تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة ص

 مكية وآياتها ثمان وثمانون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {صَ وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ}.

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي معنى قول اللّه عزّ وجلّ: ص، فقال بعضهم: هو من الـمصاداة، من صاديت فلانا، وهو أمر من ذلك، كأن معناه عندهم: صادٍ بعملك القرآن: أي عارضه به، ومن قال هذا تأويـله، فإنه يقرؤه بكسر الدال، لأنه أمر، وكذلك رُوي عن الـحسن ذكر الرواية بذلك:

٢٢٧٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قال الـحسن ص قال: حادث القرآن.

٢٢٧٩٩ـ وحُدثت عن علـيّ بن عاصم، عن عمرو بن عبـيد، عن الـحسن، فـي قوله: ص قال: عارض القرآن بعملك.

حدثت عن عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة ، عن الـحسن، فـي قوله: ص والقرآن قال: عارض القرآن، قال عبد الوهاب: يقول اعرضه علـى عملك، فـانظر أين عملك من القرآن.

حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيـل، عن الـحسن أنه كان يقرأ: ص والقرآن بخفض الدال، وكان يجعلها من الـمصاداة، يقول: عارض القرآن.

وقال آخرون: هي حرف هجاء. ذكر من قال ذلك:

٢٢٨٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أما ص فمن الـحروف.

وقال آخرون: هو قسم أقسم اللّه به. ذكر من قال ذلك:

٢٢٨٠١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: ص قال: قسم أقسمه اللّه ، وهو من أسماء اللّه .

وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن أقسم اللّه به. ذكر من قال ذلك:

٢٢٨٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ص قال: هو اسم من أسماء القرآن أقسم اللّه به.

وقال آخرون: معنى ذلك: صدق اللّه . ذكر من قال ذلك:

٢٢٨٠٣ـ حُدثت عن الـمسيب بن شريك، عن أبـي روق، عن الضحاك فـي قوله: ص قال: صدق اللّه .

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عبد اللّه بن أبـي إسحاق وعيسى بن عمر، بسكون الدال، فأما عبد اللّه بن أبـي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتـماع الساكنـين، ويجعل ذلك بـمنزلة الاَداة، كقول العرب: تركته حاثِ بـاثِ، وخازِ بـازِ يخفضان من أجل أن الذي يـلـي آخر الـحروف ألف فـيخفضون مع الألف، وينصبون مع غيرها، فـيقولون حيث بـيث، ولأجعلنك فـي حيص بـيص: إذا ضيق علـيه. وأما عيسى بن عمر فكان يوفّق بـين جميع ما كان قبل آخر الـحروف منه ألف، وما كان قبل آخره ياء أو واو فـيفتـح جميع ذلك وينصبه، فـيقول: ص وق ون ويس، فـيجعل ذلك مثل الاَداة كقولهم: لـيتَ، وأينَ وما أشبه ذلك.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا السكون فـي كل ذلك، لأن ذلك القراءة التـي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفـيضة فـيهم، وأنها حروف هجاء لأسماء الـمسميات، فـيعربن إعراب الأسماء والأدوات والأصوات، فـيسلك بهنّ مسالكهن، فتأويـلها إذ كانت كذلك تأويـل نظائرها التـي قد تقدم بـيانناها قبل فـيـما مضى.

وكان بعض أهل العربـية يقول: ص فـي معناها كقولك: وجب واللّه ، نزل واللّه ، وحقّ واللّه ، وهي جواب ل قوله: والقُرآنِ كما تقول: حقا واللّه ، نزل واللّه .

و قوله: والقُرآنِ ذِي الذّكْرِوهذا قسم أقسمه اللّه تبـارك وتعالـى بهذا القرآن فقال: والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: ذِي الذّكْرِ فقال بعضهم: معناه: ذي الشرف. ذكر من قال ذلك:

٢٢٨٠٤ـ حدثنا نصر بن علـيّ، قال: حدثنا أبو أحمد، عن قـيس، عن أبـي حصين، عن سعيد ص والقُرآنِ ذِي الذّكْر قال: ذي الشرف.

٢٢٨٠٥ـ حدثنا نصر بن علـيّ وابن بشار، قالا: حدثنا أبو أحمد، عن مسعر، عن أبـي حصين ذِي الذكْرِ: ذي الشرف.

٢٢٨٠٦ـ قال: ثنا أبو أحمد، عن سفـيان، عن إسماعيـل، عن أبـي صالـح أو غيره ذِي الذّكْرِ: ذي الشرف.

٢٢٨٠٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ قال: ذي الشرف.

٢٢٨٠٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن يحيى بن عُمارة، عن سعيد بن جبـير عن ابن عباس ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ ذي الشرف.

وقال بعضهم: بل معناه: ذي التذكير، ذكّركمُ اللّه به. ذكر من قال ذلك:

٢٢٨٠٩ـ حدثنا عن الـمسيب بن شريك، عن أبـي روق، عن الضحاك ذِي الذّكْرِ قال: فـيه ذكركم، قال: ونظيرتها: لَقَدْ أنْزَلْنا إلَـيْكُمْ كِتابـا فِـيهِ ذِكرُكُمْ.

٢٢٨١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ذي الذّكْرِ: أي ما ذكر فـيه.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معناه: ذي التذكير لكم، لأن اللّه أتبع ذلك

﴿ ١