١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: فَاطِرُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ... يقول تعالى ذكره: فَاطِرُ السّمَواتِ وَالأَرْضِ، خالق السموات السبع والأرض. كما: ٢٣٦٤٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: فاطِرُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: خالق. و قوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً يقول تعالى ذكره: زوّجكم ربكم من أنفسكم أزواجاً. وإنما قال جلّ ثناؤه: مِنْ أنْفُسِكُمْ لأنه خلق حوّاء من ضلع آدم، فهو من الرجال. وَمِنَ الأنْعامِ أزْوَاجاً يقول جلّ ثناؤه: وجعل لكم من الأنعام أزواجاً من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ذكوراً وإناثاً، ومن كل جنس من ذلك يَذْرَؤُكُم فِيهِ: يقول: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ في هذا الموضع، فقال بعضهم: معنى ذلك: يخلقكم فيه. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٤١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: نسل بعد نسل من الناس والأنعام. ٢٣٦٤٢ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: يَذْرَؤُكُمْ قال: يخلقكم. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام. ٢٣٦٤٣ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، أنه قال في هذه الاَية: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: يخلقكم. وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٤٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعام أزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يقول: يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها. ٢٣٦٤٥ـحدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: يعيشكم فيه. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: عيش من اللّه يعيشكم فيه. وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد، وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه، أراد بقوله ذلك: يحييكم بعيشكم به كما يحيى من لم يخلق بتكوينه إياه، ونفخه الروح فيه حتى يعيش حياً. وقد بيّنت معنى ذرء اللّه الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته. و قوله: لَيْس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشيء، وأدخل المثل في الكلام توكيداً للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف، وهما بمعنى واحد، كما قيل: ما إنْ نَدِيتُ بشَيْءٍ أنْتَ تَكْرَهُهُ فأدخل على (ما) وهي حرف جحد (إن) وهي أيضاً حرف جحد، لاختلاف اللفظ بهما، وإن اتفق معناهما توكيداً للكلام، وكما قال أوس بن حَجَر: وَقَتْلَى كمِثْلِ جُذوعِ نّخيلْتَغَشّاهُمْ مُسْبِلٌ مُنْهَمِرْ ومعنى ذلك: كجذوع النخيل، وكما قال الاَخر: سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ إذَا أبْصَرْتَ فَضْلَهُمُما إنْ كمِثْلِهِمِ فِي النّاسِ مِنَ أحَدِ والاَخر: أن يكون معناه: ليس مثل شيء، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام، كقول الراجز: وَصَالِياتِ كَكَما يُؤْثَفَيْنِ فأدخل على الكاف كافاً توكيداً للتشبيه، وكما قال الاَخر: تَنْفِي الغَيادِيقُ عَلى الطّرِيقِقَلّصَ عَنْ كَبَيْضَةٍ فِي نِيقِ فأدخل الكاف مع (عن) ، وقد بيّنا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح، فلذلك تجوّزنا في البيان عنه في هذا الموضع. و قوله: وَهُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ يقول جل ثناؤه واصفاً نفسه بما هو به، وهو يعني نفسه: السميع لما تنطق به من خلقه قول، البصير لأعمالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولا يعزب عنه علم شيء منه، وهو محيط بجميعه، محصٍ صغيره وكبيره لِتُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ من خير أو شرّ. |
﴿ ١١ ﴾