٨و قوله: لا يَسّمّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأعْلَـى اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لا يَسّمّعُونَ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة، وبعض الكوفـيـين: (لا يَسْمَعُونَ) بتـخفـيف السين من يسمعون، بـمعنى أنهم يتسمّعون ولا يسمعون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين بعد لا يسّمّعون بـمعنى: لا يتسمعون، ثم أدغموا التاء فـي السين فشدّدوها. وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأه بـالتـخفـيف، لأن الأخبـار الواردة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أصحابه، أن الشياطين قد تتسمع الوحي، ولكنها تُرمَى بـالشهب لئلا تسمع. ذكر رواية بعض ذلك: ٢٢٤٠٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كانت للشياطين مَقاعد فـي السماء، قال: فكانوا يسمعون الوحي، قال: وكانت النـجوم لا تـجري، وكانت الشياطين لا تُرمَى، قال: فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلـى الأرض، فزادوا فـي الكلـمة تسعا قال: فلـما بُعِثَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جعل الشيطانُ إذا قعد مقعده جاء شهاب، فلـم يُخْطه حتـى يحرقه، قال: فشكوا ذلك إلـى إبلـيس، فقال: ما هو إلا لأمر حدث قال: فبعث جنوده، فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائم يصلـي بـين جبلـي نـخـلة قال أبو كُرَيب، قال وكيع: يعني بطن نـخـلة، قال: فرجعوا إلـى إبلـيس فأخبروه، قال: فقال هذا الذي حدث. حدثنا ابن وكيع وأحمد بن يحيى الصوفـي قالا: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كانت الـجنّ يصعدون إلـى السماء الدنـيا يستـمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلـمة زادوا فـيها تسعا، فأما الكلـمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فـيكون بـاطلاً فلـما بُعث النبي صلى اللّه عليه وسلم مُنِعوا مقاعدَهم، فذكروا ذلك لإبلـيس، ولـم تكن النـجوم يُرْمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبلـيس: ما هذا إلا لأمر حدث فـي الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائما يصلـي، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الـحدث الذي حدث. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: كانت الـجنّ لهم مقاعد، ثم ذكر نـحوه. ٢٢٤٠٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي الزهريّ، عن علـيّ بن الـحسين، عن أبـي إسحاق، عن ابن عباس ، قال: حدثنـي رهط من الأنصار، قالوا: بـينا نـحن جلوس ذات لـيـلة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إذ رأى كوكبـا رُمي به، فقال: (ما تقولون فـي هذا الكوكب الذي يُرمَى به؟) فقلنا: يُولد مولود، أو يهلك هالك، ويـموت ملك ويـملك ملك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَـيْسَ كَذَلكَ، ولكِنّ اللّه كانَ إذَا قَضَى أمْرا فِـي السّماءِ سَبّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ العَرْشِ، فَـيُسَبّحُ لِتَسْبِـيحِهِمْ مَنْ يَـلِـيهِمْ مِنْ تَـحْتِهِمْ مِنَ الـمَلائِكَةِ، فَمَا يَزَالُونَ كذلكَ حتـى يَنْتَهِيَ التّسْبِـيحُ إلـى السّماءِ الدّنـيْا، فَـيَقُولُ أهْلُ السّماءِ الدّنـيْا لِـمَنْ يَـلِـيهِمْ مِنَ الـمَلائِكَةِ مِـمّ سَبّحْتُـمْ؟ فَـيَقُولُونَ: ما نَدْرِي: سَمِعْنا مَنْ فَوْقَنا مِنَ الـمَلائِكَةِ سَبّحُوا فَسَبّحْنا اللّه لتَسْبِـيحِهِمْ ولكِنّا سَنَسأَلُ، فَـيَسأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَمَا يَزَالُونَ كَذلكَ حتـى يَنْتَهِيَ إلـى حَمَلَةٍ العَرْشِ، فَـيَقُولُونَ: قَضَى اللّه كَذَا وكَذَا، فَـيُخْبِرُونَ بِهِ مَنْ يَـلِـيهِمْ حتـى يَنْتَهُوا إلـى السّماءِ الدّنـيْا، فَتَسْتَرِقُ الـجِنّ ما يَقُولُونَ، فَـيَنْزِلُونَ إلـى أَوْلِـيائِهِمْ مِنَ الإنْسِ فَـيَـلْقُونَهُ علـى ألْسِنَتِهِمْ بِتَوَهّمِ مِنْهُمْ، فَـيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَـيَكُونَ بَعْضُهُ حَقّا وَبَعْضُهُ كَذِبـا، فَلَـمْ تَزَلِ الـجِنّ كذلك حتـى رُمُوا بِهِذِهِ الشّهُبِ) . ٢٢٤٠٨ـ حدثنا ابن وكيع وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الأعلـى، عن معمر، عن الزهريّ، عن علـي بن حسين، عن ابن عباس ، قال بـينـما النبي صلى اللّه عليه وسلم فـي نفر من الأنصار، إذ رُمي بنـجم فـاستنار، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما كُنْتُـمْ تَقُولُونَ لِـمِثْلِ هَذَا فـي الـجاهِلِـيّةِ إذَا رأيْتُـمُوهُ؟) قالوا: كنا نقول: يـموت عظيـم أو يولد عظيـم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (فإنّهُ لا يُرْمَى بِهِ لـمَوْتِ أحَدٍ وَلا لَـحَياتِهِ، وَلَكِنّ رَبّنا تَبـارَكَ اسمُهُ إذَا قَضَى أمْرا سَبّحَ حَمَلَهُ العَرْشِ، ثُمّ سَبّحَ أهْلُ السمّاءِ الّذِينَ يَـلُوَنهُمْ، ثُمّ الّذِينَ يَـلُوَنهُمْ حتـى يَبْلُغَ التّسْبِـيحُ أهْلَ هَذِهِ السّماءِ ثُمّ يَسأَلُ أهْلُ السّماءِ السابعة حملَة العرش: مَاذا قال ربنا؟ فـيخبرونهم، ثم يستـخبر أهل كل سماء، حتـى يبلغ الـخبر أهل السّماءِ الدّنـيْا، وتَـخْطِفُ الشّياطِينُ السّمْعَ، فَـيرْمُونَ، فَـيَقْذِفُونَهُ إلـى أوْلِـيائِهِم، فَمَا جاءُوا بِهِ علـى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقّ، وَلَكِنّهُمْ يَزِيدُونَ) . حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: أخبرنا معمر، قال: حدثنا ابن شهاب، عن علـيّ بن حسين، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالسا فـي نّفَرٍ من أصحابه، قال: فرُمي بنـجم، ثم ذكر نـحوه، إلا أنه زاد فـيه: قلت للزهري: أكان يُرْمى بها فـي الـجاهلـية؟ قال: نعم، ولكنها غلظت حين بُعث النبي صلى اللّه عليه وسلم . ٢٢٤٠٩ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عاصم بن علـيّ، قال: حدثنا أبـي علـيّ بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كان للـجنّ مقاعد فـي السَماء يسمعون الوحي، وكان الوحي إذا أُوحِي سمعت الـملائكة كهيئة الـحديدة يُرْمى بها علـى الصّفْوان، فإذا سمعت الـملائكة صلصلة الوحي خرّ لـجبـاههم مَنْ فـي السماء من الـملائكة، فإذا نزل علـيهم أصحاب الوحي قالُوا ماذَا قالَ رَبّكُمْ قالُوا الـحَقّ وَهُوَ العَلِـيّ الكَبِـيرُ قال: فـيتنادون، قال: ربكم الـحقّ وهو العلـيّ الكبـير قال: فإذا أنزل إلـى السماء الدنـيا، قالوا: يكون فـي الأرض كذا وكذا موتا، وكذا وكذا حياة، وكذا وكذا جدوبة، وكذا وكذا خِصْبـا، وما يريد أن يصنع، وما يريد أن يبتدىء تبـارك وتعالـى، فنزلت الـجنّ، فأوحوا إلـى أولـيائهم من الإنس، مـما يكون فـي الأرض، فبـيناهم كذلك، إذ بعث اللّه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فزجرت الشياطين عن السماء ورَمَوهم بكواكب، فجعل لا يصعُد أحد منهم إلا احترق، وفزع أهل الأرض لِـمَا رأوا فـي الكواكب، ولـم يكن قبل ذلك، وقالوا: هلك مَنْ فـي السماء، وكان أهل الطائف أوّل من فزع، فـينطلق الرجل إلـى إبله، فـينـحَر كلّ يوم بعيرا لاَلهتهم، وينطلق صاحب الغنـم، فـيذبح كلّ يوم شاة، وينطلق صاحب البقر، فـيذبح كلّ يوم بقَرة، فقال لهم رجل: ويْـلَكم لا تُهْلكوا أموالكم، فإن معالـمكم من الكواكب التـي تهتدون بها لـم يسقط منها شيء، فأقلعوا وقد أسرعوا فـي أموالهم. وقال إبلـيس: حدث فـي الأرض حدث، فأتـي من كلّ أرض بتربة، فجعل لا يؤتـي بتربة أرض إلا شمها، فلـما أتـي بتربة تهامة قال: ههنا حدث الـحدث، وصرف اللّه إلـيه نفرا من الـجنّ وهو يقرأ القرآن، فقالوا: إنّا سَمِعْنا قُرآنا عَجَبـا حتـى ختـم الاَية، فولّوا إلـى قومهم منذرين. ٢٢٤١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن عُروة، عن عائشة أنها قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّ الـمَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِـي العَنان وَهُوَ السّحابُ فَتَذْكُرُ ما قُضِيَ فِـي السّماءِ، فَتَسْتَرِقُ الشّياطِينُ السّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إلـى الكُهّانِ، فَـيَكْذِبُونَ مَعَها مِئَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسهِمْ) . فهذه الأخبـار تُنبىء عن أن الشياطين تسمع، ولكنها تُرْمى بـالشهب لئلا تسمع. فإن ظنّ ظانّ أنه لـما كان فـي الكلام (إلـى) ، كان التسمع أولـى بـالكلام من السمع، فإن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أن العرب تقول: سمعت فلانا يقول كذا، وسمعت إلـى فلان يقول كذا، وسمعت من فلان. وتأويـل الكلام: إنا زينا السماء الدنـيا بزينة الكواكب. وحفظا من كلّ شيطان مارد أن لا يسّمّع إلـى الـملإ الأعلـى، فحذفت (إن) اكتفـاء بدلالة الكلام علـيها، كما قـيـل: كذلك سلكناه فـي قلوب الـمـجرمين لا يؤمنون به بـمعنى: أن لا يؤمنوا به ولو كان مكان (لا) أن، لكان فصيحا، كما قـيـل: يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا بـمعنى: أن لا تضلوا، وكما قال: وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ بـمعنى: أن لا تـميد بكم. والعرب قد تـجزم مع (لا) فـي مثل هذا الـموضع من الكلام، فتقول: ربطت الفرس لا يَنْفَلِتْ، كما قال بعض بنـي عُ قَـيـل: وَحتـى رأَيْنا أحْسَنَ الوُدّ بَـيْنَنامُساكَنَةً لا يَقْرِفِ الشّرّ قارِفُ ويُروي: لا يقرف رفعا، والرفع لغة أهل الـحجاز فـيـما قـيـل: وقال قتادة فـي ذلك ما: ٢٢٤١١ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا يَسّمّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأَعْلَـى قال: منعوها. و يعني ب قوله: إلـى الـمَلإِ: إلـى جماعة الـملائكة التـي هم أعلـى مـمن هم دونهم. و قوله: وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانِبٍ دُحُورا ويُرْمَوْن من كلّ جانب من جوانب السماء  | 
	
﴿ ٨ ﴾