٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ ...}.

يقول تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ التـي أنعمها علـى جماعتكم وذلك حين حوصر الـمسلـمون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيام الـخندق إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ: جنود الأحزاب: قُريش، وغَطفـان، ويهود بنـي النضير فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ رِيحا وهي فـيـما ذكر: ريح الصّبـا. كما:

٢١٦٠٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرِمة، قال: قالتِ الـجنوبُ للشمال لـيـلة الأحزاب: انطلقـي ننصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال الشمال: إن الـحرّة لا تسري بـاللـيـل، قال: فكانت الريح التـي أُرسلت علـيهم الصّبـا.

٢١٦٠٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو عامر، قال: ثنـي الزبـير، يعني ابن عبد اللّه ، قال: ثنـي ربـيح بن أبـي سعيد، عن أبـيه، عن أبـي سعيد، قال: قلنا يوم الـخندق: يا رسول اللّه بلغت القلوب الـحناجر، فهل من شيء تقوله؟ قال: (نَعَمْ قُولُوا: اللّه مّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وآمِنْ روْعاتِنا) ، فَضَرَبَ اللّه وُجُوهَ أعْدائهِ بـالرّيحِ، فهَزَمَهُمُ اللّه بـالرّيحِ.

٢١٦٠٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي عبد اللّه بن عمرو، عن نافع، عن عبد اللّه ، قال: أرسلنـي خالـي عثمان بن مظعون لـيـلة الـخندق فـي برد شديد وريح، إلـى الـمدينة، فقال: ائتنا بطعام ولـحاف قال: فـاستأذنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأذن لـي وقال: (مَنْ لَقِـيتَ مِنْ أصحَابِـي فَمُرْهُم يَرْجِعُوا) . قال: فذهبت والريح تَسْفِـي كل شيء، فجعلت لا ألقـى أحدا إلاّ أمرته بـالرجوع إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: فما يَـلْوِي أحد منهم عنقه قال: وكان معي تُرْس لـي، فكانت الريح تضربه علـيّ، وكان فـيه حديد، قال: فضربته الريح حتـى وقع بعض ذلك الـحديد علـى كفـي، فأنفذها إلـى الأرض.

٢١٦٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة: قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن مـحمد بن كعب القُرَظِيّ، قال: قال فتـى من أهل الكوفة لـحُذَيفة بن الـيـمان: يا أبـا عبد اللّه ، رأيتـم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصحبتـموه؟ قال: نعم يا بن أخي، قال: فكيف كنتـم تصنعون؟ قال: واللّه لقد كنا نَـجْهَد، قال الفتـى: واللّه لو أدركناه ما تركناه يـمشيء علـى الأرض، لـحملناه علـى أعناقنا. قال حُذَيفة: يا بن أخي، واللّه لقد رأيتُنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـخندق، وصلـى رسول اللّه هَوِيّا من اللـيـل، ثم التفت إلـينا فقال: (من رجل يقوم فـينظر لنا ما فعل القوم؟ يشرط له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن يرجع أدخـله اللّه الـجنة) ، فما قام أحد، ثم صلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هَوِيا من اللـيـل، ثم التفت إلـينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هَوِيا من اللـيـل، ثم التفت إلـينا فقال: (مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَـيَنْظُرُ لَنا ما فَعَلَ القَوْمُ ثُمّ يَرْجِعُ، يَشْتَرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّه صَلـى اللّه علـيهِ وسلم الرّجْعَةَ، أسأَلُ اللّه أنْ يكُونَ رَفِـيقـي فِـي الـجَنّةِ) فما قام رجل من شدّة الـخوف، وشدّة الـجوع، وشدّة البرد فلـما لـم يقم أحد، دعانـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلـم يكن لـي بدّ من القـيام حين دعانـي، فقال: (يا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فـادْخُـلْ فِـي القَوْمِ فـانْظُرْ ما يَفْعَلونَ، وَلا تُـحْدِثَنّ شَيْئا حتـى تَأْتِـينَا) . قال: فذهبت فدخـلت فـي القوم، والريح وجنود اللّه تفعل بهم ما تفعل، لا تُقِرّ لهم قِدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سُفـيان فقال: يا معشر قريش، لـينظر امرؤ من جلـيسه، فقال حُذَيفة: فأخذت بـيد الرجل الذي إلـى جنبـي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان ثم قال أبو سفـيان: يا معشر قريش، إنكم واللّه ما أصبحتـم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والـخفّ، واختلفت بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقـينا من هذه الريح ما ترون، واللّه ما يطمئنّ لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستـمسك لنا بناء، فـارتـحلوا فإنـي مرتـحل. ثم قام إلـى جمله وهو معقول، فجلس علـيه، ثم ضربه فوثب به علـى ثلاث، فما أطلق عقاله إلاّ وهو قائم. ولولا عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـيّ أن (لا تُـحدث شيئا حتـى تأتـينـي) ، لو شئت لقتلته بسهم قال حُذَيفة: فرجعت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو قائم يصلـي فـي مرط لبعض نسائه فلـما رآنـي أدخـلنـي بـين رجلـيه، وطرح علـيّ طرَف الـمِرط، ثم ركع وسجد وإنـي لفـيه فلـما سلـم أخبرته الـخبر، وسمعت غَطفـان بـما فعلت قريش، فـانشمروا راجعين إلـى بلادهم.

٢١٦٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ قال: الأحزاب: عيـينة بن بدر، وأبو سفـيان، وقريظة.

و قوله: فَأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ رِيحا قال: ريح الصبـا أرسلت علـى الأحزاب يوم الـخندق، حتـى كفأت قدورهم علـى أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتـى أظعنتهم.

و قوله: وَجُنُودا لَـمْ تَرَوْها قال: الـملائكة ولـم تقاتل يومئذ.

٢١٦٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله يا أيها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ، إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فأرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ رِيحا وَجُنُودا لَـمْ تَرَوْها قال: يعني الـملائكة، قال: نزلت هذه الاَية يوم الأحزاب وقد حصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شهرا فخندق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأقبل أبو سفـيان بقريش ومن تبعه من الناس، حتـى نزلوا بعقوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأقبل عُيـينة بن حصن، أحد بنـي بدر ومن تبعه من الناس حتـى نزلوا بعقوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكاتبت الـيهود أبـا سفـيان وظاهروه، فقال حيث يقول اللّه تعالـى: إذْ جاءوُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أسْفَلَ مِنْكُمْ فبعث اللّه علـيهم الرعب والريح، فذكر لنا أنهم كانوا كلـما أوقدوا نارا أطفأها اللّه ، حتـى لقد ذكر لنا أن سيد كلّ حيّ يقول: يا بنـي فلان هلـمّ إلـيّ، حتـى إذا اجتـمعوا عنده فقال: النـجاء النـجاء، أتـيتـم لـما بعث اللّه علـيهم من الرعب.

٢١٦١٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نَعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ... الاَية، قال: كان يوم أبـي سفـيان يوم الأحزاب.

٢١٦١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان، فـي قول اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِم رِيحا وَجُنُودا لَـمْ تَرَوْها والـجنود قريش وغطفـان وبنو قريظة، وكانت الـجنود التـي أرسل اللّه علـيهم مع الريح: الـملائكة.

و قوله: وكانَ اللّه بِـمَا تَعْملُونَ بَصِيرا

يقول تعالـى ذكره: وكان اللّه بأعمالكم يومئذٍ، وذلك صبرهم علـى ما كانوا فـيه من الـجَهْد والشدّة، وثَبـاتهم لعَدُوّهم، وغير ذلك من أعمالهم، بصيرا لا يخفـى علـيه من ذلك شيء، يُحصيه علـيهم، لـيجزيَهُمْ علـيه.

﴿ ٩