١٢

و قوله: وَإذْ يقُولُ الـمُنافِقونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شَكّ فـي الإيـمان، وضعف فـي اعتقادهم إياه: ما وعدنا اللّه ورسوله إلاّ غُرورا، وذلك فـيـما ذُكِر قولُ معتّب بن قُشَير. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٦٢٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رُومان وَإذْ يَقُولُ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا يقول: مُعَتّب بن قُشَير، إذ قال ما قال يوم الـخندق.

٢١٦٢١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله وَإذْ يَقُولُ الـمنافقون والّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: تكلّـمهم بـالنفـاق يومئذٍ، وتَكَلّـمَ الـمؤمنون بـالـحقّ والإيـمان، قالوا: هذا ما وعدنا اللّه ورسوله.

٢١٦٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَإذْ يَقولُ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا قال: قال ذلك أُناس من الـمنافقـين: قد كان مـحمد يعدُنا فتـح فـارس والروم، وقد حُصِرنا هاهنا، حتـى ما يستطيع أحدُنا أن يبرُز لـحاجته ما وعدنا اللّه ورسوله إلاّ غرورا.

٢١٦٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: قال رجل يوم الأحزاب لرجل من صحابة النبي صلى اللّه عليه وسلم : يا فلان أرأيت إذ يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إذَا هَلَكَ قَـيْصَرُ فَلا قَـيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ لَتُنْفَقَنّ كُنُوزُهُما فِـي سَبِـيـلِ اللّه ) . فأينَ هذا من هذا، وأحدُنا لا يستطيع أن يخرج يبول من الـخوف؟ ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا. فقال له: كذبت، لأُخْبِرَنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبرك، قال: فأَتـى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبره، فدعاه فقال: (ما قلت؟) فقال: كذبَ علـيّ يا رسول اللّه ، ما قلت شيئا، ما خرج هذا من فمي قطّ قال اللّه : يَحْلِفُونَ بـاللّه ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِـمَةَ الكُفْرِ... حتـى بلغ وَما لَهُمْ فـي الأَرْضِ مِنْ وَلِـيّ وَلا نَصِيرٍ قال: (فهذا قول اللّه : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً.)

٢١٦٢٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة، قال: حدثنا كثـير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف الـمُزَنـيّ، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، قال: خطّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـخندق عام ذُكِرت الأحزاب، من أحمر الشيخين، طرف بنـي حارثة، حتـى بلغ الـمَذَاد، ثم جعل أربعين ذراعا بـين كلّ عشرة، فـاختلف الـمهاجرون والأنصار فـي سَلْـمان الفـارسيّ، وكان رجلاً قويّا، فقال الأنصار: سَلْـمان منا، وقال الـمهاجرون: سلـمان منا، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (سَلْـمانُ مِنّا أهْلَ البَـيْتِ) . قال عمرو بن عوف: فكنت أنا وسلم انُ وحُذَيفةُ بن الـيـمان والنّعمانُ بن مُقَرّن الـمُزَنـيّ، وستةٌ من الأنصار، فـي أربعين ذراعا، فحفَرنا تـحت دوبـار حتـى بلغنا الصّرَى، أخرج اللّه من بطن الـخندق صخرة بـيضاء مروة، فكسرت حديدنا، وشَقّت علـينا، فقلنا: يا سلـمان، ارْقَ إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، فإن الـمعدل قريب، وإما أن يأمرنا فـيها بأمره، فإنا لا نـحبّ أن نـجاوز خَطّه. فرقـي سَلـمان حتـى أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ضارب علـيه قُبةً تركية، فقال: يا رسول اللّه بأبـينا أنت وأمنا، خرجت صخرة بـيضاء من بطن الـخندق، مَرْوَة، فكسرت حديدنا، وشقّت علـينا، حتـى ما يجيء منها قلـيـل ولا كثـير، فمرنا فـيها بأمرك، فإنا لا نـحبّ أن نـجاوز خَطّك. فهبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع سلـمان فـي الـخندق، ورَقِـينا نـحن التسعة علـى شَفَة الـخندق، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمِعْول من سَلـمان، فضرب الصخرة ضربة صَدَعها، وبَرَقت منها بَرْقة أضاءت ما بـين لابتـيها، يعني : لابتـي الـمدينة، حتـى لكأن مصبـاحا فـي جوف بـيت مظلـم، فكّبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تكبـير فتـح، وكبر الـمسلـمون. ثم ضربها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الثانـية، فصَدَعها وبَرَقت منها بَرْقة أضاءت ما بـين لابتـيها، حتـى لكأن مصبـاحا فـي جوف بـيت مظلـم، فكبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تكبـير فتـح، وكبر الـمسلـمون، ثم ضربها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الثالثة، فكسرها، وبَرَقَت منها بَرْقة أضاءت ما بـين لابتـيها، حتـى لكأن مصبـاحا فـي جوف بـيت مظلـم، فكبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تكبـير فتـح، ثم أخذ بـيد سَلْـمانَ فَرِقـي، فقال سلـمان: بأبـي أنت وأمي يا رسول اللّه ، لقد رأيت شيئا ما رأيته قطّ، فـالتفت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى القوم، فقال: (هَلْ رأيْتُـمْ ما يقُولُ سَلْـمانُ؟) قَالُوا: نعم يا رسول اللّه ، بأبـينا أنت وأمنا وقد رأيناك تضرب، فـيخرج بَرْق كالـموجِ، فرأيناك تكبّر فنكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، قال: (صَدَقْتُـمْ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِـي الأُولـى، فبَرَقَ الّذِي رأيتُـمْ، أضَاءَ لـي مِنْهُ قُصُورُ الْـحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كسْرَى، كأنّها أنْـيابُ الكِلابِ، فأخْبَرَنِـي جَبْرَائِيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ أنّ أُمّتِـي ظاهِرَةٌ عَلَـيْها، ثُمّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِـي الثّانِـيَةَ، فبَرَقَ الّذِي رأيْتُـمْ، أضَاءَ لـي مِنْهُ قُصُورُ الـحُمْرِ مِنْ أرْضِ الرّومِ، كأنّها أنْـيابُ الكِلابِ، وأخْبَرَنِـي جَبْرائِيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ أنّ أُمّتِـي ظاهِرَةٌ عَلَـيْها، ثُمّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِـي الثّالِثَةَ، وَبَرَقَ مِنْها الّذِي رأيْتُـمْ، أضَاءَتْ لـي مِنْها قُصُورُ صَنْعاءَ، كأنّها أنْـيابُ الكِلابِ، وأخْبَرَنِـي جَبْرَائِيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ أنّ أُمّتِـي ظاهِرَةٌ عَلَـيْها، فأَبْشِرُوا، يُبَلّغْهُمُ النصْرُ، وأبْشِرُوا، يُبَلّغُهُمُ النّصْرُ، وأبْشِرُوا يُبَلّغُهُمُ النّصْرُ) . فـاستبشر الـمسلـمون، وقالوا: الـحمد للّه موعود صدق، بأن وعَدَنا النصر بعد الـحَصْر، فطَبّقت الأحزاب، فقال الـمسلـمون هَذا ما وَعَدَنا اللّه وَرَسولُهُ... الاَية، وقال الـمنافقون: ألا تعجبون.؟ يُحَدّثكم ويـمنـيكم ويَعِدكم البـاطل، يُخْبركم أنه يبصر من يثربَ قصور الـحِيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتُـح لكم، وأنتـم تـحفرون الـخندق من الفَرَق، ولا تستطيعون أن تَبْرزُوا؟ وأُنزل القرآن: وَإذْ يَقُولُ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللّه وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا.

﴿ ١٢