١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ... }.

يقول تعالـى ذكره: وَاللّه خَـلَقَكُمْ أيها الناس مِنْ تُرابٍ يعني بذلك أنه خـلق أبـاهم آدم من تراب، فجعل خـلق أبـيهم منه لهم خـلقا ثُمّ مِنْ نُطْفَةٍ يقول: ثم خـلقكم من نطفة الرجل والـمرأة ثُمّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجا يعني أنه زوّج منهم الأنثى من الذكر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢١٢٤ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاللّه خَـلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني آدم ثُمّ مِنْ نُطْفَةٍ يعني ذرّيته ثُمّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجا فزوّج بعضكم بعضا.

و قوله: وَما تَـحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إلاّ بعِلْـمِهِ

يقول تعالـى ذكره: وما تـحمل من أنثى منكم أيها الناس من حمل ولا نطفة إلاّ وهو عالـم بحملها إياه ووضعها، وما هو؟ ذكر أو أنثى؟ لا يخفـى علـيه شيء من ذلك.

و قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وما يعمر من معمر فـيطول عمره، ولا ينقص من عمر آخر غيره عن عمر هذا الذي عمّر عمرا طويلاً إلاّ فِـي كِتابٍ عنده مكتوب قبل أن تـحمل به أمه، وقبل أن تضعه، قد أحصى ذلك كله وعلـمه قبل أن يخـلقه، لا يُزاد فـيـما كتب له ولا ينقص. ذكر من قال ذلك:

٢٢١٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ... إلـى يَسِيرٌ يقول: لـيس أحد قضيت له طول العمر والـحياة إلاّ وهو بـالِغ ما قدّرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له، وإنـما ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له، لا يزاد علـيه ولـيس أحد قضيت له أنه قصير العمر والـحياة ببـالغ العمر، ولكن ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له لا يزاد علـيه، فذلك قوله: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ يقول: كلّ ذلك فـي كتاب عنده.

٢٢١٢٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: من قضيت له أن يعمر حتـى يُدركه الكبر، أو يعمر أنقص من ذلك، فكلّ بـالغ أجله الذي قد قضى له، كلّ ذلك فـي كتاب.

٢٢١٢٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ قال: ألا ترى الناس: الإنسانُ يعيش مئة سنة، وآخرُ يـموت حين يولد؟ فهذا هذا.

فـالهاء التـي فـي قوله وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ علـى هذا التأويـل وإن كانت فـي الظاهر أنها كناية عن اسم الـمْعَمّر الأوّل، فهي كناية اسم آخر غيره، وإنـما حسُن ذلك لأن صاحبها لو أظهر لظهر بلفظ الأوّل، وذلك كقولهم: عندي ثوب ونصفه، والـمعنى: ونصف الاَخر.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما يُعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره بفناء ما فنـي من أيام حياته، فذلك هو نقصان عمره. والهاء علـى هذا التأويـل للـمُعَمّر الأوّل، لأن معنى الكلام: ما يطوّل عمر أحد، ولا يذهب من عمره شيء، فـيُنْقَص إلاّ وهو فـي كتاب عبد اللّه مكتوب قد أحصاه وعلـمه. ذكر من قال ذلك:

٢٢١٢٨ـ حدثنـي أبو حصين عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ قال: ما يقضي كم أيامه التـي عددت له إلاّ فـي كتاب.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندي الصواب، التأويـل الأوّل وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه، وأشبههما بظاهر التنزيـل.

و قوله: إنّ ذلكَ علـى اللّه يَسيرٌ:

يقول تعالـى ذكره: إن إحصاء أعمار خـلقه علـيه يسير سهل، طويـلُ ذلك وقصيره، لا يتعذّر علـيه شيء منه.

﴿ ١١