١٩وقوله أشِحّةً عَلَـيْكُمْ اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف اللّه به هؤلاء الـمنافقـين، فـي هذا الـموضع من الشحّ، فقال بعضهم: وصفهم بـالشّحّ علـيهم فـي الغنـيـمة. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤١ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أشِحّةً عَلَـيْكُمْ فـي الغنـيـمة. وقال آخرون: بل وصفهم بـالشحّ علـيهم بـالـخير. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أشِحّةً عَلَـيْكُمْ قال: بـالـخير، الـمنافقون. وقال غيره: معناه: أشحة علـيكم بـالنفقة علـى ضعفـاء الـمؤمنـين منكم. والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن اللّه وصف هؤلاء الـمنافقـين بـالـجبن والشّحّ، ولـم يخصُص وصفهم من معانـي الشحّ، بـمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم اللّه به أشحة علـى الـمؤمنـين بـالغنـيـمة والـخير والنفقة فـي سبـيـل اللّه ، علـى أهل مسكنة الـمسلـمين. ونصب قوله أشِحّةً عَلَـيْكُمْ علـى الـحال من ذكر الاسم الذي فـي قوله وَلا يأْتُونَ البأْسَ، كأنه قـيـل: هم جبناء عند البأس، أشحاء عند قَسْم الغنـيـمة، بـالغنـيـمة. وقد يحتـمل أن يكون قَطْعا من قوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ فـيكون تأويـله: قد يعلـم اللّه الذين يعوّقون الناس علـى القتال، ويَشِحّون عند الفتـح بـالغنـيـمة. ويجوز أن يكون أيضا قَطْعا من قوله: هلـم إلـينا أشحة، وهم هكذا أشحة. ووصفهم جل ثناؤه بـما وصفهم من الشحّ علـى الـمؤمنـين، لِـما فـي أنفسهم لهم من العداوة والضّغْن. كما: ٢١٦٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رُومان أشِحّةً عَلَـيْكُمْ أي للضّغْن الذي فـي أنفسهم. و قوله: فإذَا جاءَ الـخَوْفُ... إلـى قوله مِنَ الـمَوْتِ يقول تعالـى ذكره: فإذا حضر البأُس، وجاء القتال، خافوا الهلاك والقَتْل، رأيتهم يا مـحمد ينظرون إلـيك لِواذا بك، تَدُور أعينهم، خوفـا من القتل، وفرارا منه. كالّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ مِنَ الـمَوْتِ يقول: كدَوَران عين الذي يُغْشَى علـيه من الـموت النازل به فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ يقول: فإذا انقطعت الـحربُ واطمأنوا سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فإذَا جاءَ الـخَوْفُ رأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ من الـخوف. ٢١٦٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان فإذَا جاءَ الـخَوْفُ رأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كالّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ منَ الـمَوْتِ: أي إعظاما وفَرقا منه. وأما قوله سَلَقُوكُمْ بألْسنَةٍ حِدادٍ. فإنه يقول: عَضّوكم بألسنة ذَرِبة. ويقال للرجل الـخطيب الذّرِب اللسان: خطيب مِسْلَق ومِصْلَق، وخطيب سَلاّق وصَلاّق. وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف تعالـى ذكره هؤلاء الـمنافقـين أنهم يَسْلُقون الـمؤمنـين به، فقال بعضهم: ذلك سَلْقُهم إياهم عند الغنـيـمة، بـمسألتهم القَسْمَ لهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ أما عند الغنـيـمة، فأشحّ قوم، وأسوأ مُقاسَمَة: أعطُونا أعطُونا، فإنا قد شِهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للـحقّ. وقال آخرون: بل ذلك سَلْقُهُمْ إياهم بـالأذَى. ذكر ذلك عن ابن عباس : ٢١٦٤٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله سَلَقُوكُم بألْسِنَةٍ حِدادٍ قال: استقبلوكم. ٢١٦٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ قال: كَلّـموكم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم يَسْلُقونهم من القول بـما تُـحبون، نفـاقا منهم. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رُومان فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدَادٍ فـي القول بـما تـحبون، لأنهم لا يرجون آخرة، ولا تَـحمُلهم حِسْبة، فهم يهابون الـموت هيبة من لا يرجو ما بعده. وأشبه هذه الأقوال بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل قول من قال سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدَادٍ أشِحّةً عَلـى الـخَيْرِ فأخبر أن سَلْقَهُمْ الـمسلـمين شُحَا منهم علـى الغنـيـمة والـخير، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أن ذلك لطلب الغنـيـمة. وإذا كان ذلك منهم لطلب الغنـيـمة، دخـل فـي ذلك قول من قال: معنى ذلك: سَلَقوكم بـالأذى، لأن فعلهم ذلك كذلك، لا شكّ أنه للـمؤمنـين أذى. و قوله: أشِحّةً عَلـى الـخَيْرِ يقول: أشحّة علـى الغنـيـمة، إذا ظفر الـمؤمنون. و قوله: لَـمْ يُؤْمنُوا فأحُبَطَ اللّه أعمالَهُمْ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفتُ لك صفتهم فـي هذه الاَيات، لـم يصدّقوا اللّه ورسوله، ولكنهم أهل كفر ونِفـاق. فأحبط اللّه أعمالهم يقول: فأذهب اللّه أجورَ أعمالهم وأبطلَها. وذُكر أن الذي وُصِفَ بهذه الصفة كان بَدْريّا، فأحبط اللّه عمله. ذكر من قال ذلك: ٢١٦٥٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَأَحْبَطَ اللّه أعمالَهُمْ وكانَ ذلكَ علـى اللّه يَسِيرا قال: فحدثنـي أبـي أنه كان بدريا، وأن قوله: أحْبَطَ اللّه أعمالَهُمْ: أحبط اللّه عمله يوم بدر. و قوله: وكانَ ذلكَ علـى اللّه يَسِيرا يقول تعالـى ذكره: وكان إحبـاط عملهم الذي كانوا عملوا قبل ارتدادهم ونفـاقهم علـى اللّه يسيرا. |
﴿ ١٩ ﴾