٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا مَسّ الإِنسَانَ ضُرّ دَعَا رَبّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ...}. يقول تعالـى ذكره: وإذا مسّ الإنسان بلاء فـي جسده من مرض، أو عاهة، أو شدّة فـي معيشته، وجهد وضيق دَعا رَبّهُ يقول: استغاث بربه الذي خـلقه من شدّة ذلك، ورغب إلـيه فـي كشف ما نزل به من شدّة ذلك. و قوله: مُنِـيبـا إلَـيْهِ يقول: تائبـا إلـيه مـما كان من قبل ذلك علـيه من الكفر به، وإشراك الاَلهة والأوثان به فـي عبـادته، راجعا إلـى طاعته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإذَا مَسّ الإنْسانَ ضُرّ قال: الوجع والبلاء والشدّة دَعا رَبّهُ مُنِـيبـا إلَـيْهِ قال: مستغيثا به. و قوله: ثُمّ إذَا خَوّلَهُ نَعْمَةً مِنْهُ يقول تعالـى ذكره: ثم إذا منـحه ربه نعمة منه، يعني عافـية، فكشف عنه ضرّه، وأبدله بـالسقم صحة، وبـالشدة رخاء. والعرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مال أو غيره: قد خوّله ومنه قول أبـي النـجْم العِجْلِـيّ: أعْطَى فَلْـم يَبْخَـلْ ولَـمْ يُبَخّـلِكُومَ الذّرَا مِنْ خَوَلِ الـمُخَوّلِ وحدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى أنه قال: سمعت أبـا عمرو يقول فـي بـيت زُهَيْر: هُنالِكَ إنْ يُسْتَـخْوَلُوا الـمَالَ يُخْوِلواوإنْ يُسْأَلُوا يُعْطوا وَإنْ يَـيْسِرُوا يُغْلوا قال معمر: قال يونس: إنـما سمعناه: هُنالكَ إنْ يُسْتَـخْبَلُوا الـمَالَ يُخْبِلوا قال: وهي بـمعناها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ ثُمّ إذَا خَوّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ: إذا أصابته عافـية أو خير. و قوله: نَسِيَ ما كانَ يَدْعُو إلَـيْهِ مِنْ قَبْلُ يقول: ترك دعاءه الذي كان يدعو إلـى اللّه من قبل أن يكشف ما كان به من ضرّ وَجَعَلِ للّه أنْدَادا يعني : شركاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٦ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ نَسِيَ يقول: ترك، هذا فـي الكافر خاصة. ول(ما) التـي فـي قوله: نَسِيَ ما كانَ وجهان: أحدهما: أن يكون بـمعنى الذي، ويكون معنى الكلام حينئذٍ: ترك الذي كان يدعوه فـي حال الضرّ الذي كان به، يعني به اللّه تعالـى ذكره، فتكون (ما) موضوعة عند ذلك موضع (مَنْ) كما قـيـل: وَلا أنْتُـمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ يعني به اللّه ، وكما قـيـل: فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ. والثانـي: أن يكون بـمعنى الـمصدر علـى ما ذكرت. وإذا كانت بـمعنى الـمصدر، كان فـي الهاء التـي فـي قوله: إلَـيْهِ وجهان: أحدهما: أن يكون من ذكر ما. والاَخر: من ذكر الربّ. و قوله: وَجَعَلَ للّه أنْدَادا يقول: وجعل للّه أمثالاً وأشبـاها. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي جعلوها فـيه له أندادا، قال بعضهم: جعلوها له أندادا فـي طاعتهم إياه فـي معاصي اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٧ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَجَعَلَ للّه أنْدَادا قال: الأنداد من الرجال: يطيعونهم فـي معاصي اللّه . وقال آخرون: عنى بذلك أنه عبد الأوثان، فجعلها للّه أندادا فـي عبـادتهم إياها. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عَنَى به أنه أطاع الشيطان فـي عبـادة الأوثان، فجعل له الأوثان أندادا، لأن ذلك فـي سياق عتاب اللّه إياهم له علـى عبـادتها. و قوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِهِ يقول: لـيزيـل من أراد أن يوحد اللّه ويؤمن به عن توحيده، والإقرار به، والدخول فـي الإسلام. و قوله: قُلْ تَـمَتّعْ بكُفْرِكَ قَلِـيلاً يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لفـاعل ذلك: تـمتع بكفرك بـاللّه قلـيلاً إلـى أن تستوفَـي أجلك، فتأتـيك منـيتك إنّكَ مِنْ أصحَابِ النّارِ: أي إنك من أهل النار الـماكثـين فـيها. و قوله: تَـمَتّعْ بِكُفْرِكَ: وعيد من اللّه وتهدّدٌ. |
﴿ ٨ ﴾