٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ...}

يقول تعالى ذكره: الذين يحملون عرش اللّه من ملائكته، ومن حول عرشه، ممن يحفّ به من الملائكة يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ يقول: يصلون لربهم بحمده وشكره وَيُؤْمِنُونَ بِهِ يقول: ويقرّون باللّه أنه لا إله لهم سواه، ويشهدون بذلك، لا يستكبرون عن عبادنه وَيَسْتَغْفِرُونَ للّذِينَ آمَنُوا يقول: ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقرّوا بمثل إقرارهم من توحيد اللّه ، والبراءة من كلّ معبود سواه ذنوبهم، فيعفوها عنهم، كما:

٢٣٣٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَيَسْتَغْفِرُونَ للّذِينَ آمَنُوا لأهل لا إله إلا اللّه .

و قوله: رَبّنا وَسِعْتَ كُلّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما، وفي هذا الكلام محذوف، وهو يقولون ومعنى الكلام ويستغفرون للذين آمنوا يقولون: يا ربنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلما. و يعني ب قوله: وَسِعْتَ كُلّ شَيْءٍ رَحمَةً وَعِلْما: وسعت رحمتك وعلمك كلّ شيء من خلقك، فعلمت كلّ شيء، فلم يخف عليك شيء، ورحمت خلقك، ووسعتهم برحمتك.

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب الرحمة والعلم، فقال بعض نحويي البصرة: انتصاب ذلك كانتصاب لك مثله عبدا، لأنك قد جعلت وسعت كلّ شيء، وهو مفعول له، والفاعل التاء، وجاء بالرحمة والعلم تفسيرا، وقد شغلت عنهما الفعل كما شغلت المثل بالهاء، فلذلك نصبته تشبيها بالمفعول بعد الفاعل وقال غيره: هو من المنقول، وهو مفسر، وسعت رحمته وعلمه، ووسع هو كلّ شيء رحمة، كما تقول: طابت به نفسي، وطبت به نفسا، وقال: أمالك مثله عبدا، فإن المقادير لا تكون إلا معلومة مثل عندي رطل زيتا، والمثل غير معلوم، ولكن لفظه لفظ المعرفة والعبد نكرة، فلذلك نصب العبد، وله أن يرفع، واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:

ما في مَعَدّ والقَبائِلِ كُلّهاقَحْطانَ مِثْلُكَ وَاحِدٌ مَعْدودُ

وقال: رد (الواحد) على (مثل) لأنه نكرة، قال: ولو قلت: ما مثلك رجل، ومثلك رجل، ومثلك رجلاً، جاز، لأن مثل يكون نكرة، وإن كان لفظها معرفة.

و قوله: فاغْفِرِ للّذِينَ تابُوا وَاتّبَعُوا سَبِيلَكَ يقول: فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من عبادك، فرجع إلى توحيدك، واتبع أمرك ونهيك، كما:

٢٣٣٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فاغْفِرْ للّذِينَ تابُوا من الشرك.

و قوله: واتّبَعُوا سَبِيلَكَ يقول: وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه، ولزموا المنهاج الذي أمرتهم بلزومه، وذلك الدخول في الإسلام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٣٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة واتّبَعُوا سَبِيلَكَ: أي طاعتك.

و قوله: وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ يقول: واصرف عن الذين تابوا من الشرك، واتبعوا سبيلك عذاب النار يوم القيامة.

﴿ ٧