧٤١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أنْ تَكُونَ لَهُمُ الـخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ قال: زينب بنت جحش وكراهتها نكاح زيد بن حارثة حين أمرها به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ٢١٧٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَما كانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أمْرا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الـخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ قال: نزلت هذه الاَية فـي زينب بنت جحش، وكانت بنت عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فخطبها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرضيت، ورأت أنه يخطبها علـى نفسه فلـما علـمت أنه يخطبها علـى زيد بن حارثة أبت وأنكرت، فأنزل اللّه : وَما كانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أمْرا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الـخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ قال: فتابعته بعد ذلك ورضيت. ٢١٧٤٣ـ حدثنـي أبو عبـيد الوصافـي، قال: حدثنا مـحمد بن حمير، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن ابن أبـي عمرة، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فـاستنكفت منه وقالت: أنا خير منه حَسَبـا، وكانت امرأة فـيها حدّة، فأنزل اللّه : وَما كانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أمْرا... الاَية كلها. و قـيـل: نزلت فـي أمّ كلثوم بنت عُقْبة بن أبـي مُعَيط، وذلك أنها وهبت نفسها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فزوّجها زيد بن حارثة. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما كانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أمْرا.... إلـى آخر الاَية، قال: نزلت فـي أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبـي مُعَيط، وكانت من أوّل من هاجر من النساء، فوهبت نفسها للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ، فزوّجها زيد بن حارثة، فسخِطت هي وأخوها، وقالا: إنـما أردنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فزوّجنا عبده قال: فنزل القرآن: وَما كانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أمْرا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الـخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ... إلـى آخر الاَية قال: وجاء أمر أجمع من هذا: النبي أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ منْ أنْفُسِهمْ قال: فذاك خاصّ، وهذا إجماع. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلّذِيَ أَنعَمَ اللّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم عتابـا من اللّه له وَ اذكر يا مـحمد إذْ تَقُولُ لِلّذِي أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِ بـالهِداية وأنْعَمْتَ عَلَـيْهِ بـالعِتق، يعني زيد بن حارثة مولـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أمْسِكْ عَلَـيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّه ، وذلك أن زينب بنت جحش فـيـما ذُكر رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعجبته، وهي فـي حبـال مولاه، فألِقـي فـي نفس زيد كراهتها لـما علـم اللّه مـما وقع فـي نفس نبـيه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيد، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أمْسِكْ عَلَـيْكَ زَوْجَكَ وهو صلى اللّه عليه وسلم يحبّ أن تكون قد بـانت منه لـينكحها، وَاتّقِ اللّه وخَفِ اللّه فـي الواجب له علـيك فـي زوجتك وتُـخْفِـي فِـي نَفْسِكَ ما اللّه مُبْدِيهِ يقول: وتـخفـي فـي نفسك مـحبة فراقه إياها لتتزوّجها إن هو فـارقها، واللّه مبد ما تـخفـي فـي نفسك من ذلك وتَـخْشَى النّاسَ واللّه أحَقّ أنْ تَـخْشاهُ يقول تعالـى ذكره: وتـخاف أن يقول الناس: أمر رجلاً بطلاق امرأته ونكحها حين طلّقها، واللّه أحقّ أن تـخشاه من الناس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذْ تَقُولُ للّذِي أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِ وهو زيد أنعم اللّه علـيه بـالإسلام، وأنعمت علـيه أعتقه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أمْسِكْ عَلَـيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّه وتُـخْفِـي فِـي نَفْسِكَ ما اللّه مُبْدِيهِ قال: وكان يخفـي فـي نفسه ودّ أنه طلقها. قال الـحسن: ما أنزلت علـيه آية كانت أشدّ علـيه منها قوله: وتُـخْفِـي فـي نفسك ما اللّه مُبْدِيهِ ولو كان نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كاتـما شيئا من الوحي لكتـمها وتَـخْشَى النّاسَ وَاللّه أحَقّ أنْ تَـخْشاهُ قال: خشِي نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقالة الناس. ٢١٧٤٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما يريده وعلـى البـاب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فـانكشف، وهي فـي حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها فـي قلب النبي صلى اللّه عليه وسلم فلـما وقع ذلك كرّهت إلـى الاَخر، فجاء فقال: يا رسول اللّه ، إنـي أريد أن أفـارق صاحبتـي، قال: (ما لَكَ، أرَابَكَ مِنْها شَيْءٌ؟) قال: لا، واللّه ما رابنـي منها شيء يا رسول اللّه ، ولا رأيت إلا خيرا، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أمْسِكْ عَلَـيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّه ) ، فذلك قول اللّه تعالـى: وَإذْ تَقُولُ للّذِي أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِ وأنْعَمْتَ عَلَـيْهِ أمْسِكْ عَلَـيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّه وتُـخْفِـي فِـي نَفْسِكَ ما اللّه مُبْدِيهِ تـخفـي فـي نفسك إن فـارقها تزوّجتها. ٢١٧٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن موسى الـجرشي، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبـي حمزة، قال: نزلت هذه الاَية: وتُـخْفِـي فِـي نَفْسِكَ ما اللّه مُبْدِيه فـي زينب بنت جحش. ٢١٧٤٨ـ حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن علـيّ بن زيد بن جدعان، عن علـيّ بن حسين، قال: كان اللّه تبـارك وتعالـى أعلـم نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه، فلـما أتاه زيد يشكوها قال: اتّقِ اللّه وأمْسِكْ عَلَـيْكَ زَوْجَكَ، قال اللّه : وتُـخْفِـي فـي نَفْسِكَ ما اللّه مُبْديهِ. ٢١٧٤٩ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: لو كتـم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا مـما أوحي إلـيه من كتاب اللّه لكتـم: وتُـخْفِـي فِـي نَفْسِكَ ما اللّه مُبْدِيهِ وتَـخْشَى النّاسَ وَاللّه أحَقّ أنْ تَـخْشاهُ. و قوله: فَلَـمّا قَضَى زَيْدٌ مِنْها وَطَرا زَوّجْناكَها يقول تعالـى ذكره: فلـما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته، وهي الوطر ومنه قول الشاعر: وَدّعَنِـيِ قَبْلَ أن أُوَدّعَهُلَـمّا قَضَى منْ شَبَـابِنا وَطَرَا زَوّجْناكَها يقول: زوّجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبـانت منه لكَيْلا يَكُونَ علـى الـمُؤْمِنِـينَ حَرَجٌ فِـي أزْوَاجِ أدْعِيائهِمْ يعني : فـي نكاح نساء من تَبَنّوا ولـيسوا ببنـيهم ولا أولادهم علـى صحة إذا هم طلقوهنّ وبنّ منهم إذَا قَضَوْا مِنْهُنّ وَطَرا يقول: إذا قضوا منهنّ حاجاتهم، وآرابهم وفـارقوهنّ وحَلَلْن لغيرهم، ولـم يكن ذلك نزولاً منهم لهم عنهنّ وكانَ أمْرُ اللّه مَفْعُولاً يقول: وكان ما قضى اللّه من قضاء مفعولاً: أي كائنا كان لا مـحالة. وإنـما يعني بذلك أن قضاء اللّه فـي زينب أن يتزوّجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان ماضيا مفعولاً كائنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ حَرَجٌ فِـي أزْوَاجِ أدْعِيائهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنّ وَطَرا يقول: إذا طلّقوهنّ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تَبَنىّ زيد بن حارثة. ٢١٧٥١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَلَـمّا قَضَى زَيْدٌ مِنْها وَطَرا... إلـى قوله: وكانَ أمْرُ اللّه مَفْعُولاً إذا كان ذلك منه غير نازل لك، فذلك قول اللّه : وَحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ. ٢١٧٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن عثمان الواسطي، قال: حدثنا جعفر بن عون، عن الـمعلـى بن عرفـان، عن مـحمد بن عبد اللّه بن جحش، قال: تفـاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا الذي نزل تزويجي. ٢١٧٥٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـي قال: كانت زينب زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم تقول للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم : إنـي لأدلّ علـيك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهنّ. إن جدّي وجدّك واحد، وإنـي أنكحنـيك اللّه من السماء، وإن السفـير لـجبرائيـلُ علـيه السلام. ٣٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللّه لَهُ سُنّةَ اللّه فِي الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللّه قَدَراً مّقْدُوراً }. يقول تعالـى ذكره: ما كان علـى النبي من حرج من إثم فـيـما أحلّ اللّه له من نكاح امرأة من تَبَنّاه بعد فراقه إياها، كما: ٢١٧٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ما كانَ علـى النبي مِنْ حَرَجٍ فِـيـما فَرَضَ للّه لَهُ: أي أحلّ اللّه له. و قوله: سُنّةَ اللّه فِـي الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِ يقول: لـم يكن اللّه تعالـى لُـيؤْثِم نبـيه فـيـما أحلّ له مثالَ فعله بـمن قبله من الرسل الذين مضوا قبله فـي أنه لـم يؤثمهم بـما أحلّ لهم، لـم يكن لنبـيه أن يخشى الناس فـيـما أمره به أو أحله له. ونصب قوله: سُنّةَ اللّه علـى معنى: حقا من اللّه ، كأنه قال: فعلنا ذلك سَنّةً منا. و قوله: وكانَ أمْرُ اللّه قَدَرا مَقْدُورا يقول: وكان أمر اللّه قضاء مقضيا. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما: ٢١٧٥٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وكانَ أمْرُ اللّه قَدَرا مَقْدُورا إن اللّه كان علـمه معه قبل أن يخـلق الأشياء كلها، فأتـمه فـي علـمه أن يخـلق خـلقا، ويأمرهم وينهاهم، ويجعل ثوابـا لأهل طاعته، وعقابـا لأهل معصيته فلـما ائتـمر ذلك الأمر قدّره، فلـما قدّره كتب وغاب علـيه، فسماه الغيب وأمّ الكتاب، وخـلق الـخـلق علـى ذلك الكتاب أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم، وما يصيبهم من الأشياء من الرخاء والشدّة من الكتاب الذي كتبه أنه يصيبهم وقرأ: أُولَئِكَ يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حتّـى إذَا نَفِدَ ذَلكَ جَاءَتْهُمْ رُسُلَنا يَتَوَفّوْنَهُمْ، وأمر اللّه الذي ائتـمر قدره حين قدره مقدرا، فلا يكون إلا ما فـي ذلك، وما فـي ذلك الكتاب، وفـي ذلك التقدير، ائتـمر أمرا ثم قدره، ثم خـلق علـيه، فقال: كان أمر اللّه الذي مضى وفرغ منه، وخـلق علـيه الـخـلق قَدَرا مَقْدُورا شاء أمرا لـيـمضي به أمره وقدره، وشاء أمرا يرضاه من عبـاده فـي طاعته فلـما أن كان الذي شاء من طاعته لعبـاده رضيه لهم، ولـما أن كان الذي شاء أراد أن ينفذ فـيه أمره وتدبـيره وقدره، وقرأ: وَلَقَدْ ذَرأْنا لِـجَهَنّـمَ كَثِـيرا مِنَ الـجِنّ وَالإنْسِ فشاء أن يكون هؤلاء من أهل النار، وشاء أن تكون أعمالهم أعمال أهل النار، فقال: وكَذلكَ زَيّنا لِكُلّ أُمّةٍ عَمَلَهُمْ وقال: وكذلكَ زَيّنَ لِكَثِـيرٍ مِنَ الـمُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِـيُرْدُوهُمْ وَلِـيَـلْبِسُوا عَلَـيْهِمْ دِينَهُمْ هَذِهِ أعمالُ أهْلُ النّار وَلَوْ شاءَ اللّه ما فَعَلُوهُ، قال: وكَذلكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِـيّ عَدُوّا شَياطِينَ... إلـى قوله: وَلَوْ شاءَ رَبّكَ ما فَعَلُوهُ وقرأ: وأقْسَمُوا بـاللّه جَهْدَ أيـمانِهِمْ... إلـى كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِـيُؤْمِنُوا إلاّ أنْ يَشاءَ اللّه أن يؤمنوا بذلك، قال: فأخرجوه من اسمه الذي تسمّى به، قال: هو الفعّال لـما يريد، فزعموا أنه ما أراد. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاَتِ اللّه وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاّ اللّه وَكَفَىَ بِاللّه حَسِيباً }. يقول تعالـى ذكره: سنة اللّه فـي الذين خـلوا من قبل مـحمد من الرسل، الذي يبلغون رسالات اللّه إلـى من أُرسلوا إلـيه، ويخافون اللّه فـي تركهم تبلـيغ ذلك إياهم، ولا يخافون أحدا إلا اللّه ، فإنهم إياه يرهبون إن هم قصروا عن تبلـيغهم رسالة اللّه إلـى من أُرسلوا إلـيه. يقول لنبـيه مـحمد: فمن أولئك الرسل الذين هذه صفتهم، فكن ولا تـخش أحدا إلا اللّه ، فإن اللّه يـمنعك من جميع خـلقه، ولا يـمنعك أحد من خـلقه منه، إن أراد بك سوءا. (والذين) من قوله: الّذِينَ يُبَلّغونَ رِسالاَتِ اللّه خفض ردّا علـى (الذين) التـي فـي قوله: سَنّةَ اللّه فِـي الّذِينَ خَـلَوْا. و قوله: وكَفَـى بـاللّه حَسِيبـا يقول تعالـى ذكره: وكفـاك يا مـحمد بـاللّه حافظا لأعمال خـلقه، ومـحاسبـا لهم علـيها. ٤٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَـَكِن رّسُولَ اللّه وَخَاتَمَ النبي ينَ وَكَانَ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً }. يقول تعالـى ذكره: ما كان أيها الناس مـحمد أبـا زيد بن حارثة، ولا أبـا أحد من رجالكم، الذين لـم يـلده مـحمد، فـيحرم علـيه نكاح زوجته بعد فراقه إياها، ولكنه رسول اللّه وخاتـم النبي ـين، الذي ختـم النبوّة فطبع علـيها، فلا تفتـح لأحد بعده إلـى قـيام الساعة، وكان اللّه بكل شيء من أعمالكم ومقالكم وغير ذلك ذا علـم لا يخفـى علـيه شيء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٥٦ـ حدثتا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ما كانَ مـحَمّدٌ أبـا أحَدٍ مِنْ رجالِكُمْ قال: نزلت فـي زيد، إنه لـم يكن بـابنه ولعمري ولقد وُلد له ذكور، إنه لأبو القاسم وإبراهيـم والطيب والـمطهر وَلَكِنْ رَسُولَ اللّه وَخاتَـمَ النبي ـينَ: أي آخرهم وكانَ اللّه بكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـما. ٢١٧٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا علـيّ بن قادم، قال: حدثنا سفـيان، عن نسير بن ذعلوق، عن علـيّ بن الـحسين فـي قوله: ما كانَ مُـحَمّدٌ أبـا أحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْقال: نزلت فـي زيد بن حارثة. والنصب فـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـمعنى تكرير كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والرفع بـمعنى الاستئناف، ولكن هو رسول اللّه ، والقراءة النصب عندنا. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَخاتَـمَ النبي ـينَ فقرأ ذلك قرّاء الأمصار سوى الـحسن وعاصم بكسر التاء من خاتـم النبي ـين، بـمعنى أنه ختـم النبي ـين. ذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : وَلَكِن نَبِـيّا خَتـمَ النبي ـينَ فذلك دلـيـل علـى صحة قراءة من قرأه بكسر التاء، بـمعنى أنه الذي ختـم الأنبـياء صلى اللّه عليه وسلم وعلـيهم وقرأ ذلك فـيـما يذكر الـحسن وعاصم: خاتَـمَ النبي ـينَ بفتـح التاء، بـمعنى أنه آخر النبي ـين، كما قرأ: (مَخْتُومٌ خَاتـمَهُ مِسْكٌ) بـمعنى: آخره مسك من قرأ ذلك كذلك. ٤١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللّه ذِكْراً كَثِيراً }. يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله اذكروا اللّه بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكرا كثـيرا، فلا تـخـلو أبدانكم من ذكره فـي حال من أحوال طاقتكم ذلك ٤٢وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصَيلاً يقول: صلوا له غدوة صلاة الصبح، وعشيا صلاة العصر. ٤٣و قوله: هُوَ الّذِي يُصَلّـي عَلَـيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ يقول تعالـى ذكره: ربكم الذي تذكرونه الذكر الكثـير، وتسبحونه بُكرة وأصيلاً، إذا أنتـم فعلتـم ذلك، الذي يرحمكم، ويثنـي علـيكم هو، ويدعو لكم ملائكته. و قـيـل: إن معنى قوله: يُصَلّـي عَلَـيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ يشيع عنكم الذكر الـجميـل فـي عبـاد اللّه . و قوله: لِـيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ يقول: تدعو ملائكة اللّه لكم، فـيخرجكم اللّه من الضلالة إلـى الهُدى، ومن الكفر إلـى الإسلام. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٥٨ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عباس ، فـي قوله: اذْكُرُوا اللّه ذِكْرا كَثِـيرا يقول: لا يفِرض علـى عبـاده فريضة إلا جعل لها حدّا معلوما، ثم عذر أهلها فـي حال عذر، غير الذكر، فإن اللّه لـم يجعل له حدّا ينتهي إلـيه ولـم يعذر أحدا فـي تركه إلا مغلوبـا علـى عقله، قال: اذْكُرُوا اللّه قِـياما وقُعُودا وعلـى جُنُوبكم بـاللـيـل والنهار فـي البرّ والبحر، وفـي السفر والـحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسرّ والعلانـية، وعلـى كلّ حال، وقال: سَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً فإذا فعلتـم ذلك صلـى علـيكم هو وملائكته قال اللّه عزّ وجلّ هُوَ الّذِي يُصَلّـي عَلَـيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ. ٢١٧٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً صلاة الغداة، وصلاة العصر. و قوله: لِـيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظّلَـماتِ إلـى النّورِ: أي من الضلالات إلـى الهدى. ٢١٧٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: هُوَ الّذِي يُصَلّـي عَلَـيْكمْ وَمَلائِكَتُهُ لِـيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ قال: من الضلالة إلـى الهُدى، قال: والضلالة: الظلـمات، والنور: الهدى. و قوله: وكانَ بـالـمُؤْمِنِـينَ رَحِيـما يقول تعالـى ذكره: وكان بـالـمؤمنـين به ورسوله ذا رحمة أن يعذّبهم وهم له مطيعون، ولأمره متبعون تَـحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَـلْقَوْنَهُ سَلامٌ يقول جلّ ثناؤه: تـحية هؤلاء الـمؤمنـين يوم القـيامة فـي الـجنة سلام، يقول بعضهم لبعض: أمنة لنا ولكم بدخولنا هذا الـمدخـل من اللّه أن يعذّبنا بـالنار أبدا، كما: ٤٤٢١٧٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: تَـحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَـلْقَوْنَهُ سَلامٌ قال: تـحية أهل الـجنة السلام. و قوله: وأعَدّ لَهُمْ أجْرا كَرِيـما يقول: وأعدّ لهؤلاء الـمؤمنـين ثوابـا لهم علـى طاعتهم إياه فـي الدنـيا كريـما، وذلك هو الـجنة، كما: ٢١٧٦٢ـ حدثتا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأعَدّ لَهُمْ أجْرا كَرِيـما: أي الـجنة. ٤٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النبي إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : يا مـحمد إنّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدا علـى أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلناك به من الرسالة، ومبشرهم بـالـجنة إن صدّقوك وعملوا بـما جئتهم به من عند ربك، وَنَذِيرا من النار أن يدخـلوها، فـيعذّبوا بها إن هم كذّبوك، وخالفوا ما جئتهم به من عند اللّه . وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٦٣ـ حدثتا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يا أيّها النبي إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدا علـى أمتك بـالبلاغ، ومبشرا بـالـجنة، وَنَذِيرا بـالنار. ٤٦و قوله: وَدَاعِيا إلـى اللّه يقول: وداعيا إلـى توحيد اللّه ، وإفراد الألوهة له، وإخلاص الطاعة لوجهه دون كلّ من سواه من الاَلهة والأوثان، كما: ٢١٧٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَدَاعِيا إلـى اللّه إلـى شهادة أن لا إله إلا اللّه . و قوله: بأذْنِهِ يقول: بأمره إياك بذلك وَسِرَاجا مُنِـيرا يقول: وضياء لـخـلقه يستضيء بـالنور الذي أتـيتهم به من عند اللّه عبـاده مُنِـيرا يقول: ضياء ينـير لـمن استضاء بضوئه، وعمل بـما أمره. وإنـما يعني بذلك، أنه يهدي به من اتبعه من أمته. ٤٧و قوله: وَبَشّرِ الـمُؤْمِنِـينَ بأنّ لَهُمْ مِنَ اللّه فَضْلاً كَبِـيرا يقول تعالـى ذكره: وبشّر أهل الإيـمان بـاللّه يا مـحمد بأن لهم من اللّه فضلاً كبـيرا يقول: بأن لهم من ثواب اللّه علـى طاعتهم إياه تضعيفـا كثـيرا، وذلك هو الفضل الكبـير من اللّه لهم. ٤٨و قوله: وَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وَالـمُنافِقِـينَ يقول: ولا تطع لقول كافر ولا منافق، فتسمع منه دعاءه إياك إلـى التقصير فـي تبلـيغ رسالات اللّه إلـى من أرسلك بها إلـيه من خـلقه وَدَعْ أذَاهُمْ يقول: وأعرض عن أذاهم لك، واصبر علـيه، ولا يـمنعك ذلك عن القـيام بأمر اللّه فـي عبـاده، والنفوذ لـما كلّفك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَدَعْ أذَاهُمْ قال: أعرض عنهم. ٢١٧٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَدَعْ أذَاهُمْ: أي اصبر علـى أذاهم. و قوله: وَتَوَكّلْ علـى اللّه يقول: وفوّض إلـى اللّه أمورك، وثق به، فإنه كافـيك جميع من دونه، حتـى يأتـيك بأمره وقضاؤه وكَفَـى بِـاللّه وَكِيلاً يقول: وحسبك بـاللّه قـيـما بأمورك، وحافظا لك وكالئا. ٤٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ...}. يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدقوا اللّه ورسوله إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَـمَسّوهُنّ يعني من قبل أن تـجامعوهنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها يعني : من إحصاء أقراء، ولا أشهر تـحصونها علـيهنّ، فمتعوهنّ يقول: أعطوهنّ ما يستـمتعن به من عرض أو عين مال. و قوله: وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول: وخـلوا سبـيـلهنّ تـخـلـية بـالـمعروف، وهو التسريح الـجميـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٦٧ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَـمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فهذا فـي الرجل يتزوّج الـمرأة، ثم يطلقها من قبل أن يـمسها، فإذا طلقها واحدة بـانت منه، ولا عدّة علـيها تتزوّج من شاءت، ثم قرأ: فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول: إن كان سمى لها صداقا، فلـيس لها إلا النصف، فإن لـم يكن سمى لها صداقا، متّعها علـى قدر عسره ويُسره، وهو السراح الـجميـل. وقال بعضهم: الـمتعة فـي هذا الـموضع منسوخة ب قوله: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُـمْ. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِنات... إلـى قوله: سَرَاحا جَمِيلاً قال: قال سعيد بن الـمسيب: ثم نسخ هذا الـحرف الـمتعة وَإنْ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنَ تَـمَسّوهُنّ وَقَدْ فَرَضْتُـمْ لَهُنّ فَريضَةً فنِصْفُ ما فَرَضْتُـمْ. حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب، قال: نسخت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَـمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فَمَتّعُوهُنّ قال: نسخت هذه الاَية التـي فـي البقرة. ٥٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النبي إِنّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاّتِيَ آتَيْتَ أُجُورَهُنّ ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : يا أيّها النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ يعني : اللاتـي تزوّجتهنّ بصداق مسمى، كما: ٢١٧٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ قال: صدقاتهنّ. ٢١٧٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يا أيّهَا النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ قال: كان كل امرأة آتاها مهرا، فقد أحلها اللّه له. ٢١٧٧١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يا أيّها النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزَوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله: خِالصَةً لَكَ مِنْ دُون الـمُؤْمِنِـينَ فما كان من هذه التسمية ما شاء كثـيرا أو قلـيلاً. و قوله: وَما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ مـمّا أفـاءَ اللّه عَلَـيْكَ يقول: وأحللنا لك إماءك اللواتـي سبـيتهنّ، فملكتهنّ بـالسبـاء، وصرن لك بفتـح اللّه علـيك من الفـيء وَبَناتِ عَمّكَ وَبَناتِ عَمّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وبَناتِ خالاتِكَ اللاّتـي هاجَرْنَ مَعَكَ فأحلّ اللّه له صلى اللّه عليه وسلم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، الـمهاجرات معه منهنّ دون من لـم يهاجر منهنّ معه، كما: ٢١٧٧٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى، عن إسرائيـل، عن السدي، عن أبـي صالـح، عن أمّ هانىء، قالت: خطبنـي النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فـاعتذرت له بعذري، ثم أنزل اللّه علـيه: إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله اللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ قالت: فلـم أحلّ له، لـم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود: (وَبَناتِ خالاتِكَ وَاللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ) بواو وذلك وإن كان كذلك فـي قراءته مـحتـمل أن يكون بـمعنى قراءتنا بغير الواو، وذلك أن العرب تدخـل الواو فـي نعت من قد تقدم ذكره أحيانا، كما قال الشاعر: فإِنّ رُشيدا وَابنَ مَرْوَانَ لَـمْ يَكُنْلِـيَفْعَلَ حتـى يَصْدُرَ الأَمْرُ مَصْدَرَا ورشيد هو ابن مروان. وكان الضحاك بن مزاحم يتأوّل قراءة عبد اللّه هذه أنهنّ نوع غير بنات خالاته، وأنهنّ كل مهاجرة هاجرت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم . ذكر الـخبر عنه بذلك: ٢١٧٧٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي حرف ابن مسعود: (وَاللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ) يعني بذلك: كلّ شيء هاجر معه لـيس من بنات العمّ والعمة، ولا من بنات الـخال والـخالة. و قوله: وَامْرأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ يقول: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـي بغير صداق، كما: ٢١٧٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ بغير صداق، فلـم يكن يفعل ذلك، وأحلّ له خاصة من دون الـمؤمنـين. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (وَامْرأةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ) بغير إن، ومعنى ذلك ومعنى قراءتنا وفـيها (إن) واحد، وذلك كقول القائل فـي الكلام: لا بأس أن يطأ جارية مـملوكة إن ملكها، وجارية مـملوكة ملكها. وقوله إنْ أرَادَ النبي أنْ يَسْتَنْكِحَها يقول: إن أراد أن ينكحها، فحلال له أن ينكحها إذا وهبت نفسها له بغير مهر خالِصَةً لَكَ يقول: لا يحلّ لأحد من أمّتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنـما ذلك لك يا مـحمد خالصة أخـلصت لك من دون سائر أمتك، كما: ٢١٧٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: لـيس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولـيّ ولا مهر، إلا للنبـيّ، كانت له خالصة من دون الناس. ويزعمون أنها نزلت فـي ميـمونة بنت الـحارث أنها التـي وهبت نفسها للنبـيّ. ٢١٧٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يا أيّها النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى قوله خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ قال: كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها اللّه له إلـى أن وهب هؤلاء أنفسهنّ له، فأحللن له دون الـمؤمنـين بغير مهر خالصة لك من دون الـمؤمنـين إلا امرأة لها زوج. ٢١٧٧٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن صالـح بن مسلـم، قال: سألت الشعبـي عن امرأة وهبت نفسها لرجل، قال: لا يكون، لا تـحلّ له، إنـما كانت للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: إنْ وَهَبَتْ بكسر الألف علـى وجه الـجزاء، بـمعنى: إن تهب. وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ: (أنْ وَهَبَتْ) بفتـح الألف، بـمعنى: وأحللنا له امرأة مؤمنة أن ينكحها، لهبتها له نفسها. والقراءة التـي لا أستـجيز خلافها فـي كسر الألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. وأما قوله: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ لـيس ذلك للـمؤمنـين. وذُكر أن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن تنزل علـيه هذه الاَية أن يتزوّج أيّ النساء شاء، فقصره اللّه علـى هؤلاء، فلـم يعدُهن، وقصر سائر أمته علـى مثنى وثلاث ورُبـاع. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٧٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت داود بن أبـي هند، عن مـحمد بن أبـي موسى، عن زياد رجل من الأنصار، عن أبـيّ بن كعب، أن التـي أحلّ اللّه للنبـيّ من النساء هؤلاء اللاتـي ذكر اللّه يا أيّها النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله: فِـي أزْوَاجِهِمْ وإنـما أحلّ اللّه للـمؤمنـين مثنى وثُلاث ورُبـاع. ٢١٧٧٩ـ وحدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قوله: يا أيّها النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى آخر الاَية، قال: حرّم اللّه علـيه ما سوى ذلك من النساء وكان قبل ذلك ينكح فـي أيّ النساء شاء، لـم يحرّم ذلك علـيه، فكان نساؤه يجدن من ذلك وجدا شديدا أن ينكح فـي أيّ الناس أحبّ فلـما أنزل اللّه : إنـي قد حرّمت علـيك من الناس سوى ما قصصت علـيك، أعجب ذلك نساءه. واختلف أهل العلـم فـي التـي وهبت نفسها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الـمؤمنات، وهل كانت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة كذلك؟ فقال بعضهم: لـم يكن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يـمين، فأما بـالهبة فلـم يكن عنده منهنّ أحد. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٨٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن عنبسة بن الأزهر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: لـم يكن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة وهبت نفسها. ٢١٧٨١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد ، أنه قال فـي هذه الاَية: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ قال: أن تهب. وأما الذين قالوا: قد كان عنده منهن، فإن بعضهم قال: كانت ميـمونة بنت الـحارث. وقال بعضهم: هي أمّ شريك. وقال بعضهم: زينب بنت خزيـمة. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٨٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن ابن عباس ، قال: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ قال: هي ميـمونة بنت الـحارث. وقال بعضهم: زينب بنت خزيـمة أمّ الـمساكين امرأة من الأنصار. ٢١٧٨٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: ثنـي الـحكم، قال: كتب عبد الـملك إلـى أهل الـمدينة يسألهم، قال: فكتب إلـيه علـيّ، قال شعبة: وهو ظنـي علـيّ بن حسين، قال: وقد أخبرنـي به أبـان بن تغلب، عن الـحكم، أنه علـيّ بن الـحسين، الذي كتب إلـيه، قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أمّ شريك، وهبت نفسها للنبـيّ. ٢١٧٨٤ـ قال: ثنا شعبة، قال: ثنـي عبد اللّه بن أبـي السفر، عن الشعبـي، أنها امرأة من الأنصار، وهبت نفسها للنبـيّ، وهي مـمن أرجأ. ٢١٧٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن خولة بنت حكيـم بن الأوقص من بنـي سلـيـم، كانت من اللاتـي وهبن أنفسهنّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ٢١٧٨٦ـ قال: ثنـي سعيد بن أبـي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، قال: كنا نتـحدّث أن أمّ شريك كانت وهبت نفسها للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت امرأة صالـحة. و قوله: قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ يقول تعالـى ذكره: قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم إذا أرادوا نكاحهنّ مـما لـم نفرضه علـيك، وما خصصناهم به من الـحكم فـي ذلك دونك، وهو أنا فرضنا علـيهم أنه لا يحلّ لهم عقد نكاح علـى حرّة مسلـمة إلا بولـيّ عَصَبة وشهود عدول، ولا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٨٧ـ حدثنـي عبد اللّه بن أحمد بن شبوّيَه، قال: حدثنا مطهر، قال: حدثنا علـيّ بن الـحسين، قال: ثنـي أبـي، عن مطر، عن قتادة ، فـي قول اللّه : قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: إن مـما فرض اللّه علـيهم أن لا نكاح إلا بولـيّ وشاهدين.
٢١٧٨٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: فـي الأربع. ٢١٧٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: كان مـما فرض اللّه علـيهم أن لا تزوّج امرأة إلا بولـيّ وصداق عند شاهدي عدل، ولا يحلّ لهم من النساء إلا أربع، وما ملكت أيـمانهم. و قوله: وَما مَلَكَتْ أيـمانُهُمْ يقول تعالـى ذكره: قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم، لأنه لا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع، وما ملكت أيـمانهم، فإن جميعهن إذا كنّ مؤمنات أو كتابـيات، لهم حلال بـالسبـاء والتسرّي وغير ذلك من أسبـاب الـملك. و قوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَـيْكَ حَرَجٌ وكانَ اللّه غَفُورا رَحِيـما يقول تعالـى ذكره: إنا أحللنا لك يا مـحمد أزواجك اللواتـي ذكرنا فـي هذه الاَية، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـيّ، إن أراد النبي أن يستنكحها، لكيلا يكون علـيك إثم وضيق فـي نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف التـي أبحت لك نكاحهنّ من الـمسميّات فـي هذه الاَية، وكان اللّه غفورا لك ولأهل الإيـمان بك، رحيـما بك وبهم أن يعاقبهم علـى سالف ذنب منهم سلف بعد توبتهم منه. ٥١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِيَ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ...}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ فقال بعضهم: عنى ب قوله: ترجي: تؤخّر، وب قوله: تؤْوي: تضمّ. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٩٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ يقول: تؤخر. ٢١٧٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: تُرْجي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ قال: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ قال: تردّها إلـيك. ٢١٧٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ قال: فجعله اللّه فـي حلّ من ذلك أن يدع من يشاء منهنّ، ويأتـي من يشاء منهنّ بغير قسم، وكان نبـيّ اللّه يقسم. ٢١٧٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عمرو، عن منصور، عن أبـي رزين تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ قال: لـما أشفقن أن يطلقهنّ، قلن: يا نبـيّ اللّه ، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت فكان مـمن أرجأ منهنّ سودة بنت زمعة، وجُوَيرية، وصفـية، وأمّ حبـيبة، وميـمونة وكان مـمن آوى إلـيه: عائشة، وأمّ سلـمة، وحفصة، وزينب. ٢١٧٩٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ فما شاء صنع فـي القسمة بـين النساء، أحل اللّه له ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير عن منصور، عن أبـي رزين، فـي قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ وكان مـمن آوى علـيه الصلاة والسلام: عائشة، وحفصة، وزينب، وأمّ سلـمة، فكان قسمه من نفسه لهنّ سويّ قسمه وكان مـمن أرجى: سودة، وجُوَيرية، وصفـية، وأمّ حبـيبة، وميـمونة، فكان يقسم لهنّ ما شاء، وكان أراد أن يفـارقهنّ، فقلن: اقسم لنا من نفسك ما شئت، ودعنا نكون علـى حالنا. وقال آخرون: معنى ذلك: تطلق وتـخـلـي سبـيـل من شئت من نسائك، وتـمسك من شئت منهنّ فلا تطلق. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٩٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ أمها الـمؤمنـين وَتُؤْوي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ يعني : نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، و يعني بـالإرجاء: يقول: من شئت خـلـيت سبـيـله منهنّ، و يعني بـالإيواء: يقول: من أحببت: أمسكت منهنّ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تترك نكاح من شئت، وتنكح من شئت من نساء أمتك. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قال الـحسن فـي قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ قال: كان نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا خطب امرأة لـم يكن لرجل أن يخطبها حتـى يتزوّجها أو يتركها. و قـيـل: إن ذلك إنـما جعل اللّه لنبـيه حين غار بعضهنّ علـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وطلب بعضهنّ من النفقة زيادة علـى الذي كان يعطيها، فأمره اللّه أن يخيرهنّ بـين الدار الدنـيا والاَخرة، وأن يخـلـي سبـيـل من اختار الـحياة الدنـيا وزينتها، ويـمسك من اختار اللّه ورسوله فلـما اخترن اللّه ورسوله قـيـل لهنّ: اقررن الاَن علـى الرضا بـاللّه وبرسوله، قَسَم لكنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أو لـم يقسم، أو قسم لبعضكنّ، ولـم يقسم لبعضكنّ، وفضل بعضكنّ علـى بعض فـي النفقة، أو لـم يفضل، سوّى بـينكنّ، أو لـم يسوّ، فإن الأمر فـي ذلك إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، لـيس لكم من ذلك شيء. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما ذُكر مع ما جعل اللّه له من ذلك، يسوّي بـينهنّ فـي القَسم، إلا امرأة منهنّ أراد طلاقها، فرضيت بترك القسم لها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٧٩٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سيفـيان، عن منصور، عن أبـي رزين، قال: لـما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يطلق أزواجه، قلن له: افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأمره اللّه فآوى أربعا، وأرجى خمسا. ٢١٧٩٨ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا عبـيدة بن سلـيـمان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة أنها قالت: أما تستـحيـي الـمرأة أن تهب نفسها للرجل حتـى أنزل اللّه . تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ فقلت: إن ربك لـيسارع فـي هواك.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، يعني العبدي، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، أنها كانت تعير النساء اللاتـي وهبن أنفسهنّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقالت: أما تستـحيـي امرأة أن تعرض نفسها بغير صداق، فنزلت، أو فأنزل اللّه : تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِـمّنْ عَزَلْتَ فقلت: إنـي لأرى ربك يُسارع لك فـي هواك. ٢١٧٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ... الاَية. قال: كان أزواجه قد تغايرن علـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فهجرهن شهرا، ثم نزل التـخيـير من اللّه له فـيهنّ، فقرأ حتـى بلغ: وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الـجاهِلِـيّةِ الأُولـى فخيرهنّ بـين أن يخترن أن يخـلـي سبـيـلهنّ ويسرّحهنّ وبـين أن يقمن إن أردن اللّه ورسوله علـى أنهنّ أمهات الـمؤمنـين، لا ينكحن أبدا، وعلـى أنه يؤوي إلـيه من يشاء منهنّ مـمن وهبت نفسها له حتـى يكون هو يرفع رأسه إلـيها، ويرجي من يشاء، حتـى يكون هو يرفع رأسه إلـيها، ومن ابتغى مـمن هي عنده وعزل فلا جناح علـيه، ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ، ويرضين إذا علـمن أنه من قضائي علـيهنّ إيثار بعضهنّ علـى بعض ذلكَ أدْنَى أنْ يرضين، قال: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمن عزلت: من ابتغى أصابه، ومن عزل لـم يصبه، فخيرهنّ بـين أن يرضين بهذا، أو يفـارقهنّ، فـاخترن اللّه ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت. وكان علـى ذلك صلوات اللّه علـيه، وقد شرط اللّه له هذا الشرط، ما زال يعدل بـينهنّ حتـى لقـي اللّه . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره جعل لنبـيه أن يرجي من النساء اللواتـي أحلهنّ له من يشاء، ويُؤوي إلـيه منهنّ من يشاء، وذلك أنه لـم يحصر معنى الإرجاء والإيواء علـى الـمنكوحات اللواتـي كنّ فـي حبـاله، عندما نزلت هذه الاَية دون غيرهنّ مـمن يستـحدث إيواؤها أو إرجاؤها منهنّ. وإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: تؤخر من تشاء مـمن وهبت نفسها لك، وأحللت لك نكاحها، فلا تقبلها ولا تنكحها، أو مـمن هنّ فـي حبـالك، فلا تقربها، وتضمّ إلـيك من تشاء مـمن وهبت نفسها لك، أو أردت من النساء التـي أحللت لك نكاحهنّ، فتقبلها أو تنكحها، ومـمن هي فـي حبـالك فتـجامعها إذا شئت، وتتركها إذا شئت بغير قَسْم. و قوله: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن نكحت من نسائك فجامعت مـمن لـم تنكح، فعزلته عن الـجماع، فلا جناح علـيك. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ قال: جميعا هذه فـي نسائه، إن شاء أتـى من شاء منهنّ، ولا جناح علـيه. ٢١٨٠١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمّنْ عَزَلْتَ قال: ومن ابتغى أصابه، ومن عزل لـم يصبه. وقال آخرون: معنى ذلك: ومن استبدلت مـمن أرجيت، فخـلـيت سبـيـله من نسائك، أو مـمن مات منهنّ مـمن أحللت لك فلا جناح علـيك. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرّ أعْيُنُهُنّ وَلا يَحْزَنّ وَيَرْضَيْنَ بـما آتَـيْتَهُنّ كُلّهُنّ يعني بذلك: النساء اللاتـي أحلّ اللّه له من بنات العمّ والعمة والـخال والـخالة واللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ يقول: إن مات من نسائك اللاتـي عندك أحد، أو خـلـيت سبـيـله، فقد أحللت لك أن تستبدل من اللاتـي أحللت لك مكان من مات من نسائك اللاتـي هنّ عندك، أو خـلـيت سبـيـله منهنّ، ولا يصلـح لك أن تزداد علـى عدّة نسائك اللاتـي عندك شيئا. وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلك، تأويـل من قال: معنى ذلك: ومن ابتغيت إصابته من نسائك مـمّنْ عَزَلْتَ عن ذلك منهنّ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ لدلالة قوله: ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرّ أعْيُنُهُنّ علـى صحة ذلك، لأنه لا معنى لأن تقرّ أعينهنّ إذا هو صلى اللّه عليه وسلم استبدل بـالـميتة أو الـمطلقة منهنّ، إلا أن يعني بذلك: ذلك أدنى أن تقرّ أعين الـمنكوحة منهنّ، وذلك مـما يدلّ علـيه ظاهر التنزيـل بعيد. و قوله: ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرّ أعْيُنُهُنّ وَلا يَحْزَنّ يقول: هذا الذي جعلت لك يا مـحمد من إذنـي لك أن ترجي من تشاء من النساء اللواتـي جعلت لك إرجاءهنّ، وتؤوي من تشاء منهنّ، ووضعي عنك الـحرج فـي ابتغائك إصابة من ابتغيت إصابته من نسائك، وعزلك عن ذلك من عزلت منهنّ، أقرب لنسائك أن تقرّ أعينهنّ به ولا يَحْزَنّ ويرضين بـما آتـيتهنّ كلهنّ من تفضيـل من فضلت من قسم، أو نفقة وإيثار من آثرت منهم بذلك علـى غيره من نسائك، إذا هنّ علـمن أنه من رضاي منك بذلك، وإذنـي لك به، وإطلاق منـي لا من قِبَلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرّ أعْيُنُهُنّ وَلا يَحْزَنّ وَيَرْضَيْنَ بِـمَا آتَـيْتَهُنّ كُلّهُنّ إذا علـمن أن هذا جاء من اللّه لرخصة، كان أطيب لأنفسهنّ، وأقلّ لـحزنهنّ. ٢١٨٠٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله ذلك، نـحوه. والصواب من القراءة فـي قوله: بِـمَا آتَـيْتَهُنّ كُلّهُنّ الرفع غير جائز غيره عندنا، وذلك أن كلهنّ لـيس بنعت للّهاء فـي قوله آتَـيْتَهُنّ، وإنـما معنى الكلام: ويرضين كلهنّ، فإنـما هو توكيد لـما فـي يرضين من ذكر النساء وإذا جعل توكيدا للّهاء التـي فـي آتـيتهنّ لـم يكن له معنى، والقراءة بنصبه غير جائزة لذلك، ولإجماع الـحجة من القرّاء علـى تـخطئة قارئه كذلك. و قوله: وَاللّه يَعْلَـمُ ما فِـي قُلُوبِكُمْ يقول: واللّه يعلـم ما فـي قلوب الرجال من ميـلها إلـى بعض من عنده من النساء دون بعض بـالهوى والـمـحبة يقول: فلذلك وضع عنك الـحرج يا مـحمد فـيـما وُضع عنك من ابتغاء من ابتغيت منهنّ، مـمن عزلت تفضلاً منه علـيك بذلك وتكرمة وكانَ اللّه عَلِـيـما يقول: وكان اللّه ذا علـم بأعمال عبـاده، وغير ذلك من الأشياء كلها حَلِـيـما يقول: ذا حلـم علـى عبـاده، أن يعاجل أهل الذنوب منهم بـالعقوبة، ولكنه ذو حلـم وأناة عنهم، لـيتوب من تاب منهم، وينـيب من ذنوبه من أناب منهم. ٥٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاّ يَحِلّ لَكَ النّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أَزْوَاجٍ ...}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله تعالـى: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يحلّ لك النساء من بعد نسائك اللاتـي خيرتهنّ، فـاخترن اللّه ورسوله والدار الاَخرة. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ... الاَية إلـى رَقـيبـا قال: نُهيَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتزوّج بعد نسائه الأُوَل شيئا. ٢١٨٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ... إلـى قوله: إلاّ ما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ قال: لـما خيرهنّ، فـاخترن اللّه ورسوله والدار الاَخرة قصره علـيهنّ، فقال: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وهنّ التسع التـي اخترن اللّه ورسوله. وقال آخرون: إنـما معنى ذلك: لا يحلّ لك النساء بعد التـي أحللنا لك بقولنا يا أيهَا النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى قوله اللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ. وكأنّ قائلـي هذه الـمقالة وجهوا الكلام إلـى أن معناه: لا يحلّ لك من النساء إلا التـي أحللناها لك. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٠٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن مـحمد بن أبـي موسى، عن زياد، قالا لأبـيّ بن كعب: هل كان للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لو مات أزواجه أن يتزوّج؟ قال: ما كان يحرم علـيه ذلك فقرأت علـيه هذه الاَية: يا أيّها النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ قال: فقال: أحلّ له ضربـا من النساء، وحرّم علـيه ما سواهنّ أحلّ له كل امرأة آتـى أجرها، وما ملكت يـمينه مـما أفـاء اللّه علـيه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته، وكل امرأة وهبت نفسها له إن أراد أن يستنكحها خالصة له من دون الـمؤمنـين. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن مـحمد بن أبـي موسى، عن زياد الأنصاريّ قال: قلت لأُبـيّ بن كعب: أرأيت لو مات نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أكان يحلّ له أن يتزوّج؟ قال: وما يحرّم ذلك علـيه، قال: قلت قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ قال: إنـما أحلّ اللّه له ضربـا من النساء. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود بن أبـي هند، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي موسى، عن زياد، رجل من الأنصار، قال: قلت لأبـيّ بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم توفّـينَ، أما كان له أن يتزوّج؟ فقال: وما يـمنعه من ذلك؟ وربـما قال داود: وما يحرّم علـيه ذلك؟ قلت: قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ فقال: إنـما أحلّ اللّه له ضربـا من النساء، فقال: يا أيها النبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى قوله: إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبـيّ ثم قـيـل له: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ. ٢١٨٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، عن عنبسة، عمن ذكره، عن أبـي صالـح لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ قال: أمر أن لا يتزوّج أعرابـية ولا غريبة، ويتزوّج بعد من نساء تهامة، ومن شاء من بنات العمّ والعمة، والـخال والـخالة إن شاء ثلاث مئة. ٢١٨٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن عكرمة لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ هؤلاء التـي سمى اللّه إلا بَنات عَمّكَ... الاَية. ٢١٨١٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ يعني : من بعد التسمية، يقول: لا يحلّ لك امرأة إلا ابنة عمّ أو ابنة عمة، أو ابنة خال أو ابنة خالة، أو امرأة وهبت نفسها لك، من كان منهنّ هاجر مع نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وفـي حرف ابن مسعود: (وَاللاّتـي هاجَرْنَ مَعَكَ) يعني بذلك: كل شيء هاجر معه لـيس من بنات العم والعمة، ولا من بنات الـخال والـخالة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يحلّ لك النساء من غير الـمسلـمات فأما الـيهوديات والنصرانـيات والـمشركات فحرام علـيك. ذكر من قال ذلك: ٢١٨١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ لا يهودية، ولا نصرانـية، ولا كافرة. وأولـى الأقوال عندي بـالصحة قول من قال: معنى ذلك: لا يحلّ لك النساء من بعد بعد اللواتـي أحللتهن لك بقولـي: إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ.... إلـى قوله: وَامْرأةً مُؤْمنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبـيّ. وإنـما قلت ذلك أولـى بتأويـل الاَية، لأن قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ عَقـيب قوله: إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ وغير جائز أن يقول: قد أحللت لك هؤلاء، ولا يحللن لك إلا بنسخ أحدهما صاحبه، وعلـى أن يكون وقت فرض إحدى الاَيتـين، فَعَلَ الأخرى منهما. فإذ كان ذلك كذلك ولا برهان ولا دلالة علـى نسخ حكم إحدى الاَيتـين حكم الأخرى، ولا تقدّم تنزيـل إحداهما قبل صاحبتها، وكان غير مستـحيـل مخرجهما علـى الصحة، لـم يجز أن يقال: إحداهما ناسخة الأخرى. وإذا كان ذلك كذلك، ولـم يكن لقول من قال: معنى ذلك: لا يحلّ من بعد الـمسلـمات يهودية ولا نصرانـية ولا كافرة، معنى مفهوم، إذ كان قوله مِنْ بَعْدُ إنـما معناه: من بعد الـمسميات الـمتقدم ذكرهنّ فـي الاَية قبل هذه الاَية، ولـم يكن فـي الاَية الـمتقدم فـيها ذكر الـمسميات بـالتـحلـيـل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذكر إبـاحة الـمسلـمات كلهنّ، بل كان فـيها ذكر أزواجه وملك يـمينه الذي يفـيء اللّه علـيه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته، اللاتـي هاجرن معه، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـيّ، فتكون الكوافر مخصوصات بـالتـحريـم، صحّ ما قلنا فـي ذلك، دون قول من خالف قولنا فـيه. واختلفت القراء فـي قراءة قوله لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة يحِلّ بـالـياء، بـمعنى: لا يحلّ لك شيء من النساء بعد. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة: (لا تَـحِلّ لَكَ النّساءُ) بـالتاء، توجيها منه إلـى أنه فعل للنساء، والنساء جمع للكثـير منهن. وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك قراءة من قرأه بـالـياء للعلة التـي ذكرت لهم، ولإجماع الـحجة من القرّاء علـى القراءة بها، وشذوذ من خالفهم فـي ذلك. و قوله: وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يحلّ لك النساء من بعد الـمسلـمات، لا يهودية ولا نصرانـية ولا كافرة، ولا أن تبدّل بـالـمسلـمات غيرهنّ من الكوافر. ذكر من قال ذلك: ٢١٨١٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ ولا أن تبدّل بـالـمسلـمات غيرهنّ من النصارى والـيهود والـمشركين وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ إلاّ ما مَلَكَتْ يَـمينُكَ. ٢١٨١٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبـي رزين، فـي قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ إلاّ ما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ قال: لا يحلّ لك أن تتزوّج من الـمشركات إلا من سبـيت فملكته يـمينك منهنّ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا أن تبدّل بأزواجك اللواتـي هنّ فـي حبـالك أزواجا غيرهنّ، بأن تطلقهنّ، وتنكح غيرهنّ. ذكر من قال ذلك: ٢١٨١٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ يقول: لا يصلـح لك أن تطلق شيئا من أزواجك لـيس يعجبك، فلـم يكن يصلـح ذلك له. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا أن تبـادل من أزواجك غيرك، بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته. ذكر من قال ذلك: ٢١٨١٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ قال: كانت العرب فـي الـجاهلـية يتبـادلون بأزواجهم. يعطي هذا امرأته هذا ويأخذ امرأته، فقال: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ إلاّ ما مَلَكَتْ يَـمِينكَ لا بأس أن تبـادل بجاريتك ما شئت أن تبـادل، فأما الـحرائر فلا قال: وكان ذلك من أعمالهم فـي الـجاهلـية. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ولا أن تطلق أزواجك فتستبدل بهنّ غيرهنّ أزواجا. وأنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب، لـما قد بـيننا قبل من أن قول الذي قال معنى قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ لا يحلّ لك الـيهودية أو النصرانـية والكافرة، قول لا وجه له. فإذ كان ذلك كذلك فكذلك قوله: وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ كافرة لا معنى له، إذ كان من الـمسلـمات من قد حرم علـيه بقوله لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ الذي دللنا علـيه قبل. وأما الذي قاله ابن زيد فـي ذلك أيضا، فقول لا معنى له، لأنه لو كان بـمعنى الـمبـادلة، لكانت القراءة والتنزيـل: ولا أن تبـادل بهنّ من أزواج، أو: ولا أن تُبدّل بهنّ بضمّ التاء ولكن القراءة الـمـجمع علـيها. ولا أن تبدّل بهنّ، بفتـح التاء، بـمعنى: ولا أن تستبدل بهنّ، مع أنّ الذي ذكر ابن زيد من فعل الـجاهلـية غير معروف فـي أمة نعلـمه من الأمـم: أن يُبـادل الرجل آخر بـامرأته الـحرّة، فـيقال: كان ذلك من فعلهم، فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن فعل مثله. فإن قال قائل: أفلـم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتزوّج امرأة علـى نسائه اللواتـي كنّ عنده، فـيكون موجها تأويـل قوله: وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ إلـى ما تأوّلت، أو قال: وأين ذكر أزواجه اللواتـي كنّ عنده فـي هذا الـموضع، فتكون الهاء من قوله: وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ من ذكرهن وتوهم أن الهاء فـي ذلك عائدة علـى النساء، فـي قوله: لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ؟ قـيـل: قد كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتزوّج من شاء من النساء اللواتـي كان اللّه أحلهنّ له علـى نسائه اللاتـي كن عنده يوم نزلت هذه الاَية، وإنـما نُهي صلى اللّه عليه وسلم بهذه الاَية أن يفـارق من كان عنده بطلاق أراد به استبدال غيرها بها، لإعجاب حسن الـمستبدلة له بها إياه إذ كان اللّه قد جعلهنّ أمّهات الـمؤمنـين وخيرهن بـين الـحياة الدنـيا والدار الاَخرة، والرضا بـاللّه ورسوله، فـاخترن اللّه ورسوله والدار الاَخرة، فحرمن علـى غيره بذلك، ومنع من فراقهنّ بطلاق فأما نكاح غيرهنّ فلـم يـمنع منه، بل أحلّ اللّه له ذلك علـى ما بـين فـي كتابه. وقد رُوي عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لـم يقبض حتـى أحلّ اللّه له نساء أهل الأرض. ٢١٨١٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن عائشة قالت: ما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أحلّ له النساء تعنـي أهل الأرض. حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهبـاري، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة، قالت: ما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أحلّ له النساء. حدثنا العباس بن أبـي طالب، قال: حدثنا معلـى، قال: حدثنا وهيب، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبـيد بن عمير اللـيثـي، عن عائشة قالت: ما توفـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أحلّ له أن يتزوّج من النساء ما شاء. حدثنـي أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، قال: أحسب عبـيد بن عمير، حدثنـي، قال أبو زيد، وقال أبو عاصم مرّة، عن عائشة، قالت: ما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أحلّ اللّه له النساء. قال: وقال أبو الزبـير: شهدت رجلاً يحدّثه عطاء. حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا موسى بن إسماعيـل قال: حدثنا همام، عن ابن جُرَيج، عن عطاء عن عبـيد بن عمير، عن عائشة، قالت: ما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أحلّ له النساء. فإن قال قائل: فإن كان الأمر علـى ما وصفت من أن اللّه حرّم علـى نبـيه بهذه الاَية طلاق نسائه اللواتـي خيرهنّ فـاخترنه، فما وجه الـخبر الذي رُوي عنه أنه طلق حفصة ثم راجعها، وأنه أراد طلاق سودة حتـى صالـحته علـى ترك طلاقه إياها، ووهبت يومها لعائشة؟ قـيـل: كان ذلك قبل نزول هذه الاَية. والدلـيـل علـى صحة ما قلنا، من أن ذلك كان قبل تـحريـم اللّه علـى نبـيه طلاقهن، الرواية الواردة أن عمر دخـل علـى حفصة معاقبَها حين اعتزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه، كان من قـيـله لها: قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طلقك، فكلـمته فراجعك، فواللّه لئن طلّقك، أو لو كان طلّقك لا كلّـمته فـيك وذلك لا شك قبل نزول آية التـخيـير، لأن آية التـخيـير إنـما نزلت حين انقضى وقت يـمين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى اعتزالهنّ. وأما أمر الدلالة علـى أن أمر سَوْدة كان قبل نزول هذه الاَية، أن اللّه إنـما أمر نبـيه بتـخيـير نسائه بـين فراقه والـمُقام معه علـى الرضا بأن لا قَسْم لهن، وأنه يُرْجِي من يشاء منهنّ، ويُؤْوي منهنّ من يشاء، ويُؤْثر من شاء منهنّ علـى من شاء، ولذلك قال له تعالـى ذكره: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِـمّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ ذلكَ أدْنَى أنْ تَقَرّ أعْيُنُهُنّ وَلا يَحْزَنّ وَيَرْضَيْنَ بِـمَا آتَـيْتَهُنّ كُلّهُنّ، ومن الـمـحال أن يكون الصلـح بـينها وبـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جرى علـى تركها يومها لعائشة فـي حالِ لا يومَ لها منه. وغير جائز أن يكون كان ذلك منها إلا فـي حالِ كان لها منه يومٌ هوَ لها حقّ كان واجبـا علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أداؤه إلـيها، ولـم يكن ذلك لهنّ بعد التـخيـير لـما قد وصفت قبل فـيـما مضى من كتابنا هذا. فتأويـل الكلام: لا يحلّ لك يا مـحمد النساء من بعد اللواتـي أحللتهنّ لك فـي الاَية قبلُ، ولا أن تُطَلق نساءك اللواتـي اخترن اللّه ورسوله والدار الاَخرة، فتبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسن من أردت أن تبدّل به منهنّ، إلا ما ملكت يـمينك. وأن فـي قوله أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ رفع، لأن معناها: لا يحلّ لك النساء من بعد، ولا الاستبدال بأزواجك، وإلا فـي قوله: إلاّ ما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ استثناء من النساء. ومعنى ذلك: لا يحلّ لك النساء من بعد اللواتـي أحللتهنّ لك، إلا ما ملكت يـمينك من الإماء، فإن لك أن تَـمْلك من أيّ أجناس الناس شئت من الإماء. و قوله: وكان اللّه علـى كُلّ شَيْءٍ رَقِـيبـا يقول: وكان اللّه علـى كل شيء ما أحلّ لك، وحرّم علـيك، وغير ذلك من الأشياء كلها، حفـيظا لا يعزُب عنه علـم شيء من ذلك، ولا يؤوده حفظ ذلك كله. ٢١٨١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكانَ اللّه علـى كُلّ شَيْءٍ رَقِـيبـا: أي حفـيظا، فـي قول الـحسن وقتادة . ٥٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إِلاّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىَ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ...}. يقول تعالـى ذكره لأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا أيها الذين أمنوا بـاللّه ورسوله، لا تدخـلوا بـيوت نبـيّ اللّه إلا أن تُدْعَوا إلـى طعام تطعمونه غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ يعني : غير منتظرين إدراكه وبلوغه وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يَأنِـي إنىً وأنْـيا وإنَاءً قال الـحُطَيئة: وآنَـيْتُ العَشاءَ إلـى سُهَيْـلٍأوِ الشّعْرَى فَطالَ بـيَ الأَناءُ وفـيه لغة أخرى، يقال: قد إن لك: أي تبـين لك إينا، ونال لك، وأنال لك ومنه قول رُؤبة بن العَجاج: هاجَتْ وَمِثْلِـي نَوْلُه أنْ يَرْبَعاحَمامَةٌ ناخَتْ حَماما سُجّعا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٨١٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : إلـى طَعامٍ غيرَ ناظِرِينَ إناهُ قال: مُتَـحَيّنـين نُضْجَه. ٢١٨١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، غيرَ ناظِرِينَ إناهُ يقول: غير ناظرين الطعامَ أن يُصْنَع. ٢١٨٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة غيرَ ناظِرِينَ إناهُ قال: غير متـحينـين طعامه. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله. ونصب غيرَ فـي قوله: غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ علـى الـحال من الكاف والـميـم فـي قوله: إلاّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ لأن الكاف والـميـم معرفة وغير نكرة، وهي من صفة الكاف والـميـم. وكان بعض نـحويّـي البصرة يقول: لا يجوز فـي (غير) الـجرّ علـى الطعام، إلا أن تقول: أنتـم، ويقول: ألا ترى أنك لو قلت: أبدى لعبد اللّه علـيّ امرأة مبغضا لها، لـم يكن فـيه إلا النصب، إلا أن تقول: مبغض لها هو، لأنك إذا أجريت صفته علـيها، ولـم تظهر الضمير الذي يدلّ علـى أن الصفة له لـم يكن كلاما، لو قلت: هذا رجل مع امرأةٍ مُلازِمِها، كان لـحنا، حتـى ترفع، فتقول ملازمُها، أو تقول مُلازمِهَا هُو، فتـجرّ. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: لو جعلت (غير) فـي قوله: غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ خفضا كان صوابـا، لأن قبلها الطعام وهو نكرة، فـيجعل فعلهم تابعا للطعام، لرجوع ذكر الطعام فـي إناه، كما تقول العرب: رأيت زيدا مع امرأةٍ مـحسنا إلـيها ومـحسنٍ إلـيها، فمن قال مـحسنا جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قال: رأيته مع التـي يحسن إلـيها فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها وإن كانت فعلاً لغير النكرة، كما قال الأعشى: فَقُلْتُ لَهُ هَذِهِ هاتِهاإلَـيْنا بِأَدْماءَ مُقْتادِها فجعل الـمقتاد تابعا لإعراب بأدماء، لأنه بـمنزلة قولك: بأدماء تقتادها، فخفضه، لأنه صلة لها، قال: ويُنْشَد: (بأدماءِ مقتادِها) بخفض الأدماء لإضافتها إلـى الـمقتاد، قال: ومعناه: هاتها علـى يدي من اقتادها. وأنشد أيضا: وَإنّ امْرَأً أهْدَى إلَـيْكِ ودُونَهُمِن الأرْضِ مَوْماةٌ وَبَـيْداءُ فَـيْهَقُ لَـمَـحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَـجِيبـي لِصَوْتِهِوأنْ تعْلَـمي أنّ الـمُعانَ مُوَفّقُ وحُكِي عن بعض العرب سَمَاعا يُنْشِد: أرأيْتِ إذْ أعْطَيْتُكِ الوُدّ كُلّهولـمْ يَكُ عِنْدي إنْ أَبَـيْتِ إبـاءُ أمُسْلِـمَتِـي للْـمَوْتِ أنْتِ فَمَيّتٌوَهَلْ للنّفُوسِ الـمُسْلِـماتِ بَقاءُ ولـم يقل: فميت أنا، وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: يدك بـاسطها، يريدون أنت، وهو كثـير فـي الكلام، قال: فعلـى هذا يجوز خفض (غير) . والصواب من القول فـي ذلك عندنا، القول بأجازة جرّ (غير) فـي (غير ناظرين) فـي الكلام، لا فـي القراءة، لـما ذكرنا من الأبـيات التـي حكيناها فأما فـي القراءة فغير جائز فـي (غير) غير النصب، لإجماع الـحجة من القرّاء علـى نصبها. و قوله: وَلَكِنْ إذا دُعِيتُـمْ فـادْخُـلُوا يقول: ولكن إذا دعاكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـادخـلوا البـيت الذي أذن لكم بدخوله فإذَا طَعِمْتُـمْ فـانْتَشِرُوا يقول: فإذا أكلتـم الطعام الذي دعيتـم لأكله فـانتشروا، يعني فتفرّقوا واخرجوا من منزله. وَلا مُسْتأْنِسِينَ لِـحَدِيثٍ ف قوله: وَلا مُسْتأْنِسينَ لِـحَديثٍ فـي موضع خفض عطفـا به علـى ناظرين، كما يقال فـي الكلام: أنت غير ساكت ولا ناطق. وقد يحتـمل أن يقال: (مستأنسين) فـي موضع نصب عطفـا علـى معنى ناظرين، لأن معناه: إلا أن يؤذن لكم إلـى طعام لا ناظرين إناه، فـيكون قوله: وَلا مُسْتأْنِسِينَ نصبـا حينئذ، والعرب تفعل ذلك إذا حالت بـين الأوّل والثانـي، فتردّ أحيانا علـى لفظ الأوّل، وأحيانا علـى معناه، وقد ذكر الفراء أن أبـا القمقام أنشده: أجِدّك لَسْتَ الدّهْرَ رَائيَ رَامَةٍوَلا عاقِلٍ إلاّ وأنْتَ جَنِـيبُ وَلا مُصْعِدٍ فِـي الـمُصْعِدِينَ لَـمِنْعِجٍوَلا هابِطا ما عِشْتُ هَضْبَ شَطِيبِ فردّ (مصعد) علـى أن (رائي) فـيه بـاء خافضة، إذ حال بـينه وبـين الـمصعد مـما حال بـينهما من الكلام. ومعنى قوله: وَلا مُسْتأْنِسِينَ لِـحَدِيثٍ: ولا متـحدّثـين بعد فراغكم من أكل الطعام إيناسا من بعضكم لبعض به، كما: ٢١٨٢١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلا مُسْتأْنِسِينَ لِـحَدِيثٍ بعد أن تأكلوا. واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي نزلت هذه الاَية فـيه، فقال بعضهم: نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي ولـيـمة زينب بنت جحش، ثم جلسوا يتـحدّثون فـي منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وبرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى أهله حاجة، فمنعه الـحياء من أمرهم بـالـخروج من منزله. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٢٢ـ حدثنـي عمران بن موسى القزاز، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا عبد العزيز بن صُهَيب، عن أنس بن مالك، قال: بنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بزينب بنت جحش، فبعثت داعيا إلـى العطام، فدعوت، فـيجيء القوم يأكلون ويخرجون ثم يجيء القوم يأكلون ويخرجون، فقلت: يا نبـيّ اللّه قد دعوت حتـى ما أجد أحدا أدعوه، قال: (ارفعوا طعامكم) ، وإن زينب لـجالسة فـي ناحية البـيت، وكانت قد أعطيت جمالاً، وبقـي ثلاثة نفر يتـحدّثون فـي البـيت، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منطلقا نـحو حجرة عائشة، فقال: (السّلامُ عَلَـيْكُمْ أهْلَ البَـيْتِ) فقالوا: وعلـيك السلام يا رسول اللّه ، كيف وجدت أهلك؟ قال: فأتـى حجر نسائه، فقالوا مثل ما قالت عائشة، فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فإذا الثلاثة يتـحدّثون فـي البـيت، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم شديد الـحياء، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم منطلقا نـحو حجرة عائشة، فلا أدري أَخبرَتْه، أو أُخبر أن الرهط قد خرجوا، فرجع حتـى وضع رجله فـي أُسكفّة داخـل البـيت، والأخرى خارجه، إذ أرخى الستر بـينـي وبـينه، وأُنزلت آية الـحجاب. حدثنـي أبو معاوية بشر بن دحية، قال: حدثنا سفـيان، عن الزهريّ، عن أنس بن مالك، قال: سألنـي أبـيّ بن كعب عن الـحجاب، فقلت: أنا أعلـم الناس به، نزلت فـي شأن زينب أولـم النبي صلى اللّه عليه وسلم علـيها بتـمر وسويق، فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتَ النبي إلاّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلـى قوله: ذَلِكُمْ أطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ. حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنـي عمي، قال: أخبرنـي يونس، عن الزهريّ، قال: أخبرنـي أنس بن مالك أنه كان ابن عشر سنـين مقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمدينة، فكنت أعلـم الناس بشأن الـحجاب حين أنزل فـي مبتنـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها عروسا، فدعا القوم فأصابوا من الطعام حتـى خرجوا، وبقـي منهم رهط عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأطالوا الـمكث، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وخرج، وخرجت معه لكي يخرجوا، فمشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومشيت معه، حتـى جاء عتبة حجرة عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم ظنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، حتـى دخـل علـى زينب، فإذا هم جلوس لـم يقوموا، فرجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا، فضرب بـينـي وبـينه سترا، وأنزل الـحجاب. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن أنس، قال: دعوت الـمسلـمين إلـى ولـيـمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، صبـيحة بنى بزينب بنت جحش، فأوسعهم خبزا ولـحما، ثم رجع كما كان يصنع، فأتـى حجر نسائه فسلـم علـيهنّ، فدعون له، ورجع إلـى بـيته وأنا معه فلـما انتهينا إلـى البـاب إذا رجلان قد جرى بهما الـحديث فـي ناحية البـيت، فلـما أبصرهما ولـى راجعا فلـما رأيا النبي صلى اللّه عليه وسلم ولّـى عن بـيته، ولّـيا مُسْرِعين، فلا أدري أنا أخبرته، أو أُخبر فرجع إلـى بـيته، فأرخى الستر بـينـي وبـينه، ونزلت آية الـحجاب. ٢١٨٢٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الـخطاب: قلت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لو حجبت عن أمهات الـمؤمنـين، فإنه يدخـل علـيك البرّ والفـاجر، فنزلت آية الـحجاب. حدثنـي القاسم بن بشر بن معروف، قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبـي قلابة، عن أنس بن مالك، قال: أنا أعلـم الناس بهذه الاَية، آية الـحجاب لـما أُهديت زينب إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صنع طعاما، ودعا القوم، فجاؤوا فدخـلوا وزينب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي البـيت، وجعلوا يتـحدّثون، وجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخرج ثم يدخـل وهم قعود، قال: فنزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتَ النبي .... إلـى: فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ قال: فقام القوم وضرب الـحجاب. حدثنـي عمر بن إسماعيـل بن مـجالد، قال: حدثنا أبـي، عن بـيان، عن أنس بن مالك، قال: بنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـامرأة من نسائه، فأرسلنـي، فدعوت قوما إلـى الطعام فلـما أكلوا وخرجوا، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منطلقا قِبَلَ بـيت عائشة، فرأى رجلـين جالسين، فـانصرف راجعا، فأنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتَ النبي إلاّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ. ٢١٨٢٤ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا الـمسعودي، قال: حدثنا ابن نهشل، عن أبـي وائل، عن عبد اللّه ، قال: أمر عمر نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم بـالـحجاب، فقالت زينب: يا بن الـخطاب، إنك لتغار علـينا، والوحي ينزل فـي بـيوتنا، فأنزل اللّه : وَإذَا سألْتُـمُوهُنّ مَتاعا فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ. حدثنـي مـحمد بن مرزوق، قال: حدثنا أشهل بن حاتـم، قال: حدثنا ابن عون، عن عمرو بن سعد، عن أنس، قال: وكنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكان يـمرّ علـى نسائه، قال: فأتـى بـامرأة عروس، ثم جاء وعندها قوم، فـانطلق فقضى حاجته، واحتبس وعاد وقد خرجوا قال: فدخـل فأرخى بـينـي وبـينه سترا، قال: فحدثت أبـا طلـحة، فقال: إن كان كما تقول: لـينزلنّ فـي هذا شيء، قال: ونزلت آية الـحجاب. وقال آخرون: كان ذلك فـي بـيت أمّ سلـمة. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَلَكِنْ إذَا دُعِيُتـمْ فـادْخُـلُوا فإذَا طَعِمْتُـمْ فـانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسينَ لِـحَدِيثٍ قال: كان هذا فـي بـيت أمّ سلـمة، قال: أكلوا، ثم أطالوا الـحديث، فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يدخـل ويخرج ويستـحي منهم، واللّه لا يستـحي من الـحق. ٢١٨٢٦ـ قال: ثنا سعيد، عن قتادة : وَإذَا سألْتُـمُوهُنّ مَتاعا فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ قال: بلغنا أنهنّ أُمرن بـالـحجاب عند ذلك. و قوله: إنّ ذَلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النبي . يقول: إن دخولكم بـيوت النبي من غير أن يؤذن لكم، وجلوسكم فـيها مستأنسين للـحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتـم له، كان يؤذي النبي ، فـيستـحي منكم أن يخرجكم منها إذا قعدتـم فـيها للـحديث بعد الفراغ من الطعام، أو يـمنعكم من الدخول إذا دخـلتـم بغير إذن مع كراهيته لذلك منكم وَاللّه لا يَسْتـحْيِ مِنَ الـحَقّ أن يتبـين لكم، وإن استـحيا نبـيكم فلـم يبـين لكم كراهية ذلك حياء منكم وَإذَا سألْتَـمُوهُنّ مَتاعا فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ يقول: وإذا سألتـم أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونساء الـمؤمنـين اللواتـي لسن لكم بأزواج متاعا فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجاب يقول: من وراء ستر بـينكم وبـينهنّ، ولا تدخـلوا علـيهنّ بـيوتهنّ ذَلِكُمْ أطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ يقول تعالـى ذكره: سؤالكم إياهنّ الـمتاع إذا سألتـموهنّ ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ من عوارض العين فـيها التـي تعرض فـي صدور الرجال من أمر النساء، وفـي صدور النساء من أمر الرجال، وأحرى من أن لا يكون للشيطان علـيكم وعلـيهنّ سبـيـل. وقد قـيـل: إن سبب أمر اللّه النساء بـالـحجاب، إنـما كان من أجل أن رجلاً كان يأكل مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعائشة معهما، فأصابت يدها يد الرجل، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢١٨٢٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن لـيث، عن مـجاهد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فنزلت آية الـحجاب. و قـيـل: نزلت من أجل مسألة عمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢١٨٢٨ـ حدثنا أبو كُرَيب ويعقوب، قالا: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا حميد الطويـل، عن أنس، قال: قال عمر بن الـخطاب: قلت: يا رسول اللّه ، إن نساءك يدخـل علـيهنّ البرّ والفـاجر، فلو أمرتهن أن يحتـجبن؟ قال: فنزلت آية الـحجاب. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا حميد، عن أنس، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه. ٢١٨٢٩ـ حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنـي عمرو بن عبد اللّه بن وهب، قال: ثنـي يونس، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: إن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم كنّ يخرجن بـاللـيـل إذا تبرّزن إلـى (الـمناصع) وهو صعيد أفـيح، وكان عمر يقول: يا رسول اللّه ، احجب نساءك، فلـم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة، زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت امرأة طويـلة، فناداها عمر بصوته الأعلـى: قد عرفناك يا سودة، حرصا أن ينزل الـحجاب، قال: فأنزل اللّه الـحجاب. ٢١٨٣٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، قالت: خرجت سودة لـحاجتها بعد ما ضرب علـينا الـحجاب، وكانت امرأة تفرع النساء طولاً، فأبصرها عمر، فناداها: يا سودة، إنك واللّه ما تـخفـين علـينا، فـانظري كيف تـخرجين، أو كيف تصنعين؟ فـانكفأت فرجعت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإنه لـيتعشى، فأخبرته بـما كان، وما قال لها، وإن فـي يده لعَرْقا، فأوحي إلـيه، ثم رفع عنه، وإن العَرْق لفـي يده، فقال: (لقد أُذن لكنّ أن تـخرجن لـحاجتكنّ) . حدثنـي أحمد بن مـحمدالطوسي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبـي وائل، عن ابن مسعود، قال: أمر عمر نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم بـالـحجاب فقالت زينب: يا ابن الـخطاب، إنك لتغار علـينا والوحي ينزل فـي بـيوتنا؟ فأنزل اللّه : وَإذَا سألْتُـمُوهُنّ مَتاعا فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ. حدثنـي أبو أيوب النهرانـي سلـيـمان بن عبد الـحميد، قال: حدثنا يزيد بن عبد ربه، قال: ثنـي ابن حرب، عن الزبـيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، كنّ يخرجن بـاللـيـل إذا تبرّزن إلـى (الـمناصع) وهو صعيد أفـيح وكان عمر بن الـخطاب يقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : احجب نساءك، فلـم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم لـيـلة من اللـيالـي عشاء، وكانت امرأة طويـلة، فناداها عمر بصوته الأعلـى: قد عرفناك يا سودة، حرصا علـى أن ينزل الـحجاب، قالت عائشة: فأنزل اللّه الـحجاب، قال اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا... الاَية. و قوله: وَما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّه يقول تعالـى ذكره: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول اللّه ، وما يصلـح ذلك لكم وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَدا يقول: وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا لأنهنّ أمهاتكم، ولا يحلّ للرجل أن يتزوّج أمه. وذُكر أن ذلك نزل فـي رجل كان يدخـل قبل الـحجاب، قال: لئن مات مـحمد لأتزوجنّ امرأة من نسائه سماها، فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى فـي ذلك: وَما كانَ لَكُمْ أن تُؤْذُوا رَسُولَ اللّه وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَدا. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٣١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّه وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَدا إنّ ذَلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللّه عَظِيـما قال: ربـما بلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم أن الرجل يقول: لو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم توفـي تزوّجت فلانة من بعده، قال: فكان ذلك يؤذي النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فنزل القرآن: وَما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّه .... الاَية. ٢١٨٣٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم مات، وقد ملك قـيـلة بنت الأشعث، فتزوّجها عكرمة بن أبـي جهل بعد ذلك، فشقّ علـى أبـي بكر مشقة شديدة، فقال له عمر: يا خـلـيفة رسول اللّه إنها لـيست من نسائه إنها لـم يخيرّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولـم يحجبها، وقد برأها منه بـالردّة التـي ارتدّت مع قومها، فـاطمأنّ أبو بكر وسكن. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توفـي وقد ملك بنت الأشعث بن قـيس، ولـم يجامعها، ذكر نـحوه. و قوله: إنّ ذَلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللّه عَظِيـما يقول: إن أذاكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده عند اللّه عظيـم من الإثم. ٥٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنّ اللّه كَانَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً }. يقول تعالـى ذكره: إن تظهروا بألسنتكم شيئا أيها الناس من مراقبة النساء، أو غير ذلك مـما نهاكم عنه أو أذى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقول: لأتزوجنّ زوجته بعد وفـاته، أو تـخفوه يقول: أو تـخفوا ذلك فـي أنفسكم، فإن اللّه كان بكل شيء علـيـما، يقول: فإن اللّه بكل ذلك وبغيره من أموركم وأمور غيركم، علـيـم لا يخفـى علـيه شيء، وهو يجازيكم علـى جميع ذلك. ٥٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاّ جُنَاحَ عَلَيْهِنّ فِيَ آبَآئِهِنّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنّ وَلاَ إِخْوَانِهِنّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنّ ...}. يقول تعالـى ذكره: لا حرج علـى أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي آبـائهنّ ولا إثم. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وضع عنهنّ الـجناح فـي هؤلاء، فقال بعضهم: وضع عنهنّ الـجناح فـي وضع جلابـيبهنّ عندهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن عبد الكريـم، عن مـجاهد ، فـي قوله: لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فِـي آبـائهنّ... الاَية كلها، قال: أن تضع الـجلبـاب. ٢١٨٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فـي آبـائهن ومن ذكر معه أن يروهنّ. وقال آخرون: وضع عنهنّ الـجناح فـيهنّ فـي ترك الاحتـجاب. ٢١٨٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة ، فـي قوله لا جُناحَ عَلَـيْهنّ... إلـى شَهِيدا: فرخص لهؤلاء أن لا يحتـجبن منهم. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك وضع الـجناح عنهنّ فـي هؤلاء الـمسلـمين أن لا يحتـجبن منهم، وذلك أن هذه الاَية عقـيب آية الـحجاب، وبعد قول اللّه : وَإذَا سألْتُـمُوهُنّ مَتاعا فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ فلا يكون قوله: لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فِـي آبـائهِنّ استثناء من جملة الذين أمروا بسؤالهنّ الـمتاع من وراء الـحجاب إذا سألوهنّ ذلك أولـى وأشبه من أن يكون خبر مبتدإ عن غير ذلك الـمعنى. فتأويـل الكلام إذن: لا إثم علـى نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأمّهات الـمؤمنـين فـي إذنهنّ لاَبـائهنّ، وترك الـحجاب منهنّ، ولا لأبنائهنّ ولا لإخوانهنّ، ولا لأبناء إخوانهنّ. وعُنـي بإخوانهنّ وأبناء إخوانهنّ إخوتهنّ وأبناء إخوتهنّ. وخرج معهم جمع ذلك مخرج جمع فتـى إذا جمع فتـيان، فكذلك جمع أخ إذا جمع إخوان. وأما إذا جمع إخوة، فذلك نظير جمع فتـى إذا جمع فتـية، ولا أبناء إخوانهنّ، ولـم يذكر فـي ذلك العمّ علـى ما قال الشعبـي حذرا من أن يصفهنّ لأبنائه. ٢١٨٣٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن داود، عن الشعبـي وعكرِمة فـي قوله: لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فِـي آبـائهِنّ وَلا أبْنائهِنّ وَلا إخْوَانِهِنّ وَلا أبْناءِ إخْوَانِهِنّ وَلا أبْناءِ أخَوَاتِهِنّ وَلا نِسائهِنّ وَلا ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُنّ قلت: ما شأن العم والـخال لـم يذكرا؟ قال: لأنهما ينعتانها لأبنائهما، وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها. حدثنا ابن الـمثنى، ، قال: حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا حماد، عن داود، عن عكرمة والشعبـيّ نـحوه، غير أنه لـم يذكر ينعتانها. و قوله: وَلا نسائهِنّ يقول: ولا جناح علـيهنّ أيضا فـي أن لا يحتـجبن من نساء الـمؤمنـين، كما: ٢١٨٣٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا نِسائهِنّ. قال: نساء الـمؤمنات الـحرائر لـيس علـيهنّ جناح أن يرين تلك الزينة، قال: وإنـما هذا كله فـي الزينة، قال: ولا يجوز للـمرأة أن تنظر إلـى شيء من عورة الـمرأة، قال: ولو نظر الرجل إلـى فخذ الرجل لـم أر به بأسا، قال: وَلا ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُنّ فلـيس ينبغي لها أن تكشف قرطها للرجل، قال: وأما الكحل والـخاتـم والـخضاب، فلا بأس به، قال: والزوج له فضل، والاَبـاء من وراء الرجل لهم فضل. قال: والاَخرون يتفـاضلون، قال: وهذا كله يجمعه ما ظهر من الزينة، قال: وكان أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يحتـجبن من الـمـمالـيك. و قوله: وَلا ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُنّ من الرجال والنساء. وقال آخرون: من النساء. و قوله: وَاتّقِـينَ اللّه يقول: وخَفن اللّه أيها النساء أن تتعدّين ما حدّ اللّه لكن، فتبدين من زينتكنّ ما لـيس لكنّ أن تبدينه، أو تتركن الـحجاب الذي أمركنّ اللّه بلزومه، إلا فـيـما أبـاح لكن تركه، والزمْنَ طاعته إنّ اللّه عَلـى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدا يقول تعالـى ذكره: إن اللّه شاهد علـى ما تفعلنه من احتـجابكنّ، وترككنّ الـحجاب لـمن أبحت لكن ترك ذلك له، وغير ذلك من أموركنّ يقول: فـاتقـين اللّه فـي أنفسكنّ لا تلقـين اللّه ، وهو شاهد علـيكم بـمعصيته، وخلاف أمره ونهيه، فتهلكن، فإنه شاهد علـى كلّ شيء. ٥٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّه وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النبي يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وسلم واْ تَسْلِيماً }. يقول تعالـى ذكره: إن اللّه وملائكته يبرّكون علـى النبي مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، كما: ٢١٨٣٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: إنّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ علـى النبي يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ يقول: يبـاركون علـى النبي . وقد يحتـمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن اللّه يرحم النبي ، وتدعو له ملائكته ويستغفرون، وذلك أن الصلاة فـي كلام العرب من غير اللّه إنـما هو دعاء. وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته. يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين آمنوا ادعوا لنبـيّ اللّه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وسلم وا عَلَـيْهِ تَسْلِـيـما يقول: وحيوه تـحية الإسلام. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الاَثار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢١٨٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلـحة، عن أبـيه، قال: أتـى رجل النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: سمعت اللّه يقول: إنّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النبي ... الاَية، فكيف الصلاة علـيك؟ فقال: (قُلِ: اللّه مّ صَلّ علـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ، كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْراَهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ، وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ، كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ) . ٢١٨٤٠ـ حدثنـي جعفر بن مـحمد الكوفـي، قال: حدثنا يعلـى بن الأجلـح، عن الـحكم بن عُتـيبة، عن عبد الرحمن بن أبـي لَـيـلـى، عن كعب بن عُجرة، قال: لـما نزلت: إنّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النبي يا أيها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ وسلم وا تَسْلِـيـما قمت إلـيه، فقلت: السلام علـيك قد عرفناه، فكيف الصلاة علـيك يا رسول اللّه ؟ قال: (قُلِ اللّه مّ صَلّ علـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ، كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ وآلِ إبْراهِيـمَ، إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ، وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ، كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ وآلِ إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ) . ٢١٨٤١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا أبو إسرائيـل، عن يونس بن خبـاب، قال: خطبنا بفـارس فقال: إنّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ... الاَية، فقال: أنبأنـي من سمع ابن عباس يقول: هكذا أنزل، فقلنا: أو قالوا يا رسول اللّه قد علـمنا السلام علـيك، فكيف الصلاة علـيك؟ فقال: (اللّه مّ صَلّ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ، كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْرَاهِيـمَ وآلِ إبْراهِيـمَ، إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ، وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ، كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ) . ٢١٨٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن إبراهيـم فـي قوله إنّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ... الاَية، قالوا: يا رسول اللّه هذا السلام قد عرفناه، فكيف الصلاة علـيك؟ فقال: قولوا: (اللّه مّ صَلّ عَلـى مَـحَمّدٍ عَبْدِدَكَ وَرَسُولِكَ وأهْلِ بَـيْتِهِ كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ) . ٢١٨٤٣ـ حدثنـي يعقوب الدورقـي، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا أيوب، عن مـحمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود الأنصاري، قال: لـما نزلت: إنّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النبي يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ وسلم وا تَسْلِـيـما قالوا: يا رسول اللّه هذا السلام قد عرفناه، فكيف الصلاة، وقد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (قولوا: اللّه مّ صَلّ عَلـى مُـحَمّدٍ كمَا صَلّـيْتَ عَلـى آلِ إبْراهِيـمَ، اللّه مّ بـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ كمَا بـارَكْتَ علـى آلِ إبْراهِيـمَ) . ٢١٨٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النبي يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ وسلم وا تَسْلِـيـما قال: لـما نزلت هذه الاَية قالوا: يا رسول اللّه قد علـمنا السلام علـيك، فكيف الصلاة علـيك؟ قال: (قولوا: اللّه مّ صَلّ علـى مُـحَمّدٍ، كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْرَاهِيـمَ، وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْرَاهِيـمَ) وقال الـحسن: (اللّه مّ اجعل صلواتك وبركاتك علـى آل مـحمد، كما جعلتها علـى إبراهيـم إنك حميد مـجيد) . ٥٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأَعَدّ لَهُمْ عَذَاباً مّهِيناً }. يعني بقوله تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه إنّ الذين يؤذون ربهم بـمعصيتهم إياه، وركوبهم ما حرّم علـيهم. وقد قـيـل: إنه عنى بذلك أصحاب التصاوير، وذلك أنهم يرومون تكوين خـلق مثل خـلق اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢١٨٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد القرشي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سلـمة بن الـحجاج، عن عكرِمة، قال: الذين يؤذون اللّه ورسوله هم أصحاب التصاوير. ٢١٨٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله: إنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ وأعَدّ لَهُمْ عَذَابـا مُهِينا قال: يا سبحان اللّه ما زال أناس من جهلة بنـي آدم حتـى تعاطوا أذى ربهم وأما أذاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهو طعنهم علـيه فـي نكاحه صفـية بنت حيـيّ فـيـما ذكر. ٢١٨٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: إنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ وأعَدّ لَهُمْ عَذَابـا مُهِينا قال: نزلت فـي الذين طعنوا علـى النبي صلى اللّه عليه وسلم حين اتـخذ صفـية بنت حيـيّ بن أخطب. و قوله: وَلَعَنَهُمُ اللّه فـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ يقول تعالـى ذكره: أبعدهم اللّه من رحمته فـي الدنـيا والاَخرة وأعدّ لهم فـي الاَخرة عذابـا يهينهم فـيه بـالـخـلود فـيه. ٥٨و قوله: وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الـمُؤْمِنِـينَ كان مـجاهد يوجه معنى قوله يُؤْذُونَ إلـى يقـفون. ذكر الرواية بذلك عنه: ٢١٨٤٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَالّذِينَ يُؤْذُونَ قال: يقـفون. فمعنى الكلام علـى ما قال مـجاهد : والذين يقـفون الـمؤمنـين والـمؤمنات، ويعيبونهم طلبـا لشينهم بغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا يقول: بغير ما عملوا، كما: ٢١٨٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: بغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا قال عملوا. ٢١٨٥٠ـ حدثنا نصر بن علـيّ، قال: حدثنا عثام بن علـيّ، عن الأعمش، عن مـجاهد ، قال: قرأ ابن عمر: وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَـمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبِـينا قال: فكيف إذا أوذي بـالـمعروف، فذلك يضاعف له العذاب. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام بن علـيّ، عن الأعمش، عن ثور، عن ابن عمر وَالّذِينَ يُؤْذون الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا قال: كيف بـالذي يأتـي إلـيهم الـمعروف. ٢١٨٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالّذِينَ يُؤْذونَ الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَـمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبـيِنا فإياكم وأذى الـمؤمن، فإن اللّه يحوطه، ويغضب له. و قوله: فَقَدِ احْتَـمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبِـينا يقول: فقد احتـملوا زورا وكذبـا وفرية شنـيعة وبهتان: أفحش الكذب وإثْما مُبِـينا يقول: وإثما يبـينُ لسامعه أنه إثم وزور. ٥٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النبي قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّه غَفُوراً رّحِيماً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء الـمؤمنـين، لا يتشبهن بـالإماء فـي لبـاسهنّ إذا هن خرجن من بـيوتهنّ لـحاجتهنّ، فكشفن شعورهنّ ووجوههنّ، ولكن لـيدنـين علـيهنّ من جلابـيبهنّ، لئلا يعرض لهنّ فـاسق، إذا علـم أنهنّ حرائر بأذى من قول. ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة الإدناء الذي أمرهنّ اللّه به، فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههنّ ورؤوسهنّ، فلا يبدين منهنّ إلا عينا واحدة. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٥٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ أمر اللّه نساء الـمؤمنـين إذا خرجن من بـيوتهنّ فـي حاجة أن يغطين وجوههنّ من فوق رؤوسهنّ بـالـجلابـيب، ويبدين عينا واحدة. ٢١٨٥٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن عون، عن مـحمد، عن عُبـيدة فـي قوله: يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ فلبسها عندنا ابن عون، قال: ولبسها عندنا مـحمد، قال مـحمد: ولبسها عندي عبـيدة قال ابن عون بردائه، فتقنّع به، فغطى أنفه وعينه الـيسرى، وأخرج عينه الـيـمنى، وأدنى رداءه من فوق حتـى جعله قريبـا من حاجبه أو علـى الـحاجب. ٢١٨٥٤ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبـيدة، عن قوله: قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ قال: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينـيه. وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابـيبهنّ علـى جبـاههنّ. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ.... إلـى قوله: وكانَ اللّه غَفُورا رَحِيـما قال: كانت الـحرّة تلبس لبـاس الأمة، فأمر اللّه نساء الـمؤمنـين أن يدنـين علـيهنّ من جلابـيبهنّ وإدناء الـجلبـاب: أن تقنع وتشدّ علـى جبـينها. ٢١٨٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ أخذ اللّه علـيهنّ إذا خرجن أن يقنعن علـى الـحواجب ذلكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وقد كانت الـمـملوكة إذا مرّت تناولوها بـالإيذاء، فنهى اللّه الـحرائر أن يتشبهن بـالإماء. ٢١٨٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ يتـجلببن فـيُعلـم أنهنّ حوائر فلا يعرض لهنّ فـاسق بأذى من قول ولا ريبة. ٢١٨٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عمن حدثه، عن أبـي صالـح، قال: قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم الـمدينة علـى غير منزل، فكان نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم وغيرهنّ إذا كان اللـيـل خرجن يقضين حوائجهنّ، وكان رجال يجلسون علـى الطريق للغزل، فأنزل اللّه : يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ يقنعن بـالـجلبـاب حتـى تعرف الأمة من الـحرّة. و قوله: ذلكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلأ يُؤْذَيْنَ يقول تعالـى ذكره: إدناؤهنّ جلابـيبهنّ إذا أدنـينها علـيهنّ أقرب وأحرى أن يعرفن مـمن مررن به، ويعلـموا أنهنّ لسن بـاماء، فـيتنكّبوا عن أذاهنّ بقول مكروه، أو تعرّض بريبة وكانَ اللّه غَفُورا لـما سلف منهنّ من تركهنّ إدناءهنّ الـجلابـيب علـيهنّ رَحِيـما بهنّ أن يعاقبهنّ بعد توبتهنّ بـادناء الـجلابـيب علـيهنّ. ٦٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّئِن لّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ ...}. يقول تعالـى ذكره: لئن لـم ينته أهل النفـاق، الذين يستسرّون الكفر، ويظهرون الإيـمان وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني : ريبة من شهوة الزنا وحبّ الفجور. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عبد الصمد، قال: حدثنا مالك بن دينار، عن عكرِمة، فـي قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: هم الزناة. ٢١٨٦٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: شهوة الزنا. قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا أبو صالـح التـمار، قال: سمعت عكرِمة فـي قوله: فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: شهوة الزنا. ٢١٨٦١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة عمن حدثه، عن أبـي صالـح وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: الزناة. ٢١٨٦٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتَهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.... الاَية، قال: هؤلاء صنف من الـمنافقـين وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أصحاب الزنا، قال: أهل الزنا من أهل النفـاق الذين يطلبون النساء فـيبتغون الزنا. وقرأ: فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ فَـيَطْمَعَ الّذِي فِـي قَلْبِهِ مَرَضٌ قال: والـمنافقون أصناف عشرة فـي براءة، قال: فـالذين فـي قلوبهم مرض صنف منهم مرض من أمر النساء. و قوله: وَالـمُرْجِفُونَ فِـي الـمَدِينَةِ يقول: وأهل الإرجاف فـي الـمدينة بـالكذب والبـاطل. وكان إرجافهم فـيـما ذُكر كالذي: ٢١٨٦٣ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتَهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالـمُرْجِفُونَ فِـي الـمَدِينَةِ.... الاَية، الإرجاف: الكذب الذي كان نافقه أهل النفـاق، وكانوا يقولون: أتاكم عدد وعدّة. وذكر لنا أن الـمنافقـين أرادوا أن يظهروا ما فـي قلوبهم من النفـاق، فأوعدهم اللّه بهذه الاَية، قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتَهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.... الاَية فلـما أوعدهم اللّه بهذه الاَية كتـموا ذلك وأسرّوه. ٢١٨٦٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَالـمُرْجِفُونَ فِـي الـمَدِينَةِ هم أهل النفـاق أيضا الذين يرجفون برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبـالـمؤمنـين. و قوله: لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ يقول: لنسلطنك علـيهم ولنـحرّشنك بهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٦٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ يقول: لنسلطنك علـيهم. ٢١٨٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ: أي لنـحملنك علـيهم لنـحرشنك بهم. قوله: ثُمّ لا يُجاوِرونكَ فِـيها إلاّ قَلِـيلاً يقول: ثم لننفـينهم عن مدينتك فلا يسكنون معك فـيها إلا قلـيلاً من الـمدة والأجل، حتـى تنفـيهم عنها، فنـخرجهم منها، كما: ٢١٨٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ثُمّ لا يُجاوِرونَكَ فِـيها إلاّ قَلِـيلاً أي بـالـمدينة. ٦١و قوله: مَلْعُونِـينَ إيْنَـما ثُقِـفُوا أخذوا وَقُتّلُوا تَقْتِـيلاً يقول تعالـى ذكره: مطرودين منفـيـين أينـما ثقـفوا يقول: حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بـاللّه تقتـيلاً. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مَلْعُونِـينَ علـى كلّ حال أيْنَـما ثُقِـفُوا أخذوا وَقُتّلُوا تَقْتِـيلاً إذا هم أظهروا النفـاق. ونصب قوله: مَلْعُونِـينَ علـى الشتـم، وقد يجوز أن يكون القلـيـل من صفة الـملعونـين، فـيكون قوله ملعونـين مردودا علـى القلـيـل، فـيكون معناه: ثم لا يجاورونك فـيها إلا أقلاء ملعونـين يقتلون حيث أصيبوا. ٦٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سُنّةَ اللّه فِي الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّه تَبْدِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: سُنّةَ اللّه فِـي الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلُ هؤلاء الـمنافقـين الذين فـي مدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معه ضُرَبـاء هؤلاء الـمنافقـين، إذا هم أظهروا نفـاقهم أن يُقَتّلَهُمْ تَقْتـيلاً، ويـلعنهم لعنا كثـيرا. وبنـحو الذي قولنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: سُنّةَ اللّه فِـي الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلُ... الاَية، يقول: هكذا سنة اللّه فـيهم إذا أظهروا النفـاق. و قوله: وَلَنْ تَـجِدَ لِسُنّةِ اللّه تَبْدِيلاً يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ولن تـجد يا مـحمد لسنة اللّه التـي سنها فـي خـلقه تغيـيرا، فأيقن أنه غير مغير فـي هؤلاء الـمنافقـين سنته. ٦٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْأَلُكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّه وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً }. يقول تعالـى ذكره: يَسْألُكَ النّاسُ يا مـحمد عَنِ السّاعَةِ متـى هي قائمة؟ قلْ لهم: إنـما علـم الساعة عنْدَ اللّه لا يعلـم وقت قـيامها غيره وَما يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبـا يقول: وما أشعرك يا مـحمد لعلّ قـيام الساعة يكون منك قريبـا، قد قرب وقت قـيامها، ودنا حين مـجيئها. ٦٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّه لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدّ لَهُمْ سَعِيراً }. يقول تعالـى ذكره: إن اللّه أبعد الكافرين به من كل خير، وأقصاهم عنه وأعَدّ لَهُمْ سَعِيرا يقول: وأعدّ لَهم فـي الاَخرة نارا تتقد وتتسعر لـيصلـيهموها ٦٥خالِدِينَ فِـيها أبَدا يقول: ماكثـين فـي السعير أبدا، إلـى غير نهاية لا يَجِدُونَ وَلِـيّا يتولاهم، فـيستنقذهم من السعير التـي أصلاهموها اللّه وَلا نَصِيرا ينصرهم، فـينـجيهم من عقاب اللّه إياهم. ٦٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ تُقَلّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ يَقُولُونَ يَلَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللّه وَأَطَعْنَا الرّسُولاَ }. يقول تعالـى ذكره: لا يجد هؤلاء الكافرون ولـيا ولا نصيرا فـي يوم تقلب وجوههم فـي النار حالاً بعد حال يَقُولُونَ وتلك حالهم فـي النار: يَا لَـيْتَنَا أطَعْنَا اللّه فـي الدنـيا وأطعنا رسوله، فـيـما جاءنا به عنه من أمره ونهيه، فكنا مع أهل الـجنة فـي الـجنة، يا لها حسرة وندامةً، ما أعظمها وأجلها. ٦٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ رَبّنَآ إِنّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلّونَا السّبِيلاْ}. يقول تعالـى ذكره: وقال الكافرون يوم القـيامة فـي جهنـم: ربنا إنا أطعنا أئمتنا فـي الضلالة وكبراءنا فـي الشرك فَأَضَلّونا السّبِـيـلَ يقول: فأزالونا عن مـحجة الـحقّ، وطريق الهدى، والإيـمان بك، والإقرار بوحدانـيتك، وإخلاص طاعتك فـي الدنـيا ٦٨رَبّنا آتِهِمْ ضِعْفَـيْنِ مِنَ العَذَابِ يقول: عذّبهم من العذاب مِثْلَـى عذابنا الذي تعذّبنا وَالْعَنْهُمْ لَعْنا كَبـيرا يقول: واخزهم خزيا كبـيرا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: رَبّنا إنّا أطَعْنا سادَتَنا وكُبَراءنَا أي رؤوسنا فـي الشرّ والشرك. ٢١٨٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّا أطَعْنا سادَتَنا وكُبَرَاءَنا قال: هم رؤوس الأمـم الذين أضلوهم، قال: سادتنا وكبراءنا واحد. وقرأت عامة قرّاء الأمصار: سادَتَنا. ورُوي عن الـحسن البصري: (سادَاتِنا) علـى الـجماع، والتوحيد فـي ذلك هي القراءة عندنا، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. واختلفوا فـي قراءة قوله: لَعْنا كَبِـيرا فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار بـالثاء: (كَثِـيرا) من الكثرة، سوى عاصم، فإنه قرأه لَعْنا كَبِـيرا من الكبر. والقراءة فـي ذلك عندنا بـالثاء لإجماع الـحجة من القراء علـيها. ٦٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىَ فَبرّأَهُ اللّه مِمّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ اللّه وَجِيهاً }. يقول تعالـى ذكره لأصحاب نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا أيها الذين آمنوا بـاللّه ورسوله لا تؤذوا رسول اللّه بقول يكرهه منكم، ولا بفعل لا يحبه منكم، ولا تكونوا أمثال الذين آذوا موسى نبـيّ اللّه ، فرموه بعيب كذبـا وبـاطلاً فَبرّأهُ اللّه مِـمّا قالُوا فـيه من الكذب والزور بـما أظهر من البرهان علـى كذبهم وكانَ عِنْدَ اللّه وَجِيها يقول: وكان موسى عند اللّه مشفعا فـيـما يسأل، ذا وجه ومنزلة عنده بطاعته إياه. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الأذى الذي أوذي به موسى الذي ذكره اللّه فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: رموه بأنه آدَر. ورَوَي بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبرا. ذكر الرواية التـي رويت عنه، ومن قال ذلك: ٢١٨٧٢ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، وعبد اللّه بن الـحارث، عن ابن عباس ، فـي قوله: لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى قال: قال له قومه: إنك آدر، قال: فخرج ذات يوم يغتسل، فوضع ثـيابه علـى صخرة، فخرجت الصخرة تشتدّ بثـيابه، وخرج يتبعها عريانا حتـى انتهت به إلـى مـجالس بنـي إسرائيـل، قال: فرأوه لـيس بآدر، قال: فذلك قوله: فَبرّأهُ اللّه مِـمّا قالُوا. ٢١٨٧٣ـ حدثنـي يحيى بن داود الواسطي، قال: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفـيان، عن جابر، عن عكرمة، عن أبـي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : (لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى قال: قالُوا: هُوَ آدَرُ، قال: فذهب موسى يغتسل، فوضع ثـيابه علـى حجر، فمرّ الـحجر بثـيابه، فتبع موسى قـفـاه، فقال: ثـيابـي حجر، فمرّ بـمـجلس بنـي إسرائيـل، فرأوه، فبرأه اللّه مـما قالوا) وكانَ عِنْدَ اللّه وَجِيها. ٢١٨٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى... إلـى وَجِيها قال: كان أذاهم موسى أنهم قالوا: واللّه ما يـمنع موسى أن يضع ثـيابه عندنا إلا أنه آدر، فآذى ذلك موسى فبـينـما هو ذات يوم يغتسل وثوبه علـى صخرة فلـما قضى موسى غسله وذهب إلـى ثوبه لـيأخذه، انطلقت الصخرة تسعى بثوبه، وانطلق يسعى فـي أثرها حتـى مرّت علـى مـجلس بنـي إسرائيـل وهو يطلبها فلـما رأوا موسى صلى اللّه عليه وسلم متـجرّدا لا ثوب علـيه قالوا: وللّه ما نرى بـموسى بأسا، وإنه لبريء مـما كنا نقول له، فقال اللّه : فَبرّأهُ اللّه مِـمّا قالُوا وكانَ عِنْدَ اللّه وَجِيها. ٢١٨٧٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى... الاَية، قال: كان موسى رجلاً شديد الـمـحافظة علـى فرجه وثـيابه، قال: فكانوا يقولون: ما يحمله علـى ذلك إلا عيب فـي فرجه يكره أن يُرَى فقام يوما يغتسل فـي الصحراء، فوضع ثـيابه علـى صخرة، فـاشتدّت بثـيابه، قال: وجاء يطلبها عريانا، حتـى اطلع علـيهم عريانا، فرأوه بريئا مـما قالوا، وكان عند اللّه وجيها. قال: والوجيه فـي كلام العرب: الـمـحبّ الـمقبول. وقال آخرون: بل وصفوه بأنه أبرص. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٧٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: قال بنو إسرائيـل: إن موسى آدر وقالت طائفة: هو أبرص من شدّة تستّره، وكان يأتـي كلّ يوم عينا، فـيغتسل ويضع ثـيابه علـى صخرة عندها، فعدت الصخرة بثـيابه حتـى انتهت إلـى مـجلس بنـي إسرائيـل، وجاء موسى يطلبها فلـما رأوه عريانا لـيس به شيء مـما قالوا، لبس ثـيابه ثم أقبل علـى الصخرة يضربها بعصاه، فأثرت العصا فـي الصخرة. حدثنا بحر بن حبـيب بن عربـي، قال: حدثنا روح بن عبـادة، قال: حدثنا عوف، عن مـحمد، عن أبـي هريرة فـي هذه الاَية لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبرّأهُ اللّه مِـمّا قالُوا... الاَية، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ مُوسَى كانَ رَجُلاً حَيِـيّا سِتّـيرا، لا يَكادُ يُرَى مِنْ جِلْدهِ شَيْءٌ اسْتِـحْياءً مِنْهُ، فآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنـي إسْرَائِيـلَ، وَقالُوا: ما تَسَتّرَ هَذَا التّسَتّرَ إلاّ مِنْ عَيْبٍ فِـي جِلْدِهِ، إمّا برصٌ، وإمّا أُدْرَةٌ، وإمّا آفَةٌ، وَإنّ اللّه أرَادَ أنْ يُبَرّئَهُ مِـمّا قالُوا، وَإنّ مُوسَى خَلا يَوْما وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِـيابَهُ عَلـى حَجَرٍ، ثُمّ اغْتَسَلَ فَلَـمّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ أقْبَلَ عَلـى ثَوْبهِ لِـيأْخُذَهُ، وَإنّ الـحَجَرَ عَدَا بثَوْبِهِ، فأخَذَ مُوسَى عَصا وَطَلَبَ الـحَجَرَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِـي حَجَرُ، حتـى انْتَهَى إلـى مِلإٍ مِنْ بَنـي إسْرائِيـلَ، فَرأَوْهُ عُرْيانا كأحْسَنِ النّاسِ خَـلْقا، وَبَرّأهُ اللّه مِـمّا قالُوا، وَإنّ الـحَجَرَ قامَ، فأخَذَ ثَوْبَهُ وَلَبِسَهُ، فَطَفِقَ بـالـحَجَرِ ضَرْبـا بذلكَ، فوَاللّه إنّ فِـي الـحَجَرِ لَنَدْبـا مِنْ أثَرِ ضَوْبِهِ ثَلاثا أوْ أرْبَعا أوْ خَمْسا) . ٢١٨٧٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن عوف، عن الـحسن، قال: بلغنـي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (كانَ مُوسَى رَجُلاً حَيِـيّا سِتـيرا) ثم ذكر نـحوا منه. ٢١٨٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: حدّث الـحسن، عن أبـي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ كانُوا يَغْتَسِلُونَ وَهُمْ عُرَاةٌ، وكانَ نَبِـيّ اللّه مُوسَى حَيِـيّا، فكانَ يَتَسَتّرُ إذَا اغْتَسَلَ، فَطَعَنُوا فِـيهِ بعَوْرَةٍ، قال: فَبَـيْنا نَبِـيّ اللّه يَغْتَسلُ يَوْما، إذْ وَضَعَ ثِـيابَهُ علـى صَخْرَةٍ، فـانْطَلَقَتِ الصّخْرَةُ وَاتّبَعَها نَبِـيّ اللّه ضَرْبـا بِعَصَاهُ: ثَوْبِـي يا حَجَرُ، ثَوْبِـي يا حَجَرُ، حتـى انْتَهَتْ إلـى ملإٍ مِنْ بَنِـي إسْرائِيـلَ، أوْ تَوَسّطهُمْ، فَقامَتْ، فأخَذَ نَبِـيّ اللّه ثِـيابَهُ، فَنَظَرُوا إلـى أحْسَنِ النّاسِ خَـلْقا، وأعْدَلِهِ مُرُوءَةً، فقالَ الـمَلأُ: قاتَلَ اللّه أفّـاكي بَنِـي إسْرائِيـلَ، فَكانَتْ بَراءَتَهُ التـي بَرّأَهُ اللّه مِنْها) . وقال آخرون: بل كان أذاهم إياه ادّعاءهم علـيه قتل هارون أخيه. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٧٩ـ حدثنـي علـيّ بن مسلـم الطوسي، قال: حدثنا عبـاد، قال: حدثنا سفـيان بن حبـيب، عن الـحكم، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس ، عن علـيّ بن أبـي طالب، رضي اللّه عنه، فـي قول اللّه : لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى... الاَية، قال: صعد موسى وهارون الـجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيـل: أنت قتلته، وكان أشدّ حبـا لنا منك، وألـين لنا منك، فآذوه بذلك، فأمر اللّه الـملائكة فحملته حتـى مرّوا به علـى بنـي إسرائيـل، وتكلّـمت الـملائكة بـموته، حتـى عرف بنو إسرائيـل أنه قد مات، فبرأه اللّه من ذلك فـانطلقوا به فدفنوه، فلـم يطلع علـى قبره أحد من خـلق اللّه إلا الرخم، فجعله اللّه أصمّ أبكم. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن بنـي إسرائيـل آذوا نبـيّ اللّه ببعض ما كان يكره أن يؤذي به، فبرأه اللّه مـما آذوه به. وجائز أن يكون ذلك كان قـيـلهم إنه أبرص، وجائز أن يكون كان ادّعاءهم علـيه قتل أخيه هارون. وجائز أن يكون كلّ ذلك، لأنه قد ذكر كلّ ذلك أنهم قد آذوه به، ولا قول فـي ذلك أولـى بـالـحقّ مـما قال اللّه إنهم آذوا موسى، فبرأه اللّه مـما قالوا. ٧٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّه وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }. يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله، اتقوا اللّه أن تعصوه، فتستـحقوا بذلك عقوبته. و قوله: وَقولوا قَوْلاً سَدِيدا يقول: قولوا فـي رسول اللّه والـمؤمنـين قولاً قاصدا غير جائز، حقا غير بـاطل، كما: ٢١٨٨٠ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا يقول: سدادا. ٢١٨٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا عنبسة، عن الكلبـي وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا قال: صدقا. ٢١٨٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: اتّقُوا اللّه وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا أي عدلاً، قال قتادة : يعني به فـي منطقه وفـي عمله كله، والسديد: الصدق. ٢١٨٨٣ـ حدثنـي سعد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا حفص بن عمر، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة فـي قول اللّه : وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا قولوا: لا إله إلا اللّه . ٧١و قوله: يُصْلِـحْ لَكُمْ أعمالَكُمْ يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين: اتقوا اللّه وقولوا السداد من القول يوفقكم لصالـح الأعمال، فـيصلـح أعمالكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ يقول: ويعف لكم عن ذنوبكم، فلا يعاقبكم علـيها وَمَن يُطِعِ اللّه وَرَسُولَهُ فـيعمل بـما أمره به، وينتهي عما نهاه، ويقل السديد فَقَدْ فـازَ فَوْزا عَظِيـما يقول: فقد ظفر بـالكرامة العظمى من اللّه . ٧٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }. اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: إن اللّه عرض طاعته وفرائضه علـى السموات والأرض والـجبـال علـى أنها إن أحسنت أثـيبت وجوزيت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقا منها أن لا تقوم بـالواجب علـيها، وحملها آدم إنّهُ كانَ ظَلُوما لنفسه جَهُولاً بـالذي فـيه الـحظّ له. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٨٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ فَأَبَـيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنْها قال: الأمانة: الفرائض التـي افترضها اللّه علـى العبـاد. ٢١٨٨٥ـ قال: ثنا هشيـم، عن العوّام، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس ، فـي قوله: إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ فَأَبَـيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها قال: الأمانة: الفرائض التـي افترضها اللّه علـى عبـاده. ٢١٨٨٦ـ قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب وجويبر، كلاهما عن الضحاك ، عن ابن عباس ، فـي قوله إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ... إلـى قوله جَهُولاً قال: الأمانة: الفرائض. قال جويبر فـي حديثه: فلـما عرضت علـى آدم، قال: أي ربّ وما الأمانة؟ قال: قـيـل: إن أدّيتها جزيت، وإن ضيعتها عوقبت، قال: أي ربّ حملتها بـما فـيها، قال: فما مكث فـي الـجنة إلا قدر ما بـين العصر إلـى غروب الشمس حتـى عمل بـالـمعصية، فأُخرج منها. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد، عن ابن عباس أنه قال فـي هذه الاَية إنّا عَرَضْنا الأَمانَةَ قال: عرضت علـى آدم، فقال: خذها بـما فـيها، فإن أطعت غفرت لك، وإن عصيت عذّبتك، قال: قد قبلت، فما كان إلا قدر ما بـين العصر إلـى اللـيـل من ذلك الـيوم حتـى أصاب الـخطيئة. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ إن أدّوها أثابهم، وإن ضيّعوها عذّبهم، فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيـما لدين اللّه أن لا يقوموا بها، ثم عرضها علـى آدم، فقبلها بـما فـيها، وه و قوله: وَحَمَلَها الإنْسانُ إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً غرّا بأمر اللّه . حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ: الطاعة عرضها علـيها قبل أن يعرضها علـى آدم، فلـم تطقها، فقال لاَدم: يا آدم إنـي قد عرضت الأمانة علـى السموات والأرض والـجبـال، فلـم تطقها، فهل أنت آخذها بـما فـيها؟ فقال: يا ربّ: وما فـيها؟ قال: إن أحسنت جُزِيت، وإن أسأت عُوقبت، فأخذها آدم فتـحملها، فذلك قوله: وَحَمَلَها الإنْسانُ إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً. ٢١٨٨٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن رجل، عن الضحاك بن مزاحم، فـي قوله: إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ فَأَبَـيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَها الإنْسانُ إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً قال آدم: قـيـل له: خذها بحقها، قال: وما حقها؟ قـيـل: إن أحسنت جُزيت، وإن أسأت عُوقبت، فما لبث ما بـين الظهر والعصر حتـى أخرج منها. ٢١٨٨٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ فلـم يطقن حمَلها، فهل أنت يا آدم آخذها بـما فـيها قال آدم: وما فـيها يا ربّ؟ قال: إن أحسنت جُزِيت، وإن أسأت عوقبت، فقال: تـحمّلتُها، فقال اللّه تبـارك وتعالـى: قد حملتكها فما مكث آدم إلا مقدار ما بـين الأولـى إلـى العصر حتـى أخرجه إبلـيس لعنه اللّه من الـجنة والأمانة: الطاعة. ٢١٨٨٩ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: حدثنا بقـية، قال: ثنـي عيسى بن إبراهيـم، عن موسى بن أبـي حبـيب، عن الـحكم بن عمرو، وكان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ الأمانَةَ والوَفـاءَ نَزَلا علـى ابْنِ آدَمَ مَعَ الأنْبِـياءِ، فأُرْسِلُوا بِهِ، فَمِنْهُمْ رَسُولُ اللّه ، ومِنْهُمْ نَبِـيّ، وَمِنْهُمْ نَبِـيّ رَسُولٌ. نزل القرآن وهو كلام اللّه ، ونزلت العربـية والعجمية، فعلـموا أمر القرآن، وعلـموا أمر السنن بألسنتهم، ولـم يدع اللّه شيئا من أمره مـما يأتون ومـما يجتنبون، وهي الـحجج علـيهم، إلا بَـيّنَةُ لهم، فلـيس أهل لسان إلا وهم يعرفون الـحسن من القبـيح. ثم الأمانة أوّل شيء يُرْفع، ويبقـى أثرها فـي جذور قلوب الناس، ثم يُرْفع الوفـاء والعهد والذمـم، وتبقـى الكتب، فعالـم يعمل، وجاهل يعرفها وينكرها حتـى وصل إلـيّ وإلـى أمتـي، فلا يَهْلِك علـى اللّه إلا هالك، ولا يُغْفِله إلا تارك، والـحذرَ أيها الناس، وإياكم والوسواس الـخناس، وإنـما يبلوكم أيكم أحسن عملا) . ٢١٨٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العَسْقلانـي، قال: حدثنا عبـيد بن عبد الـمـجيد الـحنفـيّ، قال: حدثنا العوّام العطار، قال: حدثنا قتادة ، وأبـان بن أبـي عياش، عن خَـلِـيد العَصْري، عن أبـي الدرداء، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (خَمْسٌ مَنْ جاءَ بِهِنّ يَوْمَ القِـيامَةِ مَعَ إيـمانٍ دَخَـلَ الـجَنّةَ: مَن حافَظَ علـى الصّلَوَاتِ الـخَمْسِ، علـى وُضُوئهِنّ وَرُكُوعِهِنّ وَسُجُودِهِنّ وَمَوَاقِـيتِهِنّ، وأعْطَى الزّكاةَ مِنْ مالِهِ طَيّبَ النّفْسِ بِها) وكانَ يَقُولُ: (وَايْـمُ اللّه لا يفْعَلُ ذلكَ إلاّ مُؤْمِنٌ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجّ البَـيْتَ إنِ اسْتَطاعَ إلـى ذِلك سَبِـيلاً، وأدّى الأمانَةَ) قالوا: يا أبـا الدرداء: وما الأمانة؟ قال: الغسل من الـجنابة، فإن اللّه لـم يأمن ابن آدم علـى شيء من دينه غيره. ٢١٨٩١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي الضحى، عن مسروق، عن أُبـيّ بن كعب، قال: من الأمانة أن الـمرأة اؤتـمنت علـى فرجها. ٢١٨٩٢ـ حدثنـي يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ فَأَبَـيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنْها قال: إن اللّه عرض علـيهنّ الأمانة أن يفترض علـيهنّ الدين، ويجعل لهنّ ثوابـا وعقابـا، ويستأمنهنّ علـى الدين، فقلن: لا، نـحن مسخرات لأمرك، لا نريد ثوابـا ولا عقابـا، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (وَعَرَضَها اللّه علـى آدَمَ، فقالَ: بـين أُذُنِـي وَعاتِقـي) قال ابن زيد، فقال اللّه له: أما إذ تـحملت هذا فسأعينك، أجعل لبصرك حجابـا، فإذا خشيت أن تنظر إلـى ما لا يحلّ لك، فأرْخ علـيه حجابه، وأجعل للسانك بـابـا وغلقا، فإذا خشيت فأغلق، وأجعل لفرجك لبـاسا، فلا تكشفه إلا علـى ما أحللت لك. ٢١٨٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ يعني به: الدين والفرائض والـحدود فَأَبَـيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنْها قـيـل لهنّ: احملنها تؤَدّين حقها، فقلن: لا نطيق ذلك وَحَمَلَها الإنْسانُ إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً قـيـل له: أتـحملها؟ قال: نعم، قـيـل: أتؤدّي حقها؟ قال: نعم، قال اللّه : إنه كان ظلوما جهولاً عن حقها. وقال آخرون: بل عنى بـالأمانة فـي هذا الـموضع: أمانات الناس. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٩٤ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن السائب، عن زاذان، عن عبد اللّه بن مسعود، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (القَتْلُ فِـي سَبِـيـلِ اللّه يُكَفّرُ الذّنُوبَ كُلّها أو قال: يُكَفّرُ كُلّ شَيْءٍ إلاّ الأمانَةَ يُؤْتَـى بصَاحِبِ الأمانَةِ، فَـيُقالُ لَهُ: أدّ أمانَتَكَ، فَـيَقُولُ: أي ربّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدّنْـيا، ثَلاثا فَـيُقالُ: اذْهَبُوا بِهِ إلـى الهَاوِيَةِ فَـيُذْهَبُ بِهِ إلَـيْها، فَـيَهْوِي فِـيها حتـى يَنْتَهِي إلـى قَعْرِها، فَـيَجِدُها هُناكَ كَهِيْئَتِها، فَـيَحْملُها، فَـيَضَعَها علـى عاتِقِهِ، فَـيَصْعَدُ بِها إلـى شَفِـيرِ جَهَنّـمَ، حتـى إذَا رأى أنّهُ قَدْ خَرَجَ زَلّتْ، فَهَوَى فِـي أثَرِها أبَدَ الاَبِدِينَ) . قالوا: والأمانة فـي الصلاة، والأمانة فـي الصوم، والأمانة فـي الـحديث وأشدّ ذلك الودائع، فلقـيت البراء فقلت: ألا تسمع إلـى ما يقول أخوك عبد اللّه ؟ فقال: صدق. قال: شريك، وثنـي عياش العامري عن زاذان، عن عبد اللّه بن مسعود، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه، ولـم يذكر الأمانة فـي الصلاة، وفـي كلّ شيء. ٢١٨٩٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أخبرنـي عمرو بن الـحارث، عن ابن أبـي هلال، عن أبـي حازم، قال: إن اللّه عرض الأمانة علـى سماء الدنـيا، فأبت ثم التـي تلـيها، حتـى فرغ منها، ثم الأرضين ثم الـجبـال، ثم عرضها علـى آدم، فقال: نعم، بـين أذنـي وعاتقـي. فثلاث آمرك بهنّ، فإنهنّ لك عون: إنـي جعلت لك لسانا بـين لـحسيـين، فكفه عن كلّ شيء نهيتك عنه وجعلت لك فرجا وواريته، فلا تكشفه إلـى ما حرّمت علـيك. وقال آخرون: بل ذلك إنـما عنى به ائتـمان آدم ابنه قابـيـل علـى أهله وولده، وخيانة قابـيـل أبـاه فـي قتله أخاه. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٩٦ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عباس ، وعن مُرّة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: كان لا يولد لاَدم مولود إلا وُلد معه جارية، فكان يزوّج غلامَ هذا البطن جارية هذا البطن الاَخر، ويزوّج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الاَخر، حتـى وُلد له اثنان، يقال لهما قابـيـل، وهابـيـل وكان قابـيـل صاحب زرع، وكان هابـيـل صاحب ضرع، وكان قابـيـل أكبرهما، وكان له أخت أحسن من أخت هابـيـل، وإن هابـيـل طلب أن يَنْكِح أخت قابـيـل، فأبى علـيه وقال: هي أختـي وُلدتْ معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحقّ أن أتزوّجها، فأمره أبوه أن يزوّجها هابـيـل فأبى، وإنهما قرّبـا قربـانا إلـى اللّه أيهما أحقّ بـالـجارية، وكان آدم يومئذ قد غاب عنهما، أي بـمكة ينظر إلـيها، قال اللّه لاَدم: يا آدم هل تعلـم أن لـي بـيتا فـي الأرض؟ قال: اللّه مّ لا، قال: إن لـي بـيتا بـمكة فأته، فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بـالأمانة، فأبت وقال للأرض، فأبت فقال للـجبـال، فأبت فقال لقابـيـل، فقال: نعم، تذهب وترجع وتـجد أهلك كما يسرّك فلـما انطلق آدم وقرّبـا قربـانا، وكان قابـيـل يفخر علـيه فـيقول: أنا أحقّ بها منك، هي أختـي، وأنا أكبر منك، وأنا وصيّ والدي فلـما قرّبـا، قرّب هابـيـل جَذَعة سمينة، وقرّب هابـيـل حُزْمة سُنْبل، فوجد فـيها سنبلة عظيـمة، ففركها فأكلها، فنزلت النار فأكلت قُربـان هابـيـل، وتركت قُربـان قابـيـل، فغضب وقال: لأقتلنك حتـى لا تنكح أختـي، فقال هابـيـل إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إلـيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِـي ما أنا بِبـاسِطٍ يَدِيَ إلَـيْكَ لأَقْتُلَكَ إنّـي أخافُ اللّه رَبّ العالَـمِينَ... إلـى قوله: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ فطلبه لـيقتله، فراغ الغلام منه فـي رؤوس الـجبـال وأتاه يوما من الأيام، وهو يرْعَى غنـمه فـي جبل، وهو نائم، فرفع صخرة، فشدخ بها رأسه، فمات، وتركه بـالعَراء، ولا يعلـم كيف يُدْفَن، فبعث اللّه غرابـين أخوين فـاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له، ثم حثا علـيه فلـما رآه قال: يا وَيُـلَتا أعَجَزْتَ أنْ أكونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أخي، فهو قول اللّه تبـارك وتعالـى: فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ لِـيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوأَةَ أخِيهِ فرجع آدم فوجد ابنه قد قَتل أخاه، فذلك حين يقول: إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ... إلـى آخر الاَية. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِـي بـالأمانة فـي هذا الـموضع: جميع معانـي الأمانات فـي الدين، وأمانات الناس، وذلك أن اللّه لـم يخصّ ب قوله: عَرَضنا الأمانَةَ بعضَ معانـي الأمانات لـما وصفنا. وبنـحو قولنا قال أهل التأويـل فـي معنى قول اللّه : إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً. ذكر من قال ذلك: ٢١٨٩٧ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً يعني قابـيـل حين حمل أمانة آدم لـم يحفظ له أهله. ٢١٨٩٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيريّ، قال: حدثنا سفـيان، عن رجل، عن الضحاك ، فـي قوله: وَحَملَها الإنسان قال آدم إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً قال: ظلوما لنفسه، جهولاً فـيـما احتـمل فـيـما بـينه وبـين ربه. ٢١٨٩٩ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً غَرّ بأمر اللّه . ٢١٩٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّهُ كانَ ظَلُوما جَهُولاً قال: ظلوما لها، يعني للأمانة، جهولاً عن حقها. ٧٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّيُعَذّبَ اللّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللّه غَفُوراً رّحِيماً }. يقول تعالـى ذكره: وحمل الإنسان الأمانة كيـما يعذّب اللّه الـمنافقـين فـيها الذين يظهرون أنهم يؤدّون فرائض اللّه ، مؤمنـين بها، وهم مستسرّون الكفر بها، والـمنافقات والـمشركين بـاللّه فـي عبـادتهم إياه الاَلهة والأوثان، والـمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللّه علـى الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِناتِ يرجع بهم إلـى طاعته، وأداء الأمانات التـي ألزمهم إياها حتـى يؤدّوها وكانَ اللّه غَفُورا لذنوب الـمؤمنـين والـمؤمنات، بستره علـيها، وتركه عقابهم علـيها رَحِيـما أن يعذّبهم علـيها بعد توبتهم منها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٩٠١ـ حدثنا سوار بن عبد اللّه العتبري، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن الـحسن أنه كان يقرأ هذه الاَية: إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ علـى السّمَوَاتِ والأرْضِ والـجِبـالِ حتـى ينتهي لِـيُعَذّبَ اللّه الـمُنافِقـينَ والـمُنافِقاتِ والـمُشْرِكِينَ والـمُشْرِكاتِ فـيقول: اللذان خاناها، اللذان ظلـماها: الـمنافق والـمشرك. ٢١٩٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لِـيُعَذّبَ اللّه الـمُنافِقِـينَ وَالـمُنافِقاتِ والـمُشْرِكِينَ والـمُشْرِكاتِ هذان اللذان خاناها، ويتوب اللّه علـى الـمؤمنـين والـمؤمنات، هذان اللذان أدّياها وكانَ اللّه غَفُورا رَحِيـما. آخر سورة الأحزاب، وللّه الـحمد والـمنة |
﴿ ٠ ﴾